| المواطنة و العولمة..... | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
abdelhalim berri المدير العام
الإسم الحقيقي : Abdelhalim BERRI البلد : Royaume du Maroc
عدد المساهمات : 17537 التنقيط : 96662 العمر : 64 تاريخ التسجيل : 11/08/2010 الجنس :
| موضوع: المواطنة و العولمة..... الأربعاء 14 ديسمبر 2011, 22:59 | |
| أثر العولمة على المواطنة
ساهمت العولمة بتجلياتها المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في إعادة تعريف مفهوم المواطنة والانتماء ،فحركات الهجرة الواسعة وانقسام الدول، وتقتت المجتمعات وانفصال الأقليات،والمطالبة المتزايدة بالاعتراف بالحقوق الثقافية والهوية القومية كلها أدت إلى اهتزاز التقليدي لمفهوم المواطنة والانتماء وبروز الحاجة الى تعريف جديد لمفهوم المواطنة القديم , والواقع إن ظاهرة العولمة لم تستهدف المواطنة في حد ذاته من خلال استهداف مبادئها الكبرى ( ولاسيما جانب الحقوق فيها):بل أساسا عبر استهداف المؤسسات والقيم التي انبنت عليها المواطنة إياها لسنين طويلة .
وبالتالي ،فكلما كانت مبادئ المواطنة العالمية هي في الشكل كما هي في الجوهر ،امتدادا لأشكال المواطنة المحلية ، فان ما طال هذه الأخيرة ما فتئ بحكم منطق الأشياء ،يطال الأولى ، يؤثر فيها ويطبع تجلياتها وعلى الرغم مما قد يبدو إسهاما للعولمة في تكريس المواطنة العالمية كونه تدفع بالمزيد من الحرية في الفعل والتنقل والتعبير،وكونها تنحو بجهة تسييد الانفتاح والدمقرطة وما إلى ذلك ,على الرغم من هذا، فان عوامل التضاد والممانعة بين العولمة والمواطنة العالمية هي أقرب إلى التكريس منها إلى عوامل الالتقاء والتكامل . وفي ظل العولمة وتراجع مقولة الدولة _ الأمة وتمزق سيادتها ، زادت الأهمية النفسية لقومية الجماعة وأصبحت محاولة الوصول إلى التوازن بينهما يترتب على التطورات الدولية الجديدة والحاجة إلى تجمع قومي حميم وخاص مصدرا للنزاعات والتوترات . فالعولمة شجعت على مزيد من التنظير حول الثقافة المحلية والتقسيمات السياسية والثقافية والاقتصادية ،كما أدت إلى انهيار نظام التكتل والتجزئة العنصرية التي أعقبت لامركزية السلطة ،وهو ما أدى إلى ضعف الدول بسبب فقدانها الدعم المادي والسياسي الذي كانت تتلقاه من الدول العظمى ، وهد بدوره يعني فرصا سياسية أكبر للتحديات الداخلية في مواجهة القادة السياسيين العرقيين الذين ينادون بحكم ذاتي أو مقاسمة السلطة مع الدولة .
بالإضافة إلى الخطاب السياسي ظل يركز على ديمومة الهويات العرقية خلف واجهة مركزية الدولة القومية, ومع العولمة بقيت الهوية الثقافية والعرقية هي الأكثر أهمية من الانتساب الى الدولة القائمة فأصبحت الأقليات تعود هويتها القومية من خلال الفضائيات والأنترنيت ووسائل الإعلام المتنوعة،التي عززت الهوية ورسختها ، وعززت التفاعل بين الشعوب الأصلية بعضها مع بعض ،مما جعلها تملك الرغبة في الاحتفاظ بالقيم التقليدية في مواجهة عملية التجانس والتماثل في أسلوب الحياة العالمي الذي تفرضه وسائل العولمة الاتصالية ، فالصورة الذهنية عند مختلف الشعوب قامت وتقوم بسبب اللاتواصل الذي جعل الآخر ليس مكروها فقط ،بل غريبا أيضا،فالصورة الذهنية عن الفئات العرقية تمارس ضغوطا نفسية واجتماعية على أفراد الجماعات العرقية ، وهي تنعكس على واقع العلاقات والتفاعل الاجتماعي, وكما يبين هانتنغتون فان التعرض إلى أنماط جديدة من العلاقات يحتاج إلى مصادر جديدة للهوية، ومجموعة جديدة من التعاليم والمبادئ التي تجعل للحياة معنى وتتمثل تلك المصادر الجديدة في الهوية(الدين واللغة والثقافة )التي تفي بهذه الحاجات .
وهناك أربعة معطيات جوهرية تجعل من علاقة العولمة والمواطنة العالمية علاقة تضـاد وممانعة أكثر منها علاقة التقاء وتكامـل:
الأول: يتمثل في التوجه المستمر والمتسارع للعولمة في تدمير المقومــات الكبرى التـي ارتكزت عليها الدولة_ الأمة في تشكلها وفي صياغة آليات اشتغالها.
الثاني: الاتجاه المسارع والحثيث لظاهرة العولمة ، باتجاه تقويض المرافق الكبرى لتي يعتبر وجودها واستمرارها من وجود واستمرار مبادئ المواطنة نفسها
الثالث: يرتبط بالقيم الديمقراطية التي لم تفنأ العولمة تقدمها لبناء المواطنة العالمية التي لم تتراءى لفاعليها من مواطنة سواها, فقد ساهمت العولمة الديمقراطية والتحول الديمقراطي فـي السلطة، كما يعتقد الليبراليون ،إلى ظهور شكل جديد من عولمة دولة القانون ، التي تقضي بأن الاحتياجات الإنسانية يجب أن تتخطى السيادة السياسية الوطنية لمبدأ حقوق الإنسان العالمي مع ولادة منطق الفصل بين السلطات على المستوى الدولي ووضع نواة سلطة قضائية عالمية تمثلها محكمة الجزاء الدولية.
الرابع : يرتبط بخاصية الاختلاف ،في المرجعية كما في الممارسة التي تدفع بها المواطنة، فالعولمة توحد في النظرة ووحدة في التمثل(للاقتصاد، كما للمجتمع ،كما لثقافة) في حيــن إن المواطنة هي تعدد واختلا ف في النظرة كما في التمثــل.
| |
|
| |
abdelhalim berri المدير العام
الإسم الحقيقي : Abdelhalim BERRI البلد : Royaume du Maroc
عدد المساهمات : 17537 التنقيط : 96662 العمر : 64 تاريخ التسجيل : 11/08/2010 الجنس :
| موضوع: رد: المواطنة و العولمة..... الأربعاء 14 ديسمبر 2011, 23:02 | |
| المُواطنة في زمن العولمة - د.امحمد مالكي استَعرتُ عنوانَ هذا العمود من مؤلف « السيد يسين»، الصادر عام 2002 عن « المركز القبطي للدراسات الاجتماعية في القاهرة».. ليس مقصدنا الإشارة إلى الكتاب والإشكاليات الفكرية التي تمت مُقاربتها، بل الغرض الوقوف عند القضايا النظرية التي دخلت مجالَنا المعرفي في سياق التداول المكثّف لمفهوم « العولمة» والإتساع الجغرافي والحضاري للظاهرة نفسِها. فالحاصل أن لكل من «العولمة» و«المواطنة» مرجعيتها الخاصة. فالعولمة بما هي « سيرورة اقتصادية واجتماعية وسياسية جديدة في تطور المنظومة الرأسمالية»، تروم « الجمع بين المحلي والعالمي والفردي والإنساني» في اتجاه انبثاق « المجتمع الواحد»، ولربما « الحكومة الواحدة» تُحيلُ على مرجعية قيمية وسياسية مختلفة عن مرجعية «المواطنة»، حيث يكون الولاء للدولة، باعتبارها وحدةً بشريةً مستقرةً فوق إقليم ترابي محدد، تلحم عناصرَه مقوماتُ التاريخ والثقافة والدين والعيش المشترك. فمن الجدير بالملاحظة أن المتغيرات العميقة التي طالت بنية النظام الدولي، ورسَّمت القسمات الكبرى للعولمة، ورسَّختها كظاهرة مُمَيَّزة نهايةَ القرن العشرين ومستهل الألفية الجديدة، قد فعلت فعلَها في استيلاد وعي جديد قوامُه أن الإنسان لم يعد شخصاً طبيعياً بخصائص محلية ، بل كائناً بشرياً بسمات وأبعاد عالمية، حجَّة أنصار هذا الرأي في ذلك الثورة المعلوماتية الجارفة التي ألغت الحدود وقرَّبت المسافات، وفتحت أبوابَ التواصل بفضل الشبكات العنكبوتية، وتكنولوجيات الاتصال جد المتطورة.. بل إن وفرةً من الأدبيات لا حصرَ لها شرعت في تداول وتوظيف مفهوم «المواطنة العالمية» أو « المواطن العالمي» .. فهل نحن فعلاً أمام انتقال حقيقي من « المواطنة المحلية» إلى «المواطنة العالمية»؟، وهل ثمة ما يؤكد صدقية ميلاد ما قد يُسمى « الإنسان العالمي»؟.
لعل من الأهمية بمكان التشديد على أن « العولمة»، وإن حملت عناصر كثيرة دالَّة على حصول تغيُّر نوعي في بنية النظام الدولي، قد انطوت، بالمقابل، على مفارقات من شأنها الإقناع باستحالة تحقق مفهوم « المواطنة العالمية» على صعيد الواقع. إذ علاوة على المقاومات التي عمّت العديد من المجتمعات وخلقت لدى حركاتها قدراً متصاعداً من الممانعة لظاهرة العولمة وتأثيراتها الخطيرة، شهد العالم في سياق هذه الأخيرة قرابة خمسين حرباً في مجمل مناطق المعمور، ظل العنوان الأبرز فيها الدفاع عن الهويات المحلية بألوانها الدينية والتاريخية والُإثنية والثقافية.. بل إن انقساماً عمودياً وأفقياً طال منظومات ودولاً كثيرةَ، ومازلنا نشهد بانتظام سعياً حثيثاً إلى تأجيج النزعات المطالِبة بالانفصال تحت ذريعة استرجاع الهويات المفقودة. وفي الطرف الآخر من هذه المفارقات سمحت تكنولوجيات الاتصال الحديثة بإمكانيات هائلة للتشبيك Networking والتفاعل الرقمي وولوج فضاءات ظلت مُغلقة على الدوام، بل إن تكتلات بشرية من جنسيات وحضارات محتلفة خلقَت لنفسِها فرصاً فعليةً من التواصل والعمل المشترك، وهو أمر لا يقتصر على حركات الممانَعة المناهِضة للعولمة وقيمها فحسب، بل يخُصُّ كذلك مؤسسات الاقتصاد والمال والتجارة، وكل ما يدخل في خانة الخدمات الإلكترونية الجديدة.
نستبعدُ في الزمن المنظور إمكانيةَ استبدالِ «المواطنة» المؤسَّسة على فكرة الدولة الوطنية أو الدولة الأمة بـ«المواطنة العالمية»، أو حلولِ الثانية مكان الأولى، بسبب أن الدولة هي الكيان الأقدر دون سواه على صهر الناس ولحم نسيجهم المجتمعي، وجعل الولاء المؤسَّسِ على الحقوق والواجبات ممكناً وقابلاً للتجسيد، في حين ستظل « المواطنة العالمية» مفهوماً ملتبساً، غامضاً، وعصيّاً على الإدراك، لاعتبارات ذات صلة مباشِرَة بطبيعة النظام الدولي نفسِه، وبجدلية الصراع والتدافع الناظِمة لمكوناته وأطرافه. ونميل إلى الظن، من زاوية ثانية، أن مفهوم « المواطنة العالمية» سيظل براقاً وجذاباً، طالما استمر سلطان الدولة الوطنية في التآكل والضمور، وحيثما بقيت أركان الدولة مهتزةً ومتراجعةً أمام اللاَّعبين الدوليين الجدد، الذين تزايدت قدراتهُم واستقام نفوذهم في مواجهة هيبة الدولة الوطنية ووصايتها. والحال أن سيلاً من الأدبيات ماانفك يشدد أنصارُهُ على أيلولة الدولة الوطنية إلى التراجع التدريجي، ولربما انقراضها في النهاية، لتفتح المجال أمام الاتحاد العالمي. ففي مؤلفه «انقلاب العولمة»، يرجع الباحث الفرنسي «برتراند بادي» انكماش الدور المركزي للدولة القومية إلى ثلاثة مصادر، هي على التوالي: عدم الاتساق المعرفي ما بين السلوك السياسي للدولة والبيئة الدولية والداخلية والمعلومات التي تتلقاها، ثم نزعة التمركز الاقتصادي المُستنِدة إلى سيطرة الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات الدولية والتكتلات الاقتصادية، وهو ما أفقد الدولة إحدى وظائفها المفصلية المؤسِّسة لشرعيتها، أي تحقيق الرفاه للمواطنين أفراداً وجماعات، إضافة إلى نزعة التشتت الاجتماعي التي أفقدت الدولة قدرتها على ضمان استمرار تماسكها الاجتماعي الداخلي.
