هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
البوابةأحدث الصورالتسجيلدخولالرئيسية
المواضيع الأخيرة
» INFORMATIONS SUR LES MALADIES : SYMPTÔMES, DIAGNOSTIC, TRAITEMENTS, PRÉVENTION
الأربعين النووية 2 I_icon_minitimeالأحد 13 يونيو 2021, 15:01 من طرف abdelhalim berri

»  Il était une fois un vieux couple heureux de M. Khair-Eddine
الأربعين النووية 2 I_icon_minitimeالسبت 10 أبريل 2021, 14:22 من طرف abdelhalim berri

» أحلى صفات المرأة والتي تجعل الرجل يحبها بجنون
الأربعين النووية 2 I_icon_minitimeالخميس 17 أكتوبر 2019, 17:59 من طرف abdelhalim berri

» بحث حول العولمـــــــــــــــة
الأربعين النووية 2 I_icon_minitimeالأربعاء 10 يوليو 2019, 00:22 من طرف abdelhalim berri

» L'intégration des connaissances en littérature Française
الأربعين النووية 2 I_icon_minitimeالأربعاء 10 يوليو 2019, 00:17 من طرف abdelhalim berri

» Dr Patrick Aïdan : Chirurgie robotique thyroidienne par voie axillaire
الأربعين النووية 2 I_icon_minitimeالأربعاء 10 يوليو 2019, 00:15 من طرف abdelhalim berri

» كيف نشأت الفلسفة
الأربعين النووية 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 09 أبريل 2019, 23:53 من طرف abdelhalim berri

» زجل :الربيع.
الأربعين النووية 2 I_icon_minitimeالجمعة 21 ديسمبر 2018, 14:05 من طرف abdelhalim berri

» le bourgeois gentilhomme de Molière
الأربعين النووية 2 I_icon_minitimeالجمعة 21 ديسمبر 2018, 14:02 من طرف abdelhalim berri

» مساعدة
الأربعين النووية 2 I_icon_minitimeالإثنين 09 يوليو 2018, 01:12 من طرف abdelhalim berri

بحـث
 
 

نتائج البحث
 

 


Rechercher بحث متقدم
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 8836 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو سعد فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 87005 مساهمة في هذا المنتدى في 16930 موضوع
التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني
روابط مهمة
Maroc mon amour

خدمات المنتدى
تحميل الصور و الملفات

 

 الأربعين النووية 2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله ناجح
عضو متّألق
عضو متّألق
عبدالله ناجح


الإسم الحقيقي : ABDALLAH NAJIH
البلد : ROYAUME DU MAROC

عدد المساهمات : 12530
التنقيط : 79438
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 16/09/2010
الجنس : ذكر

الأربعين النووية 2 Empty
مُساهمةموضوع: الأربعين النووية 2   الأربعين النووية 2 I_icon_minitimeالجمعة 22 أبريل 2011, 06:05

الحديث الرابع والعشرون:

تَحْرِيمُ الظُّلْمِ

مفردات الحديث

المعنى العام:(1-تحريم الظلم على الله 2-تحريم الظلم على العباد 3-الافتقار إلى الله )

عن
أبي ذَرٍّ الْغِفاريِّ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما
يَرْويهِ عن رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ أَنَّهُ قال: " يا عِبادي إنِّي
حَرَّمْتُ الظُلْمَ على نَفْسِي وَ جعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً فلا
تَظَالَمُوا.

يا عِبادي كُلُّكُمْ ضالٌّ إلا مَنْ هَدَيْتُهُ، فاسْتَهدُوني أهْدِكُمْ.

يا عِبادِي كُلُّكُمْ جائعٌ إلا مَنْ أطْعَمْتُهُ، فاسْتَطْعِمُوني أُطْعِمْكُم.

يا عِبادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إلا مَنْ كَسَوْتُهُ، فاسْتكْسوني أَكسُكُم.

يا عِبادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بالليْلِ والنَّهارِ، وأنا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَميعاً، فاسْتَغْفِرُوني أُغْفِر لكُمْ.

يا عِبادِي إِنَّكُمْ لنْ تبْلغُوا ضَرِّي فتَضُرُّوني، ولن تبْلُغُوا نفْعي فَتَنْفعُوني.

يا
عِبادِي لوْ أَنَّ أَوَّلكُمْ وآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وجِنَّكُمْ كانُوا
عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ واحدٍ مِنْكُمْ ما زادَ ذلك في مُلْكي شَيئاً.

يا
عِبادِي لوْ أَنَّ أَوَّلكُمْ وآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وجِنَّكُمْ كانُوا
عَلَى أَفْجرِ قَلْبِ وَاحدٍ مِنْكُمْ ما نَقَصَ مِنْ مُلْكي شَيئاً.

يا
عِبادِي لوْ أَنَّ أَوَّلكُمْ وآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وجنَّكُمْ قاموا في
صَعِيدٍ، فَسَأَلُوني، فأَعْطَيْتُ كلَّ واحدٍ مَسْأَلَتَهُ ما نَقَصَ ذلك
مِمَّا عِنْدِي إلا كما يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إذا أُدْخِلَ الْبَحْرَ.

يا
عِبادِي إنَّما هي أعمَالكُمْ أُحْصِيها لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ
إيَّاها، فَمَنْ وَجَدَ خيْراً فَلْيَحْمَدِ اللهَ، ومَنْ وَجَدَ غَيْرَ
ذلك فَلا يَلومَنَّ إلا نَفْسَهُ" رواه مسلم.

مفردات الحديث:

"حرمت الظلم": الظلم لغة: وضع الشيء في غير محله. وهو مجاوزة الحد أو
التصرف فيحق الناس بغير حق. وهو مستحيل على الله تعالى. ومعنى حرمت الظلم
على نفسي : أي لا يقع مني، بل تعاليت عنه وتقدست.

"ضال": غافل عن الشرائع قبل إرسال الرسل.

"إلا من هديته": أرشدته إلى ما جاء به الرسل ووفقته إليه.

"فاستهدوني": اطلبوا مني الهداية.

"صعيد واحد": أرض واحدة ومقام واحد.

"المِخْيط": بكسر الميم وسكون الخاء، الإبرة.

"أُحصيها لكم": أضبطها لكم بعلمي وملائكتي الحفظة.

"أوفيكم إياها": أوفيكم جزاءها في الآخرة.

المعنى العام:

تحريم الظلم على الله: ولفظ الحديث صريح في أن الله عز وجل منع نفسه
من الظلم لعباده: "إني حرمت الظلم على نفسي"، وهو صريح في القرآن الكريم
أيضاً، قال تعالى: {وما أنا بظلامٍ للعبيد} .

تحريم الظلم على
العباد: حرم الله عز وجل الظلم على عباده، ونهاهم أن يتظالموا فيما بينهم،
فحرم على كل إنسان أن يظلم غيره، مع أن الظلم في نفسه محرم مطلقاً. و
الظلم نوعان:

الأول: ظلم النفس، وأعظمه الإشراك بالله، قال
تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم}، لأن المشرك جعل المخلوق في منزلة الخالق
وعبده مع الله تعالى المنزه عن الشريك.

ويلي ظلم الإشراك
بالله المعاصي والآثام الصغيرة والكبيرة، فإن فيها ظلماً للنفس بإيرادها
موارد العذاب والهلاك في الدنيا والآخرة.

الثاني : ظلم
الإنسان لغيره، وقد تكرر تحريمه والتحذير منه في أحاديث النبي صلى الله
عليه وسلم، ففي الصحيحين، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : "إن الظلم ظلمات يوم القيامة".


