العولمة
كثيرا ما أصبحنا نسمع عن العولمة ، كلمة يكتمها كثير من الغموض و الإبهام أول لعدم وضوح مفهومها بشكل عام و لعدم إكتمالها كعملية مستمرة مازالت تأخذ أبعادها و لم تستقر بعد. فالعولمة الإقتصادية باتت الآن أكثر إكتمالا و نضجا في حين بقيت العولمة الثقافية غامضة المعالم ضبابية الرؤيا. و ثانية لإختلاف مواقف الموافين من المفكرين منها. إذ تراوحت مواقفهم بين مؤيدة و لإنتقائية و حتى المعارضة كلية.
لم يتفق المهتمون على تعريف العولمة، فكل ينظر إليها من زاوية مختلفة في حين يراها الاقتصاديون أنها حرية الاقتصاد و حرية انتقال الأموال و السلع و الخدمات دون قيود ،يراها السياسيون أنها انتهاء الحدود بين الدول و يرون حكومةعالمية واحدة. و يتصورها رجال الفكر و الثقافة أنها سيادة ثقافية واحدة على جميع ثقافات الشعوب الأخرى مما قد يؤدي إلى ذوبان هوية هذه الشعوب،أماالإجتماعيون فيرون أن العولمة هي تقيم العالم إلى فئة أغنياء مترفين و فئة فقراء معدمين فتزيد بذلك نسبة البطالة و الفقر و مايترتب عنها من اتحرقات و المخاطر اجتماعية..
نشـــاة العـولمـة :
تعددت الآراء حول نشأتها فهناك من يعتقد أنها فكرة قديمة جدا حيث ظهرت في أشكال متعددة منذ بدايات التاريخ الانساني أو الحضارة الإنسانية، فاليونانيون حين نشرو أفكارهم ، أفكار سقراط و أفلاطون و أرسطو فإن هذه الأفكار عمت لدي عدد من السعوب ، إذ تأتر المسلمون بهذه الأفكار و ترجموها إلى اللغة العربية مستخدمين مصطلحات فلسفية إستخدمها اليونانيون و هذا مظهر من العولمة. و الرومان حين فتحوا بلدتا عددة و نقلوا حضارتهم و ثقافتهم إلى العالم فما جرش و تدمر و بعلبك سوىلآثار رومانية متناثرة في الأراضي العربية ، و عليه فالعولمة هي الإنتشار الثقافي أو الحضاري لشعب ما بين بقية الشعوب الأخرى.
و هناك من يري أن العولمة فكرة حديثة النشأة ترجع إلى القرن الخامس عشر و تطورت تدريجيا عبر مراحل حتى اتخذت الشكل الحالي.
ـ المرحلـة الأولــى :
بدأت في القرن الخامس عشر حيث نشأت العولمة نتيجة لنتشار أفكار الدين المسيحي و زيادة سلطة الكنيسوة.
ـ المرحلـة الثانيــة :
بدأت في منتصف القرن الثامن عشر مع بداية الحديث عن العلاقات الدولية و القانون الدولي:
ـ المرحلــة الثالثـة :
من بداية القرن التاسع عشر و حتى منتصف القرن العشرين حيث شهد العالم إختراعات و تقدما في المواصلات و الإتصالات.
ـ المرحلـة الرابعـة :
و قد امتدت من منتصف القرن العشرين حتى السبعينات من نفس القرن و شهدت هذه المرحلة ظهور منظمة الأمم المتحدة و التنافس بين الدول للوصول إلى القمر و التعديد بالحروب النووية .
ـ المرحلـة الخامسـة :
و هي التي تشهدها حاليا و تمثل فترة ما بعد الحرب الباردة و ولادة الشركات العابرة للقارات و الشركات متعددة الجنسيات و سيادة الأمم المتحدة.
و على عكس من ذلك يرى البعض أن العولمة فكرة حديثة جدا تعود إلى القرن التاسع عشر ، إمتدت العولمة الأولى من سنة 1800 إلى 1920 نتيجة استحدام القطار و اختراع الهاتف ، و تحول العالم خلال هذه المرحلة من عالم كبير جدا إلى متوسط الحجم .
أما العولمة الثانية فقد بدأت منذ سقوط جدار برلين في نهاية الثمانيات و تدعمت و قويت مع ثورة المعلومات و الإتصالات و خلالها تحول العالم من عالم متوسط الحجم إلى عالم صغير جدا.
محاسـن العولمــة :
في سنة 1997 أصبح عدد المنظمات غير الحكومية 5500 بينما كان عددها سنة 1956 ـ 973 منظمة.فقد حدثت تحولات و تطورات إيجابية في مجال حرية الاتصال ة الإنفتاح و حقوق الإنسان و الديمقراطية.
زيادة قوة الافراد و تقليص سلطة الدولة في الرقابة على مواطينها.
إن التقدم العلمي الذي صاحب العولمة يؤدي إلى مزيد من رفاهية الانسانية صار الكمبيوتر مثالا لما أنجز من تطورات علمية متسارعة أوجدت الثورة الهائلة في المعلومات و الإتصالات وزادت من كفأءة الإنسان على الانتاج بسرعة هائلة. حتى للعولمة الإقتصادية انعكسات إيجابية فحرية انتقال رؤوس الأموال و السلع يؤدي إلى ازدهار الحركة التجارية في العالم .
مخاطـر و مساوئ العولمـة :
ظهور نظام أحادي القطبية و غياب التوازن في العالم بعد تقرد الولايات المتحدةفي فرض سياستها و نفوذها.
تزايد القلق الناجم عن التقيم الهائل في مجال الهندسة الوراثية و الإستنساخ البشري و تطور الأسلحة بنوعيها الكميائي و البيولوجي.
تزايد المشكلات العالمية أو المشكلات عابرة الحدود مثل تجارة المخدراتالإرهاب التطرف و الأصولية ، العنف ، العصابات ، و المافيا ، مشكلات البيئة النفايات النووية…
زيادة ديون العالم الثالث و انخفاض معدلات النمو الإقتصادي إلى جانب إنخفاض المستوى المعيشي و ارتفاع نسبة البطالة. مما شجع الهجرة و ساهم في تغذية الحركات المتطرفة .
و خاتمة الكلام أن العولمة ليست مفتاحا للسعادة أو منقذا ينتشلنا من الفقر و الأمية و الواقع المر هي أيضا ليست غولا آتى لا يتلاعنا ، فلا هي خير خالص ، و لا هي شر خالص لكنها نظام عالمي ساري المفعول فيه من السلبيات مما فيه من الإيجابيات ، فعلينا أن نتحصن ضد كل ما هو خطر و مهدد في نظام العولمة و تتسلح ضده سواء في الإقتصاد أو في السياسة أو في الثقافة. و علينا أيضا أن نحسن استغلال الفرص أتي تقدمها العولمة فالحل ليس في رفضها أو الإنتقلات على الذات فلا نملك نحن دول العالم الثالث القوة الفاعلة أو حتى الوقت في التردد و الإختيار.