ومع تقديرنا لوجاهة الاعتبارات المومأ إليها أعلاه، نعتفد أن دور الدولة الوطنية مازال موجوداً ومطلوباً لاستكمال الوظائف المؤسِّسة لشرعيتها وحماية ديمومتها فاعِلة في الحياة اليومية للأفراد والجماعات، ليس في الأمصار التي صعُب عليها توطيد الاندماج الوطني وتمتين الولاء لكيان الدولة القومية فحسب، بل حتى في البلدان التي توطنت فكرة الدولة في كيانها المجتمعي، وغدت قيمة مشتركة في ثقافتها السياسية.. لذلك، ستظل «المواطنة» باعتبارها حالة متقدمة من الوعي السياسي الجمعي، وعنواناً بارزاً لانتقال الأفراد من الولاءات الأولية والبدائية القبائل والعشائر والطوائف إلى نمط جديد أكثر نضجاً وعمقاً واتساعاً من حيث الحقوق والواجبات حاضرةً ومتجددةً، غير أنها، بحسبها لازمةً للدولة القومية، تحتاج إلى قدر كبير من الديمقراطية كي تُنتج مفعولها على الأفراد والجماعات. فالعولمة ليست، كما يتم الترويج إلى ذلك، نفياً للمواطنة المحلية، أو تعويضاً واستبدالاً لها، إنها سيرورة فعلية وواقعية في تطور المنظومة الرأسمالية ليس إلا. ومن هذه الزاوية بالذات، نعتقد أن من الممكن جداًّ للعولمة أن تلعب دوراً محفِّزاً ومساعداً على انبثاث قيمة الديمقراطية في المجتمعات التي عزَّ على دولها الانعطاف الفعلي نحو الديمقراطية، بفعل الإمكانيات والفرص الكبيرة التي تتيحها في مجال التواصل والاتصال والتفاعل الأفقي والعمودي بين الشعوب والأفراد. | |
|
| |
abdelhalim berri المدير العام
الإسم الحقيقي : Abdelhalim BERRI البلد : Royaume du Maroc
عدد المساهمات : 17537 التنقيط : 96662 العمر : 64 تاريخ التسجيل : 11/08/2010 الجنس :
| موضوع: رد: المواطنة و العولمة..... الأربعاء 14 ديسمبر 2011, 23:08 | |
| المواطنة والعولمة .. السؤال الصعب في زمن العولمة
الكاتب : قايد ذياب
الناشر: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان تنبع أهمية كتاب"المواطنة والعولمة – تساؤلات الزمن الصعب " الصادر أخيرا عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، من أن ثمة اعتبارات عديدة ومستجدات متنوعة ومتباينة تدفع حالياً بمفهوم المواطنة ليكون في القلب من النقاشات والسجالات الفكرية والسياسية سواء على الصعيد العالمي أو على الصعيد المحلي بصفة خاصة. ولعل من أهم هذه المستجدات ظاهرة "العولمة،" والتي باتت تفرض تساؤلات متعددة واشكاليات متجددة تتعلق عادة بمدى إمكانية الحفاظ على الهوية الوطنية. يقول قايد دياب في مقدمة كتابه "المواطنة والعولمة – تساؤلات الزمن الصعب" الصادر أخيرا عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان:"ان الحاجة تبدو ماسة لمراجعة المفهوم بصورته التقليدية على مستوى الفكر الغربي والذي يعرف المواطنة بأنها "صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات في إطار الدولة القومية التي ينتمي إليها"، حيث لم يعد مثل هذا المفهوم يستجيب حاليا للتحولات التي تمر بها المجتمعات الأوروبية وعلى رأسها: بروز ظاهرة التعددية الثقافية نتيجة لتزايد الهجرة العالمية، فضلا عن تعرض دعائم الدولة القومية للاهتزاز بسبب تنامي حدة النزاعات العرقية، وكذلك ظهور التكتلات السياسية الإقليمية الكبيرة كالاتحاد الأوروبي، والتي أتاحت فرصا للانتماء إلى كيانات وجماعات سياسية أكبر. ومن ثم، طرح أسئلة عن مصير المواطنة القطرية في ظل هذه الكيانات الجديدة، إلى جانب النمو المتسارع للمجتمع المدني العالمي بتجلياته المختلفة والذي أخذ يعيد إلى الأذهان فكرة المواطنة العالمية من جديد، وأخيراً وليس آخراً التطرف في ممارسة الفردية إلى حد تهديد نسق القيم الذي يحكم العقد الاجتماعي برمته. وعلى الصعيد المصري- كما يوضح الكتاب - يشهد مفهوم المواطنة بكل دلالاته السياسية والثقافية صعوداً ملحوظاً سواء على المستوى الرسمي أو على مستوى خطاب النخب الفكرية والسياسية في المجتمع، كما يعرف المفهوم نقلة نوعية في كتابات عدد من المفكرين الإسلاميين بصفة خاصة لتحريره من سجن النصوص الفقهية بمشروطاتها التاريخية وآفاقها التقليدية، والمضي به قدماً نحو سماوات أكثر رحابة واتساعا، لا تتوقف فقط عند النظر بإيجابية كاملة لحقوق غير المسلمين، وإنما باتت تستجيب أيضا للحاجات العصرية للمواطنين المصريين ككل أقباطا ومسلمين. جملة هذه الاعتبارات جعلت من مبدأ المواطنة – راهناً – الموضوع الأكثر جدارة للبحث والتحليل، لذا استهدف الكتاب إثارة عدد من القضايا والإشكاليات الخاصة بالمواطنة على المستويين الغربي والمصري. وبما أن الدراسة تتوجه في مقصدها المركزي إلى الواقع السياسي المصري وموقع المواطنة فيه، فإنها تستكشف هذا المفهوم عند التيارات الفكرية الرئيسة ممثلة في كل من: التيار الليبرالي، والديني، والاشتراكي "الماركسي"، والقومي "الناصري"، محاولةً التقرب من تصورات كل تيار لمبدأ المواطنة على حدة والكشف عن تمايز هذه التيارات في النظر إليه من جهة ثانية. كما حاولت الدراسة معرفة ما إذا كان بإمكان التيار الإسلامي، على وجه الخصوص، إدخال تحسينات جوهرية على هذا المفهوم يتجاوز به الآفاق السلبية الموروثة تاريخياً. وإلى جانب ذلك، ثمة تساؤلات عديدة تنصب في الغالب حول معوقات الممارسة السياسية للمواطنة على أرض الواقع نتيجة الفصل الحاد بين النص والكائن الفعلي والمسافة الكبيرة بين النظرية والتطبيق، ومن ثم معرفة ما إذا كان ذلك نتيجة حتمية لتسلط الدولة المعاصرة، أم أنه بمثابة امتداد لطبيعة البنية الاجتماعية والثقافية والسياسية للمجتمع وإلى الأسلوب الذي تتم به تنشئة المواطنين سياسيا وتعليميا وإعلاميا، أم أنه بسبب عدم حسم مسألة الهوية المصرية وبقائها تتراوح جيئة وذهابا ما بين القطرية والإسلامية والعربية حسب توجهات وتقلبات الأنظمة السياسية المتعاقبة، إلى غير ذلك من الأسئلة المهمة والتي تفرض مراجعة المفهوم في سياقاته العامة. عني الكتاب باستقصاء ظاهرة العولمة من ناحية نشأتها وتفسيرها وتجلياتها بصفة خاصة. وهو أمر لا يخلو من مغزى إذ تقوم العولمة حالياً بإعادة صياغة مفردات العالم المعاصر، وإن على نحو تجتمع فيه المتناقضات، كما أنها تؤثر بالفعل على مفهوم المواطنة ومدى قدرة الدولة القومية على الوفاء بمسؤولياتها الاجتماعية تجاه مواطنيها في ظل ظهور الشركات العابرة للقارات ومتعددة الجنسيات وبروز المجتمع المدني الآخذ بمبادئ الليبرالية الجديدة. ومن ثم يبدو التساؤل مشروعا حول وضع الدولة المصرية في ظل العولمة، وما إذا كانت تمتلك بالفعل استراتيجية واضحة للتعامل معها، وموقف الفكر المصري المعاصر من العولمة، ومدى تأثيرها على قضايا المجتمع المدني المصري والهوية والتعليم والانتماء. العولمة، كما يثبت الواقع، إنما تظهر في كل مجتمع بالكيفية التي تتيحها تشكيلة المجتمع ذاته؛ أي من حيث طبيعة ميراثه وتقاليده وميوله ونزعاته وخصائصه الثقافية والتوترات الكامنة في تكوينه الاجتماعي، وما إلى ذلك، كما أنها تتفاعل مع سياسات الدولة في هذا المجتمع مثلما تطبقها النخبة الحاكمة وبيروقراطية الحكومة في مرحلة ما. والمجتمع المصري مجتمع مركب، كما يعتقد المؤلف، وعلى درجة عالية من التعقيد في تكوينه الحضاري، الأمر الذي لا يجعل منه مجتمعا قابلاً للتغير بسهولة وفق معطيات العولمة، ومع ذلك يعد من أكثر المجتمعات في العالم الثالث اشتباكاً مع العالم الخارجي، ومن ثم فهو "يتعولم" بهذا القدر أو ذاك وفقا لسياسات الدولة وخصائص التنظيم الاجتماعي وحالة الثقافة القومية. من جهة أخرى يمكن تقصي آثار العولمة القائمة والمحتملة على المواطنة المصرية من خلال المحاور التالية: * الفكر المصري المعاصر بتياراته الأساسية: اليساري، الإسلامي، الليبرالي. * الدولة المصرية، وتشمل: الجوانب السياسية – المجالات الاقتصادية والاجتماعية – الخطاب السياسي. * منظومة المجتمع المدني بكل تفصيلاته وتداخلاته. * الحماية الدولية للمسألة الدينية والانتماء الوطني والهوية الثقافية. على مستوى الفكر المصري المعاصر، تطرح العولمة إشكاليات متجددة على قدر عالٍ من الكثافة والتعقيد مثل: هل العولمة مرحلة أخرى من مراحل التطور التاريخي الحضاري والرأسمالي؟ أم أن لها سوابق تاريخية؟ وهل هي مجرد طارئ عابر ؟ أم أنها مرشحة للاستمرار والبقاء؟ وهل اكتملت جميع أبعادها أم لا تزال قيد التشكل؟ وفي أي اتجاه يمكن رصدها؟ وما آثارها على البنى الاقتصادية والثقافية والسياسية القائمة ؟ وما الموقف الصحيح تجاهها؟ إلى غير ذلك من التساؤلات التي توحي بحيرة ما وعدم الانتهاء لموقف نهائي إن بالسلب أو بالإيجاب. وبالتالي تتفاوت مواقف التيارات المصرية من العولمة وأثرها على المواطنة ومع ذلك، يمكن بوجه عام أن نميز بين ثلاثة توجهات رئيسة في هذا السياق: 1- الموقف المتحفظ من العولمة المعادي لها في الغالب لأسباب ايديولوجية أو عقائدية: وتندرج تحته كتابات كثيرة سواء ذات منحى إسلامي أو يساري، بغض النظر عن المنطلقات الفكرية لكلا التيارين. ففي الوقت الذي تدين فيه الكتابات ذات المنحى الإسلامي العولمة لما تحمله من مخاطر على القيم الروحية والأخلاقية والهوية الثقافية، ترفض التيارات اليسارية ظاهرة العولمة لما تحمله من مخاطر سياسية واقتصادية واجتماعية. 2- الموقف الإيجابي إلى حد التطرف، وهو موقف القوى الليبرالية عموماً: وعادة ما يعظم من الإيجابيات أكثر مما يتوقف عند السلبيات، مؤكدا في الوقت ذاته أن ذلك يبقى مرهونا بقدرة النسق الاقتصادي/السياسي المصري على التكيف بنجاح مع الجوانب الأساسية للعولمة سواء بما تتيحه من فرص أو بما تتضمنه من مخاطر.
