الحديث القدسي و القراّن
الحديث القدسي و النبوي
--------------------------------------------------------------------------------
الحديث
القدسي حديث يرويه الرسول نفسه عن الله تبارك وتعالى، مرة بوساطة جبريل
عليه السلام، وتارة بالوحي والإلهام والمنام مفوضًا إليه التعبير بأيّ
عبارة شاء من أنواع الكلام. وإنما نسبت الأحاديث القدسية إلى القُدُس
لإضافة معناها إلى الله تعالى وحده.
فالأحاديث القدسية هي ما نقل
إلينا آحادًا عنه ص، مع إسناده لها عن ربّه، فهي من كلامه تعالى فتضاف إلى
النبي لأنه المخبر بها عن الله تعالى. فالحديث القدسي إذن: كل حديث أضافه
النبي إلى الله عزّ وجلّ بنحو قوله: قال الله عز وجل، ومنه قول الرسول : (
قال الله عزّ وجل كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به.
والصيام جنة. وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابّه أحد أو
قاتله فليقل إني امرؤ صائم. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند
الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي
ربه فرح بصومه ) رواه البخاري. أو أضافه بقوله: يقول الله تعالى؛ مثل:
(يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في
نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب
إليّ بشبر تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إليّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن
أتاني يمشي أتيته هرولة) رواه مسلم عن أبي هريرة. وقد يأتي الحديث القدسي
مندمجًا في حديث آخر، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن رسول
الله قال ( قالت الملائكة: رب! ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة (وهو أبصر به)
فقال: أرقبوه، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة؛
إنما تركها من جراي) .وقد يعبِّر النبي بغير قال أو يقول، مثل: أوحى الله
إلى موسى، أوحى الله إلى إبراهيم، كقوله صلى الله عليه وسلم : ( قال رجل:
لا يغفر الله لفلان، فأوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء: إنها خطيئة؛
فليستقبل العمل ). فالحديث القدسي يندمج في الحديث النبوي، لأن اللفظ فيه
صادر من النبي ، إلا أنّ النبي تارة يضيفه إلى الله عزّ وجل فيسمى حديثًا
قدسيًا، وتارة لا يضيفه إليه فيسمى حديثًا بإطلاق؛ لكن من الحديث النبوي ما
يقوم الدليل فيه على أنه وحي من الله كأحاديث التشريع والتفصيل لما أجمل
في القرآن فهذا أيضًا حديث قدسي ولو لم يضف صراحة إلى الله عز وجل.
ولهذا
يورد أئمة الحديث والرواة الحديث القدسي بين الأحاديث النبوية في الجوامع
والمسانيد، وغيرها من كتب السنة المطهرة. ولأمر ما، عُني بعض رجال الحديث
بجمع الأحاديث القدسية على حدة، وإبرازها في كتب مستقلة، في القرن السادس
الهجري، إذ جمع فيه محيي الدين بن العربي (ت 638هـ) مائة حديث قدسي، ثم
تبعه شيخ الإسلام علي القاري (ت1014هـ) حيث جمع أربعين حديثًا قدسيًا في
مخطوط، ثم تلاهما الإمام المحدِّث عبدالرؤوف المناوي (ت 1025هـ)، ثم الشيخ
عبدالغني النابلسي (ت 1143هـ)، ثم الشيخ المدني (ت 1200هـ) حيث جمع في
كتابه الاتحافات السنية في الأحاديث القدسية ثمانية وستين ومائة حديث قدسي.
الحديث القدسي والقرآن.
الكلام
المضاف إلى الله عز وجل، يتمثل في أقسام؛ أولها: وأشرفها القرآن لتميزه عن
البقية بإعجازه، وكونه معجزة باقية على مرّ الدهور محفوظة من التغيير
والتبديل، ويحرم مسه للمحدث، وتلاوته للجنب، وروايته بالمعنى، وبتعيّنه في
الصلاة دون الكلام الآخر، وبتسميته قرآنًا، وبأن كل حرف منه بعشر حسنات،
وبتسمية الجملة منه آية أو سورة. ثانيها: كتب الأنبياء عليهم الصلاة
والسلام التي أنزلت عليهم، وأوحيت إليهم، كالتوراة والإنجيل قبل تغييرها،
وتبديلها. ثالثها: الأحاديث القدسية، وهي ما نقل إلينا آحادًا عنه مع
إسناده لها عن ربّه فهي من كلامه تعالى، فتضاف إلى النبي لأنه المخبر بها
عن الله تعالى والمعبر بها عما أوحي إليه من الله في غير القرآن وهو ينسبها
إلى الله تعالى بخلاف القرآن فإنه لا يضاف إلا إلى الله تعالى.
