الحوار هو نافذة فكرية وشعورية بين الفرد وبين الآخرين، والذي يستغني
عن الحوار يعيش منغلقاً على ذاته، لا يرى الأمور إلا من زاويته الشخصية،
فيكون أكثر تعرّضاً للخطأ، وإن زعم أو ظن أنه أقرب إلى الصواب من سواه؛
فالصواب ليس حكراً على أحد دون أحد، ولا زال أهل الحكمة يستشيرون مَنْ
سواهم في صغير الأمور وكبيرها؛ لأن الشورى - كالحوار - طلب التعرف على
الرأي الآخر. وأغلب الذين يرفضون الحوار يرفضونه بدافع الخوف منه؛ إما
لعجزهم عنه، وإما لضعف أدلتهم وقلة ثقتهم بما يؤمنون به من الأفكار، وإما
بدافع الجمود والتعصب، وإما خشيةً من تغيير موروثات عاشت معهم وعاشوا معها
واكتسبت عندهم القداسة والإجلال.
إن كثيراً من الناس يكوّنون
لأنفسهم عالماً خاصاً يظنون أنه العالم كله، وينضجون في عالمهم ذاك الكثير
من المعايير الخاصة المتولدة من بيئة نفسية وفكرية ذات نمط واحد، وهذا
الصنف من الناس يقع ضحية للتحيّز، والتعميم، والتسرع في الأحكام، وعدم
القدرة على رؤية متوازية، وتكون قدرتهم على التكيف - في العادة - محدودة،
مما يجعل حياتهم عبارة عن صراع مستمر مع ما حولهم !
إن المطلوب من
الحوار لا يُشترط أن يكون توحيد الرأي دائماً، وإنما المطلوب هو شرح وجهة
نظر الأطراف المختلفة، بعضها لبعض، أي: أن يُرى كلُّ طرفٍ الطرفَ الآخر ما
لا يراه. وإذا ما أدى الحوار إلى تضييق شقة الخلاف فإنه يكون قد أدى كثيراً
مما نطلب منه. ثم إن وحدة الرأي في كل صغيرة وكبيرة - لا سيما فيما هو محل
للاجتهاد - ليست ظاهرة صحية دائما، فالتنوع المؤطّر مطلوب كالوحدة.
أهمية الحوار:
إن
دراسة هذا الموضوع الحيوي لم تأتِ من فراغ، بل أتت من استشعار لأهميته
وللحاجة إليه من قبل الأفراد والجماعات، ليس فقط لطلاب العلم أو المفكرين
والمثقفين، بل لكل الناس بعد أن يترسَّموا آدابه وأسسه، ولتكون حواراتنا
ناجحة وبناءة، كما أنه يعد أداة مهمة من أدوات الداعية والمفكر الناجح،
والشخص الطموح، وهو بلا شك مصطلح قديم حديث.
وقد ثبّت القرآن الكريم
الخطوط العامة لمنهج الحوار مع المخالفين والمختلفين مع دعوته وعقيدته؛
إذّ بيّن أسس الحوار العقلي والأخلاقي في الخطاب الموجه للنبي صلى الله
عليه وسلم بقوله: (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي
هي أحسن).
والمجادلة بالحسنى هي: الحوار الهادئ. ونستكشف من هذه
المنهجية أن الهدف من الحوار هو: الوصول إلى الحقيقة واستشكاف الحق من
الباطل، وإيصال الطرف الآخر إليه، مع احترامه والحرص على مصلحته، وليس
الهدف هو التغلب عليه، أو دحره وتدميره، أو إظهاره بمظهر العاجز المهزوم.
إن كلمة "الحوار" تعني - ببساطة كما سبق - شخصين أو فريقين يتبادلان الحديث
للوصول إلى الحق، وهو شكل من أشكال الاتصال لا بديل له.
ونحن بحاجة
ماسة لمثل هذا الموضوع، لاكتساب مهارات الحوار الناجح وآدابه، لكي نجيد فن
الحوار مع العلماء، وكبار السن وغيرهم، ولكي يصبح الحوار لدى كثير منا
مقبولاً ونظيفاً وهادئاً وناجحاً ومحققاً للأهداف.
إن عدم المعرفة
بالحوار وآدابه أوقعت الكثير في بعض المشكلات والإخفاقات وتسبب في خسرانهم
الكثير من الأشياء، ومن الخسائر عدم حضور المناسبات واللقاءات العائلية،
وإيجاد الخلافات الأسرية وغيرها.
إن هذه المطالب لتدل على الرغبة
الأكيدة في التغيير الأمثل لحواراتنا، ولحل خلافاتنا الخاصة والعامة، وكذا
توصيل أفكارنا وعقيدتنا بأسلوب هادئ جميل ومحبب إلى القلوب وإلى جميع
الناس، وذلك من خلال تطبيق أساسيات الحوار الناجح وآدابه.
وإن
موضوعاً كهذا ينبغي أن يكون التحدث عنه مبنياً على منهجية علمية واضحة
ومستنداً إلى أدلة وبراهين وقواعد صحيحة، وعن دراية وبحث، وألا يكون الحديث
فيه مجرد طرح أفكار وآراء مجردة حول هذا الموضوع، أو مادة مستهلكة كغيره
من المواضيع الثقافية أو الإعلامية.
ويحسن بنا أن نعرض أهمية الحوار
من منظور علمي لكل مهتم بهذا الموضوع، الذي يعد الجزء المهم في فن
العلاقات العامة، والذي يحتاج إليه أغلب الناس، وتبرز أهميته فيما يلي:
1- أنه يُعَدُّ أحسن وسيلة من وسائل الدعوة وتبليغ الحق ونصرته ودفع الباطل.
2- أنه وسيلة من وسائل التناصح والتعاون على البر والتقوى، الذي هو طريق النضج وسبيل الكمال.
3- وسيلة مهمة للغاية في تصحيح الأخطاء وتدارك النقص، وتقويم المسيرة الشرعية والدعوية، التي لن تصحح إلا إذا اتسعت صدورنا للحوار.
4- أن فيه ترويضاً للنفس على قبول النقد والمراجعة، ومواجهة الحقيقة.
5- إقامة الحجة، ودفع الشبهة والفاسد من القول والرأي، والرد على الأباطيل.
6-
تقريب وجهات النظر، وتضييق هُوَّة الخلاف، وإيجاد حلول وسط ترضي الطرفين
المتحاورين في زمن كثر فيه التباغض والتناحر، بشرط ألاّ يكون فيه مخالفة
للشرع المحكم.
7- أنه مفيد في إيصال الفكرة البناءة للآخرين، والوصول إلى الحق.
8- ومفيد أيضاً في تدريب المحاور نفسه؛ إذ أنه يرتقي بطريقته في التفكير وفي الأداء.
9- أنه بالمقدار الذي يكون فيه الداعية أو المفكر متمكناً من فن الحوار يكون أقدر على النجاح.
10- أن الحوار الهادئ البعيد عن الخصومة والتعصب مهم جداً في علاج مشكلاتنا العائلية والاجتماعية والإدارية والاقتصادية ... الخ.