ضرورة الإهتمام بالسيرة النبوية
الشيخ أبو أويس الإدريسي
ما أحوجنا في زمن انحلت فيه الأخلاق والآداب، وكثرت فيه الشهوات والشبهات، واقتدى الناس فيه بمن حاد عن الصواب إلى القدوة الحسنة التي تحمل الناس على الخير وتبعثهم على الاستقامة.
ولا أعظم ولا خير ممن جعله الله تعالى قدوة لنا فقال سبحانه: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً".
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره للآية: "هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه عز وجل، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين؛ ولهذا قال تعالى للذين تقلقوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )
أي: هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله؟ ولهذا قال: ( لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)"انتهى .
فالآية تكلفنا بالاقتداء به صلى الله عليه وسلم والسير على طريقته وتعتبر سيرته - جملة - التطبيق العملي لذلك
ومن ثم كان السلف الصالح رضوان الله عليهم كما يتعلمون القرآن ويعلمونه، يتعلمون سيرة النبي العدنان عليه الصلاة والسلام ويعلمونها ففي"البداية والنهاية" للحافظ ابن كثير رحمه الله أن عليا بن الحسين رحمه الله كان يقول: "كنا نُعَلَّمُ مغازي النبي عليه الصلاة والسلام كما نعلم السورة من القرءان" 3/241.
فمن أراد التأسي فعليه الاقتداء بسيرة النبي عليه الصلاة والسلام في مختلف المجالات وفي شتى الميادين فقد كانت تصرفاته صلى الله عليه وسلم وهو الرسول الكريم باعتبارات متنوعة كما قرر العلماء: باعتباره وليا للأمة وإماما للمسلمين وباعتباره قاضيا، وباعتباره مفتيا، وباعتباره مرشدا وباعتباره ناصحا، وباعتباره عابدا لله شاكرا...وعليه كانت سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم من دلائل صدق نبوته ورسالته.
قال الإمام ابن حزم رحمه الله:" سيرة محمد صلى الله عليه وسلم لمن تدبرها تقتضي تصديقه ضرورة وتشهد له بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا فلو لم تكن له معجزة غير سيرته صلى الله عليه وسلم لكفى " الفصل في الملل والنحل 2/73.
فالنبي عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة لأئمة المسلمين، وأسوة حسنة للقضاة والمفتين، وأسوة حسنة للدعاة والمرشدين، وأسوة حسنة للرجل في بيته، وأسوة حسنة لعامة الناس أجمعين.
فهو عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة لكل الطبقات والفئات.
فما أحوج الناس -إذن- إلى الوقوف عند سيرته الزكية ودراستها على وفق منهج الصحابة رضي الله عنهم وقواعد أهل السنة والحديث وعلى غرار منهج الاستدلال والاستنباط الصحيح لا على طريقة أهل الأهواء من العلمانيين والمبتدعين، هذا مع العمل والسير على خطاها حيث لا ينبغي أن تقرأ السيرة النبوية قراءة قِصص وحكايات وإنما قراءة امتثال واعتبار وعظات.
فالمرء يجد في سيرة هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام السلوك المثالي الذي تتساقط عنده دعاوى المغرضين والزائفين ويجد فيها الصورة المشرقة الحية للإنسانية الحقة، ويجد فيها مفتاح السعادة الحقيقية.
قال موفق الدين الشافعي رحمه الله: "ينبغي أن تكون سيرتك سيرة الصدر الأول فاقرأ السيرة النبوية وتتبع أفعاله واقتف آثاره، وتشبه به ما أمكنك..." السير 22/322.
فإذا كانت -إذن- السيرة ضرورية للإنسان بشكل عام، فإنها أشد ضرورة للإنسان المسلم في وقت كثرت فيه الدعوات الأرضية واشتد فيه الظلام وظهر الباطل على الحق ظهورا آنيا، وسيطرت فيه المادية فغيرت كثيرا من القيم السامية.
نعم ما أشد ضرورة العبد المؤمن لدراسة السيرة النبوية في زمن حار فيه الكثير من الناس فانغمسوا في القيم الهابطة التي غزت العقول والقلوب والمجتمعات.
نعم ما أحوجنا إلى أن نجعل سيرة نبينا عليه الصلاة والسلام من المصادر الرئيسة للتأسي والإتباع، لأنها تجسيد حي لتعاليم الإسلام كما أراد الله أن تطبق في عالم الواقع.
قال تعالى: "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ".
إن حاجتنا إلى دراسة السيرة النبوية الشريفة أكثر من حاجتنا إلى المأكل والمشرب، خاصة عند انتشار الفساد بين المسلمين حتى أوشكوا أن يعتبروه من الأمور الجائزة، بل صار الأمر كذلك عند كثير من الناس.
كما ننبه في هذا الصدد على أن السيرة النبوية تدخل في جملة السنة لأن هذه الأخيرة كما هو معلوم : فعل وقول وتقرير، والسيرة النبوية تبرز -على سبيل الأغلب - أفعاله وأعماله عليه الصلاة والسلام ومن تم يجب التحقق والتتبث من مروياتها خاصة في ماله تعلق بأمر العقيدة والأحكام، ذلك أن أهل العلم عند كتابتهم في السيرة ساروا على منهج الجمع لكل ماله صلة بسيرته عليه الصلاة والسلام بغض النظر عن الصحة والضعف، وقد كشف عن هذا كله الإمام العراقي رحمه الله في ألفيته في السيرة حيث قال:
وليعلم الطالب أن السيرا**تجمع ما صح وما قد أنكرا.
والقصد ذكر ما أتى أهل السير** به وإن إسناده لم يعتبر.
فإن يكن قد صح غير ما ذكر** ذكرت ما قد صح منه واستطر
قال المناوي رحمه الله في شرحه لهذه الأبيات:"..أفاد أن السير يذكر فيها من الأخبار ما صح سنده وما أنكر ولا يعتبر أهله صحة الإسناد،فجرى في هذه الأرجوزة على طريقتهم لكن زاد أنه إن كان ورد من طريق صحيح أو متماسك غير ما ذكروه نبه عليه..".العجالة السنية على ألفية السيرة النبوية17.