3- الموقف الموضوعي من العولمة، ويرى أصحابه العولمة كواقعة موضوعية ليس علينا قبولها أو رفضها على نحو مطلق، وهو موقف العديد من المفكرين المستقلين. ظل الموقف الإسلامي التقليدي إلى وقت قريب يرفض المصطلحات الغربية كالمواطنة، أو على الأقل يفضل البحث عن نظير لها في التراث والتدليل على سبق الإسلام في اكتشاف هذا المفهوم أو ذاك سواء في الشكل أو المضمون، فأين يقف الخطاب الإسلامي بجميع تياراته من مبدأ المواطنة؟ وهل ما زال متمسكاً بالموقف التقليدي أم أن ثمة تطوراً لحق بتصوره يؤدي إلى إعادة النظر في العلاقة بين أفراد الجماعة السياسية على ضوء هذه المستجدات المعاصرة؟. يؤكد عبد الوهاب الأفندي، على سبيل المثال، أن ثمة مصطلحا إسلاميا يمكن اعتباره معادلاً دقيقاً للمفهوم الغربي لكلمة مواطن، بمعنى الفرد كامل العضوية في المجتمع السياسي، والذي له حقوق، وعليه واجبات تحتم عليه المشاركة في الحياة العامة، وهو مصطلح " مسلم " وبحسبه، "فإن هوية المجتمع الديني والسياسي، في بدايات المجتمع الإسلامي، كانت من المسلمات بحيث يتمتع الفرد بحكم كونه مسلماً بعضوية فورية وكاملة في المجتمع السياسي، وبالمعنى الإيجابي، بل " والجمهوري " للمواطنة النشطة"! ويضيف طارق البشري أن المفهوم الإسلامي للجماعة السياسية يقوم في الأساس على الدين، ولأجل أن يتمتع الفرد بكامل شروط المواطنة عليه أن يكون مسلماً، هذا هو الشرط الكافي والضروري لحالة المواطنة بينما تعتمد مكانة غير الأعضاء على صلتهم التعاقدية مع المجموعة الأصلية. ففي حين تعتمد الجماعات السياسية الحديثة الترابط التاريخي القائم بين الفرد ووجود إقليمي معين كأساس للعضوية فيها، مع استثناء من لا ينطبق عليهم هذا الشرط من حقوق المواطنة الكاملة، تعتمد كتابات الإسلاميين صفة الإسلام كأساس للمواطنة الأمر الذي يثير مجموعة من التساؤلات والتناقضات المتعددة، أي أن مفهوم المواطنة في فكر الإسلاميين، لا يرتكز على الانتماءات العضوية أو انتساب الفرد للمجتمع على أساس العرق أو الجنس أو اللغة، ولكن على أساس العقيدة التي يتمتع بها الفرد داخل الجماعة أو الأمة. وبحسبهم فإن المفهوم الأخير (الأمة) يعد أكثر اتساعاً وشمولاً من مفهوم الوطن أو القومية أو غيرهما؛ إذ يوفر عضوية تلقائية للأفراد تتضمن كامل الحقوق السياسية والاجتماعية، ومن ثم، لا تعد المواطنة في المجتمع الإسلامي منحا أو انتقالا للحقوق من الدولة إلى الأفراد، وإنما هي عبارة عن حقوق تلقائية لمجموع الأفراد الذين ينتمون إلى عقيدة واحدة. من جهة أخرى، يُلاحظ بصورة عامة عند تناول مفهوم المواطنة تركيز الخطاب الإسلامي على قضية وضع غير المسلمين في المجتمع الإسلامي وما يتمتعون به من حقوق وما عليهم من واجبات، في حين أن المواطنة كمفهوم وفي تطبيقاتها العملية أوسع من ذلك بكثير. ويؤكد البشري أن تجاهل الأمر المتعلق بالمواطنة والجامعة السياسية إنما أدى إلى حالة من التشرذم بين عنصري الأمة وأن الانقسام الجاري بين التيار الديني والتيارات الأخرى، بما فيها التيار القبطي، إنما جرى في سياق عملية تاريخية بدأت من نحو قرن ونصف القرن، فأوهنت المجتمع وأضعفته وفصمته وأن المطلوب اليوم رأب ما انصدع ورتق ما انفتق. هذا وتتنوع الاجتهادات داخل الخطاب الإسلامي حول قضية أهل الذمة ويمكن أن نميز فيها بين موقفين أساسيين: أولهما: معتدل ينحو في اتجاه الاستنارة ويحاول مواكبة العصر مستنداً إلى التراث الإسلامي، ومن أبرز رواده: محمد فتحي عثمان، يوسف القرضاوي، أحمد كمال أبو المجد، وغيرهم. وثانيهما: موقف متشدد ينحو في اتجاه التطرف، وهو موقف الجماعات الإسلامية الراديكالية. ينطلق أصحاب الموقف المعتدل من تأكيد حقوق غير المسلمين استنادا للتراث الإسلامي والمتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والكتابات الفقهية لكبار المفكرين الإسلاميين. وللشيخ يوسف القرضاوي إسهامات كثيرة في هذا المجال، فعلى الرغم من أنه يرى أبدية عقد الذمة، لكنه في الوقت نفسه يفسح المجال لهذه الصيغة أن تستوعب قدرا كبيرا من أبعاد المواطنة وتحقيق أكبر قدر من المساواة لغير المسلمين وفق قاعدة: لهم مثل ما لنا من الحقوق وعليهم مثل ما علينا من الواجبات. ويحدد القرضاوي هذه الحقوق في كل من: حق الحماية من الاعتداء الخارجي والظلم الداخلي، حماية الدماء والأبدان، حماية الأموال، حماية الأعراض، والتأمين عند العجز والشيخوخة والفقر، حرية التدين، حرية العمل والكسب بالتعاقد مع غيرهم أو العمل لحساب أنفسهم أو مزاولة ما يختارونه من مهن حرة، ومباشرة ما يريدون من ألوان النشاط الاقتصادي شأنهم في ذلك شأن المسلمين. لكن عددا كبيرا من المفكرين المعاصرين يذهبون إلى القول بانتهاء الظروف التاريخية التي تأسس عليها عقد الذمة، وبالتالي إمكانية انتهاء هذا العقد واستبداله بمفهوم المواطنة، والتسامي فوق التصنيفات والطبقات القديمة التي يشير إليها وقبول غير المسلمين كمواطنين لهم جميع الحقوق، مؤكدين أن الموقف الإسلامي الصحيح من الأقليات غير المسلمة، وداخل الأقطار الإسلامية موقف واضح تحكمه روح الإسلام ومبادئه ونصوصه الثابتة ويمكن بلورته في المحاور التالية: - المساواة الكاملة بين المسلمين وغيرهم، بحيث يتمتعون جميعاً بالحقوق المدنية السياسية على قدم المساواة التي يكفلها الدستور وتنظمها القوانين. - إن الذمة ليست مواطنة من الدرجة الثانية، ولا هي مدخل تمييزي بين المواطنين تهدر فيه الحقوق والحريات، وإنما هي وصف للأساس التاريخي الذي عومل بمقتضاه أهل الكتاب في مجتمعات المسلمين وهي أساس معتمد من عهد الله ورسوله، فالذمة هي العهد، وهي بهذا تمثل الحد الأدنى من ضمانات غير المسلم في مجتمع المسلمين كما أنها من ناحية أخرى تعبر عن أساس تاريخي تغيرت أكثر الظروف المحيطة به وربما صلحت للقيام مكانه نصوص الدستور التي تقرر حرية العقيدة، كما تقرر حقوق المواطنين جميعاً مسلمين وغير مسلمين. - إن مبدأ المساواة في الحقوق المدنية والسياسية، المادية منها والمعنوية، لا ينفي المبدأ المعمول به في الدنيا كلها من أن يكون حق تقرير الأمور للأغلبية، وتظل حقوق الأقلية مصانة ومحفوظة، وإن استمداد التشريعات في المجتمع المسلم من الشريعة الإسلامية ليس إلا تطبيقاً عادياً لهذا المبدأ العادل، ولا يمكن أن ترتفع منه شكوى حقيقية إلا في إطار الجو المسمم بالطائفية أو بالخوف من الجور على حقوق الأقليات وحرياتها. وفي المقابل، تتمسك الجماعات الإسلامية المتشددة بصيغة أهل الذمة كما هي، أي بأبدية الصبغة التاريخية لهذا العقد. ومع إقرارها بضرورة البر والإقساط في حق أهل الذمة؛ إلا أنها تؤكد عدم جواز ولاية غير المسلمين على المسلمين، ومن ثم، رفض إمكانية المساواة، أو تولي أهل الكتاب المناصب العليا، في حين تذهب جماعة الجهاد إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث تربط بين مسألة أهل الكتاب وقضية الولاء والبراء. كما تتراوح المواقف الفكرية لأصحاب التيار الإسلامي من العولمة ما بين الرفض المطلق والموضوعية والتركيز على ضرورة الاستفادة من إيجابياتها. ويمكن القول إن الإسلاميين عامة لم تجذبهم بعد عولمة الثقافة، وإن استخدم بعضهم وسائلها الحديثة للدعاية لأنفسهم وترويج خطابهم، بل حتى للتنسيق في ما بين أجنحتهم، إذ تستغل هذه الجماعات منجزات التقدم التكنولوجي للعولمة وبصورة لافتة للنظر في تعزيز قدراتها على التنظيم والتعبئة والحشد.
| |
|
| |
abdelhalim berri المدير العام
الإسم الحقيقي : Abdelhalim BERRI البلد : Royaume du Maroc
عدد المساهمات : 17537 التنقيط : 96662 العمر : 64 تاريخ التسجيل : 11/08/2010 الجنس :
| موضوع: رد: المواطنة و العولمة..... الأربعاء 14 ديسمبر 2011, 23:12 | |
| العولمة والمواطنة "العالمية" يحيى اليحياوي 1- كائنة ما تكن تحقيباتنا للعولمة، فالمواطنة سابقة لها: هي سابقة لها في المكان والزمان، وسابقة لها كمجال فكر وتفكير وسابقة لها، فضلا عن كل ذلك، في ضروب الفعل (والتفاعل) في الاقتصاد والسياسة والمجتمع وغيرها.هي كانت (ولا تزال إلى حد بعيد) إحدى روافد النظام القائم، بل هي نتاجه في معظم الحالات لا تنتفي بانتفاء بعض من عناصره أو تتقوض بتقوض بعض من مكوناته. ولئن كانت المواطنة قد صيغت في البدء داخل الفضاءات الوطنية، كتعبير عن ضرورة ضمان حقوق الأفراد والجماعات وتسطير واجباتهم، فإنه سرعان ما أصبح لمبادئها هاته امتداد عالمي لم تسلم من "عدواه" الأنظمة ولا الدساتير. بالتالي، فلم يكن يحد من ترجمة مبادئها على المستوى العالمي إلا مستوى أخذ الأنظمة والدساتير إياها بها وإعمال ذات المبادئ في توجهاتها السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها.لم يكن أفق الديموقراطية القائم بالدول (مختلف دول العالم) هو المحدد الوحيد لأفق المواطنة، ولم يكن العامل الداخلي هو المهيمن في تحديد ذات الأفق، بل انضافت إلى ذلك معطيات عالمية كبرى تعتبر ظاهرة العولمة أقواها وأشدها. وعلى هذا الأساس، فلم توضع المواطنة يوما (إلا فيما ندر) على المحك إلا حين برزت العولمة واتسع فضاؤها وتقوت أدوات الاشتغال لدى فاعليها. والواقع أن ظاهرة العولمة لم تستهدف المواطنة في حد ذاته، من خلال استهداف مبادئها الكبرى (سيما جانب الحقوق فيها)، بل أساسا عبر استهداف المؤسسات والقيم التي انبنت عليها المواطنة إياها لسنين طويلة. بالتالي، فلما كانت مبادئ المواطنة "العالمية" هي، في الشكل كما في الجوهر، امتداد لأشكال المواطنة "المحلية" (أو الوطنية)، فإن ما طال هذه الأخيرة ما فتئ، بحكم منطق الأشياء، يطال الأولى، يؤثر فيها ويطبع تجلياتها. وعلى الرغم مما قد يبدو إسهاما للعولمة في تكريس المواطنة "العالمية"، كونها تدفع بالمزيد من الحرية في الفعل والتنقل والتعبير، وكونها تنحو بجهة تسييد الانفتاح والدمقرطة وما إلى ذلك، على الرغم من هذا، فإن عوامل التضاد والممانعة بين العولمة والمواطنة "العالمية" هي أقرب إلى التكريس منها إلى عوامل الالتقاء والتكامل.2- هناك، فيما نتصور، أربع معطيات جوهرية تجعل من علاقة العولمة والمواطنة "العالمية" علاقة تضاد وممانعة أكثر منها علاقة التقاء وتكامل: المعطى الأول ويتمثل في التوجه المستمر والمتسارع للعولمة في تدمير المقومات الكبرى التي ارتكزت عليها الدولة/الأمة في تشكلها وفي صياغة آليات اشتغالها. ليس التلميح هنا فقط إلى منحى السياسات العامة التي تستهدف تقليص حجم ودور الدولة إلى ما نادى به، منذ قرون، فقهاء الاقتصاد السياسي الليبرالي، ولا فقط إلى منطق اقتصاد السوق الخالص الذي يدفع به فاعلو العولمة، ولكن أيضا إلى ممارسات الشركات الكبرى التي تتقدم لديها، عكس المواطنة، مبادئ الواجبات على مبادئ الحقوق سيان عندها في ذلك أكان فضاء الاشتغال عالميا واسعا أم محليا/إقليميا أقله سعة واتساعا.