كثر في الآونة الأخيرة استخدام الأغذيةوالأعشاب والممارسات التقليدية في علاج العديد من الأمراض، وأصبح الناسيلجؤون إلى العطارين والأطباء الشعبيين وغيرهم؛ طلباً للتخلص من بعضالآلام الجسدية، أو علاج أمراض لم يستطع الطب الحديث علاجها. ومع تهافتأفراد المجتمع نحو هذا النوع من العلاج كثرت في الأسواق الوصفات الشعبيةالتي تدعي علاجاً ليس لمرض واحد، بل لمجموعة كبيرة من الأمراض، كما ارتفععدد العيادات التي تستخدم الطب التقليدي في علاج الأمراض. وقد أدى ذلك إلىدخول مجموعة ليست قليلة من الدجالين والنصابين في هذه المهنة، واختلطالحابل بالنابل وحدث الكثير من المضاعفات الخطيرة لبعض المرضى نتيجةاستخدام وصفات شعبية خاطئة.من المفهوم نبدأيوجد للطب الشعبي عدة مسميات مثل الطب المحلي، والطب التقليدي، والطبالبديل، وطب الأعشاب وغيرها. وكل هذه المسميات تصب في مفهوم واحد هو(الممارسات التقليدية المستخدمة في علاج الأمراض قبل تطبيق العلم علىالمسائل الصحية في الطب الحديث). ولقد تمت ممارسة الطب الشعبي في جميع دولالعالم على اختلاف ثقافاتها.وللأهمية نلتفتهل فعلاً الطب الشعبي مهم، أو يجب أن يكتفي الناس باستخدام الطب الحديث فيعلاج أمراضهم؟ تشير دراسات منظمة الصحة العالمية إلى أنه يجب الاهتمامبالطب الشعبي للأسباب التالية:- إيمان نسبة كبيرة من أفراد المجتمع بفائدة الطب الشعبي.- تمارس نسبة كبيرة من أفراد المجتمع أحد أشكال الطب الشعبي في علاجالأمراض.- العديد من الممارسات التقليدية في الطبابة جاءت عن طريق التجربة وتعطينتائج مقبولة.- يعيش في الوقت الحاضر نصف سكان العالم في بلدان توجد بها إدارات أو جهاتحكومية مسؤولة عن الطب الشعبي.- في العديد من البلدان النامية يتولى الممارسون الشعبيون والدايات رعاية80% أو أكثر من السكان الذين يعيشون في المناطق الريفية.- يعتمد الطب الشعبي على نباتات طبية تزرع بشكل كبير في البلد نفسه الذييتم فيه العلاج الشعبي، مما يسهل من استخدام هذه النباتات وتقليل تكلفةالعلاج.-تواجه معظم الدول النامية صعوبة في توفير الرعاية الصحية لجميع السكاننتيجة لصعوبة الوصول إلى بعض الأماكن النائية. لذا فإن توفر الطب الشعبيفي هذه الأماكن يساعد على التغطية الصحية لنسبة كبيرة من المجتمع.وللخليج ننظرأظهرت الدراسات أن نسبة استخدام الطب الشعبي في علاج الأمراض في دولالخليج ليست بالقليلة، وتصل في بعض الحالات المرضية إلى حوالي 80% منالأمهات قيد الدراسة، فمثلاً وجد أن 68% من الأمهات في هذه الدول استخدمنالوصفات الشعبية لعلاج التهابات العين، وتراوحت النسبة من 70% في البحرينإلى 75% في الكويت، وتبين أن الإمساك، وآلام الأسنان، وآلام البطن،والحروق، والإسهال، والتهابات العين ،والإنفلونزا، وآلام الأذن من أكثرالأعراض المرضية التي تقوم الأمهات باستخدام الطب الشعبي في علاجها.وعندما سئلت الأمهات عن لجوئهن إلى الطبيب الشعبي لعلاج مرض أو أكثر صرحت50% من الأمهات بأنهن لجأن إلى الطبيب الشعبي لعلاج الأمراض، وكانت النسبةكالتالي: 45% لكل من البحرين والكويت، و50% في قطر، و64% في الإمارات، وقدترجع هذه النسب إلى مستوى تعليم الأم، فكلما ارتفع مستوى تعليم الأم قلاستخدام الطب الشعبي. أما بالنسبة لاستخدام الممارسات التقليدية الأخرىمثل الكي، والحجامة، والأحجبة فقد تبين أن 60% من الأمهات في الخليجتستخدم الكي في علاج بعض الأمراض، وتراوحت النسبة من 40% في الكويت إلى 72% في قطر. أما الحجامة فقد كانت نسبة استخدامها حوالي 38% وكانت أعلى نسبةاستخدام في دولة الإمارات (53%). وأوضحت الدراسات أن 43% من الأمهات فيالخليج يستخدمن الأحجبة وكانت أعلى نسبة في الاستخدام في البحرين (48%).كيف علموا؟!