[b] الفلسفة الإسلامية :
تميزت الفلسفة الإسلامية، عبر رموزها من الفلاسفة المسلمين بغض النظر عن أصولهم عرباً أو فرساً، بآليات ذهنية أو عقلية مشتركة في الجوهر بالرغم من اختلافها في الاجتهاد، هذه الآليات يجملها نصر حامد أبو زيد فيما يلي:
1. التوحيد بين " الفكر " و " الدين ".
2. تفسير الظواهر كلها برَدِّها جميعاً إلى مبدأ أول أو علة أولى، تستوي في ذلك الظواهر الاجتماعية أو الطبيعية.
3. الاعتماد على سلطة " السلف أو التراث " وذلك بعد تحويل النصوص التراثية _ وهي نصوص ثانوية _ إلى نصوص أولية ، تتمتع بقدر هائل من القداسة لا تقل _ في كثير من الأحوال _ عن النصوص الأصلية .
4. اليقين الذهني والحسم الفكري " القطعي " ورفض أي خلاف فكري _ من ثم _ إلاَ إذا كان في الفروع والتفاصيل دون الأسس والأصول.
5. إهدار البعد التاريخي _ ( في شكله الحاضر ) _ وتجاهله ، ويتجلى هذا في البكاء على الماضي يستوي في ذلك العصر الذهبي للخلافة الرشيدية وعصر الخلافة التركية العثمانية .
وفي هذا الصدد فإنه لمن المفيد الإشارة إلى أن الفلاسفة المسلمين توزعوا إلى اتجاهين، لا يختلفان في الجوهر، الأول : جماعة أطلق عليهم اسم الفلاسفة المنطقيين أو الآلهيين (الميتافيزيقيون)، وقد كان لهم دور كبير في التفكير الإسلامي سواء في المشرق، مثل الكندي، الفارابي، وابن سينا وإخوان الصفا أو مثل ابن رشد في المغرب، أما الاتجاه الثاني فقد عرفوا بالفلاسفة الطبيعيين أو العلماء وأشهرهم أبو بكر الرازي.
- الكنـــــدي ( 800 م. _ 879 م. )
أبو يوسف يعقوب بن اسحق الكندي ، درس أرسطو وعرف عنه إيمانه بالمشروطية السببية لظواهر الطبيعة والمجتمع، ويرى أن: " هذا العالم حادث وأن الله خلقه من العدم وبالتالي فإن هذا الكون له بداية في الزمان" وليس قديماً كما يدعي بعض الفلاسفة ، إلى جانب ذلك يرى الكندي أن مصادر المعرفة هي العقل والحواس والخيال ، فالعقل يدرك الكليات _ ( اللـــه ، الطبيعة ) _ كما يدرك كل ما لا تدركه الحواس، والحواس تدرك الجزئيات والماديات، أما الخيال فيأتي وسطاً بين الاثنين، أي بين الإدراك العقلي والإدراك الحسي. كان " عالماً " باللغة الفارسية والعربية واليونانية بصفة خاصة وقد كلفه الخليفة المأمون بنقل العلوم الفلسفية إلى اللغة العربية ضمن الذين كلفوا بالنقل والترجمة ، كان يميل إلى مذهب أهل الاعتزال واضطهد بسبب هذا الميل؛ عرف عنه اشتغاله بعلوم الرياضة و الموسيقى و الطب إلى جانب الفلسفة) يقول عنه مصطفى عبد الرازق في كتابه " فيلسوف العرب والمعلم الثاني" إن الكندي في القرون الوسطى كان واحداً من ثمانية هم أئمة العلوم " الفلكية " .
- الفارابـــــي (870 م. _ 950 م.)
- أبو النصر ، رياضي وطبيب وفيلسوف ، درس أرسطو ووافق على أن الله هو العلة الأولى للوجود لكنه قال بوجود العالم الخارجي بشكل مستقل عن القوى الخارقة ( وفق قوانين التطور ) أما مصدر المعرفة عنده أعضاء الحواس (القوة الماسة) والمخيلة والعقل. آمن واقتنع بالدليل الذي ساقه أرسطو على وجود الله، وفي أحد مؤلفاته حاول التوفيق بين أفلاطون وأرسطو!!
- ابن سينا ( 980 م. _ 1037 م. )
- يعتبر من أبرز علماء ومفكري بلدان الشرق في عصره، كان عالماً موسوعياً تفوق في الطب والفلسفة ، كانت الفلسفة عنده علم عن " الوجود بما هو وجود" أي أنه يعترف بالوجود الموضوعي للطبيعة، وكان لذلك أثر في أنه اعتمد في كل أعماله على دراسة الوقائع والتجارب؛ قام بعرض آراء أرسطو وفي عرضه هذا استنتج أن المقولات والمبادئ المنطقية يجب أن تتفق مع الأشياء، أي مع قانونيات العالم الموضوعي، ويفسر ذلك بقوله : "إن الله لا يخلق شيئًا دون وجود إمكانية لهذا الشيء" ، أما مصدر هذه الإمكانية فهو المادة غير المخلوقة والخالدة أبداً ( اللــه ) وإذا كان الله خالداً فإن العالم خالد أيضاً ، لأن العلة والمعلول مرتبطان في رأيه دوماً (إنها ومضة مادية في تفكير ابن سينا الميتافيزيقي)، ورغم مثاليته إلا أن فكرته عن خلود العالم المادي تتناقض مع التصورات الدينية عند المسلمين وغيرهم عن نهاية العالم ومحدود يته.