من هنا، فبقدر ما تزداد واجبات الأفراد والجماعات (في العمل وضرورات "التأقلم والانضباط" وغيرها) بقدر ما تتقلص حقوقهم وتضيق (في الحصول على عمل كما في ضمان استمراره واستمرار الضمانات المترتبة عليه).من حكم الثابت، في هذه النقطة، أن تراجع الدولة/الأمة (بتقدم فاعلي العولمة وأدواتها) هو تراجع حتمي للمواطنة ليس فقط لأن الدولة/الأمة هي الساهر على المواطنة وضامنها الأسمى، ولكن أيضا لأن لا مصداقية لمواطنة يضمنها منطق السوق ويتكفل بصيانتها فاعلوه، إذ قصور "مواطنة السوق" هو من قصور السوق واقتصاد السوق على إفرازها وتجذيرها. ومعنى هذا أنه ما دامت الدولة/الأمة، بكل دول العالم، هي راعي المواطنة وضامنها، فإن تراجعها (بجهة تحجيمها إلى وظائف شكلية) هو حتما تراجع لذات المواطنة وتحجيم لها. المعطى الثاني ويكمن في الاتجاه المتسارع والحثيث لظاهرة العولمة باتجاه تقويض المرافق الكبرى التي يعتبر وجودها واستمرارها من وجود واستمرار مبادئ المواطنة نفسها.قد لا يكون الأمر هنا مثال إشكال كبير لو كان مقتصرا على جوانب من الخوصصة تطال بعضا من " قطاعات المواطنة" (كالتعليم والتربية والصحة وغيرها)، وقد لا يكون مكمن تخوف كبير إذا كان بهدف تحسين أداء القطاعات إياها (وتحسين دور الدولة من خلالها)، لكنه يتعدى كل هذا وذاك حينما يطال المرفق العام كفلسفة لمساواة الأفراد والجماعات لا قائمة تذكر للمواطنة في الارتداد عنها.لم يقتصر استهداف العولمة، في هذا الاتجاه، على المجال الاقتصادي والاجتماعي الذي يعتبر " دخيلا" على المواطنة بل تعدى ذلك إلى الجانب السياسي والمدني الذي لطالما أسس لجوهر المواطنة وكرس لمختلف أبعادها.ومعنى هذا مثلا أن التعليم والتربية والصحة وغيرها، لن يكون لها أن تبقى مكمنا للمواطنة إذا لم تنصهر جميعها في منظومة "القيم" التي تدفع بها العولمة في شكلها كما في الجوهر: منظومة الإنتاجية والربحية والمرونة والتأقلم والتكيف وغيرها. ومعناه أيضا أن المواطنة، ما دامت مستهدفة في مرتكزاتها (والمرفق العام إحداها)، فإنها لن تستطيع مجابهة العولمة في الحال كما في المآل. المعطى الثالث ويتعلق أساسا ب "القيم الديموقراطية" التي لم تفتأ العولمة تقدمها لبناء المواطنة "العالمية" التي لا تتراءى لفاعليها من مواطنة سواها.لا ينحصر الأمر هنا في إشاعة العولمة لمبادئ وقيم النظم الليبرالية وصهر ما سواها من الأنظمة فيها، بل يتعدى ذلك إلى فرضها لمنظومة " ديموقراطية السوق" التي لا تختلف في شكلها كما في المضمون، عن فضاء المتاجرة التي يعتمده اقتصاد السوق ويقوم عليه في الجملة والتفصيل. وعلى هذا الأساس، فليس المطلوب هنا (في تصور فاعلي العولمة) إشاعة قيم الليبرالية السياسية وشفافية "السوق السياسي"، بقدر ما هو مطلوب توظيفها لفتح مجال المواطنة بما هو مجال للاستهلاك جديد " تتساوى في ظله مختلف الشرائح" ومستويات قدرتها على الاقتناء والاستهلاك. بالتالي، فبقدر استهجان العولمة لإمكانيات استنبات قيم محلية مختلفة، بقدر استهجانها لسيادة قيم تعارض توجهاتها أو تسير بغير وتيرتها. المعطى الرابع ويرتبط بخاصية الاختلاف، في المرجعية كما في الممارسة، التي تدفع بها المواطنة ولا ترى فيها ظاهرة العولمة إلا ضربا من ضروب "عدم مجاراة العصر". فالعولمة توحد في النظرة ووحدة في التمثل (للاقتصاد كما للمجتمع كما للثقافة)، في حين أن المواطنة هي تعدد واختلاف في النظرة كما في التمثل. وعلى هذا الأساس، فعولمة المواطنة هي عولمة لذات النظرة وعولمة لذات التمثل، في حين أن مواطنة العولمة (بمعنى تلقيحها بقيم المواطنة) هي تعدد لها وتعدد لأبعادها.لا يكمن خطر العولمة على المواطنة في هذا المستوى، في كون الأولى نفي للثانية (مع القبول بوجودها)، ولا في إقصاء لأبعادها (مع الاعتراف بتواجدها)، ولكن أيضا في صهرها والعمل على أن تندغم في صلبها تصورا وتمثلا.من هنا فبقدر اجتهاد المواطنة على تخليق العولمة، بقدر إمعان العولمة في صهر اختلافات المواطنة في صلب منظومتها وتحويلها إلى جزء منها لا قائمة لها بدونها. وعلى أساس هذه الخلفية فلا مواطنة "عالمية" تذكر إذا اعتملت بداخل العولمة تصورات وتمثلات هي إلى إفراغ المواطنة من محتوياتها أقرب منها إلى تلقيحها بقيم وتصورات جديدة.3- لن يختلف الأمر كثيرا بين ما سبق من حديث وما هو قائم كواقع حال:+ فالعولمة هي، في أكثر من جانب، انصياع للسياسي (وفي خضمه المواطناتي) للأبعاد التقنواقتصادية التي لم تفتأ الدول الكبرى وشركاتها المتعددة الجنسيات والمؤسسات المالية والتجارية العالمية تدفع بها.لا يقتصر الأمر على هذا المستوى، بل يتعداه إلى هيمنة المالي على الاقتصادي والاجتماعي والسياسي (وفي صلبها جميعا المواطناتي) دونما اعتبار يذكر للدولة أو للحكومات أو للسيادة والحدود.أي سبيل إذن للمواطنة والمشاركة ومساهمة الأفراد والجماعات في تحديد الأولويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية إذا كان فاعلو العولمة يستهينوا في حقهم ذلك ويحولوا دون إمكانية بلوغهم ذات الأهداف؟ثم أي سبيل للدولة/الأمة في الدفاع عن "محمياتها" في وقت أصبحت هي ذاتها، في شكلها كما في الجوهر، عرضة للطعن والتشنيع؟ قد لا تبدو السبل كثيرة في ذلك.+ والعولمة هي، في أكثر من جانب، استهداف للملك العام ليس فقط في جانب الملكية العمومية لقطاعاته، بل أيضا وبالأساس بما هو (أي الملك العام) مكمن المرفق العام الذي ترى فيه العولمة شذوذا عن طبيعتها وخروجا عن طوعها وحالة تبدو لها "غير طبيعية" في مسارها وصيرورتها.لا يقوض المرفق العام، على هذا الأساس، كونه مكمن الملكية والمرفق العامين، ولا باعتبارهما تكريسا لمبدأ "المساواة" الذي تدفع به المواطنة، بل لأنه "آخر معاقل انتفاضة العام على الخاص" وآخر مرجعية بتقويضها سيتم لاقتصاد السوق العالمي القيام والتسيد.+ والعولمة، في أكثر من نقطة، هي مكمن التضاد والممانعة مع دفوعات الاختلاف والتعدد التي تقدمها المواطنة.لا تتعلق قيم الاختلاف تلك ومنظومة التعدد هاته بحق الأفراد والجماعات في تمثل حاضرهم واستشراف مآلهم، بل وأيضا في حقهم الطبيعي في التميز عما سواهم من أفراد وجماعات حتى وإن كان الأمر في ذلك لا يتعدى كونه تميزا من أجل التميز.من هنا فالعولمة، بما هي جموح للتوحد والتوحيد، فهي أيضا استكثار لهذه القيم ولهذا الحق في هؤلاء وفيما سواهم من دول وتنظيمات وثقافات.3- أي مواطنة "عالمية" إذن هاته التي تدفع بها العولمة وينظر لها بامتياز منظروها؟ إنها مواطنة العولمة التي تندغم في منظومتها باقي منظومات الاقتصاد والسياسة والمجتمع والثقافة...أي مواطنة الواجب لا الحق...مواطنة التلقي لا المشاركة، مواطنة الانضباط لا الفعل...أي المواطنة التي تسير وفق تصور منطق تراكم رأس المال وتعمل وفق ما يرضاه فاعلو العولمة ويرتضوه. بالتالي، فالعولمة لا تقبل بمنظومة للمواطنة دخيلة عليها (كما يراد للمواطنة الحالية أن تكون). هي تريد مواطنة تناسبها، تنصهر في منظومة قيمها، تسايرها، تفتح لها الطريق وتهيكل لها فضاءها العام... السياسي منه والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.هي تريد فضاء عاما تسود بداخله " قيم" السلعة وواجبات (لا حقوق) اقتنائها، " قيم" الامتثال لا قيم التشاركية والحوار، قيم العالمي غير الواضح لا قيم المحلي الملموس. فهي لا تستهدف قانونا للسيادة، بقدر استهدافها لقانون في التبادل الحر...بالتالي فهي لا تخشى في عمليات الاحتجاج والمناهضة جوانبها الفئوية بقدر ما تخشى أبعادها المواطناتية التي لم تعد تكتفي بمبادئ الديموقراطية العامة بقدر ما أصبحت تطالب بمبادئ جديدة لبناء ديموقراطية للقرب.لن يكون من هنا، بهذه النقطة كما بغيرها، من تمييز يذكر بين المواطنة "المحلية" والمواطنة "العالمية"، بل سيتحول الأمر برمته إلى أممية احتجاجية شاملة تتغيأ التأسيس لمواطنة عالمية واحدة...بديلة عن " مواطنة العولمة".جريدة العلم، 23 يونيو2001. | |
|
| |
abdelhalim berri المدير العام
الإسم الحقيقي : Abdelhalim BERRI البلد : Royaume du Maroc
عدد المساهمات : 17537 التنقيط : 96662 العمر : 64 تاريخ التسجيل : 11/08/2010 الجنس :
| موضوع: رد: المواطنة و العولمة..... الأربعاء 14 ديسمبر 2011, 23:21 | |
| المواطنة وتجلياتها المعاصرة في زمن العولمة
مما أصبح من قبيل البديهيات أن العولمة التي مهد لها الفكر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للعقود الأخيرة من القرن العشرين وترسخت مع مستهل الألفية الميلادية الثالثة، تمثل نقطة تحول انتقلت بها الإنسانية من مشهد إلى مشهد نعاين فيه معالم نظام تكتلي دولي جديد يتحكم في شؤون ومصائر الدول القطرية التي اخترق حدودها السوق المالي والتجاري العولمي فأجهز على البنيات التقليدية القانونية والسياسية والفكرية من قبيل السيادة والهويات الثقافية، وأسهمت في ذلك التكنولوجيات المتطورة في الإعلام والاتصال والتواصل التي جعلت العالم – على حد تعبير ماكلوهان- قرية صغيرة مفتوحة لتعزيز النظام العولمي ، ومعلوم أن هذه التكنولوجيات ما زالت تتطور بشكل يفوق حدود التصور والاحتمال، ولا يدري أحد إلى ما ستؤول إليه الإنسانية بعد الانترنيت والهواتف النقالة.