تشير إحدى الدراسات إلى أن 87% من الأمهات يعتمدن على الأهل والأصدقاء فياستخدام الطب الشعبي، والنسبة الباقية 13% تعتمد على المجلات والكتبووسائل الإعلام الأخرى في استخدام الطب الشعبي. وتبين أن الاعتماد علىالكتب كمصدر رئيس في الممارسات التقليدية للعلاج كان الأعلى عند الأمهاتفي البحرين (61%) مقارنة بالأمهات في بقية دول الخليج العربية (تتراوحالنسبة بين (6% إلى 18%). وقد يرجع ذلك إلى ارتفاع مستوى تعليم الأمهاتالبحرينيات الداخلات في عينة الدراسة.الجيل الصاعدأظهرت دراسة حول الطب الشعبي عند جيلين من الأمهات في دولة الإماراتالعربية المتحدة أن الجيل القديم (الأمهات اللاتي تزيد أعمارهن على 40سنة) أكثر استخداماً للطب الشعبي من الأمهات صغيرات السن (الجيل الجديد)اللاتي تقل أعمارهن عن 30 سنة، ولكن كلتا المجموعتين تستخدم الطب الشعبيبشكل كبير. فمثلاً وجد أن 70% من الجيل الجديد يستخدمن العلاج الشعبيللإسهال مقابل 85% في الجيل القديم، و80% مقابل 100% في علاج مرض اليرقان(أبو صفار)، و65% مقابل 90% لعلاج الحصبة، و90% مقابل 95% لعلاج التهاباتالعين.والخلاصةتدل الدراسات القليلة عن ممارسات الطب الشعبي في دول الخليج العربية علىأن استخدام هذا الفرع من الطب مازال قائماً في علاج بعض الأمراض الشائعة،وتبين أن العديد من الوصفات الشعبية ذات جذور إسلامية وعربية وقد وردذكرها في كتب الطب القديمة، مما يؤكد توارث هذه المعتقدات الشعبية. ولكييتم توجيه ممارسات الطب الشعبي بالشكل الصحيح يجب الاهتمام بالجوانبالتالية:الفرز أولاًفرز الممارسات التقليدية وتشجيع الجيد منها. وعدم تشجيع السيئ منها. ومنناحية الفوائد الصحية للوصفات الشعبية لعلاج الأمراض فإنه يمكن تقسيمهاإلى 4 فئات:- وصفات شعبية مفيدة: وتشمل الوصفات التي لها فوائد صحية أكيدة (بإذنالله) في تخفيف حدة المرض، مثل تناول السوائل عند الإصابة بالإسهال أوالإمساك، واستخدام القرنفل في تخفيف آلام الأسنان.- وصفات شعبية غير ضارة: وتشمل الوصفات التي لا تساعد على تخفيف أعراضالمرض أو علاجه، ولكنها لا تسبب مضاعفات صحية مثل تناول السوائل لعلاجأوجاع البطن والغازات.- وصفات شعبية ضارة: وتشمل الوصفات التي قد تسبب ضرراً صحياً أو مضاعفاتأخرى عند استخدامها مثل وضع الحليب على الحروق وتناول الملينات لعلاجالإمساك.- وصفات شعبية غير معروفة النتائج: وتشمل الوصفات التي تستخدم فيها بعضالنباتات الطبية التي لا يعرف فوائدها الصحية وتتطلب إجراء المزيد منالبحث لتحديد فعاليتها.والعودة للتدقيق ثانياًيجب الاهتمام بإجراء البحوث في الطب الشعبي وتشجيعها. وقد حددت منظمةالصحة العالمية أهم المجالات التي لها أولوية البحث في الطب الشعبي، معتأكيد الرعاية الصحية الأولية. وهذه تشمل دراسات حول فعالية الأدويةوالطرائق التقليدية لعلاج الأمراض، وإجراء تجارب لتحديد أدوية أو أعشابجديدة ومعرفة سلامة استخدامها وفعاليتها وتقويم الاستخدام الحالي للمداوينالتقليديين، ومقارنة التكاليف لفعالية العلاج التقليدي، وإجراء مسوحلمعرفة خلفية الفئات المختلفة المستخدمة للطب الشعبي، وتحديد مقدارالمعرفة والمهارات التي يجب أن تنقل إلى الممارسين التقليديين؛ حتى يتسنىلهم أداء عملهم بفعالية في برامج الرعاية الصحية الأولية، وتحديد أفضلخليط من المداوين الشعبيين العصريين بأسلوب روح الفريق للرعاية الصحيةالأولية.والتدريب ثالثاًيعتبر الأطباء الشعبيون والممارسون التقليديون العاملين الصحيين الحقيقيينفي العديد من المجتمعات النامية حتى في بعض المناطق في دول الخليجالعربية. وهم يتمتعون بثقة الناس مهما كان مستوى مهاراتهم، لذا فإن معظمالهيئات الصحية توصي بأهمية تدريب هؤلاء المطببين وإدراجهم ضمن برامجالرعاية الصحية الأولىة. وقد قامت العديد من دول شرق آسيا بذلك، كما أنبعض دول الخليج مثل دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت قد خصصت مراكزخاصة للتداوي بالأعشاب الطبية تخضع لرقابة وإدارة وزارة الصحة.