لقد انقسمت الفلسفة عند ابن سينا إلى قسمين : فلسفة نظرية وفلسفة عملية : النظرية هي: التي يكون الغرض منها حصول الاعتقاد بحال الموجودات على ما هي عليه ، و العملية هي : التي يكون الغرض منها تحصيل المعرفة للإنسان، له العديد من المؤلفات في الطب (الشفاء)، وفي الفلسفة (كتاب النجاة)، (الإشارات) (ورسائل في الموسيقى)...
- ابن رشد (12) ( 1126 م. _ 1198 م. )
هو أبو الوليد محمد بن رشد المولود في قرطبة ، كان فيلسوفاً وفقيهاُ وطبيباً وقبل كل ذلك كان قاضياً إذ تولى منصب قاضي القضاة في قرطبة بعد وفاة والده ، شرح أرسطو حتى قال معاصروه : " لقد فسر أرسطو الطبيعة، أما ابن رشد فقد فسر أرسطو" ولكنه لم يكتف بالتفكير والشرح بل نَّقح وعَّدل وطور في فلسفته كما يؤكد عدد من المفكرين الذي كتبوا عنه.
كان "يرى أن العالم المادي لانهائي في الزمان ولكنه محدود مكانيا، وهو يرفض التصورات اللاهوتية عن خلق العالم من لا شيء" لم يرفض أبداَ وجود الله ولكنه يقول بأن الله والطبيعة معاً موجودان منذ الأزل، فلم يكن هناك زمن وجد فيه الإله قبل أن توجد الطبيعة، ويقول أيضاً أن الله هو المصدر الأزلي للواقع، في حين تشكل المادة الأساس الوحيد للوجود والمصدر الأزلي للمكان. إن المادة والصورة عند ابن رشد متلازمتان لا توجد إحداهما بدون الأخرى، المادة هي المصدر الكلي والأزلي للحركة، والحركة أزلية خالدة مستمرة وكل حركة جديدة تصدر عن سابقتها. إن أفكار ابن رشد المادية لم تخل من شوائب مثالية حيث تشكل الموجودات في رأيه مراتب أو درجات يتربع على قمتها الله باعتباره العلة الأخيرة للوجود".
وهكذا آمن ابن رشد بالعقل باعتباره منطلقاً لتصحيح مسار التفكير الإسلامي الذي انحرف بفعل الأفكار الأشعرية والمعايير الغزالية والمبادئ الصوفية ، وساهم في كبح جماح الغزالي وكَشَف وعرَّى الكثير من أقواله ونظرياته الخاطئة ورد للفلسفة اعتبارها في كتابه " تهافت التهافت " ضد كتاب الغزالي " تهافت الفلاسفة ". لقد قدم ابن رشد الفلسفة على الدين، وألزم أهل البرهان (أو الفلاسفة) بالتأويل: أي استخراج المعنى الباطن الذي ينطوي عليه ظاهر النص الشرعي، إنه بهذا كان يريد حصر المعرفة الحقيقية بالفلاسفة لأنهم وحدهم الذين بإمكانهم إدراك ذلك المعنى الباطن، أما الظاهر فهو لأهل الجدل وجمهور العامة الذين يكتفون عادة بالنقل دون العقل؛ تأثر به الكثيرون من المفكرين في فرنسا وأوربا (الذين سموا أتباع ابن رشد) وانتشر بواسطتهم التيار العقلي والعلماني في أوربا مما دفع بالكنيسة في فرنسا إلى إصدار إدانتين لابن رشد وأفكاره ( الإدانة الأولى في عام 1271 م. والثانية في عام 1277 م. ) ومن هذه الأفكار المدانة حسب لائحة الكنيسة:
1. إنكار الرشديين لحدوث العالم وإصرارهم على القول بأزليته.
2. إنكارهم على الله الخلق من عدم .
3. إنكارهم على الله العلم بالجزئيات .
4. إنكارهم للخوارق والمعجزات.
5. قولهم بمبدأ الحقيقتين أي أن : الحقيقة الفلسفية والحقيقة الدينية موجودتان وصادقتان وأن اختلفتا ظاهراً ( أي أن طبيعة الدين لا تتنافى مع طبيعة الفلسفة).
- ابن خلدون ( 1332 م. _ 1406 م. )
- رغم كل ما عليه من مآخذ ذاتية ، فقد كان من بين المؤرخين والمفكرين الاجتماعيين المتميزين إذ يعتبره البعض أفضل مفكر ظهر في الفترة الفاصلة بين أرسطو وماكيافيلي. ففي مقدمته المطولة التي عرفت باسم " مقدمة ابن خلدون " تناول كثيراً من الموضوعات الهامة :
· حقيقة التاريخ ومهمة المؤرخ .