يتمثل
الفرق بين القرآن والحديث القدسي في: 1- أن القرآن معجز، والحديث القدسي
لا يلزم أن يكون معجزًا، 2- أن القرآن متعبد بلفظه بخلاف الحديث القدسي،
فلا يتعبد بلفظه، 3- أن الصلاة لا تكون إلا بالقرآن بخلاف الحديث القدسي،
4- أن جاحد القرآن يكفر بخلاف جاحد الحديث القدسي، 5- أن القرآن لابد فيه
كون جبريل عليه السلام واسطة بين النبي وبين الله تعالى بخلاف الحديث
القدسي، 6- أن القرآن يجب أن يكون لفظه من الله تعالى إلى جانب معناه، وفي
الحديث القدسي فإن لفظه من النبي ، 7- أن القرآن لا يمس إلا بالطهارة
والحديث القدسي يجوز مسه من المحدث.
وصفوة القول أن التعبد بتلاوة
القرآن، والتحدي بالإتيان بسورة مثله يخرج الأحاديث القدسية إذا اعتبرنا
أنها منزلة بلفظها على النبي ، ولكن التحقيق أنها من كلام النبي، وأن
معناها موحى به إلى النبي فهي خارجة عن نطاق اللفظ المنزل على محمد ، وهي
غير متعبد بتلاوتها.
الحديث القدسي والنبوي.
الفارق بين الحديث القدسي والحديث النبوي، هو أن الحديث النبوي غير القدسي على ضربين بحسب محتواه المعنوي؛ غير توقيفي، وتوقيفي.
غير
التوقيفي. وهو الذي استنبطه النبي بفهمه في كتاب الله عزوجل أو أدركه
بفهم في أمر يراه النبي من تلقاء نفسه، كما ورد أن النبي سئل عن زكاة
الخيل، فقال: لم ينزل عليَّ في هذا غير هذه الآية الفاذّة الجامعة ﴿ فمن
يعمل مثقال ذرة خيرًا يره¦ ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره ﴾ الزلزلة: 7، 8
وهذا يبيّن أنه كان يتكلّم دون توقيف بالوحي، ولكن بالاستنباط، والفهم. وقد
كان عليه الصلاة و السلام يشير بالرأي فيقول له بعض الصحابة: أوحي أم رأي
يا رسول الله؟ فإذا علم أنه رأي أشار بخلافه، فيعمل النبي بمشورته عملاً
بقوله تعالى: ﴿ وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله ﴾ آل عمران: 159
وهذا القسم ليس من الوحي قطعًا، فلا يشترك مع الحديث القدسي من هذه
الناحية.
التوقيفي. وهو ما تلقى النبي مضمونه من الوحي بمعنى يقذفه
الله سبحانه في قلبه، فيعبر عنه بكلام من منطقه ص. لكن دون أن ينسبه إلى
الله عز وجل، وليس مقتضى ذلك أن ينسب القدسي إلى النبي ؛ لأنّ القدسي مقطوع
بنسبة معناه إلى الله عز وجل، أما النبوي فإنه يحتمل أن يكون غير توقيفي،
فلذلك وجب الوقوف في النسبة إلى الله عز وجل بما يصدر عن النبي من نسبته
إليه سبحانه على أنه ليست هناك نتيجة عملية في الاختلاف أكثر من بروز
الحديث القدسي في إخراج يقتضي مزيدًا من العناية بأمره، والاهتمام به. على
أن ما يصدر عن النبي بطريق النظر والاجتهاد فيه، فإنه يجب الأخذ به،
والعمل بمقتضاه ما لم يعلم أن الله سبحانه لم يقره على اجتهاده، كما في
موضوع أُسرى بدر، على أن العمل بالاجتهاد فيه قد سبق الوحي، وعفا الله عما
سلف تكريمًا لحبيبه مع التعليم في شأن غيره. وبناء على ذلك فإن القدسي من
الحديث هو الذي جزم فيه بأنه وحي، وأما غيره فلا يخلو من احتمال الاجتهاد.
وما
جزم بأنه وحي عدا القرآن فإذا كان منسوبًا إلى الله فهو الحديث القدسي كما
سلف وإذا لم ينسب إلى الله جاز أن نقول إنه حديث قدسي باعتباره وحيًا وجاز
أن نقول إنه حديث نبوي باعتباره منسوبًا إلى النبي وما كان من قوله ص أو
فعله اجتهادًا وأقر عليه من الله تعالى أي لم يعاتب بشأنه أخذ حكم الوحي،
أو كان وحيًا حكمًا وإلا فلا.