عادات وتقاليد شعبية تربت في كنف التراث الحضاري لدى سلطنة عمان وتوارثتها الأجيال يوماً بعد يوم لتنم على تنوع العلوم الإنسانية والشواهد التاريخية للبلاد .حيث حرصت السلطنة منذ القدم على تولي مسؤولية الحفاظ على تراثها الشعبي من خلال منظومة اجتماعية تجمع بين التراث العريق و الأخذ بمعطيات الدولة العصرية الحديثة .وأحد أبرز فروع التراث الشعبي في عمان هو الطب التقليدي حيث لجأ العماني لفطرته السليمة ووجد ضالته في بيئته الزاخرة بالنعم فامتدت يده إلى طبيعة عمان البكر لتنهل من فيض خيرها الوفير وهنا برز الطب الشعبي بكل صورة من تداوي بالأعشاب والحجامة والوسم والتجبير وغيرها من الفروع الأخرى .شاب عماني شغف بالطب الشعبي فأخذ يبحث عن خبايا هذا الإرث العريق ويكشف الغموض عن بعض طرق العلاج الشعبية التقليدية .في مسقط كانت البداية وبالتحديد في عيادة الطب الشعبي التي تم تأسيسها في عام 1988 بأمر سام كريم من لدن صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد حفظه الله ورعاه برؤية حكيمة نابعة من إيمان عميق بأهمية الحفاظ على الطب الشعبي كنبع تراثي زاخر نهل منه الأجداد والآباء منذ عهود غابرة
تكتظ الأسواق التقليدية بالعديد من دكاكين المشغولات اليدوية كالفضيات والخناجر والمنسوجات العمانية ذات الالوان الباهية مما جعلها وجهة لعدد كبير من الناس والسائحين .
ومن بين جنبات الأزقة المتعرجة في سوق مطرح التقليدي المفعم برائحة اللبان المنسجم مع نكهة التوابل والحناء العماني كان للأعشاب والنباتات الطبية حضور واضح على عتبات المحلات وبين الأرفف العتيقة .
وكل عشبه في هذا المكان قبل أن تصل ليد بائعها تحوي سراً دفيناً و تروي خبايا رحلتها الطويلة ومعاناة من بحث عنها وعرف أسرارها العلاجية وساهم في جمعها لتصبح دواء وشفاء بإذن الله لعدد كبير من المرضى ممن يقبلون على التداوي بالاعشاب .
تحظى سلطنة عمان بأجواء مناخية حيوية ساهمت في وجود تنوع نباتي ووفرة في المحاصيل الزراعية ، والجبل الأخضر الذي يرتفع شامخاً لعشرة آلاف قدم عن مستوى سطح البحر لهو دليل حي على ثراء البيئة العمانية بالكثير من البناتات ذات الاستخدامات الطبية والتي منها الظفر والعلعلان والحرمل حيث يستخدم الحرمل في علاج مرضى السكري والصداع واليرقان وعرق النسا وغيرها من الأمراض .سوق البريمي القديم سوق يعج بالحياة والحركة منذ ساعات الصباح الاولى وحتى ما بعد مغيب الشمس وينتشر في أرجائه عبق الأعشاب والنباتات المصطفة بين معروضات الباعة والعطارين التي تلقى رواجا ً من قبل فئات معينة .وفي هذا السوق يتواجد عدد من العطارين ممن لهم باع طويل في مجال بيع الاعشاب وتقديم الوصفات الشعبية التقليدية لبعض الامراض الشائعه .حديقة النباتات والاشجار العمانية والتي تعد أكبر حديقة نباتية في شبه الجزيرة العربية والتي تمتد لتصل الى مساحة تزيد عن الاربعمائة هكتار .و تعد معرضاً للحياة النباتية في السلطنة من خلال جمعها نماذج من أوجه البيئات الطبيعية المختلفة للنباتات كالبيئة الصحراوية والجبلية وبيئة محافظة ظفار وغيرها من البيئات .ولقد انشئت هذه الحديقة بهدف البحث في انواع وفصائل النباتات المختلفة وتسخيرها للاستخدامات العلاجية وتصنيع العقاقير الطبية .ومن العلاجات الشعبية المتداولة هي الحجامة والتي تعد احد ابرز فروع الطب التقليدي التي عرفها الإنسان منذ مئات السنين .ياسر الكيومي شاب عماني احترف المعالجة بالحجامة بعد أن اكتشف أسرارها العلاجية وفوائدها الطبية .وللحجامة نوعان حجامة وقائية يحجم بها من اجل الوقاية من الأمراض وحجامة علاجية وتستخدم لعلاج المرضى وتخليصهم من آلامهم وأوجاعهم .وبعد ما وقفنا على بعض مفاتيح الطب الشعبي كان لابد لنا ان نشد الرحال نحو بلاد عرفت بتاريخها العريق وتراثها الحضاري لنتعرف على فروع اخرى من الطب الشعبي ألا وهي ولاية بهلا ...سالم بن علي الزهيمي أحد اقدم الوسامين في ولاية بهلا .. وجه عماني يحمل بين ملامحه سنوات خبرة طويلة متوارثة من العلاج بالكي او الوسم كما يسمى محلياً ..والوسم هو عملية كي أو إحراق يقوم بها المعالج بهدف إرسال درجة حرارة مرتفعة جدا تصل إلى حرق خلايا معينة بالجسم لتجديد الدورة الدموية ، ويعد الوسم من اصعب سبل الطب التقليدي وهي آخر ما يلجأ له المرضى ممن لديهم أمرض مستعصية أو مزمنة . ويجب توخي الحذر في استخدامه كعلاج او مزاولته كمهنه فالانخراط في هذا النوع من الطب يتطلب ان يكون الوسام من احد المتمرسين ممن لهم خبرة كبيرة .يعقوب الصباري من اشهر المجبرين في منطقة الداخلية ينحدر من عائلة اشتهر اغلب أفرادها من نساء ورجال بالتجبير منذ عقود طويلة ..و التجبير هو طريقة علاجية تقليدية يتم من خلالها إعادة العظام المكسورة لمكانها ومساعدتها على الالتئام والالتحام من خلال عملية بسيطة يقوم بها المجبر لإصلاح الكسر . وهنا يستعين المجبر بأحد ابنائه ليقوم بالضغط على مكان الكسر لإعادة العظام لسابق عهدها ثم يقوم بوضع الجبيرة المصنوعه من مواد بسيطة مثل القطن وبياض البيض والطحين ومن ثم يربطها بإحكام .وهناك عدد من النصائح التي يجب على المريض ان يتبعها ليتماثل للشفاء بصورة أكبر واسرع .كان الطب الشعبي بمجالاته المتنوعة والمتعددة من الضروريات التي حتمتها ظروف المعيشة في عهود غابرة حيث كان الملاذ الآمن للتصدي للأمراض والتغلب عليها ، وبالرغم من أن الطب الحديث يحفل بإنجازات متلاحقة واكتشافات مذهلة دفعت بمستوى الخدمات الصحية إلى الأمام إلا أن الطب الشعبي التقليدي لايزال ليومنا هذا هو الأمل الذي يلجأ له الكثيرين للعلاج بعض الأمراض .