العولمة إذن هي حد فاصل بين ما يمكن أن نطلق عليه مواطنة كلاسيكية حداثية، وبين مواطنة مستجدة ما بعد حداثية. يفرض علينا هاجس الدقة والوضوح أن نستبين الفرق النوعي بين المواطنتين. المواطنة الكلاسيكية التي ساهمت في صياغتها فلسفات الأنوار والحركة الحداثية في الغرب الأوروبي هي وصف سياسي لأفراد المجتمع المنضوين تحت (الدولة -الوطن) ، يتأتى من الاختيار الليبيرالى المؤسس على مبادئ وقواعد النظام الديمقراطي. وضعية المواطنة بذلك تسمو على الروابط العرقية أو العقدية أو العصبية ... لتكون في جوهرها رابطة قانونية وسياسية، رابطة شراكة أو علاقة تشاركية غير تبعية على عكس ما كان تحت ظل الأنظمة الاستبدادية والإقطاعية. تتأسس المواطنة بحكم ذلك على مبدأ المساواة بين الأفراد، فكل فرد في المجتمع مساو لكل الأفراد، من حيث أنهم يملكون نفس الوعي الذاتي بالقضايا التي تتعلق بالكيان أو النظام السياسي لأنهم مصدر شرعيته، وهم الذين يمارسون يوميا العمل من أجل صيانته ومراقبته والمشاركة في اتخاذ قراراته مباشرة، ومن خلال المؤسسات التمثيلية. اعتمادا على هذا التوصيف تحتل المواطنة مكانا مركزيا في النظام الديمقراطي بما يخوله هذا النظام من حقوق، وما يستلزمه من واجبات. وفي الغالب الأعم يكون للمواطنة الأثر الحاسم في اللحظات التي تطرأ فيها التحولات والانتقالات من نظام غير ديمقراطي إلى نظام ديمقراطي . التحليل المعمق للمواطنة التي هي وضع سياسي وقانوني، من حيث سيرورتها وآلياتها، يظهر أنها من طبيعة عقلية نقدية كرؤى وسلوك لا تترك لأي اندفاع وجداني أن يتحكم في خطابها أو مواقفها. هذه الرؤى العقلية النقدية تحصن وتعزز سيادة الدولة وتتكرس بها أسبقية الصالح العام على الصالح الخاص. تلك الرؤى أيضا هي التي تتيح للدولة أن تستنبط من المواطنة الايجابية مفهوم أمنها لدرء كل مساس بمصالحها، وهذا هو المقصود بمصطلح (la raison d’Etat) مع الالتزام بعدم استعمال هذا المبرر للإساءة إلى الأفراد وتعريضهم لأشكال من التعنيف أو الاضطهاد غير المبرر قانونيا. وعليه كما أوضح "أ.ل. بونس" تظهر المواطنة كمقولة سياسية وقانونية قادرة، وهي تراكم مكاسب مختلف تصريحات ومواثيق حقوق الإنسان، على ان تعالج مصلحة الدولة فوق أرضيتها بوسائل وأدوات وحقوق وواجبات نوعية لضبط الجانب الشرعي، وتقليص وإلغاء الجانب اللاشرعي ". يجرنا هذا إلى توضيح نقطة في غاية الأهمية وهي أن المواطنة انتماء واع للكيان السياسي يصد عنه كل محاولة لتدجينه أو المساس به أو اختراقه لأنه كيان تؤسسه المواطنة، فالشعب هو الذي يفرز الدولة لا العكس. جانب آخر تنبه له الباحثون ولا بد من الإشارة إليه لأهميته وهو أن مهام (الدولة-الوطن) ذات التوجه الديمقراطي هي بالأساس تدبير الاختلاف والتعدد الذي يستوجب العمل بمبادئ الحرية والتسامح السياسي والعدالة، من ثمة فإن اعتماد المواطنة هو الذي يؤمن التوفيق الناجح بين تكلم المبادئ قولا وفعلا تطويرا وتجديدا للحكامة الجيدة. وإذا ذهبنا في التحليل بعيدا فإنه "ليس بالأمر الاعتيادي على الإطلاق أن تقوم للمواطنة قائمة إلا بقيود السلوك الحضاري [...] بل تتطلب من أجل كمالها سلوكات حضارية [...] يقصد بها المقاييس الخلاقية [...] هكذا فإن المواطنة أخلاق، أما حقوق الإنسان فإنها سياسية" وفي اعتبار منظري الايديولوجية الليبرالية تمثل المواطنة بكل المقاييس أركان المجتمع المفتوح في مقابل مجتمع الطغيان والتسلط المغلوق على حد رأي كارل بوبر. والمسافة بين المجتمع المفتوح والمجتمع المغلوق قصيرة . في النهاية واجهت المواطنة الكلاسيكية إرهاصات الأزمة عندما دخل العالم في التجربة السياسية للتكتلات الكبرى ونخص بالذكر منها الاتحاد الأوروبي . لقد تتبع الكثير من الجدال الساخن حول معضلة المواطنة في ظل هاته التكتلات، فقد إعتدى القوم في أوروبا إلى إبداع ما أطلقوا عليه "المواطنة الأوروبية" . وكان على الساسة والباحثين أن يؤثثوا هذا المفهوم المركب والجديد بترسانة من القيم المستجدة من البيئة وقبول وضع اللجوء والتنمية المشتركة (coodeveloppement) والدفاع المشترك ... الخ والائحة طويلة. والاتجاه يسير نحو إقرار دستور للاتحاد يكون مضمونه تعاهديا بالاتفاق على الحدود الدنيا من الاشتراطات القانونية والسياسية. هكذا فإن قيام الاتحاد الأوروبي – الذي بدأ صغيرا وهو آخذ في الاتساع- أدخل تعديلات على رابطة المواطنة وبالتالي على الدولة والمجتمع، وتمثل هذه التعديلات مدخلا نحو إزالة الموانع التي كانت تفرضها الحدود الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية للانتقال من عهد الأوطان إلى عهد الكيان السياسي الكبير الخارق للحدود، وإنشاء فضاء أوسع ينتقل فيه الأوروبيون بكامل الحرية، وما يستتبع ذلك من حمايات قنصلية ودبلوماسية وتوحيد للعملة والرخص والوثائق التعريفية والجوازات ...الخ . ويمكن القول أنه بإنشاء الاتحاد الأوروبي برز شكل جديد من المواطنة بحيث لا تكون علاقتها بدولة واحدة بل تتجاوزها من الدولة الواحدة إلى مجموع الدول التي توحدها نصوص دستورية ومواثيق تنسق السياسات والمواقف والبرامج في كافة المجالات . أكيد أن مسألة الفكر في أوروبا عدم اهتدائه إلى مصطلحات جديدة موافقة لتوصيف هذه الطفرة النوعية في البناء السياسي للدولة والمجتمع. والذي يزيد في حدة هذه المأساة أن العقل الأوروبي الجمعي تنبه بشكل غير موعى به إلى بروز معالم "هوية بين وطنية" تشاركية وتعاهدية كفيلة بان تقوي الوعي الأوروبي العام باعتماد متبادل بين الدول ومكونات المجتمعين السياسي والمدني . حين هلّت العولمة وترسخت اختياراتها ومناهجها وممارساتها لم نعد أمام إرهاصات أزمة، بل دخلنا في عمق الأزمة سواء بالنسبة (للدولة –الوطن) أو المجتمع أو المواطنة وأصبحنا وجها لوجه أمام تصور لرابطة كونية لم يعثر بعد على كلمة أو مصطلح يعبر عنها، يطلق عليها مؤقتا "المواطنة الكونية أو الكوكبية" ذلك ما دفع (ألان تورين) إلى الإقرار بأن رابطة المواطنة تعاني اليوم ازمة عميقة . إن النظام العولمي يتجه حاليا إلى الشروع في عملية تشبيك للدولة في العالم بأسره يحول دون اشتغال أية دولة خارج الشبكة الكوكبية بضغوطها وإكراهاتها الاقتصادية بالأساس والسياسية والثقافية والاجتماعية بالتبعية. الماسك بميكانيزمات اشتغال الشبكة هو رأس المال العالمي الذي هو لحد الآن تحت الوصاية المطلقة للشركات العملاقة الأمريكية. لقد أصبحت دولة الفضاء الوطني خرافة، لذلك نحن على حد قول (أرجون أبادوري) "في حاجة إلى تقنيات نظرية وسياسية تمكننا من تدبير الهوية والوطنية بمصطلحات مستقلة، إنها مسألة أساسية [...] وعلى السياسات أن تشجع تعدد الهويات بدلا من تشجيع المواطنة الواحدة". حاول بعض الباحثين إبداع مفهوم مركب هو "المواطنة المفارقة". (Citoyenneté différenciée) ويقصد بها الرابطة القائمة على الاعتراف والاعتماد المتبادلين، وهو مفهوم حاول (شارل تايلور) تأصيله في كتاب "التعددية الثقافية : الاختلاف والديمقراطية" ولكن دون أن يصل بمبحثه إلى منتهاه بإيداع قاموس كفيل بفهم الواقع العولمي الجيد. وحسب ما أورده (دومينيك شنابر) فإن (يورغن هابيرماس) في مؤلفه " كتابات فلسفية " حاول أن يصبغ مفهوما مركبا آخر لا أعتقد أنه سيخرجنا من المأزق المفاهيمي والنظري الذي نحن فيه ألا وهو "مواطنة لما بعد الوطن" (Citoyenneté post-nationale) أو مواطنة دستورية تجد مراجعتها في مبادئ مجردة، من تجلياتها التصريح العالمي لحقوق الإنسان بحيث يبقى الوطن مجرد رابطة وجدانية، أي مواطن للثقافة والتاريخ المشتركين. أ.د. محمد مصطفى القبّاج – أكاديمية المملكة المغربية
عدل سابقا من قبل abdelhalim berri في الأربعاء 14 ديسمبر 2011, 23:42 عدل 1 مرات | |
|
| |
abdelhalim berri المدير العام
الإسم الحقيقي : Abdelhalim BERRI البلد : Royaume du Maroc
عدد المساهمات : 17537 التنقيط : 96662 العمر : 64 تاريخ التسجيل : 11/08/2010 الجنس :
| موضوع: رد: المواطنة و العولمة..... الأربعاء 14 ديسمبر 2011, 23:22 | |
| دور الأسرة في تنمية قيم المواطنة لدى الشباب في ظل تحديات العولمة رؤية اجتماعية تحليلية ورقة عمل للمشاركة في اللقاء السنوي للجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية تحت عنوان: "الأسرة السعودية والتغيرات المعاصرة" الرياض في الفترة 5-7/5/1429هـ الموافق 10-12/5/2008م إعداد : د. سعيد بن سعيد ناصر حمدان مدير مركز البحوث والدراسات الاجتماعية جامعة الملك خالد تنبع أهمية أي دراسة اجتماعية من تلك القضايا التي تتناولها والإسهامات التي يمكن أن تقدمها في حل قضايا ومشكلات المجتمع ، ولا شك أن موضوع المواطنة من القضايا ذات الأبعاد الاجتماعية والسياسية والأمنية التي تعبر عن معايير الانتماء ومستوى المشاركة من قبل الأفراد في الحماية والذود عن الوطن ، كما تعبر عن وعي الفرد بالحقوق والواجبات والنظر إلى الآخر ، وصيانة المرافق العامة , والحرص على المصلحة الوطنية ، كما تعكس مدى إدراك المواطن لدوره في مواجهة التحديات التي تواجه المجتمع والدولة في آنٍ واحد ولا سيما تحديات العولمة التي أدت إلى تراجع الخصوصية لحساب العالمية ، والتي تواجه فيها المجتمعات البشرية إرهاصات واضحة نحو الذوبان الثقافي والسياسي والمعرفي , والانطلاق نحو القرية الكونية الموعودة التي تمثل وحدة العالم المعلوماتي الخاضع لوسائل الاتصال والمواصلات التي تشهد هي الأخرى تحولاً جذرياً في أساسياتها فضلاً عن تشكيلاتها ، وهذا يعني أن قيم المواطنة تشهد تحدياً يعصف بالمعايير وقواعد السلوك والضبط الاجتماعي التي هي جزء لا يتجزأ من وظائف المؤسسات الاجتماعية كالأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام والمسجد ، والتي تمثل أهم المؤسسات الاجتماعية المنوط بها مسألة تدعيم قيم المواطنة ، حتى يصبح المجتمع وكأنه جزء من حياتنا نحيا به ويحيا بنا كأنه الهواء نتنفسه ونحن لا نراه . كما تسعى الدراسة إلى توضيح كيفية تفعيل وتدعيم قيم المواطنة على المستوى المجتمعي. | |
|
| |
abdelhalim berri المدير العام
الإسم الحقيقي : Abdelhalim BERRI البلد : Royaume du Maroc
عدد المساهمات : 17537 التنقيط : 96662 العمر : 64 تاريخ التسجيل : 11/08/2010 الجنس :
| موضوع: رد: المواطنة و العولمة..... الأربعاء 14 ديسمبر 2011, 23:35 | |