الافتقار إلى الله: والخلق كلهم مفتقرون إلى الله في جلب المصالح ودفع
المضار في الدنيا والآخرة، فهم في حاجة ماسة إلى هداية الله ورزقه في
الدنيا وهم بحاجة إلى رحمة الله ومغفرته في الآخرة، والمسلم يتقرب إلى الله
عز وجل بإظهار الحاجة والافتقار، وتتجلى عبوديته الحقة لله رب العالمين في
إحدى الصور الثلاث التالية:

أولاً: بالسؤال، والله سبحانه
وتعالى يحب أن يُظْهِرَ الناسُ حاجتهم لله وأن يسألوه جميع مصالحهم الدينية
والدنيوية: من الطعام والشراب والكسوة، كما يسألونه الهداية والمغفرة.

ثانياً: بطلب الهداية.

ثالثاً: بالامتثال الكامل، وذلك باجتناب كل ما نهى الله تعالى عنه، وفعل كل ما أمر الله تعالى به.



الحديث الخامس والعشرون:

فضلُ اللهِ تعَالى وَسَعَةُ رحْمَتِه

مفردات الحديث

المعنى العام:(1-الحكمة البالغة وأبواب الخير الواسعة 2-دعوة الخير صدقة على المجتمع 3-سعة فضل الله عز وجل 4-أبواب الخير كثيرة)

ما يستفاد من الحديث


عن أبي ذَرٍّ رضي اللهُ عنه: "أَنَّ ناساً من أَصْحابِ رسول الله صلى
الله عليه وسلم، قالوا لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: يا رسولَ اللهِ،
ذَهَب أَهْلُ الدُّثورِ بالأُجورِ، يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، ويَصُومُونَ
كما نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُون بِفضُولِ أَمْوَالِهِمْ. قَالَ: "أوَ ليسَ
قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَدَّقُونَ ؟ إنَّ لَكُمْ بكلِّ تَسْبيحَةٍ
صَدَقَةً، وكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً،
وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٍ بِالْمَعرُوفِ صَدَقَةً، وَنَهْيٍ
عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةً، وفي بُضْعِ أحَدِكُمْ صَدَقَةً. قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللهِ، أَيَأْتي أحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أجرٌ ؟
قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَها في حَرَامٍ، أَكَانَ عَليْهِ وزْرٌ ؟
فَكَذلِكَ إذَا وَضَعَها في الْحَلاَلِ كانَ لَهُ أَجْرٌ ". رواه مسلم.

مفردات الحديث:

"أن أناساً": الأناس والناس بمعنى واحد، وهؤلاء الناس هم فقراء المهاجرين.

"الدثور": جمع دَثْر، وهو المال الكثير.

"فضول أموالهم": أموالهم الزائدة عن كفايتهم وحاجاتهم.

"تصدقون": تتصدقون به.

"تسبيحة": أي قول: سبحان الله.

"تكبيرة": قول: الله أكبر.

"تحميدة": قول: الحمد لله.

"تهليلة" : قول: لا إله إلا الله.

"صدقة": أجر كأجر الصدقة.

"بُضع": البُضع: الجماع.

"شهوته": لذته.

"وزر" : إثم وعقاب.

المعنى العام:

"يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور". لقد حاز أصحاب الأموال
والغنى كل أجر وثواب، واستأثروا بذلك دوننا، وذلك أنهم "يصلون كما نصلي
ويصومون كما نصوم". فنحن وإياهم في ذلك سواء، ولا ميزة لنا عليهم، ولكنهم
يفضلوننا ويتميزون علينا، فإنهم "يتصدقون بفضول أموالهم" ولا نملك نحن ما
نتصدق به لندرك مرتبتهم، ونفوسنا ترغب أن نكون في مرتبتهم عند الله تعالى،
فماذا نفعل ؟.

الحكمة البالغة وأبواب الخير الواسعة: يدرك
المصطفى صلى الله عليه وسلم لهفة هؤلاء وشوقهم إلى الدرجات العلى عند ربهم،
ويداوي نفوسهم بما آتاه الله تعالى من حكمة، فيطيب خاطرهم ويلفت أنظارهم
إلى أن أبواب الخير واسعة، وأن هناك من الأعمال ما يساوي ثوابُه ثوابَ
المتصدق، وتُدَاني مرتبةُ فاعله مرتبةَ المنفق، إن لم تزد عليها في بعض
الأحيان.

"أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ؟ " بلى إن أنواع
الصدقات بالنسبة إليكم كثيرة، منها ما هو إنفاق على الأهل، ومنها ما هو
ليس بإنفاق، وكل منها لا يقل أجره عن أجر الإنفاق في سبيل الله عز وجل.

فإذا لم يكن لديكم فضل مال، فسبحوا الله عز وجل وكبروه واحمدوه وهللوه، ففي كل لفظ من ذلك أجر صدقة، وأي أجر ؟

وروى أحمد والترمذي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : أي
العباد أفضل عند الله يوم القيامة ؟ قال: "الذاكرون الله كثيراً ".

دعوة الخير صدقة على المجتمع: وكذلكم: باب الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر واسع ومفتوح، وأجر من يقوم بهذا الفرض الكفائي لا يقل عن أجر المنفق
المتصدق، بل ربما يفوقه مراتب كثيرة : "كل معروف صدقة" رواه مسلم.
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].

سعة فضل الله عز وجل: وأيضاً فقد جعل الله عز وجل لكم أجراً وثواباً
تنالونه كل يوم وليلة إذا أخلصتم النية وأحسنتم القصد: أليس أحدكم ينفق على
أهله وعياله: "ونفقة الرجل على أهله وزوجته وعياله صدقة". رواه مسلم، و
"إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت عليها، حتى اللقمة
ترفعها إلى فيه امرأتك" متفق عليه. أي تطعمها إياها. بل أليس أحدكم يعاشر
زوجته ويقوم بواجبه نحوها، ليعف نفسه ويكفها عن الحرام، ويحفظ فرجه ويقف
عند حدود الله، ويجتنب محرماته التي لو اقترفها كان عليه إثم وعقاب ؟ فكذلك
له أجر وثواب، حتى ولو ظن أنه يُحَصِّل لذته ويُشبع شهوته، طالما أنه
يُخلص النية في ذلك، ولا يقارب إلا ما أحلّ الله تعالى له.


ومن عظيم فضل الله عز وجل على المسلم: أن عادته تنقلب بالنية إلى عبادة
يؤجر عليها، ويصير فعله وتركه قربة يتقرب بها من ربه جل وعلا، فإذا تناول
الطعام والشراب المباح بقصد الحفاظ على جسمه والتقوِّي على طاعة ربه، كان
ذلك عبادة يثاب عليها، ولا سيما إذا قارن ذلك ذكر الله تعالى في بدء العمل
وختامه، فسمى الله تعالى في البدء، وحمده وشكره في الختام.


وكذلك: يربو الأجر وينمو عند الله عز وجل للمسلم الذي يكف عن محارم الله عز
وجل، ولا سيما إذا جدّد العهد في كل حين، واستحضر في نفسه أنه يكف عن
معصية الله تبارك وتعالى امتثالاً لأمره واجتناباً لما نهى عنه،طمعاً في
ثوابه وخوفاً_من عقابه وتحقق فيه وصف المؤمنين الصادقين: {إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى
رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2].

أبواب الخيركثيرة:
ولا تقتصر أبواب الخير والصدقات على ما ذكر في الحديث، فهناك أعمال أخرى
يستطيع المسلم القيام بها ويحسب له فيها أجر الصدقة. وفي الصحيحين : "تكف
شَرَّك عن الناس فإنها صدقة" وعند الترمذي: "تبسمك في وجه أخيك لك صدقة ..
وإفراغك دلوك في دلو أخيك لك صدقة".

ما يستفاد من الحديث

استعمال الحكمة في معالجة المواقف، وإدخال البشرى على النفوس، وتطييب الخواطر.

فضيلة الأذكار المشار إليها في الحديث، وأن أجرها يساوي أجر الصدقة لمن لا يملك مالاً يتصدق به ولا سيما بعد الصلوات المفروضة.

