تتعدد أشكال العنف والعدوانية داخل المدرسة المغربية و محيطها , بتعدد الأطراف المتفاعلة في مجالها :إدارة و مدرسين و تلاميذ , و بتعدد الأسباب و الدواعي , النفسية والاجتماعية و الثقافية , الفردية و الجماعية . فهذا العنف و العدوان سواء كتابة أو تلطيخ أو تكسير أو سرقة أو حرق أ و ما شابهه , هو إفراز و نتيجة للمجتمع صاغها من خلال قيمه الراسبة و الطافحة , انطلاقا من الأسرة ومرورا بالشارع وانتهاء بالمدرسة . و بالتالي يكون أي رد سلبي صادر من تلميذ اتجاه مدرسته , لا يمكن أن يعتبر معزولا وخاصا , و الدليل على ذلك هو استمرار الظاهرة بل و تفاقمها , لأنها تتجاوز الإفساد و الإضرار البسيط إلى عمليات تخريبية و تشويهية لمعالم المؤسسة و ممتلكاتها . و يكاد يتفق كثير من الباحثين للظاهرة كونها ترجمة عملية لمكبوتات و ردود أفعال انتقامية و ساخطة , تتحول إلى بحث غير واع عن بطولات وهمية , يتوج أصحابها رفاقيا لتتخذ معنى ما , قد لا يدركه الكثير من المتتبعين , الذين يغفلون عن كل التناقضات و الصعوبات النفسية التي يعيشها النشء , أو لا يستحضرونها , سواء في أفراحه أو أحزانه . إن كل المعاملة التي يعامل بها المتعلمون لا تتعدى اعتباره قاصرا, جاهلا , لا يجب مشاركته في اتخاذ القرارات , و لا توضع الثقة في مبادراته وسلوكاته , فهو محاصر بالمراقبة و الملاحظة و بتنفيذ الواجب , حتى و إن كانت لبعض تصرفاته مبررات خاصة . و هي علاقة عمودية تؤدي إلى انفلاتات , حتى في البيت , فما بالك بالشارع ثم المدرسة
إن المدرسة تمثل امتدادا للسلطة و القهر و الإذعان , تنزع عن التلميذ إنسانيته هذه الإنسانية التي هي الضعف و القوة , الصواب و الخطأ , المعرفة والجهل , الفرح و الغضب , الحب والكراهية , فيصير" النمط " الذي نتمثله .....الخ
ونتصوره أو نتوهمه أو نرغب فيه , كآباء و مربين , دون أن نحس ونعقل أننا نسحب عنه إنسانيته , وبذلك نربي ونوقظ فيه الحيوان , بينما الإنسان هو الثقافة و التربية اللتان يرتقيان ويسموان بالسلوك والقيم والكفايات . لا غرابة أن إنسانا مهانا فقد اعتباره و آدميته , لا يتعلم و لا يتعود على استخدام عقله , لأنه في البيت و الشارع و المدرسة يخاطب بخطاب الأحاسيس والانفعالات والأخلاق الماضوية الجافة , بشكل مضخم مبالغ فيه , سواء في حبه أو كرهه , و تشجيعه أو تأنيبه , و حمايته أو عقابه , إذ يغيب التفكير و التوضيح و النقاش و الإقناع , و هي عمليات و أنشطة عقلية تناقض سيطرة التفكير الأمي السطحي المسيطر على مسلكيات المجتمع بشكل عام . و عليه يمكن النظر إلى مشاكل العدوان على المدرسة المغربية بغياب عقلنة العلاقات , و مادامت العقلنة غائبة , بل ومحاربة في الخطاب السائد , و معاقة في المناهج التربوية , و غير أذاتية لدى المربين و المتدخلين في العملية التربوية و التثقيفية , فستستمر و تدوم مظاهر العنف و العدوان من طرف التلاميذ اتجاه مؤسساتهم التربوية , و التي تتغذى اجتماعيا و إعلاميا و ثقافيا , اتجاه النفس و الآخر و الممتلكات العامة.