| موضوع: المواطنة والعولمة : ثنائيـــة أم أحاديــــة . تبحث هذه الدراسة في العلاقة بين المواطنة والعولمة والتأثير المتبادل بينهما وقد تضمنت الدراسة تساؤلات كثيرة من بينها : مالعلاقة بين المواطنة والعولمة ؟ هل أصبح التساؤل اليوم : مواطنة أم لا مواطنة؟ هل انتقل التساؤل من ماالمواطنة إلى : أي مواطنة ؟ مواطنة قانونية شكلية متساوية ذات بعد واحد، أم مواطنة مركبة عادلة اجتماعية ديمقراطية ثقافية في ظل مشروع حضاري إنساني؟مواطنة تتحدث عن الحرية والمساواة والجسد السياسي والعدل والشورى، أم مواطنة تتحدث عن اختزال القيم السياسية في حرية الجسد وتفكيك المجتمع لصالح نوع ضد نوع أو ثقافة ضد ثقافة ونفي التجاوز في الإنسان والتاريخ، وإعلاء سياسات الجسد واللذة على الجسد السياسي والخير العام والقيمة الإنسانية؟مواطنة في أي سياق مكاني؟ مواطنة التدافع من أجل الغايات الإنسانية والنفع العام والسعي في دروب التطور الاجتماعي التاريخي، أم مواطنة اللحظة المتخيلة في تفاعل الشبكة الاتصالية الفردي التي تعيد تشكيل الوعي بالذات والهويات والأنا والآخر والـ"نحن . مقدمة : لازال موضوع العولمة موضوعا صعب التحديد ذلك أن العولمة عملية تاريخية تحاول أطراف مختلفة أن تدفع بها إلى طرق مختلفة ،وإن كانت ترمي في النهاية إلى هدف واحد . وهي في مفهومها العام كما تدل الصياغة اللغوية ذات مضمون ديناميكي يشير إلى عملية مستمرة من التحول والتغير ، فعندما نقول عولمة النظام الاقتصادي أو عولمة النظم السياسية فإن ذلك يعني تحول كل منها من الإطار القومي ليندمج ويتكامل مع النظم الأخرى في إطار عالمي وهو مايدفعنا للتساؤل عن مصير مفاهيم متعددة في ظل عولمة النظام السياسي كاالمواطنة . فما هو مصير المواطنة ؟ وهل أصبح من الممكن الحديث عنها في ظل المجتمع المدني العالمي ؟ سنحاول في هذه الدراسة أن نلج الى هاته الإشكالية من خلال تقسيم العمل الى أقسام تناولت : القسم الأول: راهن مصطلح المواطنة وأهميته. القسم الثاني:تساؤلات راهنة فيما يخص المواطنة. القسم الثالث:تعريف المواطنة القسم الرابع : العولمة بين الماهية والهدف . القسم الخامس : العولمة والمواطنة " العولمة السياسية " القسم السادس: المواطنة العالمية. 1 - راهن مصطلح المواطنة وأهميته لقد شهد هذا المفهوم تغيرات عديدة في مضمونه واستخدامه ودلالته، فلم يعد فقط يصف العلاقة بين الفرد والدولة في شقها السياسي القانوني كما ساد سابقاً، بل تدل القراءة في الأدبيات والدراسات السياسية الحديثة على عودة الاهتمام بمفهوم "المواطنة" في حقل النظرية السياسية بعد أن طغى الاهتمام بدراسة مفهوم "الدولة" مع نهاية الثمانينيات، ويرجع ذلك لعدة عوامل، أبرزها الأزمة التي تتعرض لها فكرة الدولة القومية التي مثلت ركيزة الفكر الليبرالي لفترة طويلة؛ وذلك نتيجة عدة تحولات شهدتها نهاية القرن العشرين: أولها: تزايد المشكلات العرقية والدينية في أقطار كثيرة من العالم، وتفجر العنف بل والإبادة الدموية، ليس فقط في بلدان لم تنتشر فيها عقيدة الحداثة من بلدان العالم الثالث بل أيضاً في قلب العالم الغربي أو على يد قواه الكبرى، بدءاً من الإبادة النازية لجماعات من اليهود، ومروراً بالإبادة النووية في هيروشيما، ومؤخراً الإبادة الصربية للمسلمين، والإبادة الأمريكية للعراقيين وللأفغان، والإبادة الجارية للفلسطينيين. وثانيها: بروز فكرة "العولمة" التي تأسست على التوسع الرأسمالي العابر للحدود وثورة الاتصالات والتكنولوجيا من ناحية أخرى، والحاجة لمراجعة المفهوم الذي قام على تصور الحدود الإقليمية للوطن والجماعة السياسية وسيادة الدولة القومية، وكلها مستويات شهدت تحولاً نوعياً.وعلى صعيد آخر فإن نمو الاتجاهات الأصولية المسيحية واليمينية المتطرفة في البلدان التي مثلت مهد التجربة الليبرالية قد أدى إلى مراجعة المفهوم والتأكيد على محوريته لمواجهة هذه الأفكار وآثارها في الواقع السياسي والاجتماعي الغربي المعقد مع وجود أقليات عرقية ودينية منها العرب والمسلمون، هذا فضلاً عن وصول الفردية كفكرة مثالية لتحقيق حرية وكرامة الفرد إلى منعطف خطير في الواقع الليبرالي، بعد أن أدى التطرف في ممارستها وعكوف الأفراد على ذواتهم ومصالحهم الضيقة إلى تهديد التضامن الاجتماعي الذي يمثل أساس وقاعدة أي مجتمع سياسي، وتراجع الاهتمام بالشأن العام لصالح الشأن الخاص، وتنامي ما يسميه البعض "موت السياسة" وبروز "سياسات الحياة اليومية".والإشكالية التي تهمنا بل وتطرح نفسها الآن وبشكل شبه منفرد كبديل للواقع السياسي والفكري في دول العالم الثالث التي تشهد تحولاً نحو الديمقراطية، كما في أطروحة "نهاية التاريخ" وإعلان انتصار الليبرالية النهائي لباحث مثل فوكوياما، أو كطرف متماسك ومتجانس ومتقدم في مقابل حضارات أخرى (أوأدنى) في أطروحة مثل "صراع الحضارات" لهنتنجتون. فخيار المواطنة صار مثالية تروج لها الأنظمة الكبرى ويتم تقديمها كحل لمشكلات الجنوب "على طريق التقدم" يرتهن بتحول الرابطة السياسية داخل مجتمعاتها من رابطة تراحمية عضوية أو قرابية -ريفية أو قَبَلية- إلى رابطة تعاقدية علمانية و"مدنية" للمواطنة؛ لذا فإن فهم دلالات "المواطنة" كرابطة تزعم أنها تجبّ روابط الدين والعرقية والأيدلوجية لَهُو أمر يحتاج مزيد تأمل وتقص، وتحريرا وتقويما، واختبارا في الواقع التاريخي بين النجاح والإخفاق. 2 - المواطنة إلى أيـــــــــن مع تنامي عولمة الرأسمالية وهيمنة الرؤى الليبرالية الجديدة لم يعد ما نحن بصدده عند الحديث عن المواطَنَة هو المفهوم البسيط، ولا بقي السؤال هو: مواطنة أم لا مواطنة؟ على غرار : نهضة أم تخلف؟ حضارة أم ضد الحضارة؟ (أسئلة اللحظة التاريخية الأمريكية الراهنة).الواقع أكثر تعقيداً من ذلك وهذه التصورات مضللة.. ومضلّة.أي مواطنة؟ هذا هو سؤال اللحظة الوجودية الإنسانية الحقيقي: مواطنة تنويرية تحترم الفرد وتؤسس مجتمعاً يكتسب وجوده الجمعي من تجاوزه لقوى الطبيعة وتصوره الإنساني للإنسان، أم مواطنة رأسمالية مدينية مابعد حداثية؟ مواطنة قانونية شكلية متساوية ذات بعد واحد، أم مواطنة مركبة عادلة اجتماعية ديمقراطية ثقافية في ظل مشروع حضاري إنساني؟مواطنة تتحدث عن الحرية والمساواة والجسد السياسي والعدل والشورى، أم مواطنة تتحدث عن اختزال القيم السياسية في حرية الجسد وتفكيك المجتمع لصالح نوع ضد نوع أو ثقافة ضد ثقافة ونفي التجاوز في الإنسان والتاريخ، وإعلاء سياسات الجسد واللذة على الجسد السياسي والخير العام والقيمة الإنسانية؟مواطنة في أي سياق مكاني؟ مواطنة التنوير والليبرالية في المدن الاجتماعية ذات الطابع الثقافي والمسافات الإنسانية، أم مواطنة المدن الرأسمالية العالمية السرطانية المعادية للمجتمع والقائمة على "التجمع" الذي يحسب حسابات الاقتصاد وتدويله قبل حسابات الهوية والجماعة والثقافة؟ثم أخيرًا، مواطنة التدافع من أجل الغايات الإنسانية والنفع العام والسعي في دروب التطور الاجتماعي التاريخي، أم مواطنة اللحظة المتخيلة في تفاعل الشبكة الاتصالية الفردي التي تعيد تشكيل الوعي بالذات والهويات والأنا والآخر والـ"نحن"، وتعيد تشكيل مفاهيم الزمن والمكان بدون محتوى اجتماعي تفاعلي كما عرفته البشرية، وتعيد تشكيل حدود الخاص والعام وتهدد مفهوم المواطنة في كل تصوراته السابقة؟ 3 - تعريف المواطنة إن الكلام عن المواطنة ومحاولة تعريفها يقتضي منا العودة إلى الجذر الذي أتت منه الكلمة، ألا وهو الوطن. وللأسف تبدو صورة الوطن مبهمة عند الكثيرين في بلادنا. فهي ملتبسة مع مفهوم الدولة ولكل منهما تعريفه الخاص به ومعناه المستقل. فالدولة هي الشكل التنفيذي والمؤسساتي للوطن. وهي أيضاً بدورها شيء مختلف جذريا عن النظام الحاكم. الوطن هو المتحد، أي الحيّز الجغرافي الذي تعيش وتعتاش عليه مجموعة بشرية معينة، حيث يتفاعل الأفراد مع بعضهم ومع الأرض التي يقطنون عليها، وذلك على مر الزمان. أي أن الوطن ليس علاقة عابرة، مؤقتة وقصيرة، بل هو مجموعة من العلاقات الإنسانية والعاطفية والثقافية والمادية، عمودياً وأفقياً. الكارثة التي حصلت تتلخص بالتشويهات المتعاقبة التي حّلت على هذا التعريف، فمسخته وغيرته حتى أصبح تارة يتماهى مع النظام وتارة أخرى يعني المؤسسة التنفيذية أو المؤسسة الحزبية.. والمواطن ليس فقط مجرد فرد في هذا الوطن، والمواطنون ليسوا قطيعاً أبلها لا يستطيع غير أولي الرأي والمعرفة قيادته، بل هو قطعاً الوحدة الأساسية في بناء الوطن، وذلك بتواجده الفاعل الايجابي، وليس كينونته المنفعلة السلبية. ودون الاعتراف بالمواطن ودوره الفاعل لا يمكن أن يكون هناك وطن، بل مزرعة كبيرة أو سجن محكم الإغلاق. والوطن في النهاية هو كما نراه وكما نصنعه ونعيشه، وليس وصفة جاهزة أو قراراً دولياً. المواطنة : لم ير بعض أهل اللغة دلالة لهذا اللفظ على مفهومها الحديث إذ إن واطن في اللغة تعني مجرد الموافقة .واطنت فلاناً يعني وافقت مراده، لكن آخرين من المعاصرين رأوا إمكانية بناء دلالة مقاربة للمفهوم المعاصر بمعنى المعايشة في وطن واحد من لفظة (المواطنة) المشتقة من الفعل (واطن) لا من الفعل (وطن) فواطن فلان فلاناً يعني عاش معه في وطن واحد كما هو الشأن في ساكنه يعني سكن معه في مكان واحد . والمواطنة بصفتها مصطلحاً معاصراً تعريب للفظة (CITIZENSHIP) التي تعني كما تقول دائرة المعارف البريطانية (علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق – متبادلة – في تلك الدولة ، متضمنة هذه المواطنة مرتبة من الحرية مع ما يصاحبها من مسؤوليات). المواطنة: تفترض هذه الكلمة القدرة على ممارسة حقوق المشاركة في العمل العام، أي الانتخاب والترشح للمناصب المختلفة، الوصول إلى المراكز الإدارية، والتعبير عن الرأي بشكل حر في الفضاء العام. يقصد بالمواطنة وفق دائرة المعارف البريطانية " علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق في تلك الدولة "وتؤكد دائرة المعارف البريطانية أن المواطنة تدل ضمنا على مرتبة من الحرية مع مايصاحبها من مسؤوليات وتختتم دائرة المعارف البريطانية تعريفها للمواطنة بان المواطنة على وجه العموم تسبغ على المواطن حقوقا سياسية مثل حق الانتخاب وتولي المناصب العامة فالمواطنة في الدولة الديمقراطية ذات مفهوم شامل يحوي عضوية كاملة في دولة أو في بعض وحدات الحكم وأداء واجبات محددة وتمتع كل من يحمل جنسية الدولة من البالغين الراشدين بحقوق المواطنة السياسية فيها وبالحرية والمسؤولية حرية شخصية ومسؤولية تجاه الدولة والمجتمع وغيرهما من المواطنين وتعتبر المواطنة مصطلح سياسي ثابت ومعروف يدل على صفة للمواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرضها عليه انتماؤه إلى وطن وهي تعني سياسيا الحقوق التي يتمتع بها المواطن كما أن لها مدلولات أخرى اجتماعية واقتصادية إذن فالمواطنة تعني تمتع الفرد بملكية محددة والمساهمة في موازنة الدولة ضمن شروط معينة وتعبر المواطنة عن كيان سياسي لان المواطن هو أساس العملية الديمقراطية باعتباره هو الذي يختار حكامه من خلال انتخابات حرة وعندما يباشر المواطن حقوقه السياسية من خلال الترشيح والانتخابات فسوف يأتي برلمان معبر عن مصالح الناس أو على الأقل قدر معقول من المصالح .كما تعبر المواطنة عن كيان قانوني ذلك أنها تؤدي إلى ممارسات وسلوكيات الإفراد الذين ينظمهم القانون سواء على مستوى علاقة الفرد بافراد آخرين أو على مستوى علاقته بالدولة والدساتير والقوانين ماهي الا أدوات لتنظيم هذه العلاقات حتى يتحقق التوازن بين المصلحة العامة للمجتمع ككل والمصلحة الخاصة للفرد المواطن . 4 - العولمــــة بيـن الماهية والهدف : استحوذت العولمة على أوسع اهتمام في أدبيات العالم العربي الاقتصادية ،الثقافية،السياسية ،التربوية،الإعلامية والتقنية،وسيتضاعف هذا الاهتمام خلال هذا القرن الذي ستصبح فيه العولمة من أبرز مظاهره ،والأكثر تأثيرا على صياغة ملامحه وقسماته وتضاريسه. إن العولمة التي أصبحت لغة دارجة في الأدبيات المعاصرة أصبحت تعاني من بعض الغموض ،فهناك غموض فيما يتعلق بمعنى العولمة وبحقيقتها : فهل هي ظاهرة حياتية جديدة ،أم مجرد موضة فكرية طارئة مصيرها للزوال ؟ وهل هي حركة تاريخية ستستمر في النمو ،أم هي فقاعة من الفقاعات التي ولدت لتموت ؟ هل وجدت العولمة منذ وجود الحضارة الإنسانية على الأرض؟ أم هي وليدة ظروف سياسية واقتصادية مرّ بها العالم في النصف الثاني من الفرن العشرين؟ ألم تكن الحضارات التي نشأت في الزمن قائمة على العولمة من خلال سيطرتها على الشعوب الضعيفة؟ ألم تكن الدولة العربية الإسلامية شكلاً من العولمة لها في فترة زمنية من التاريخ، من خلال طرح الإسلام كدين عالمي للبشر كافة ... دين يحترم الرغبات الشخصية والديانات المختلفة ويحترم حرية الشعوب، ويعمل على تحسين أوضاع الناس نحو الأفضل. ما تأثير العولمة على النظم السياسية للدول ؟ وكيف يتحصن الوطن العربي لمواجهة هذا الخطر؟ وما هي سبل الخلاص منه؟ ولماذا ينساق أبناؤنا نحو العولمة متحللين من مبادئهم وقيمهم وقوميتهم؟ وما الذي افتقد في حضارتهم ووجدوه في الحضارات الأخرى؟! وكيف نحصن العقول ونحميها من خطر العولمة؟ وكيف نحمي هويتنا من تيار يجرفنا معه نحو الهاوية؟ ألم تدرك هذه العقول أن العولمة قد تجاوزت المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية إلى التغيير النوعي للبشرية لخدمة أطماعها؟ وهذا يضعنا أمام الصورة الأخرى للعولمة من خلال معرفتنا بـ: ماهية العولمة، مدى تمظهرها في النظم السياسية أو مايطلق عليها العولمة السياسية . مامصير إشكالية المواطنة ،في الفكر العربي الحديث والمعاصر ، والتي طالما عرفت على أنها مشكل الاختيار بين النموذج الغربي وبين الذات العربية الخالصة بوصفها تقدم ،أو بإمكانها أن تقدم نموذجا بديلا وأصيلا يغطي جميع ميادين الحياة المعاصرة .هل مازلنا نحن العرب في وضعية تسمح لنا بالاختيار ؟هل مازال أمامنا اختيار أمام العولمة ؟ العولمة وتعريفاتها : قال أحد الأساتذة :"قد لانكون مجازفين إذا مااعتبرنا أن مفهوم العولمة مازال مفهوما هشا حتى في الحقل الاقتصادي الذي تشكل في إطاره". المفهوم اللغوي : العولمة هي إحدى مشتقات الفعل "علم"،"عالم"،"يعالم"،"عولمة"على وزن فوعلة. والعولمة لغة هي من المصادر القياسية في اللغة العربية ،وبالتالي هي مصطلح سليم من النحت والتركيب ،وهي هنا تنوب مناب الفعل فيكون معناها أداء الفعل الذي مادته الجذر اللغوي الذي هو العالم هنا وبذلك يكون معنى العولمة لغة جعل الشيء مادة العولمة عالميا أو على مستوى العالم وبهذا المعنى "إسباغ صفة العالمية على موضوع فعل العولمة "ولقد قدمت موسوعة إدارة الأعمال تعريفها للعولمة على " عملية زيادة الالتحام في الحضارة العالمية "والعولمة لغويا هي تعميم الشيء الى أبعد حد ممكن وتطبيقه على أوسع نطاق.أو هي تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل العالم كله. العولمة تلك الظاهرة التي اجتاحت العالم وظهرت حولها عدة تعريفات في محاولة لتفكيك أبعادها حيث توصف بأنها عملية تحول في حياة الأفراد والجماعات ومدى علاقاتهم بأنظمة الحكم وأنماط الحياة، وكأن الشعوب والدول تسير في مرحلة تطور جديدة في مسيرة الإنسان والكون. ويعرف اخرون العولمة بأنها عبارة عن"توسيع لأطروحة القبائل على المستوى الاجتماعي"، واستمرار منطق الصراع بين الثقافات عبر التاريخ وهي مفصل في الصراع التاريخي من اجل التحكم وطلب الهيمنة بين الأمم حيث أدى هذا التحول في ظهور العولمة إلى مأزق أمام الدولة القطرية في العالم الثالث في النواحي الأمنية والسياسية والاقتصادية، واضعف الوعي الاجتماعي وسوق العمل والعمالة، وظهور البطالة والفوارق في الدخول وتهميش الطبقة الوسطى وازدياد الأغنياء غنا، والفقراء فقرا، وإخراج الدولة من دائرة الإنتاج على حساب نفوذ ومكانة وانجاز الدولة الوطنية. أن ظهور العولمة تعد مسالة مهمة في التكوين التاريخي العالمي تعود في جذورها إلى فترة سابقة مع ظهور الدولة القومية كنقطة فاصلة في حياة المجتمعات المعاصرة في منتصف القرن الثامن عشر،ثم شيوع الدولة القومية في القرن العشرين اعتبر احد مظاهر تكوين العولمة ،بحيث توصف العولمة بالعملية التاريخية غير القابلة للرجوع إلى الخلف، وأنها نهر يتدفق يصعب إيقافه، او الوقوف بالضد منه، وقد أسهمت فيها شعوب وحضارات من الشرق والغرب مع تدفق الأفكار والحواسيب والانترنت والبريد الالكتروني والأقمار الاصطناعية والأسواق الحرة والاتصالات والتقنية الحديثة والثقافات العالمية. فالعولمة أذن إعادة أنتاج لنظام الهيمنة القديم. ولم تعد نتائج العولمة محصورة بمنطقة أو دولة معينة بل وصلت أبعادها لتشمل كافة دول العالم، وتحولت من عولمة في نطاق ضيق إلى واسع كوني، فهي عملية مستمرة ومتغيرة وفاعلة تؤدي إلى تطور عمليات التغيير في العقل والسلوك والممارسة اليومية لاتقف عند حدود معينة حيث تقوم بعمليات العولمة أفراد وجماعات وشركات ومؤسسات أشبه بممارسات وسلوكيات مترابطة ومتشابهة . أن آلية وتطور العولمة يمنحها الحركة والانتشار وتخطي حدود الدولة، والتفاعل مع التغيرات التي تذوب فيها الهوية والحدود السيادية الوطنية، ومن أبرزها مقومات العولمة هي التقنية الحديثة والشركات المتعددة الجنسيات والعابرة القارات ودورها في التغيرات العالمية وحركة الرأسمال والاستثمار الأجنبي المباشر. 5 - العولمة السياسية : شهدت العقود الأخيرة من القرن العشرين ومطلع الألفية الثالثة تراجع في بنية ووظيفة الدولة الوطنية في أكثر من مكان في العالم، ومحاولة تفكيك واحتواء التصورات المطروحة في قدرة المؤسسة الحاكمة على تطوير كيانها وتأسيس مشروعها التحديثي لضمان استمرارها وبقائها،وسجلت مرحلة التحرر والاستقلال الوطني انجازات للدولة في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية،ولكنها تراجعت أمام غياب أهم العناصر وهي بناء التجربة الديمقراطية التي تضمن مشاركة صناعة القرار وتعزيز الهوية الوطنية مع تصاعد حدة تحديات العولمة والهيمنة الاستعمارية الجديدة . يقول ايفا لوارد Ivan luard* " إن تقلص المسافات خلق رؤية سياسية جديدة تتجاوز الرؤية القومية ،فالجميع يعلمون أنهم يعيشون على كوكب صغير ،مايزال ينكمش بصورة مستمرة ،لم تعد مسؤولياتهم :ولا اهتماماتهم محددة ،وفقا لخطوط رسمت بشكل عشوائي عبر العالم ،فعلى كوكب صغير جدا لم يعد لهم من خيار ،إلا أنهم مواطني العالم كله ". يعتقد أنصار العولمة ان الدولة القومية لم تعد قادرة على تلبية جميع حاجيات الشعوب ، من عدالة اجتماعية ،وازدهار اقتصادي ،ومحافظة على البيئة،وحماية حقوق الانسان ،كما أن المشاكل العامة التي تمس الأفراد في كل البلدان ،مثل الإرهاب والمخدرات والمجاعة ومشكلة اللاجئين حيث أصبحت لها هيئات وسلطات تتولى محاربتها. أن تأثيرات العولمة تشمل عدة مجالات فيما يخص الدولة الوطنية منها السياسية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية. ففي المجال السياسي فان زمن العولمة أدى إلى انبعاث مؤسسات ضخمة تتعدى السياسة الوطنية حيث المستقبل سيكون بيد القرارات التي تصدرها الشركات العالمية الكبرى والتي لاتعترف بالفضاء الوطني السيادة الوطنية،ولا الثقافة الوطنية،لأنها تجسد فضاءات جديدة من المصالح والإعمال والخدمات، أي أن الدولة –الأمة(Nation-State) لن يكون لها دور كبير على الصعيد الداخلي بل ستكون مجبرة للتعامل مع الشركات العالمية وستفتح لها طريق الحرب والدبلوماسية، وتمنح المساعدات والتسهيلات لها، وتفتح الأسواق الحرة أمامها، وتكسر القيود والتشريعات بما فيها دور الدولة والنقابات.أي انه لاحكم في ظل العولمة ، ولادور للدولة في مشاركتها مع قوى العولمة الفاعلة في الأسواق الحرة،ولإمكان للسلطة التشريعية إلا في إصدار قرارات اقتصاد السوق،حيث تقوم الشركات كمؤسسات أنتاج ومنظمات كبرى دولية تفرض شروطها على المؤسسات ذات السيادة،أو تدعي أن لها سيادة على الدولة الوطنية باحث في جامعة أكسفورد ودبلوماسي وسياسي محنك مهتم بالشؤون الدولية ويعتبر من أنصار العولمة. إن الاتجاه الذي يؤيد زوال الدولة بإضعافها هو الاتجاه الذي يرتكز على الهيمنة الأمريكية والفرص السانحة لها في فرض سيطرتها على العالم ، وفي هذا المجال يقول "رويتكوف دفيد" :"من المصلحة العامة للولايات المتحدة الأمريكية أن تشجع تطوير عالم يتم فيه تجاوز حدود الصراع التي تفصل بين الأمم عبر المصالح المشتركة ومن المصلحة الاقتصادية والسياسية لأمريكا ،أن العالم إذا كان يتحرك في اتجاه لغة مشتركة فإن هذه اللغة ستكون الانجليزية " . وكإجابة للتساؤل نعتقد أن مهام الدولة لاتتراجع وإنما الدور هو الذي يتراجع . إن دور الدولة في تسيير مختلف أنشطة الحياة اختلف تاريخيا من مرحلة لأخرى تحت تأثير المدارس الاقتصادية التي عرفها الفكر الاقتصادي فالمدرسة التجارية التي ظهرت أفكارها في أوربا منذ بداية القرن 15 واستمرت حتى منتصف القرن الثامن عشر وطوال تلك الفترة عرفت تسيير النشاط التجاري من طرف الدولة التي أدارت الاقتصاد بالتركيز على التجارة ويقول جون دي سولسفان " بأن على المؤسسات الحكومية والمنظمات الذاتية التنظيم أن تلعب أدوارا رئيسية في ضمان عدالة القوانين وسريانها على الجميع وضمان تطبيقها وشفافية العملية. أما المدرسة الطبيعية فقد تغير معها الأمر فقد دعا روادها الى عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وانحصر دورها في الدفاع والأمن الداخلي والخارجي أما المدرسة الكلاسيكية التي جاءت فيما بعد فقد شددت على عدم تدخل الدولة في الاقتصاد بل اعتبرت تدخلها مضر بالأفراد وحصر دورها في الدفاع وتحقيق الأمن وحراسة الوطن . لقد كانت الدولة في عصر ماقبل الرأسمالية تتدخل في تنظيم الاقتصاد القومي ،بتوحيد السوق ،وإزالة العقبات أمام انتقال السلع من مكان لآخر ،بينما مع مجيء الثورة الصناعية تراجع هذا الدور لصالح أرباب العمل ،وأصحاب المؤسسات تحت شعار "دعه يعمل ،دعه يمر" وبذلك أسست الرأسمالية نشاطها الاقتصادي على الحرية ،على كل المستويات الاقتصادية .على الرغم من وجود من يعارض أطروحة العولمة كعائق للدولة وهو ميشال غلوك حيث يقول " .... مع ذلك لاتعمل الدولة على خلق عالم موحد فهي ليست مرادفا لتعبير عالم بل تتجه أكثر فأكثر الى خلق نظام متشابك لعوالم متصلة ،أي مرتبطة فيما بينها". ولكن ظل دور الدولة قائما تتدخل من حين لآخر خاصة لما يتعلق الأمر بمصالح الطبقة المسيطرة ،ومن هنا يمكن القول أن وظيفة الدولة قد تحولت من الحفاظ على مصالح الطبقة المهيمنة وسار الأمر على هذه الحالة الى غاية وصولها الى مايعرف بالدولة الرخوة التي أرخت قبضتها سيئا فشيئا ،وتنازلت عن تسيير وتنظيم النشاط الاقتصادي لصالح الشركات المتعددة الجنسيات .وتسعى الدول لبيع شركاتها ومشروعاتها الى الشركات العالمي الكبرى. باسم الخصخصة كما يتضح الآن في كثير من الدول التي تحاول أن تكيف سياستها مع سياسة الأقوياء .فأمريكا تسيطر على اقتصاديا وسياسيا وتفرض على الدول شروطا ومقاييس أمريكية على الدول الأخرى لكي تتكيف مع سياستها 5سواء رضيت أم لم ترضى. خلاصة الأمر أن الدولة قد غيرت من وظيفتها وأصبحت خاضعة لهيمنة الشركات المتعددة الجنسيات التي جعلت الكرة الأرضية كلها سوقا اقتصادية واتخذت من الدول آداة من أدوات الامبريالية . إننا نرى بأن الحديث عن دور الدولة في ظل العولمة يمكن تناوله من صورتين : 1- إن دور الدولة الوطنية في ظل الأنظمة الليبرالية "المعولمة"لايزال واضحا ذلك أنها لازالت تملك القوات المسلحة وتستطيع حماية مصالحها في كل مكان وهي إن تركت الإنتاج للأفراد والمؤسسات فإنها لازالت تسير الحياة الاقتصادية وواقعها في المجتمعات الأوربية فألمانيا مثلا مازالت تحكم أغلبية الصناعات وتسيطر الدولة على أغلب القطاعات وفي الوقت نفسه تسيطر فرنسا على قطاعات كبرى مثل النقل والصحة . 2- الدولة الوطنية في البلدان النامية بحكم خضوعها للقوه المهيمنة، فان دور الدولة يضعف ويصبح الأمر أشبه ببلديات موزعة عبر العالم تحكمها دوائر قوية السلطة تفرض مواقفها على جميع الأفراد.