استحباب الصدقة للفقير إذا كان لا يُضَيِّق على عياله ونفسه، والذكر للغني ولو أكثر من الإنفاق، استزادة في الخير والثواب.

التصدق بما يحتاج الإنسان إليه للنفقة على نفسه أو أهله وعياله مكروه، وقد يكون محرماً إذا أدى إلى ضياع من تجب عليه نفقتهم.

الصدقة للقادر عليها ولمن يملك مالاً أفضل من الذكر.

فضل الغني الشاكر المنفق والفقير الصابر المحتسب.

أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع المسلم.

حسن معاشرة الزوجة والقيام بحقها بما يحقق سكن نفسها ورغد عيشها، وكذلك حسن معاشرة الزوج اعترافاً بفضله وشكراً لإحسانه.

الحث على السؤال عما ينتفع به المسلم ويترقى به في مراتب الكمال.

للمستفتي أن يسأل عما خفي عليه من الدليل، إذا علم من حال المسؤول أنه لا يكره ذلك، ولم يكن فيه سوء أدب.

بيان الدليل للمتعلم، ولاسيما فيما خفي عليه، ليكون ذلك أثبت في قلبه وأدعى إلى امتثاله.

مشروعية القياس وترتيب الحكم إلحاقاً للأمر بما يشابهه أو يناظره.





الحديث السادس والعشرون:

الإصلاحُ بَينَ النَاس

والعدل فيهم

مفردات الحديث

المعنى
العام:(1-الشكر على سلامة الأعضاء 2-أنواع الشكر 3--شكر واجب 4--شكر مستحب
5-أنواع الصدقات : أ- العدل بين المتخاصمين ب- إعانة الرجل في دابته ج-
الكلمة الطيبة د- المشي إلى الصلاة هـ- إماطة الأذى عن الطريق" 6-صلاة
الضحى تجزئ في شكر سلامة الأعضاء 7-حمد الله على نعمه شكرٌ 8-إخلاص النية
لله تعالى في جميع الصدقات)

ما يستفاد من الحديث


عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضي اللهُ عنه قال: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه
وسلم: "كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ
فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وتُعين الرَّجُلَ في
دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عليها أو تَرْفَعُ لهُ متَاَعَهُ صَدَقَةٌ،
والْكَلِمةُ الطَّيِّبةُ صَدَقَةٌ، وبكُلِّ خَطْوَةٍ تَمشِيها إلى
الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وتُمِيطُ الأَذَى عنِ الطَّرِيِق صَدَقَةٌ". رواه
البخاري ومسلم.

مفردات الحديث:

"سلامى": السلامى: عظام الكف والأصابع والأرجل، والمراد في هذا الحديث جميع أعضاء جسم الإنسان ومفاصله.

"تعدل بين اثنين": تحكم بالعدل بين متخاصمين.

"وتعين الرجل في دابته": وفي معنى الدابة السفينة والسيارة وسائر ما يحمل عليه.

"فتحمله عليها": أي تحمله، أو تعينه في الركوب، أو في إصلاحها.

"وبكل خطوة": الخطوة : بفتح الخاء: المرة من المشي، وبضمها: بُعْدُ ما بين القدمين.

"وتميط الأذى": بفتح التاء وضمها: تزيل، من ماط وأماط: أزال. والأذى: كل ما يؤذي المارَّة من حجر أو شوك أو قذر.

المعنى العام:

لقد خص النبي صلى الله عليه وسلم السُّلاَمِيَّات بالذِّكر في حديثه،
لما فيها من تنظيم وجمال، ومرونة وتقابل، ولذا هدد الله عز وجل وتوعد كل
معاند وكافر بالحرمان منها بقوله: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ
بَنَانَهُ} [القيامة: 4] أي أن نجعل أصابع يديه ورجليه مستوية شيئاً
واحداً، كخف البعير وحافر الحمار، فلا يمكنه أن يعمل بها شيئاً، كما يعمل
بأصابعه المفرقة ذات المفاصل من فنون وأعمال.

الشكر على سلامة
الأعضاء: إن سلامة أعضاء جسم الإنسان، وسلامة حواسه وعظامه ومفاصله، نعمة
كبيرة تستحق مزيد الشكر لله تعالى المنعم المتفضل على عباده. وقال سبحانه:
{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8] قال ابن
عباس: النعيم: صحة الأبدان والأسماع والأبصار، يسأل الله العباد: فيم
استعملوها، وهو أعلم بذلك منهم، وهو قوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا}
[الإسراء: 36].

وقال ابن مسعود: النعيم الأمن والصحة. وأخرج
الترمذي وابن ماجه "أن أول ما يُسأل العبد عنه يوم القيامة فيقول الله: ألم
نُصِحَّ لك جسمك ونرويك من الماء البارد".

ومع هذا فإن
كثيراً من الناس_ يغفلون عن هذه النعم العظيمة، ويتناسَون ما هم فيه من
سلامة وصحة وعافية، ويهملون النظر والتأمل في أنفسهم، ومن ثَمَّ يقصرون في
شكر خالقهم.

أنواع الشكر: إن شكر الله تعالى على ما أعطى
وأنعم يزيد في النعم ويجعلها دائمة مستمرة، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ
رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]، ولا يكفي أن
يكون الإنسان شاكراً بلسانه، بل لا بد مع القول من العمل، والشكر المطلوب
واجب ومندوب:

فالشكر الواجب: هو أن يأتي بجميع الواجبات، وأن
يترك جميع المحرمات، وهو كاف في شكر نعمة الصحة وسلامة الأعضاء وغيرها من
النعم.

والشكر المستحب: هو أن يعمل العبد بعد أداء الفرائض
واجتناب المحارم بنوافل الطاعات، وهذه درجة السابقين المقربين في شكر
الخالق عز وجل، وهي التي تُرشد إليها أكثر الأحاديث الواردة في الحث على
الأعمال وأنواع القربات.

أنواع الصدقات:

العدل
بين المتخاصمين والمتهاجرين: ويكون ذلك بالحكم العادل، وبالصلح بينهما
صلحاً جائزاً لا يُحِلُّ حراماً ولا يُحَرِّم حلالاً، وهو من أفضل القربات
وأكمل العبادات، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] وقال سبحانه:{لا خيرَ في
كثيرٍ من نجواهم إلا من أمرَ بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاح} والإصلاح بين
المتخاصمين أو المتهاجرين صدقة عليهما، لوقايتهما مما يترتب على الخصام من
قبيح الأقوال والأفعال، ولذلك كان واجباً على الكفاية، وجاز الكذب فيه
مبالغة في وقوع الأُلفة بين المسلمين.

إعانة الرجل في دابته:
وذلك بمساعدته في شأن ما يركب، فتحمله أو تعينه في الركوب، أو ترفع له
متاعه، وهذا العمل الإنساني فيه صدقة وشكر، لما فيه من التعاون والمروءة.

الكلمة الطيبة: وتشمل: تشميت العاطس: والبدء بالسلام ورده، والباقيات
الصالحات: {إليه يصعدُ الكَلِمُ الطِّيبُ والعملُ الصالحُ يرفعه} [فاطر:
10] وحسن الكلام مع الناس، لأنه مما يفرح به قلب المؤمن، ويدخل فيه السرور،
هو من أعظم الأجر.

والكلمة الطيبة بالتالي تشمل الذكر
والدعاء، والثناء على المسلم بحق، والشفاعة له عند حاكم، والنصح والإرشاد
على الطريق، وكل ما يسر السامع ويجمع القلوب ويؤلفها.

المشي
إلى الصلاة: وفي ذلك مزيد الحث والتأكيد على حضور صلاة الجماعة والمشي
إليها لإعمار المساجد بالصلوات والطاعات، كالاعتكاف والطواف، وحضور دروس
العلم والوعظ.

