أعلنت مجموعة من الباحثين البريطانيين في المؤسسة العلميةالشهيرة "كنجز كولج" (King’s College)، أن دراساتها أثبتت أن العديد منالوصفات الطبية الشعبية المنتقاة من مختلف بقاع العالم، لها خواص علاجيةيمكن أن تفيد في علاج الكثير من الأمراض مثل داء السكري والأمراضالسرطانية. هذه النتيجة تم التوصل إليها من خلال فحوصات معملية وملاحظاتعلمية، أكدت جميعها أن الكثير من تلك الوصفات قادرة فعلا على تحقيق فوائدعلاجية في حالات مرضية مختلفة. وإن كان المتخصصون في مجال الطب البديل،أشاروا إلى ضرورة إجراء المزيد من الدراسات والبحوث، قبل الوصول إلى نتيجةقطعية، حول ما يمكن أن يضيفه الطب الشعبي للصراع التاريخي بين الإنسانوالمرض، من خلال دمج أساليبه التقليدية في الطب الحديث. وقبل أن نستطرد فيعرض الاحتمالات التي يمكن أن يستخدم فيها الطب البديل أو الطب الشعبي،والآمال التي أصبحت تتزايد حول ما يمكن أن يحققه للأطباء والمرضى، يجب أننقف قليلا عند تعريف الطب البديل والطب الشعبي وغيرهما من المصطلحات التيشاع استعمالها مؤخراً. هذا الهدف الرامي إلى تعريف مثل تلك المصطلحات، ليسبالمهمة السهلة، بسبب تعدد أنواع "العلاجات" (therapies) واختلاف الفلسفاتالصحية، والتي أصبحت جميعها تدرج تحت عنوان الطب البديل. فحالياً توجدخمسة أنواع رئيسية من"العلاجات" الشائع استخدمها والتي تقع جميعها ضمنالعنوان الرئيسي، وهي(Acupuncture, Osteopathy, Chiropractic, Homeopathyand Herbal Medicine). وبخلاف النوع الأول (Acupuncture) أو الوخز بالإبروالنوع الأخير (herbal medicine) أو التداوي بالأعشاب، لا توجد ترجمةمقابلة في اللغة العربية للأنواع الأخرى، على حد علمي على الأقل. ويزدادالموقف تعقيداً إذا ما أضفنا أنواع العلاجات الأخرى الأقل انتشاراًواستخداماً وإن كانت لا زالت تندرج تحت أنواع الطب البديل، مثل(Naturopathy) والطب الغذائي (Nutrition Medicine)، والعلاج بالروائح(aromatherapy)، والتدليك أو المساج (message). ويمكن أن نضيف أيضاً هناالعلاج بالبلورات (Crystal healing)، وطب الطاقة (Energy Medicine)وأحياناً ما تقسم علاجات الطب البديل باعتبارها جزءاً من نظام صحي طبيمتكامل مستعار من ثقافات وحضارات أخرى، مثل الطب الصيني التقليدي(traditional Chinese medicine) والطب التبتي - نسبة إلى سكان هضبة التبت-(Tibetan Medicine) أو الطب الآرفدي (Ayurvedic Medicine) والمستعار منالهند. ومرة أخرى وقبل أن نستطرد هنا، يجب أن ننبه القارئ إلى أن ذكرنالكل هذه الأنواع، لا يعني أنها جميعها ذات فائدة تذكر، بل الحقيقة أنالكثير منها لا يزيد على كونه وهماً إنسانياً وأحياناً نصباً علمياًوكذباً طبياً صريحاً. هذا الوضع يجعل من بالغ الصعوبة وضع حدود وتعريفمحدد لهذا النوع من الطب، رغم وجود العديد من الكتب والموسوعات التي تحاولتجميع وتصنيف جميع أنواع العلاجات المتاحة في هذا المجال. وبوجه عام يمكنأن نعتبر أن مصطلح الطب الحديث (Modern Medicine / Orthodox Medicine)، هوالطب الذي يدرس في كليات الطب الملحقة بالجامعات الرسمية. أما الطب البديل(Alternative Medicine) أو الطب المكمل (Complimentary Medicine) أو الطبالشعبي التقليدي (Traditional Medicine)، فهي جميعاً أنواع من العلاجاتالتي لا تدرس لطلاب الطب في الكليات الحديثة. هذا التصنيف سيثير غضبالكثيرين وانتقاداتهم اللاذعة، لأنه بالفعل لا يعتبر تصنيفاً علمياًدقيقاً. والمشكلة هنا أن الطب الحديث تعود جذوره إلى أنواع الطب الأخرى،ويعتمد حالياً في الكثير من ممارساته على ممارسات أنواع الطب تلك. فعلىسبيل المثال أصبح الكثير من أطباء يعتمدون على الوخز بالإبر الصينية،كوسيلة علاجية معتمدة ومعترف بها لعلاج الكثير من الأمراض والحالاتالطبية، مثل الروماتيزم والسمنة وتخفيف الآلام. وأصبح الكثير من كلياتالطب المشهورة والمرموقة عالمياً، تدرس الوخز بالإبر الصينية لطلابها، معأن هذا النوع من العلاج ينتمي في الأساس إلى الطب الصيني التقليدي. ويزدادالموقف تعقيداً، بسبب اعتماد الكثيرين من ممارسي الطب البديل/ المكمل/التقليدي/ الشعبي مؤخراً على الكثير من علوم وأساسيات الطب الحديث. فليسمن المستغرب حالياً أن يطلب ممارس الطب العشبي مثلا من المريض، أن يجريتحليل دم يوضح مستوى إنزيمات محددة لتقدير كفاءة الكبد على تأدية وظائفه،قبل أن يحدد للمريض أي نوع أو خلطة من الأعشاب تناسبه لعلاج مرضه، دون أنتأثر سلباً على كبده!