ولنا أن نتساءل الآن عن مكانة المواطن وحقوقه في عصر العولمة. ترتبط كلمة مواطن بالوطن ،وهذه الكلمة لاتعبر عن المعنى الذي تؤديه كلمتا Citoyen الفرنسية أو Citizenالانجليزية اللتان تعنيان المدينة ،والفرق واضح فالوطن "حدود وجغرافيا"بينما المدينة تضم جميع الأفراد الذين لهم الحق في تسيير المدينة وتدبير شؤونها هذا من جهة ومن جهة أخرى إذا كانت العولمة لاتعترف بالوطن فإنها بدون شك لاتعترف بالمواطن ولابحقوقه في الانتخاب أو المراقبة أو التنسيق أو أي تأثير فعلي في مجرى أمور الدولة .الحق الوحيد الذي تبقيه له هو حق الاتصال ،ومن ثم جاء استبدال الجابري للفظ سيتويان بــ نيتويان نسبة الى نيت من كلمة انترنت حيث اتصال الأفراد مع غيرهم بواسطة شبكة المعلومات العالمية . وإذا كان هذا هو رأي الفريق الذي تأثر بالعولمة الجارف فإن هناك فريقا آخر يقف موقفا مخالفا ،فمنهم من يرى بأن العولمة لاتؤثر كثيرا على سيادة الدول ومن المعارضين لأطروحة العولمة وتوحيد العالم نجد "ميشال كلوغ " الذي كتب قائلا "مع ذلك لاتعمل العولمة على خلق عالم موحد فهي ليست مرادفا لتعبير عالم واحد بل هي تتجه أكثر فأكثر الى خلق نظام متشابك لعوالم متصلة أي مرتبطة فيما بينها ". كما أن جميع التنبؤات التي قيلت بشأن زوال الدولة بزوال مهامها قد بين التاريخ فسادها ،وقد سبق كارل ماركس أن تنبأ في القرن التاسع عشر بزوالها ،لكن لم يحدث هذا الأمر. 6 - نحو مواطنة عالمية : بفعل التقارب بين الشعوب الذي أحدثته تكنولوجيا الاتصالات الهائلة،والنشاطات المكثفة للمنظمات غير الحكومية،وكذا بفعل إفرازات العولمة المتعددة ،بدا واضحا قيام حس عالمي إزاء قضايا المعمورة قاطبة ،كما أضحت الأفكار تتواصل بسهولة بين الشعوب إلى درجة أن طغى إلى السطح مفهوم المجتمع المدني العالمي ،فهل سنشهد مستقبلا ظاهرة من هذا القبيل ؟ على غرار الاقتصاد ،التجارة والقانون ،يبدو أن اتجاهات التغير الكبرى ستطال أيضا المجتمع المدني ،بتعميق الاتجاه العالمي لقضايا حقوق الإنسان والبيئة والفقر والأوبئة والديانات ،وغيرها من القضايا التي أصبحت محط اهتمام واسع مقارنة بالعقود السابقة ،فوسائل الإعلام والاتصال الحديثة صارت تخاطب الأفراد والمجتمعات مباشرة وفي كل مكان وانتفت بذلك فواصل الجغرافية والزمنية. لقد برز مفهوم المجتمع المدني العالمي في سياق فلسفة مابعد الحداثة ،وكذا في خطاب العولمة ، وهو المفهوم الذي يشير إلى أنه مجموعة العلاقات الاجتماعية التي لاتندمج في سياسة الدولة الوطنية ،أو التي لا تحدد من طرفها ،وإنما يعني مجموعة العلاقات الاجتماعية العابرة للحدود والتي تحددها القيم العالمية . ولقد شكلت المنظمات غير الحكومية النواة الأولى لظهور هذا المفهوم ،بفعل نشاطاتها العبر قومية ،كما لعبت ثورة المعلوماتية دورها في هذا المجال ،بالإضافة إلى ظاهرة العولمة ذاتها ساهمت في تبلور مفهوم المجتمع المدني العالمي ،وكذا مفهوم المواطنة العالمية ،نتيجة إفرازاتها السلبية ،وذلك ماظهر جليا على هامش ،القيم الدورية للمنظمة العالمية للتجارة ،على غرار قمة سياتل ودافوس ،أين ظهرت حركة جماهيرية مضادة لمسار عولمة الاقتصاد والمبادلات كما ارتسمت قواسم مشتركة بين الشعوب فيما يخص القضايا العالمية ،كالحروب وظاهرة العنف والإرهاب ،والاحتباس الحراري ،والأوبئة فكل هذه المشاكل العالمية شكلت نوعا من الضمير الجماعي غذته تكنولوجيا الإعلام والاتصال ،وقد كانت نفس المشاكل مطروحة عبر التاريخ ،ولكنها اليوم تطرح في كنف إعلام هائل ،ونشاط متميز للمنظمات غير الحكومية ،والحركات الحقوقية والإنسانية .إن عجز المنظومات الوطنية على احتواء الأزمات والمشاكل ،وحتى ضمان الحقوق الأساسية للأفراد قد عبد الطريق أمام قوى عبر القومية لتتولى الدفاع عن حقوق الأفراد والمجتمعات ،ودونما اعتبار للاختلافات والجنسيات ،على غرار منظمة العفو الدولية ،والسلام الأخضر وغيرها من المنظمات الناشطة دوليا ،والتي صارت تمثل ثقلا دوليا يتجاوز قدرات المجتمعات المدنية في التعامل في التعامل مع المسائل المطروحة . كما أن تخلي الكثير من الوحدات السياسية على أدوارها وسياساتها الاجتماعية تماشيا مع اقتصاد السوق ،قد جعل من مسألة الحقوق والمواطنة تنفذ من المستوى المحلي الى المستوى الخارجي ،أي أن حقوق الأفراد أصبحت تتولاها تنظيمات غير حكومية ،من خلال هذا يتضح أن المسألة الاجتماعية أصبحت شائكة في الوقت الراهن ،ذلك أن الدولة إذا استجابت لتحولات السوق العالمي فإنها بالضرورة ستتغاضى ولن تستجيب لقضايا وإرادات المجتمع . إن التراجع عن السياسة الاجتماعية تشكو منه عدة مجتمعات ،ولاسيما المجتمعات المتقدمة ،على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا التي انطلقت من دولة الرفاه الى العزوف عن السياسات الاجتماعية منذ الثمانينات ،أين يتجلى مالمفهوم الجديد الذي صاغه الليبراليون الجدد،والمتمثل في الحكومة المحدودة ،والتي تتولى جوانب الأمن والسياسة الخارجية فقط. زيادة على ذلك ،فإن قوى السوق باتت تفرض منطقها حتى على الحياة الاجتماعية ،من خلال الضغط على الحكومات بترك التغطية الاجتماعية ،والضمانات والتعويضات ،ومن ثم فإن مثل هذه الضغوطات تتعارض وتطور دولة القانون وهم بذلك يسعون الى خلق دول في حدها الأدنى . وبناءا على ماسبق ،تصبح الوضعية الاجتماعية للأفراد غير متبناة من طرف الحكومات ،مما يجعل المجتمعات المدنية المتماثلة في مثل هذا الواقع تتضافر جهودها في فضاءات خارج نطاق الدولة ،سعيا للدفاع عن حقوقها الاجتماعية والمهنية ،وهو الأمر الذي صار جليا في أوربا ،وكذا الولايات المتحدة الأمريكية ،أين تعبر الجماهير عن رفضها للإقصاء والتهميش ،ولاستنكارها لتراجع الحكومات عن أدوارها الاجتماعية وفي مضمار آخر ،شكلت خطابات الليبرالية الجديدة لبنة أخرى في صياغة فكرة المجتمع المدني الشامل ،من خلال إقرانها فكرة السوق الحرة بمسألة حقوق الانسان ،واعتبار ها من حيث الخطاب الإيديولوجي كطرفي معادلة واحدة كفيلة بتحقيق رقي الإنسانية ،وبغض النظر عن لمعان وجاذبية مثل هذا الخطاب ،فقد شكلت مسألة حقوق الانسان محورا هاما لدى دعاة العولمة وأنصارها ،وعلى الرغم من التناقض الصارخ بين الخطاب والممارسة ،فقد شكلت العولمة إحدى قنوات تمرير فكرة المجتمع الشامل والمواطنة العالمية. إن التهميش الذي يعانيه ملايين البشر والإقصاء جعل مفهوم المجتمع المدني الشامل يتبلور ويشكل ضميرا جماعيا واحدا لدى الغالب من الأفراد حيث يرى بعض المحللين ان المجال الديمقراطي أخذ يتقلص ولاسيما في الديمقراطيات العريقة ،أين أصبحت القوى العالمية هي المبادرة بالقرار ووضع السياسات المحلية دونما اعتبار للحقوق الاجتماعية والسياسية للأفراد ،وهو الأمر الذي تولد عنه مايسمى بالنقض أو العجز الديمقراطي ،قبالة النظام العالمي الراهن ،وهو مافتح المجال أيضا لبروز مفهوم أو طرح المجتمع المدني الشامل ، والذي يعتبره البعض كحل وسط أمام هيمنة قوى السوق من جهة ،وتراجع الوظيفة الاجتماعية من جهة أخرى ،وحتى وإن كان مجرد مفهوم إلى أن المجتمع المدني الشامل يراد له أن يتحقق ،وجعله كمشروع بديل للمجتمعات المدنية الوطنية . إن نقل مفهوم المجتمع المدني من الإطار المحلي الى الإطار العالمي ،يبدو أنه سيخلف إشكالا معقدا ،ذلك ان المجتمع المدني يعبر عن وسيط أو حلقة وصل بين مؤسسات الدولة والمجتمع . وهي المعادلة الصعبة التحقيق على المستوى العالمي إلا حالة إذا مااعتبرنا أن المؤسسات الدولية في مجموعها تشكل نسقا يفضي الى مايسمى بالحكومة العالمية . إذن فدعاة المجتمع المدني الشامل ،يعملون جاهدين على تحويل الفرد إلى مواطن عالمي ،تتسع هويته الى الهوية العالمية ،ويتسع معه إدراكه بكونه عنصر فاعل في العالم،وهو في هذا النطاق يخضع لصيرورة الانتقال من أسر الدولة القومية وحدودها الإدارية والسياسية الضيقة الى رحاب الإنسانية شديدة الاتساع ،ومن الولاء للوحدة السياسية إلى الانتماء للعالم بأسره . لقد أيقنت المجتمعات المدنية ،أن الدفاع عن الحقوق الاجتماعية والنقابية المهنية ،لم يعد محليا أمام عجز الدولة الوطنية ،وإنما اتخذ الدفاع عن الحقوق جهة أخرى هي المستوى الدولي ،كون ارهاصات العولمة تسببها قوى السوق الدولية التي تتجاوز إطار الدولة ،ومن ثم وجدت المجتمعات المدنية في الهيئات والمنظمات غير الحكومية منبرا ملائما وفعالا لإسماع صوتها . إن المجتمع المدني العالمي قد يصبح يوما ما حقيقة ،بالنظر الى التفاعل الكثيف الذي يميز اليوم مختلف شبكات العلاقات الدولية ،ويرى البعض أن مايميز هذا العصر المسمى بالشامل أو الشمولي أن ليست هناك دول وطنية بدون مجتمعات عالمية .ولا مجتمعات عالمية بدون دول وطنية ،فالمجتمع العالمي يعني التنوع بدون وحدة ،ويعني المجتمع الوطني الوحدة مع التنوع المحدود ،وهذا التشابك والتفاعل في العلاقات يؤدي الى نشأة عوالم حياتية عبر الحدود أي التعايش عبر الحدود ومن ثم التقارب الاجتماعي رغم البعد الجغرافي ،وهذا التقارب والتعايش من شأنه أن يعطي فرصا وحظوظا أوفر لقيام مجتمع مدني عالمي تنصهر في بوتقته قضايا وحقوق الأفراد والجماعات ،إن غرابة وغموض مفهوم المجتمع المدني العالمي الشامل ،تكمن في كونه نشأ في أحضان العولمة ،وهو في الوقت ذاته يكاد يكون اتجاها مضادا للعولمة باعتبار أن هناك وعي غير مسبوق من قبل الأفراد والجماعات والتنظيمات الحقوقية بأشكال الإقصاء والتهميش التي تفرزها ظاهرة العولمة .ولكن التساؤل المطروح هو : هل ستنتقل النزاعات الاجتماعية Conflits sociaux من الفضاءات الوطنية الى فضاء شامل العبر قوميConflits globalisés ؟ عندها سينتقل مفهوم المجتمع المدني الشامل من الحيز التجريدي الى الواقع الملموس ،أين يتولى أو بالأحرى يوكل إليه الدور التمثيلي للمجتمعات المدنية المحلية ،إن وضعيات الاحتقان التي تعيشها الكثير من المجتمعات ،قد تحتويها المنظمات الغير حكومية والحركات الحقوقية الدولية ،لتشكل بذلك لنفسها منطلقا لحيازة شرعية تمثيل المجتمعات المدنية الوطنية على مستوى أعلى ، يتجاوز حدود الدولة الأمة ومن ثم ستدفع الحكومات ضريبة وثمن تخليها عن السياسات الاجتماعية ،لتنصرف هذه الأخيرة وتتولى مقاليدها كيانات عبر وطنية . وإذا تحقق مثل هذا الطموح الذي يسعى إليه منظروا ودعاة المجتمع المدني الشامل ،والمواطنة العالمية ،فمن شأنه أن يضيف أثرا آخر على الدولة القومية ،فعلى غرار الاختراقات الممارسة من طرف قوى السوق والمؤسسات العالمية والشركات متعددة الجنسيات ،فقد تشهد الدولة الأمة مستقبلا إستيلابا واحتواءا لقضاياها الاجتماعية بل ولسياساتها الاجتماعية ،الأمر الذي سيمسها في الصميم ،في حالة تبلور مشروع المجتمع المدني الشامل ،وكيف له لايقوم وله كل الفرص ليتجسد في عهد الشمولية المتعددة الأبعاد ،فالبيئة مواتية دوليا ،والنزاعات الاجتماعية مستشرية قطريـا . | |
|
| |
abdelhalim berri المدير العام
الإسم الحقيقي : Abdelhalim BERRI البلد : Royaume du Maroc
عدد المساهمات : 17537 التنقيط : 96662 العمر : 64 تاريخ التسجيل : 11/08/2010 الجنس :
| موضوع: رد: المواطنة و العولمة..... الأربعاء 14 ديسمبر 2011, 23:40 | |
| أتمنى أخي العزيز ذ. ياسين بوهير أن أكون قد وفقت في توفير هذه المعلومات عن موضوع بحثك المواطنة و العولمة وفقك الله أخي لما فيه خير
| |
|
| |
| المواطنة و العولمة..... | |
|