من الميلاد إلى السادسة
كانت
الدنيا تعيش في جاهلية جهلاء، يخيم عليها الكفر والظلم الفساد، (وإن الله
نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب)، وأراد
الله أن يتغير هذا الواقع، ففي سنة 571م ولد الهادي البشير -صلى الله عليه
وسلم-، في ربيع الأول الموافق لإبريل من هذا العام المسمى عام الفيل؛
لحادثة الفيل الشهيرة فيه، وتوفي أبوه وهو في بطن أمه، فكفله جده عبد
المطلب بعد ولادته، واسترضع في بني سعد بن بكر -وهي من القبائل المشتهرة
بالفصاحة في ذلك الوقت-، وفي السنة الرابعة من ولادته وقعت حادثة شق صدره
الأولى وغسل قلبه بماء زمزم واستخرج حظ الشيطان منه، وتوفيت أمه وهو في
السادسة، ثم توفي جده، فكفله عمه أبو طالب.
شباب النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل النبوة
وشهد
النبي -صلى الله عليه وسلم- حرب الفجار وهو في العشرين من عمره وحلف
الفضول، وكان -صلى الله عليه وسلم- في ذلك السن يرعى الغنم على قراريط ثم
عمل في التجارة، واشتهر فيها بالصدق والأمانة والربح، ثم تزوج السيدة
خديجة بنت خويلد وهو في الخامسة العشرين،
ثم فض النزاع بين أهل مكة في قصة بناء الكعبة وهو في الخامسة والثلاثين.
نزول الوحي وبدء الدعوة
ثم
إنه حبب إليه الاختلاء بنفسه يتعبد، فكان يختار شهراً في العام يذهب فيه
إلى غار حراء وهو شهر رمضان يتعبد حتى أكرمه الله بالوحي والرسالة؛
إنقاذاً للبشرية مما كانت تعج فيه من الكفر الشر الفساد، وذلك في الأربعين
من عمره، فظل ثلاثة أعوام يدعو إلى الله سراً ثم أمر بالجهر بالدعوة
والإعلان بدعوته، فأخذ يدعو إلى الله ويبصر الناس بدعوة الحق، ويجاهد في
سبيله، فكذبه الكفار، وآذوا من آمن به، فعذبوا البعض عذاباً شديداً،
وقتلوا بعضهم، وما صده ذلك عن دينه ودعوته، فحاول الكفار إغراءه بالمال
والمنصب الجاه والسلطان على أن يدع دعوته، فقال: (والله لو وضعوا الشمس في
يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو
أهلك دونه)، فاشتد الإيذاء من الكفار، واشتد الجهاد والصبر من رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، ثم أذن الله لأصحابه بالهجرة الأولى
إلى الحبشة في العام الرابع للنبوة، ثم الهجرة الثانية إلى الحبشة، ثم
أعلن المشركون المقاطعة العامة والحصار الكامل على النبي وبني هاشم حتى
أكل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحابه ورق الشجر من ظلم المقاطعة، ثم
أخزى الله المشركين وأكلت الأرضة الصحيفة التي كتبت فيها المقاطعة، ولم
يبق إلا اسم الله بعد ثلاثة أعوام من المقاطعة، وفي العام العاشر من
النبوة (عام الحزن) توفي عم النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم توفيت خديجة
-رضي الله عنها-، وتراكمت الأحزان، واشتد إيذاء الكفار له، ونالوا منه
-صلى الله عليه وسلم- ومن أصحابه