إماطة الأذى عن الطريق: وهي تنحية كل ما يؤذي
المسلمين في طريقهم من حجر أو شوك أو نجاسة، وهذه الصدقة أقل مما قبلها من
الصدقات في الأجر والثواب، ولو التزم كل مسلم بهذا الإرشاد النبوي، فلم يرم
القمامة والأوساخ في غير مكانها المخصص لها، وأزال من طريق المسلمين ما
يؤذيهم، لأصبحت البلاد الإسلامية أنظف بقاع الأرض وأجملها على الإطلاق.

صلاة الضحى تجزئ في شكر سلامة الإعضاء: روى مسلم عن النبي_صلى الله
عليه_وسلم قال: " يُصبح على كل سُلامى أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل
تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي
عن المنكر صدقة، ويجزئُ من ذلك ركعتا الضحى يركعهما"، وأقلُّ صلاة الضحى
ركعتان، وأكثرها ثمان، ويسن أن يسلم من كل ركعتين، ووقتها يبتدئ بارتفاع
الشمس قدر رمح، وينتهي حين الزوال.

حمد الله تعالى على نعمه
شكر : روى أبو داود والنسائي، عن رسول الله صلى الله عليه سلم قال: "من قال
حين يُصبح : اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك
لك، فلك الحمد ولك الشكر. فقد أدى شكر ذلك اليوم، ومن قال حين يُمسي، فقد
أدَّى شكرَ ليلته".

إخلاص النية لله تعالى في جميع الصدقات:
إن خلوص النية لله تعالى وحده في جميع أعمال البر والصدقات المذكورة في هذا
الحديث وغيره شرط في الأجر والثواب عليها، قال الله تعالى:

{لا
خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ
مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ
ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}
[النساء: 114].

ليس المراد من الحديث حصر أنواع الصدقة
بالمعنى الأعم فيما ذكر فيه، بل التنبيه على ما بقي منها، ويجمعها كل ما
فيه نفع للنفس أو غيرها من خَلْقِ الله.

وختاماً فإن هذا
الحديث يُفيد إنعام الله تعالى على الإنسان بصحة بدنه وتمام أعضائه، وأن
عليه شكر الله كل يوم على كل عضو منها، وأن من الشكر: عمل المعروف، وإشاعة
الإحسان، ومعاونة المضطر، وحسن المعاملة، وإسداء البر، ودفع الأذى، وبذل كل
خير إلى كل إنسان، بل إلى كل مخلوق، وهذا كله من الصدقات المتعدية.

ومن الصدقات القاصرة: أنواع الذكر والتسبيح والتكبير والتحميد
والتهليل والاستغفار، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وتلاوة
القرآن، والمشي إلى المساجد، والجلوس فيها لانتظار الصلاة أو لاستماع العلم
والذكر، ومن ذلك: اكتساب الحلال والتحري فيه، ومحاسبة النفس على ما سلف من
أعمالها، والندم والتوبة من الذنوب السالفة، والحزن عليها، والبكاء من
خشية الله عز وجل، والتفكير في ملكوت السماوات والأرض، وفي أمور الآخرة وما
فيها من الجنة والنار والوعد والوعيد





الحديث السابع والعشرون:

الِبرُّ والإِثْمُ

مفردات الحديث

المعنى العام:(1-معرفة الحق من الفطرة 2-علامتا الإثم 3-إنزال الناس منازلهم )

ما يستفاد من الحديث




عن النّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضيَ اللهُ عَنْهُ عن النَّبي صلى الله عليه
وسلم قَالَ: "الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حاكَ في نَفْسِكَ
وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ". رواه مسلم.


وعن وَابصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ رضي اللهُ عَنْهُ قالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ
صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "جِئْتَ تَسأَلُ عَنِ الْبِرِّ ؟". قُلْتُ:
نَعَمْ. فَقَالَ: "اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إلَيْهِ
النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إلَيْهِ الْقَلْب، وَالإِثْمُ مَا حاكَ في
النَّفْسِ وَتَردَّدَ في الصَّدْرِ وَإنْ أَفْتَاكَ النّاسُ وَأَفْتَوْكَ".

حَدِيثٌ حَسَنٌ رُوِيْنَاهُ في مُسْنَدَي الإِمامَيْنِ: أَحمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالدَّارِميِّ بإسْنَادٍ حَسَنٍ.



مفردات الحديث:

"البر": بكسر الباء، اسم جامع للخير وكل فعل مرضي.

"حسن الخلق": التخلق بالأخلاق الشريفة.

"والإثم": الذنب بسائر أنواعه.

"ما حاك في النفس": ما لم ينشرح له الصدر ولم يطمئن إليه القلب.

المعنى العام:

فسَّر النبي صلى الله عليه وسلم البر في حديث النواس بن سمعان رضي
الله عنه بحسن الخلق،وفسَّره في حديث وابصة بما اطمأنت إليه النفس والقلب،
وتعليل هذا الاختلاف الوارد في تفسير البر : أنه يطلق ويراد منه أحد
اعتبارين مُعَيَّنَيْن:

أ- أن يراد بالبر معاملة الخَلْق بالإحسان
إليهم، وربما خُصَّ بالإحسان إلى الوالدين، فيقال بر الوالدين، ويطلق
كثيراً على الإحسان إلى الخَلْق عموماً.

ب- أن يراد بالبر فعل جميع
الطاعات الظاهرة والباطنة، قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ
وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي
الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ
بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ
وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا
وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].

معرفة الحق
من الفطرة: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "البر ما اطمأنت إليه النفس
واطمأن إليه القلب"، دليل على أن الله سبحانه وتعالى فطر عباده على معرفة
الحق والسكون إليه وقبوله، ورَكَزَ في الطباع محبته، قال صلى الله عليه
وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة".

علامتا الإثم: للإثم
علامتان: علامة داخلية، وهي ما يتركه في النفس من اضطراب وقلق ونفور
وكراهة، لعدم طمأنينتها إليه، قال صلى الله عليه وسلم: "الإثم ما حاك في
النفس".

وعلامة خارجية، وهي كراهية اطلاع وجوه الناس وأماثلهم
الذين يستحي منهم، بشرط أن تكون هذه الكراهية دينية، لا الكراهية العادية.

الفتوى
والتقوى: يجب على المسلم أن يترك الفتوى إذا كانت بخلاف ما حاك في نفسه
وتردد في صدره، لأن الفتوى غير التقوى والورع، ولأن المفتي ينظر للظاهر،
والإنسان يعلم من نفسه ما لا يعلمه المفتي، أو أن المستنكر كان ممن شرح
الله صدره، وأفتاه غيره بمجرد ظن أو ميل إلى هوى من غير دليل شرعي، فإن
الفتوى لا تزيل الشبهة.

أما إذا كانت الفتوى مدعمة بالدليل
الشرعي، فالواجب على المسلم أن يأخذ بالفتوى وأن يلتزمها، وإن لم ينشرح
صدره لها، ومثال ذلك الرخصة الشرعية، مثل الفطر في السفر والمرض، وقصر
الصلاة في السفر ..

كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ
وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ
لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]. وينبغي أن يتلقى ذلك
بانشراح الصدر والرضا والتسليم.

معجزة الرسول صلى الله عليه
وسلم: في حديث وابصة معجزة كبيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أخبره
بما في نفسه قبل أن يتكلم به، فقال له:"جئت تسأل عن البر ؟"


إنزال الناس منازلهم: لقد أحال النبي صلى الله عليه وسلم وابصة على إدراكه
القلبي، وعلم أنه يدرك ذلك من نفسه، إذ لا يدرك إلا من كان متين الفهم قوي
الذكاء نيِّر القلب، أما غليظ الطبع الضعيف الإدراك فلا يجاب بذلك، لأنه لا
يتحصل منه على شيء، وإنما يجاب بالتفصيل عما يحتاج إليه من الأوامر
والنواهي الشرعية.

ما يستفاد من الحديث

يرشد الحديث إلى التخلق بمكارم الأخلاق، لأن حسن الخلق من أعظم خصال البر.

