ربط الفيلسوف أرسطو بين خصائص الإنسان الجسمية وبين أخلاقياته وسلوكه وسماته النفسية. ويحث الإسلام على التقوّي بالرياضة، ويؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم على أن "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير". فالجسم القوي أقدر على أداء التكاليف الدينية والدنيوية من الجسم الضعيف.
وقد ذكر ابن القيّم في كتابه "زاد المعاد" أن الحركة هي عماد الرياضة؛ إذ تخلِّص الجسم من رواسب وفضلات الطعام بشكل طبيعي، وتعوِّد البدن الخِفّة والنشاط، وتجعله قابلا للغذاء وتُصلِّب المفاصل، وتؤمن جميع الأمراض المادية وأكثر الأمراض المزاجية إذا استُعمل القَدْر المعتدِل منها في دقةوتُعَدّ الرياضة من الأمور التي يثاب عليها المسلم إذا استحضر نيته، يقول الإمام النووي في أهمية النية في ممارسة الرياضة: إن الأمر المباح إذا قصد به وجه الله تعالى صار طاعة، ويثاب عليه، وقد نبّه النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذا بقوله: "حتى اللقمة تجعلها في فيّ امرأتك صدقة"؛ لأن زوجة الإنسان هي من أخص حظوظه الدنيوية، وشهواته وملاذه المباحة، وإذا وضع اللقمة في فيها فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة، ورغم ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن اللقمة إذا قصد بها وجه الله تعالى نال الأجر
الرياضة والرقي
وقد اتسعت رقعة الاهتمام العالمي بالرياضة، وبات من الضروري الحديث عن أهمية "الأخلاق" في العمل الرياضي؛ إذ لم تَعُد الرياضة مجرد ترفيه ولياقة بدنية، ولكن هناك عوامل تحدث عنها د. أمين أنور الخولي في مؤلفه "الرياضة والمجتمع" أثرت في النمو الاجتماعي للرياضة على النحو التالي:
تزايد عدد المشتركين في الرياضة.
تزايد الاهتمام بتحطيم الأرقام القياسية
تزايد عدد المشاهدين للمسابقات الرياضية .
فاعلية الأنظمة والمؤسسات الرياضية
اهتمام الأنظمة السياسية بالإنجازات الرياضية .
تأثير وسائل الإعلام في نشر الرياضة.
تزايد وقت الفراغ
ارتفاع مستوى المعيشة6]تزايد فاعلية التربية البدنية المدرسية.
دخول الأعمال والمصالح التجارية في مجالات الاستثمار الرياضي
وفي مقابل أهمية الرياضة في الرقي بالمجتمع؛ قد يفسد خطر الشهرة على المهام النبيلة التي تؤديها الرياضة؛ إذ سمعنا كثيرًا عن لاعبين ورياضيين أُخرجوا من "الملعب"؛ لسوء سلوكهم، وخسروا رصيدهم في قلوب الناس؛ لأنهم تصوروا أن المهارة والموهبة وحدها كافية للنجاح في الرياضة؛ وكأن اللياقة البدنية يمكن أن تكون بمعزل عن اللياقة الروحية، والأخلاقية.
وبين يدينا واقعة شهيرة، تؤكد نجاح الرياضة التي يلتزم ممارسوها بالخلق القويم، ويسعون في التقرب إلى الله بما حباهم من موهبة وشهرة.
وهذه الحالة التي نَعُدّها بمثابة "دراسة حالة" للعلاقة الطردية بين الأخلاق والتفوق الرياضي؛ هي تزامن فوز المنتخب المصري بكأس الأمم الإفريقية مع بعض المظاهر الأخلاقية والدينية التي تصاعدت بين نجوم المنتخب، كما ارتدوا "فانلة" موحدة مكتوبا عليها: "فداك يا رسول الله". وكأنهم يحملون على كاهلهم نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما حباهم الله من الشهرة وحب الجماهير.
ولم يكن هذا الموقف مجرد حدث عابر، بل من الملاحظ تصاعد الالتزام الأخلاقي والديني لدى لاعبي الكرة في مصر، والدليل حرص أغلبهم على صيام التطوع بانتظام، ولم يستنكف أحدهم من إعلان التزامه بأداء الصلاة وباقي العبادات في أوقاتها، حتى إن أحد النقاد الرياضيين ربط بين فوز مصر الكبير بكأس الأمم الإفريقية، وبين شيوع روح التدين بين أغلب أعضاء الفريق القومي.
16]وخلال مباريات المنتخب القومي، كان بعضهم يسجد شكرًا لله مع إحراز كل هدف في مرمى الفريق المنافس، كما أن أغلب أعضاء الفريق كانوا حريصين على أداء جميع فروض الصلاة الجماعية في أثناء معسكر التدريب.
ويعترف الكابتن حسن شحاتة، مدرب المنتخب الوطني المصري في تصريحات لشبكة "إسلام أون لاين.نت": "لم يكن المنتخب المصري الأفضل، بل كانت هناك فرق أخرى أكثر مهارة، لكن التزام نجوم المنتخب وإخلاصهم وعمق إيمانهم كان دافعًا كبيرًا حقق لنا ما يشبه المعجزة".
وحول أثر حسن الخلق والتدين على لاعبي كرة القدم؛ قال شحاتة: "ثبت بالتجربة أن اللاعب المتدين أكثر انضباطًا؛ إذ يحرص المتدينون من لاعبي كرة القدم على التميز، وعدم السهر أو تعاطي المشروبات الضارة، وتجنب التدخين بكافة أشكاله، وبالتالي تتوافر لدى اللاعب المتدين اللياقة البدنية العالية التي تنعكس على مستواه وتميزه بالطبع عن غيره".
وكان محمد أبو تريكة، نجم المنتخب الوطني؛ يؤم زملاءه في كل صلاة، ويقول: "أشعر بأن النجومية تحمّل صاحبها مسئولية كبيرة؛ فلو كان النجم على خلق وملتزم في حياته بشكل عام فسيترك أثرًا إيجابيًّا على الآلاف من محبيه".
وعن تأثير العمق الإيماني على مهارة اللاعب؛ ذكر أبو تريكة: "يُحمّل اللاعب المتدين نفسه مسئولية أكبر من مجرد إحراز الأهداف في مرمى الخصم. فأنا شخصيًّا أعتبر أن الرياضة يمكن أن تكون وسيلة فعّالة لنشر التسامح والسلام بين الشعوب، ربما تضاهي في تأثيراتها السينما والمسرح وغيرهما من ألوان الثقافات الأخرى، خاصة بعد أن تحولت كرة القدم إلى لغة عالمية ووسيلة للتقريب بين الشعوب المختلفة".
ويتفق النجم الخلوق، هادي خشبة مع أبو تريكة في الرأي؛ ويضيف: "ترتبط الرياضة ارتباطا وثيقا بالأخلاق، وأظن أن اللاعب المتميز في مهارته حتما لا بد أن يكون متميز الخلق، ونموذجًا للاستقامة والاحترام في حياته".
ويستطرد خشبة قائلا: "كنا سعداء جدا بارتداء المنتخب لفانلة عليها شعار (فداك يا رسول الله) حتى نوصّل رسالة بأن جميع المسلمين في كل القطاعات يرفضون الإساءة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ولعلّ رسالة الرياضيين تكون قد وصلت إلى من ارتكبوا هذه الجريمة الشنعاء
عدل سابقا من قبل asduy في