بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسباب ورود الحديث
إن إدراك أهمية المعرفة لأسباب الورود في فهم الحديث، بدأ بالصحابة رضوان الله عليهم، حيث كانت مدارستهم لما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ، تُصحب بذكر المواقف التي قيل فيها الحديث -كما جاء في كراء الأرض- والزمن الذي قيل فيه، كإشارتهم بقولهم: "يومئذ"، والحوار الذي يدور بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم.
- ربط العلماء بين أسباب ورود الحديث وأسباب نزول القرآن في أهمية المعرفة لتوجيه المعاني في النصوص.
ووجدت أن هذا الربط بينهما -كذلك- في اعتماد السببين على الرواية، وجريان قوانين الرواية في مصطلح الحديث على روايات السببين.
والرواية في السببين قد تكون من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم ، أو من أقوال الصحابة رضوان الله عليهم، وهي في مثل هذه الحالة، في حكم المرفوع، أو من أقوال التابعين، ويشترط في ذلك أن يكون التابعي معروفًا بالتحديث عن الصحابة وحدهم.
والتفريق بين السببين في استعمال صيغة: "فنزلت"، مع آيات القرآن الكريم، و "ورد" مع الحديث الشريف.
كما وجدنا أن التشابه بين السببين في أن آيات القرآن الكريم، منها ما يرتبط بأسباب نزول، ومنها ما نزل ابتداء، وكذلك الأحاديث منها ما يرتبط بأسباب ورود، ومنها ما قيل ابتداء.
- وإذا كان الجمع والتصنيف قد استوعب أسباب النزول، فإن الجمع والتصنيف في أسباب الورود، ما زال في حاجة إلى إضافات جديدة، لكثرة المصنفات في الحديث النبوي، وقلة ما صنف في أسباب الورود.
- بدأ التصنيف في أسباب ورود الحديث، بأبي حفصٍ العكبري (المتوفى 399هـ)، ولكن مصنفه في ذلك مفقود، وكذلك فقد مصنف أبي حامد عبد الجليل الجوباري.
- أول عمل يجمع بين التقنين والنماذج في أسباب الورود، هو النوع التاسع والستون في محاسن الاصطلاح للبلقيني (المتوفى 805 هـ).
- سار على منهجه، واختار بعض نماذجه، وأضاف إليها عددًا كبيرًا اقترب من المائة، الإمام السيوطي (المتوفى 911هـ) في مصنف بعنوان: "اللُّمع في أسباب الحديث".
- وعلى المنهج نفسه، توسع في النماذج والاختيارات ابن حمزة الحسيني الحنفي الدمشقي (المتوفى 1110هـ)، في كتابه: "البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف".
- بقي من الأحاديث التي تحتاج إلى تتبع، لربطها بأسبابها، الكثير، وهذا ما يدعوني إلى تقديم هذا المقترح، المقترن بالمنهج، والأساس الذي يسير عليه الجهد المعاصر في هذا السبيل، وهو التتبع الشامل لكتب الحديث، وكتب التاريخ، التي تسير على منهج المحدثين في ذكر الروايات بأسانيدها، وكذلك كتب التراجم.
- وهذا التتبع يسترشد بالنتائج، التي وقفنا عليها من دراسة طبيعة الأسباب، والتي وجدناها على النحو التالي:
- أسباب تذكر في الحديث نفسه (كوجود موقف فيه، أو ظروف وملابسات تذكر في الحديث، أو سؤال يوجه) وأكثر هذا النوع يكون سؤالاً، أو حوارًا، وقد يحتاج مجرد وجود سؤال أن يتتبع صاحب السؤال، لمعرفة ما يتعلق به من صفات وأحوال.
ولذلك استنتجنا أن ما ورد من أسباب، قد يكون في السبب ما يحتاج إلى سبب آخر، يأتي باستمرار التتبع والنظر.
واستنتجنا -كذلك- أن النظر في الأسباب، وربطها بأحاديثها، يتضمن الاجتهاد، وبذل أقصى الجهد الفعلي في إدراك العلاقات بين الأحاديث وأسبابها؛ فإذا كان الاعتماد في السبب على الرواية، فإن الاجتهاد يدخل في الربط بين الأسباب وأحاديثها. كما يدخل هذا الجهد في توثيق الروايات والاطمئنان إلى صحتها، قبل الجمع، أو الترجيح بينها.
وهذه الأسباب المتضمنة في الأحاديث، يكون تتبعها بالمنهج السابق، من الأعمال التي ينهض بها الباحث على انفراد، ولكن نظرًا لكثرة الروايات في المصنفات الحديثية، فإن النهوض بهذا الجهد، يحتاج إلى عمل فريق من المتخصصين، في الأقسام العلمية، والمراكز البحثية، لحصر كتب السنة، والتاريخ، والسير، والتراجم، وتوزيعها توزيعًا يتيح للفرد الواحد، قدرًا مناسبًا يتيح النظر، والتدبر، لتحديد الأسباب، ووجه العلاقة بين الحديث والسبب.
كما يضاف إلى هذا الجهد الفردي، جهد جماعي في عرض عمل الفرد على مجموعة من الباحثين، لتبادل وجهات النظر فيما وصل إليه كل باحث على حجه، وبذلك نجمع بين جهد الباحث والفرد، والاطمئنان عليه، برأي الجماعة.
- أسباب لا تذكر في الحديث نفسه، وإنما تذكر في روايات أخرى، أو في طرق أخرى للحديث، وهذا يقوم به -أيضًا- الباحث، الذي يوسع قراءاته في المصادر الحديثية المذكورة، ليتتبع هذه الأسباب المتناثرة، وبعد أن يجمع في ذلك قدرًا مناسبًا، يطمئن على صنيعه، بالعرض على الفريق المتخصص، للاطمئنان على سلامة هذا الربط والتصنيف.
- هذا ما يتعلق بخطة العمل لما يكون من الأسباب الجديدة في التصنيف.. وأما ما يتعلق بما صنف سابقًا، فإن العمل الذي يناسبه، أن توثق فيه روايات الأسباب، لتمييز الصحيح منها، من الحسن، من الضعيف، وخاصة في البيان والتعريف لابن حمزة الدمشقي.