قيمة القلب في الإسلام واستفتاؤه قبل العمل.

أن الدين وازع ومراقب داخلي، بخلاف القوانين الوضعية، فإن الوازع فيها خارجي.

إن الدين يمنع من اقتراف الإثم، لأنه يجعل النفس رقيبة على كل إنسان مع ربه.



الحديث الثامن والعشرون:

لزومُ السُّنَّة واجتنابُ البِدَع

مفردات الحديث

المعنى
العام:(1-صفات الموعظة المؤثرة :أ- انتقاء الموضوع ب- البلاغة في الموعظة
ج- عدم التطويل د- اختيار الفرصة المناسبة والوقت الملائم" 2-صفات الواعظ
الناجح 3-فضل الصحابة وصلاح قلوبهم 4-الوصية بالتقوى 5-الوصية بالسمع
والطاعة 6-لزوم التمسك بالسنة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين 7-التحذير من
البدع)

ما يستفاد من الحديث


عن أبي نَجيحٍ الْعِرْباضِ بنِ سارِيَةَ رضي اللهِ عنه قال: وَعَظَنَا
رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنها الْقُلُوبُ،
وذَرَفَتْ منها الْعُيُونُ، فَقُلْنا: يا رسول اللهِ، كأَنَّهَا مَوْعِظَةُ
مُوَدِّعٍ، فأَوْصِنا. قال: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،
والسَّمْعِ والطَّاعَةِ، وإن تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، فإنَّهُ مَنْ
يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافاً كَثِيراً، فَعَليْكُمْ بِسُنَّتي
وسُنَّةِ الخُلفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عليها
بالنَّواجِذِ، وإيَّاكُمْ ومُحْدَثاتِ الأُمُورِ، فإنَّ كلَّ بِدْعَةٍ
ضَلاَلَةٌ" رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

أهمية الحديث:

هذا الحديث اشتمل على وصية أوصاها الرسول صلوات الله وسلامه عليه
لأصحابه وللمسلمين عامة من بعده، وجمع فيها الوصية بالتقوى لله عز وجل،
والسمع والطاعة للحكام المسلمين، وفي هذا تحصيل سعادة الدنيا والآخرة. كما
أوصى الأمة بما يكفل لها النجاة والهدى إذا اعتصمت بالسنة ولزمت الجادة،
وتباعدت عن الضلالات والبدع.

مفردات الحديث:

"موعظة": من الوعظ، وهو التذكير بالعواقب.

"وَجِلَتْ": بكسر الجيم: خافت.

"ذرفت": سالت.

"الراشدين": جمع راشد، وهو من عرف الحق واتبعه.

"النواجذ": جمع ناجذ، وهو آخر الأضراس الذي يدل ظهوره على العقل، والأمر بالعض على السنة بالنواجذ كناية عن شدة التمسك بها.

"محدثات الأمور": الأمور المحدثة في الدين، وليس لها أصل في الشريعة.

"بدعة": البدعة لغة: ما كان مخترعاً على غير مثال سابق، وشرعاً: ما أُحدث على خلاف أمر الشرع ودليلِهِ.

"ضلالة": بُعْدٌ عن الحق.

المعنى العام:

صفات الموعظة المؤثرة: حتى تكون الموعظة مؤثرة، تدخل إلى القلوب، وتؤثر في النفوس، يجب أن تتوفر فيها شروط:

انتقاء الموضوع: فينبغي أن يعظ الناس، ويذكرهم ويخوفهم بما ينفعهم في
دينهم ودنياهم، بل ينتقي الموضوع بحكمة ودراية مما يحتاج إليه الناس في
واقع حياتهم، ولا شك أن غالب خطب الجمع والأعياد أصبحت اليوم وظيفة تؤدي لا
دعوة تُعْلَن وتُنْصَر، فتسهم من غير قصد في زيادة تنويم المسلمين، وإيجاد
حاجز كثيف بين منهج الإسلام، وواقع الحياة ومشاكل العصر.


البلاغة في الموعظة: والبلاغة في التوصل إلى إفهام المعاني المقصودة
وإيصالها إلى قلوب السامعين بأحسن صورة من الألفاظ الدالة عليها، وأحلاها
لدى الأسماع وأوقعها في القلوب.

عدم التطويل: لأن تطويل
الموعظة يؤدي بالسامعين إلى الملل والضجر، وضياع الفائدة المرجوة، وقد كان
النبي صلى الله عليه وسلم يقصر خطبه ومواعظه ولا يطيلها، بل كان يُبَلِّغ
ويُوجِز، ففي صحيح مسلم عن جابر بن سَمُرَة رضي الله عنه قال: "كنت أصلي مع
النبي صلى الله عليه وسلم فكانت صلاته قصداً، وخُطبته قصداً".

اختيار الفرصة المناسبة والوقت الملائم: ولذلك كان صلى الله عليه وسلم لا يديم وعظهم، بل كان يتخولهم بها أحياناً.

قال عبد الله بن مسعود: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخولنا بالموعظة كراهة السآمة علينا".

صفات الواعظ الناجح:

أن يكون مؤمناً بكلامه، متأثراً به.

أن يكون ذا قلب ناصح سليم من الأدناس، يخرج كلامه من قلبه الصادق فيلامس القلوب.

أن يطابق قوله فعله، لأن السامعين لموعظته، المعجبين بفصاحته
وبلاغته، سيرقبون أعماله وأفعاله، فإن طابقت أفعاله أقواله اتبعوه وقلدوه،
وإن وجدوه مخالفاً أو مقصراً فيما يقول شَهَّروا به وأعرضوا عنه.


فضل الصحابة وصلاح قلوبهم: إن الخوف الذي اعترى قلوب الصحابة، والدموع
التي سالت من عيونهم عند سماع موعظة النبي صلى الله عليه وسلم، دليل على
فضل وصلاح، وعلو وازدياد في مراقي الفلاح ومراتب الإيمان.


الوصية بالتقوى : التقوى هي امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، من تكاليف
الشرع، والوصية بها اعتناء كبير من النبي صلى الله عليه وسلم، لأن في
التمسك بها سعادةَ الدنيا والآخرة، وهي وصية الله تعالى للأولين والآخرين،
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء : 131].


الوصية بالسمع والطاعة: والسمع والطاعة لولاة الأمور من المسلمين في
المعروف واجب أوجبه الله تعالى في قرآنه حيث قال: {أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] ولذلك
أفرد النبي صلى الله عليه وسلم الوصية بذلك. [انظر الحديث 7 النصيحة لأئمة
المسلمين]

لزوم التمسك بالسنة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين:
والسنة هي الطريق المسلوك، فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه النبي صلى الله
عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال. وقد قرن
النبي صلى الله عليه وسلم سُنَّة الخلفاء الراشدين بسنته، لعلمه أن طريقتهم
التي يستخرجونها من الكتاب والسنة مأمونة من الخطأ. وقد أجمع المسلمون على
إطلاق لقب الخلفاء الراشدين المهديين على الخلفاء الأربعة: أبي بكر، وعمر،
وعثمان، وعلي، رضي الله عنهم أجمعين.

التحذير من البدع: وقد ورد مثل هذا التحذير في الحديث الخامس الخاص:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ". فانظره.

ويرشد الحديث إلى سنة الوصية عند الوداع بما فيه المصلحة، وسعادة الدنيا والآخرة.

النهي عما أُحدث في الدين مما ليس له أصل يستمد منه.

