||~ تعريف التلوث الداخلي (تلوث البيئة الداخلية - الأماكن المغلقة) ~||
مقدمة:
يقضي معظم الناس فترات زمنية طويلة في بيئات مغلقة، داخل البيت أو المكتب، أو أماكن العمل أو غير ذلك، وكثيراً ما يظن البعض أن كلمة أو تعبير البيئة، تعني البيئة الطبيعية (الخارجية) فقط، وما تضمه من مراعي وغابات وأنهار وبحار وغيرها. ولكن البيئة تعني وتضم بعداً آخراً، وهو البيئة المصطنعة التي شيدها وصنعها الإنسان عبر الزمن بما في ذلك المدن والأرياف، والأبنية والمساكن والمصانع، فكل مكان هو بيئة سواءً أكانت صغيرة أو كبيرة، طبيعية، أو مصطنعة، ولكل بيئة من هذه البيئات ظروفها وخصائصها،
وهي تخضع لنفس القواعد والشروط في إطار ما يسمى بالنظام البيئي (EcoSystem).
وفي الفترة الأخيرة تطور وتزايد اهتمام علم البيئة (Ecology)، بالبيئة البشرية، وبالأمكنة والأبنية التي يعيش ويعمل بها هؤلاء البشر، هذه الأمكنة التي أضحت تعاني من مخاطر جمة، والكثير منها أصبحت ملوثة ومريضة، تنقل التلوث والمرض لمن يعيش فيها. إن هذه الظاهرة تسمى ظاهرة المبنى المريض، وعندما يكون مبنىً ما مريضاً، تظهر على العاملين فيه عدداً من العوارض، منها التهابات في الجهاز التنفسي، وتهيج العينين، والأنف، والحنجرة، وفي الغالب شكاوى من عوارض تشبه عوارض الأنفلونزا أو حمى القش، كما يمكن أن يعاني من مشاكل أخرى أيضاً كالصداع، والغثيان، والتعب، والنظر المشوش، والحساسية الجلدية( ).
التلوث الداخلي، هو التلوث الذي تتعرض له الأماكن الداخلية المغلقة، ويعني وجود مواد كيميائية، أو فيزيائية، أو بيولوجية، داخل المكان المغلق أو شبه المغلق (بناء، منزل، مكتب، قاعة محاضرات، مسرح، صالة عرض أو بيع أو غير ذلك)، أو دخول هذه المواد إلى هذا المكان من مصادر مختلفة، وبطرق وأشكال مختلفة، بشكل مباشر أو غير مباشر، وتكون هذه المواد ضارة، وغير مرغوب بها، وتزيد عن الحد المسموح به عالمياً، وتؤدي إلى تغير نوعية الهواء الداخلي، وتغير بعض خصائصه ومواصفاته، مما ينعكس سلباً على صحة العاملين أو القاطنين فيه.
إن موضوع التلوث الداخلي، أصبح من المواضيع التي تلقى اهتماماً عالمياً متزايداً وعلى كافة المستويات، خاصة في البلدان المتطورة، لاسيما أن مشكلات نوعية الهواء الداخلي ترتبط بعدة أمور منها الظروف المناخية المحيطة، والمتطلبات الاقتصادية، وإمكانيات الأفراد والمؤسسات والدول المتطورة والنامية على حد سواء.
لقد نسي الكثيرون أو تناسوا مشكلات التلوث الداخلي وآثاره السلبية. ولم تترك ظاهرة التلوث الخارجي الشديد مجالا للناس كي يعيرون انتباها كافيا لنوعية الهواء الداخلي، وكانوا يهربون إلى بيوتهم لتجنب الهواء الخارجي الملوث والضار بالصحة، دون أن يفكروا أو يهتموا بوجود ملوثات في جوهم الداخلي، أي في بيوتهم ومكاتبهم وأماكن عملهم وغيرها، ولكن مع تزايد الاهتمام بمسألة التلوث الخارجي، ومكافحة هذا التلوث، خاصةً في البلدان المتطورة، بدأ الانتباه إلى مشاكل تلوث البيئة الداخلية، فهذه البيئة أصبحت ملوثة من مصادر مختلفة، حيث التدفئة المركزية، والتكييف الهوائي، والحد من تبادل الهواء بين الأماكن الداخلية والخارجية، وحتى إذا تم هذا التبادل فإن الهواء الخارجي غالبا ما يكون ملوثا.
إننا نعيش اليوم في عصر يتزايد فيه الاهتمام بتلوث الهواء الداخلي، وهذا الاهتمام يعود بالدرجة الأولى إلى الأخطار الناتجة عنه على الصحة البشرية، إلا أن رؤية الخطر لا تقارن في غالب الأحيان بما هو حقيقي وواقعي.
ففي الكثير من البلدان بخاصة النامية منها، غالبا ما تعتمد التدف
ئة المنزلية فيها، وكذلك الطبخ على حرق الفحم والخشب والوقود، الذي يؤدي إلى تلوث الهواء الداخلي والخارجي في آن معا، خاصة التلوث بغاز أول أكسيد الكربون، الذي يتحد مع هيموغلوبين الدم ويحل محل الأكسجين فيه، ويؤدي ذلك إلى إصابة الإنسان بأعراض مختلفة منها: الصداع والدوار والغثيان والقيء وخفقان القلب وضعف في العضلات وتشنجات وصعوبة في التنفس والشعور بالكسل وغير ذلك، وطبعاً هذا التأثير يختلف باختلاف عمر وجنس الإنسان وحالته الصحية.