هذا الوضع دفع البعض - وليست لدي النية بصدق لإرباك القارئ- إلى المطالبةبخلق نوع جديد من الطب، يمكن أن نطلق عليه الطب الشامل أو المتكامل(Integrated Medicine)، بهدف دمج ممارسات الطب الحديث مع ممارسات الطبالبديل/المكمل/التقليدي/ الشعبي. هذا الهدف يرجى منه علاج المريض وفقأساسيات وعلوم الطب الحديث، ودون أن نتجاهل ونستعلي على ممارسات والفوائدالتي يمكن أن تجنى من أنواع الطب الأخرى. ويستخدم الداعون لهذا المفهومالمثل الإنجليزي الشهير والقائل إنه لا يجب أن ترمي الطفل مع مياه الحمام(Don’t throw the baby with the bath water). هذا المثل يستخدم للدلالةعلى المواقف التي يختلط فيها ما هو ذو قيمة (الطفل هنا)، بما لا قيمة له(مياه الاستحمام). فأنواع الطب الأخرى تحمل في طياتها الكثير من الدررالثمينة، التي يجب علينا اكتشافها وفصلها عن الكثير من الدجل والشعوذةوالحمق العلمي أحياناً. فمثلا من درر الطب التقليدي، التي أصبحت بالفعلجزءاً من ممارسات الطب الحديث، فلسفة علاج المريض من منطلق شمولي، يأخذ فيالاعتبار نمط حياته اليومية والبيئة المحيطة به وغذاءه وطعامه، بالإضافةإلى حالته العقلية والنفسية والروحية. ولذا يهدف التشخيص في الطب التقليديإلى الوصول إلى جذور المشكلة الصحية التي يعاني منها المريض، من خلالدراسة وتحليل الظروف سابقة الذكر، بينما يهدف العلاج إلى تصحيح الأخطاءوعلاج المشكلات الصادرة عن تلك الظروف، بدلا من الاقتصار على مواجهةالعلامات والأعراض بشكل مباشر. ويروج الطب التقليدي لفكرة الوقاية، وربمابشكل أكبر من الطب الحديث حالياً، من خلال تصحيح الأوضاع المختلفة فيالظروف البيئية المحيطة بالشخص، وفي جوانب حياته العقلية والنفسيةوالروحانية. وإلى أن يتم تحقيق هذا الهدف، يجب أن نحذر القارئ هنا منالمدعين والنصَّابين، الذين امتلأت بهم القنوات الفضائية العربية - وهيكثيرة-. فمن الصعب أن تقلب حالياً قنوات التلفزيون، دون أن يخرج عليكبرنامج يستضيف (خبيراً في الطب البديل)، يطلق نصائحه الصحية، أو بالأحرىمصائبه، يميناً ويساراً. وهو ما يطرح سؤالاً عن مدى المسؤولية القانونيةوالأخلاقية التي تقع تحت طائلتها تلك القنوات؟ وخصوصاً أن تلك النصائح لايوجد ما يؤيدها من دراسات وبحوث، ولم تخضع لما يعرف بمراجعة الزملاء (peerreview). هذه التصرفات، واستغلال بعض الأشخاص لمخاوف الكثيرين، وأحياناًيأسهم من الطب الحديث، نجحت في زيادة الشكوك حول مصداقية هذا النوع منالطب، وفوتت الفرصة على الكثيرين للاستفادة مما يمكن أن يقدمه لهم منفائدة حقيقية واقعية. ولذا ربما حان الوقت لممارسي الطب الحديث منالأطباء، أن يمسكوا زمام المبادرة ليدمجوا ممارسات الطب التقليدي - ذاتالفائدة الموثقة- في ممارساتهم الطبية اليومية، لتحقيق أكبر فائدة علاجيةممكنة لمرضاهم، وحمايتهم من الاستغلال من قبل أولئك المدعين.