الحديث التاسع والعشرون:

أبوابُ الخَير ومسالك الهدى

مفردات الحديث

المعنى
العام:(1-شدة اعتناء معاذ بالأعمال الصالحة 2-الأعمال سبب لدخول الجنة
3-الإتيان بأركان الإسلام 4-أبواب الخير :"الصوم - الصدقة-صلاة الليل"
5-رأس الأمر وعموده وذروة سَنَامه 6-ملاك الأمر كله حفظ اللسان 7-أفضل
أعمال البر بعد الفرائض)

ما يستفاد من الحديث

عن
معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني
الجنَة ويُبَاعِدُني عن النار. قال: "لقد سألتَ عن عظيمٍ، وإنه ليسيرٌ على
من يَسَّرَهُ اللهُ تعالى عليه : تَعْبُدُ الله لا تُشركُ به شيئاً،
وتُقيمُ الصلاة،وتُؤتي الزكاةَ، وتصومُ رمضانَ، وتَحجُّ البيتَ".ثم قال: "
ألا أَدُلُّكَ على أبْوَابِ الخير؟:الصومُ جُنَّةٌ، والصدقةُ تُطفىء
الخطيئة كما يُطفىء الماءُ النارَ، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا:
{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ} - حتى بلغ - {يَعْمَلُونَ} [
السجدة: 16-17].

ثم قال:" ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذِروة
سَنَامِهِ؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: " رأس الأمر الإسلامُ، وعَمُوده
الصلاةُ، وذِروة سَنَامه الجهاد".

ثم قال: " ألا أخبرك بِمِلاكَ
كلِّهِ"؟ فقلت بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: " كفَّ عليك هذا" . قلت
: يا نبي الله، وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟! فقال: " ثَكِلتكَ أمُّكَ،
وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم - أو قال: "على مناخِرِهم - إلا
حصائد ألسنتهم" . [رواه الترمذي] وقال: حديث حسن صحيح.



مفردات الحديث:"الصوم جنة": الصوم وقاية من النار.

"الصدقة تطفىء الخطيئة": أي تطفىء أثر الخطيئة فلا يبقى لها أثر.

"جوف الليل": وسطه، أو أثناؤه.

" تتجافى": ترتفع وتبتعد.

"عن
المضاجع": عن الفُرُشِ والمراقد."ذروة سَنَامه": السَّنَام: ما ارتفع من
ظهر الجمل، والذروة: أعلى الشيء، وذروة سنام الأمر:كناية عن أعلاه."ثكلتك
أمك": هذا دعاء بالموت على ظاهره، ولا يُراد وقوعه، بل هو تنبيه من الغفلة
وتعجب للأمر.

"يَكُبُّ": يُلْقي في النار .

"حصائد ألسنتهم": ما تكلمت به ألسنتهم من الإثم.

المعنى العام:

شدة
اعتناء معاذ بالأعمال الصالحة: إن سؤال معاذ رضي الله عنه يدل على شدة
اعتنائه بالأعمال الصالحة ، واهتمامه بمعرفتها من رسول الله صلى الله عليه
وسلم، كما يدل على فصاحته وبلاغته، فإنه سأل سؤالاً وجيزاً وبليغاً، وقد
مدح النبي صلى الله عليه وسلم سؤاله وعجب من فصاحته حيث قال: "لقد سألت عن
عظيم".

الأعمال سبب لدخول الجنة وقد دل على ذلك قول معاذ "
أخبرني بعمل يدخلني الجنة" . وفي كتاب الله عز وجل {تِلْكُمْ الْجَنَّةُ
أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [ الأعراف: 43] وأما قول النبي
عليه الصلاة والسلام "لن يَدخلَ الجنة أحدُكم بعمله" رواه البخاري: فمعناه
أن العمل بنفسه لا يستحق به أحد الجنة، وإنما لا بد مع العمل من القبول،
وهذا يكون بفضل ورحمةٍ من الله تعالى على عباده.

الإتيان بأركان الإسلام: أجاب النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً عن سؤاله، بأن توحيد الله

وأداء
فرائض الإسلام : الصلاة والزكاة والصيام والحج، هي العمل الصالح الذي جعله
بمنه وإحسانه ورحمته سبباً لدخول الجنة، وقد مر في شرح الحديث الثاني
والثالث أن هذه الأركان الخمس هي دعائم الإسلام التي بني عليها فانظرهما.

أبواب الخير: وفي رواية ابن ماجه: "أبواب الجنة". وقد دلَّ النبي صلى
الله عليه وسلم معاذاً على أداء النوافل بعد استيفاء أداء الفرائض، ليظفر
بمحبة الله، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ربه عز وجل أنه قال: "
ما تَقَرَّبَ إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي
يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّهُ " رواه البخاري. وأما أبواب الخير
وأسبابه الموصلة إليه فهي:

أ-الصوم جُنَّة: والمراد به هنا صيام
النفل لا صيام رمضان، وهو وقاية من النار في الآخرة؛ لأن المسلم يمتنع فيه
عن الشهوات امتثالاً لأمر الله، وهذا الامتناع يُضْعِف تحكّم القوى
الشهوانية في الإنسان، فلا تسيطر عليه، ويصبح بالصوم تقياً نقياً طاهراً من
الذنوب.

ب-الصدقة: والمراد بالصدقة هنا غير الزكاة، والخطيئة التي
تطفئها وتمحو أثرها إنما هي الصغائر المتعلقة بحق الله تعالى، لأن الكبائر
لا يمحوها إلا التوبة، والخطايا المتعلقة بحق الآدمي لا يمحوها إلا رضا
صاحبها.

ج- صلاة الليل: وهي صلاة التطوع في الليل بعد الاستيقاظ من
النوم ليلاً، والمراد بـ: صلاة الرجل:صلاة الرجل والمرأة. قال الله تعالى
:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ
رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلا
مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [
الذاريات: 15-18]. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصلاة
بعد المكتوبة قيام الليل" رواه مسلم.

رأس الدين الإسلام وعموده
وذروة سَنَامه : وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى في عيني صاحبه معاذ
حُبَّ الاستزادة من علم النبوة، فزاده معرفة واضحة على طريقة التشبيه
والتمثيل، ولم يُسْمِعْهُ هذه المعارف إلا بعد صيغة السؤال: ألا
أُخْبِرُكَ؟" وهي طريقة تربوية ناجحة تزيد من انتباه المتعلم، وتجعله
سائلاً متلهفاً لمعرفة الجواب، لا مجرد سامع ومتعلقٍّ . أما هذه المعارف
النبوية فهي:

رأس الأمر الإسلام: وقد ورد تفسير هذا في حديث معاذ
الذي رواه الإمام أحمد؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن رأس هذا
الأمر أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده
ورسوله".

وعموده الصلاة: أي إن الصلاة عماد الدين، وقِوَامه الذي يقوم به، كما يقوم الفُسْطَاط

)الخيمة) على عموده. وكما أن العمود يرفع البيت ويهيئه للانتفاع، فكذلك الصلاة ترفع الدين وتظهره.

وذروة سنامه الجهاد: أي أعلى ما في الإسلام وأرفعه الجهاد؛ لأن به
إعلاء كلمة الله، فيظهر الإسلام ويعلو على سائر الأديان، وليس ذلك لغيره من
العبادات، فهو أعلاها بهذا الاعتبار.

ملاك الأمر كله حفظ
اللسان: وقد بينَّا أهمية حفظ اللسان وضبطه في شرح حديث 15 "من كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت". والمراد بحصائد الألسنة جزاء
الكلام المحرّم وعقوباته، فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات،
ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، فمن زرع خيراً من قول وعمل حصد الكرامة، ومن
زرع شراً من قول أو عمل حصد غداً الندامة.

روى الإمام أحمد
والترمذي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "أكثر ما يُدْخِلُ النار الأجوفان: الفم والفرج". أفضل أعمال البر بعد
الفرائض: ذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن أفضل أعمال البر بعد الفرائض العلم
ثم الجهاد. وذهب الشافعي إلى أن أفضل الأعمال الصلاة فرضاً ونفلاً. وقال
الإمام أحمد : الجهاد في سبيل الله.

وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم
سئل أي الأعمال أفضل ؟ فقال تارة: الصلاة لأول وقتها، وتارة: الجهاد،
وتارة بِرّ الوالدين، وحُمِل ذلك على اختلاف أحوال السائلين، أو اختلاف
الأزمان.

ما يستفاد من الحديث

ويفيد الحديث الشريف استرشاد
الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم وعظته لهم، كما يرشد إلى أن أداء
الفرائض الخمس أول ما يعمله العبد وأنها سبب لدخوله الجنة والبعد عن النار.
فضل الجهاد في حفظ الإسلام، وإعلاء كلمة الله.خطر اللسان، والمؤاخذة
على عمله، وأنه يورد النار بحصائده.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.halimb.yoo7.com
عبدالله ناجح
عضو متّألق
عضو متّألق
عبدالله ناجح


الإسم الحقيقي : ABDALLAH NAJIH
البلد : ROYAUME DU MAROC

عدد المساهمات : 12530
التنقيط : 79438
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 16/09/2010
الجنس : ذكر

الأربعين النووية 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأربعين النووية 2   الأربعين النووية 2 I_icon_minitimeالجمعة 22 أبريل 2011, 06:05

الحديث الثلاثون:

حدود الله تعالى وحرماته

أهمية الحديث

مفردات الحديث

المعنى
العام :(1-وجوب المحافظة على الفرائض والواجبات 2-الوقوف عند حدود الله
تعالى 3-المنع من قربان المحرمات وارتكابها 4-رحمة الله تعالى بعباده
5-النهي عن كثرة البحث والسؤال)

ما يستفاد من الحديث

عن
أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنيِّ جُرْثُومِ بن ناشِرٍ رضي اللهُ عنه، عن رسول
اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله تعالى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا
تُضَيِّعُوها، وحَدَّ حُدُوداً فَلا تَعْتَدُوها، وحَرَّمَ أشْياءَ فَلا
تَنْتَهِكُوها، وسَكَتَ عَن أشيْاءَ - رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيانٍ -
فلا تَبْحَثُوا عنها". حديث حسن رواه الدَّارَقُطْنِيّ وغيرُه .

حَسَّنَه النووي رحمه الله تعالى، ووافقه عليه الحافظ العراقي، والحافظ ابن حجر، و صححه ابن الصلاح.

أهمية الحديث :

هذا الحديث من جوامع الكلم التي اختص الله تعالى بها نبينا صلى الله عليه وسلم، فهو وجيز

بليغ،
ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسَّم أحكام الله إلى أربعة أقسام:
فرائض، ومحارم، وحدود، ومسكوت عنه. فمن عمل به فقد حاز الثواب وأمن العقاب،
لأن من أدى الفرائض، واجتنب المحارم، ووقف عند الحدود، وترك البحث عما غاب
عنه، فقد استوفى أقسام الفضل، وأوفى حقوق الدين، لأن الشرائع لا تخرج عن
هذه الأنواع المذكورة في هذا الحديث.

مفردات الحديث

" فرض الفرائض": أوجبها.

" فلا تضيعوها": فلا تتركوها أو تتهاونوا فيها حتى يخرج وقتها .

"حد حدودا": الحدود جمع حد، وهو لغة: الحاجز بين الشيئين، وشرعاً: عقوبة مُقَدَّرة من الشارع تَزْجُرُ عن المعصية.

"فلا تعتدوها": لا تزيدوا فيها عما أمر به الشرع، أو لا تتجاوزوها وقفوا عندها.

"فلا تنتهكوها": لاتقعوا فيها ولا تقربوها.

و "سكت عن أشياء": أي لم يحكم فيها بوجوب أو حرمة، فهي شرعاً على الإباحة الأصلية.

المعنى العام:

وجوب المحافظة على الفرائض والواجبات: والفرائض هي ما فرضه الله على
عباده، وألزمهم بالقيام بها، كالصلاة والزكاة والصيام والحج.

وتنقسم الفرائض إلى قسمين : فرائض أعيان، تجب على كل مكلف بعينه، كالصلوات الخمس والزكاة والصوم.

وفرائض
كفاية إذا قام بها بعض المسلمين سقط الإثم عن الجميع، وإذا لم يقم بها
أحد، أثم الجميع، كصلاة الجنازة، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن
المنكر. [ انظر الحديث 34] .

الوقوف عند حدود الله تعالى: وهي
العقوبات المقَّدرة، الرادعة عن المحارم كحد الزنا، وحد السرقة، وحد شرب
الخمر ، فهذه الحدود عقوبات مقدرة من الله الخالق سبحانه وتعالى، يجب
الوقوف عندها بلا زيادة ولا نقص. وأما الزيادة في حد الخمر من جلد أربعين
إلى ثمانين فليست محظورة، وإن اقتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر
على جلد أربعين، لأن الناس لما أكثروا من الشرب زمن عمر رضي الله عنه ما
لم يكثروا قبله، استحقوا أن يزيد في جلدهم تنكيلاً وزجراً، فكانت الزيادة
اجتهاداً منه بمعنى صحيح مُسَوِّغ لها، وقد أجمع الصحابة على هذه الزيادة .
[ انظر الفقه: كتاب الحدود حد الزنا والسرقة وشرب الخمر] .

المنع
من قربان المحرمات وارتكابها: وهي المحرمات المقطوع بحرمتها، المذكورة في
القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد حماها الله تعالى ومنع من قربانها
وارتكابها وانتهاكها {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا
وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151]. ومن يدقق النظر في المحرمات، ويبحث عن علة
التحريم بعقل نَيِّر ومنصف، فإنه يجدها محدودة ومعدودة، وكلها خبائث، وكل
ما عداها فهو باق على الحل، وهو من الطيبات، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}
[المائدة: 87] .

رحمة الله تعالى بعباده: صرح النبي عليه الصلاة
وسلام أن سكوت الله عن ذكر حكم أشياء، فلم ينص على وجوبها ولا حلها ولا
تحريمها، إنما كان رحمة بعباده ورفقاً بهم، فجعلها عفواً، إن فعلوها فلا
حرج عليهم، وإن تركوها فلا حرج عليهم أيضاً. ولم يكن هذا السكوت منه سبحانه
وتعالى عن خطأ أو نسيان، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، قال الله تعالى:
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا
يَنسَى} [ طه: 52].

النهي عن كثرة البحث والسؤال: ويحتمل أن يكون
النهي الوارد في الحديث عن كثرة البحث والسؤال خاصاً بزمن النبي صلى الله
عليه وسلم، لأن كثرة البحث والسؤال عما لم يذكر قد يكون سبباً لنزول
التشديد فيه بإيجاب أو تحريم، ويحتمل بقاء الحديث على عمومه، ويكون النهي
فيه لما فيه من التعمق في الدين، قال صلى الله عليه وسلم:

" ذروني
ما تركتكم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم
" وقال صلى الله عليه وسلم "هلك المتنطعون" والمتنطع: الباحث عما لا
يعنيه، أو الذي يدقق نظره في الفروق البعيدة.

وقد كف الصحابة رضوان
الله عليهم عن إكثار الأسئلة عليه صلى الله عليه وسلم حتى كان يعجبهم أن
يأتي الأعراب يسألونه فيجيبهم، فيسمعون ويَعُونَ. ومن البحث عما لا يعني
البحث عن أمور الغيب التي أُمرنا بالإيمان بها ولم تتبين كيفيتها، لأنه قد
يوجب الحيرة والشك، وربما يصل إلى التكذيب.

وأخرج مسلم: "لا يزال الناس يسألون حتى يقال: هذا اللهُ خَلَقَ الخلقَ، فمن خلق الله ؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل آمنت بالله".

ما يستفاد من الحديث: الأمر باتباع الفرائض والتزام الحدود، واجتناب المناهي، وعدم الاستقصاء عما عدا ذلك رحمة بالناس.