· العوامل الطبيعية في تكوين الأمم .
· المؤسسات الاجتماعية في البدو والحضر .
· العوامل الاجتماعية في نشوء الأمم .
· العوامل العارضة في المجتمع الإنساني .
كان ابن خلدون يرى أنه لا حاجة لنا بقوانين المنطق الصوري ( الأرسطي ) لأنها " لا تتفق مع طبيعة الأشياء المحسوسة ، ولذلك يجب على العالم أن يفكر فيما تؤدي إليه التجربة الحسية وألاَ يكتفي بتجاربه الفردية" ؛ إن ابن خلدون يعتبر فيلسوفاً حسي النزعة لا يؤمن إلاَ بالمحسوس والتجربة، ورأى أيضاً أن المنطق طبيعي في الإنسان وأن العقل الذي وهبه الله إياه طبيعة فطرها الله فيه ، فيها استعداد لعلم ما لم يكن حاصلاً
ينظر بعض مؤرخي الفلسفة الأوروبية إلى العصر الوسيط على أنه يمثل المدة الممتدة بين القرن التاسع والرابع عشر أو الخامس عشر، فيما يعتبر آخرون الفترة الممتدة من القرن الأول إلى القرن التاسع، هي التي تمثل دور التأسيس لفلسفة العصر الوسيط، لان هناك اتصالاً عضوياً بين الإنتاج الفلسفي في تلك الحقبة والقرون التالية لها حتى القرن الثالث عشر. وهو ما تدل عليه السمات المشتركة في الأعمال الفلسفية المصنفة في هذه المدة. في هذا الضوء يمكن أن نلاحظ فترتين تتداخل إحداهما بالأخرى في هذا العصر، يطلق على الأولى منهما فترة (آباء الكنيسة) بينما يطلق على الثانية (الفلسفة المدرسية). وفيما يلي تعريف موجز بكل واحدة منهما :
1 ـ آباء الكنيسة :
كان التفكير مقتصرا، في هذه الفترة، على آباء الكنيسة، الذين حاولوا أن يدافعوا عن الدين المسيحي ضد الغارات العنيفة التي شنها الفلاسفة الأفلاطونيون المحدثون. وقد ظهر في هذه الفترة كلمنت الاسكندري (150 ـ 217 م) الذي اعتنق المسيحية منذ صباه، وحاول أن يرفع الإيمان المسيحي إلى مستوى المعرفة اليونانية اعتماداً على أفلاطون وأرسطو والرواقية وفيلون، نظراً لرغبته في بناء فلسفة مسيحية لها نسقها الداخلي المحكم. وتلميذه اوريجين (185 ـ 253 م) الذي ترهب وأسس مكتبة ومدرسة، ودافع عن المسيحية ضد سلسوس الذي طالب بفصلها عن اليهودية نظراً للخلاف الجوهري بين الديانتين وقام بنشرة نقدية للعهد القديم وفسره تفسيراً رمزياً، وكتب عدة مؤلفات حاول التوفيق فيها بين المسيحية والفلسفة اليونانية خاصة الأفلاطونية .
إن أعظم آباء الكنيسة على الإطلاق هو القديس أوغسطين(354 ـ 430م)، ذلك انه هو الذي أعطى المسيحية نسقها الكامل، ولم تزل الفلسفة بعده تستقي من أعماله، فان الفلاسفة الذين جاءوا من بعده إما أعادوا صياغة فلسفته أو عدلوها بما أضافوا إليها من تأويلات وعناصر جديدة، وظلت فلسفته تسود الفكرالكنسي، وخاصة عند الفرنسيسكان، حتى مجيء توما الاكويني، فبدأت وقتئذ بالاضمحلال.
ولد أوغسطين في (طاغشت) من أعمال نوميديا (الجزائر اليوم)، ودرس في مدرسة هذه المدينة أولا، ثم انتقل منها إلى مدارس أخرى في قرطاجنة وروما وميلانو، ارتد عن المسيحية في صباه، وتنقل بين الثقافة اليونانية والثقافة المانوية والثقافة اللاتينية. اختلف إلى محاضرات الأسقف امبروز (333 ـ 397 م) وحلقات الأفلاطونيين المحدثين. كتب في اعترافاته سنة 400 م: أن التعاليم الأفلاطونية مهدت لاعتناقه المسيحية، وان الأفلاطونية فلسفة بها كل المبادئ المسيحية ولم ير الفارق بين الاثنين إلا بعد اعتناقه للمسيحية بزمن طويل. جعل موضوع الإيمان والعقل احد المحاور الرئيسة في حياته، فهو الذي وضع مبدأ (أؤمن كي أعقل) الذي استمر حتى القديس (انسلم) في القرن الحادي عشر. عاش راهباً كثير التنقل، يكتب ويراسل ويدخل في صراعات مع المانوية وغيرهم.