الحديث الحادي والثلاثون:

حقيقة الزُّهدِ وثمَراته

مفردات الحديث

المعنى
العام:(1-معنى الزهد 2-أقسام الزهد 3-الحامل على الزهد 4-تحقير شأن الدنيا
والتحذير من غرورها 5-الذم الوارد للدنيا ليس للزمان ولا للمكان 6-كيف
نكتسب محبة اله تعالى 7-كيف نكتسب محبة الناس 8-زهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم وزهد أصحابه الكرام 9-الزهد الأعجمي)

عن
أبي العَبَّاسِ سَهْلِ بن سعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي اللهُ عنه قال: جاء
رَجُلٌ إلى النَّبِّي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسوَل اللهِ، دُلَّني
على عَمَلٍ إذَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّني اللهُ وأَحَبَّني النَّاسُ. فقال:
"ازْهَدْ في الدُّنيا يُحِبَّكَ اللهُ، وازْهَدْ فيما عِنْدَ النَّاس
يُحِبَّكَ النَّاسُ". حديث حسن رواه ابن ماجه وغَيْرُهُ بأسانيدَ حَسَنة.

مفردات الحديث:

"أحبني
الله": أثابني وأحسن إليَّ "وأحبني الناس": مالوا إلي ميلاً طبيعياً ، لأن
محبتهم تابعة لمحبة الله، فإذا أحبه الله ألقى محبته في قلوب خلقه.

"ازهد":
من الزهد، وهو لغة: الإعراض عن الشيء احتقاراً له، وشرعاً: أخذ قدر
الضرورة من الحلال المتيقَّن الحِلّ."يحبَّك الله": بفتح الباء المشددة،
مجزوم في جواب الأمر.

المعنى العام:

معنى الزهد: تنوعت
عبارات السلف والعلماء الذين جاؤوا بعدهم في تفسير الزهد في الدنيا، وكلها
ترجع إلى ما رواه الإمام أحمد عن أبي إدريس الخولاني رضي الله عنه أنه
قال: "ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، إنما الزهادة
في الدنيا أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يديك وإذا أصبت مصيبة
كنت أشد رجاء لأجرها وذخرها من إياها لو بقيت لك"

وفي هذا القول تفسير الزهد بثلاث أمور كلها من أعمال القلوب لا من أعمال الجوارح، وهذه الأمور الثلاثة هي:

أن
يكون العبد واثقاً بأن ما عند الله تعالى أفضل مما في يده نفسه، وهذا ينشأ
من صحة اليقين، والوثوق بما ضمنه الله تعالى من أرزاق عباده، قال الله
تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}
[هود: 6]. أن يكون العبد إذا أصيب بمصيبة في دنياه، كذهاب مال أو ولد، أرغب
في ثواب ذلك أكثر مما لو بقي له.

أن يستوي عند العبد حامده وذامه في الحق، قال ابن مسعود رضي الله عنه: اليقين أن لا تُرضي الناس بسخط الله.

الزهد في الدنيا أن لا تأس على ما فات منها، ولا تفرح بما أتاك منها.

أقسام الزهد: قسَّم بعض السلف الزهد إلى ثلاثة أقسام:

الزهد في الشرك وفي عبادة ما عُبِد من دون الله.

الزهد في الحرام كله من المعاصي.

الزهد في الحلال.

والقسمان الأول والثاني من هذا الزهد كلاهما واجب، والقسم الثالث ليس بواجب.

الحامل على الزهد: والذي يحمل الإنسان على الزهد أمور منها:

استحضار الآخرة، ووقوفة بين يدي خالقه في يوم الحساب والجزاء، فحينئذ يغلب شيطانه وهواه، ويصرف نفسه عن لذائذ الدنيا الفانية.

استحضار أن لذات الدنيا شاغلة للقلوب عن الله تعالى.

كثرة التعب والذل في تحصيل الدنيا، وسرعة تقلبها وفنائها، ومزاحمة
الأرذال في طلبها، وحقارتها عند الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: " لو
كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء". رواه
الترمذي.

استحضار أن الدنيا ملعونة، كما في الحديث الحسن الذي
رواه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه: "الدنيا ملعونةٌ، ملعونٌ ما
فيها، إلا ذكر الله تعالى وما والاه، أو عالم أو متعلم".


تحقير شأن الدنيا والتحذير من غرورها: والزاهد في الدنيا يزيد موقفه صلابة
وقوة عندما يتلو آيات ربه عز وجل، فيجد فيها تحقير شأن الدنيا والتحذير من
غرورها وخداعها، قال الله تعالى:{ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا *
وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 16-17]. وقال سبحانه: {قُلْ
مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى} [النساء:
77] وروى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما الدنيا في الآخرة إلا
كما يجعل أحدكم إصبعه في اليمِّ فلينظر بما يرجع".

الذم الوارد
للدنيا ليس للزمان ولا للمكان: وهذا الذم الوارد في القرآن الكريم والسنة
النبوية للدنيا، لا يرجع إلى زمانها الذي هو الليل والنهار المتعاقبان إلى
يوم القيامة.

ولا يرجع الذم للدنيا إلى مكانها الذي هو الأرض التي
جعلها الله مهاداً ومسكناً، ولا إلى ما أنبته فيهامن الزرع والشجر، ولا إلى
ما بث فيها من مخلوقات، فإن ذلك كله من نِعَم الله على عباده، ولهم في هذه
النعم المنافع والفوائد، والاستدلال بها على قدرة الله عز وجل ووجوده.

بل
الذم الوارد يرجع إلى أفعال الناس الواقعة في هذه الحياة الدنيا لأن
غالبها مخالف لما جاء به الرسل، ومضر لا تنفع عاقبته، قال الله تعالى:
{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ
وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ
غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ
مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} [الحديد: 20].

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى: وانقسم بنو آدم في الدنيا إلى قسمين:

أحدهما:
من أنكر أن يكون للعباد دار بعد الدنيا للثواب والعقاب وهؤلاء هم الذين
قال الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا
بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ
آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ} [يونس: 7-8]. وهؤلاء همهم التمتع في الدنيا واغتنام لذاتها
قبل الموت. والقسم الثاني: من يُقِرّ بدار بعد الموت للثواب والعقاب، وهم
المنتسبون إلى شرائع المرسلين. وهم منقسمون إلى ثلاثة أقسام: ظالم لنفسه
ومقتصد وسابق بالخيرات بإذن الله.

فالأول: وهم الأكثرون، الذين
وقفوا مع زهرة الدنيا بأخذها من غير وجهها واستعمالها في غير وجهها، فصارت
أكبر همهم، وهؤلاء هم أهل اللهو اللعب والزينة والتفاخر والتكاثر، وكل
هؤلاء لم يَعْرِفَ المقصودَ منها، ولا أنها منزل سفر يتزود منها إلى دار
الإقامة.

والثاني : أخذها من وجهها، لكنه توسع في مباحاتها، وتلذذ
بشهواتها المباحة، وهو وإن لم يعاقب عليها، ولكنه ينقص من درجاته في الآخرة
بقدر توسعه في الدنيا، روى الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "
إن الله إذا أحب عبداً حماه من الدنيا كما يَظَلُّ أحدكم يحمي سقيمه من
الماء".

والثالث: هم الذين فهموا المراد من الدنيا، وأن الله سبحانه
إنما أسكن عباده فيها وأظهر لهم لذاتها ونضرتها، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً،
فمن فهم أن هذا هو مآلها واكتفى من الدنيا بما يكتفي به المسافر في سفره،
وتزود منها لدار القرار.

روى الحاكم عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال: "نعمت الدار الدنيا لمن تزود منها لآخرته حتى يرضي ربه،
وبئست الدار لمن صدت به عن آخرته وقصرت به عن رضا ربه".

كيف نكتسب
محبة الله تعالى: نستطيع أن نكتسب محبة الله تعالى بالزهد في الدنيا
والابتعاد عن محبتها الممنوعة أي عن إيثارها لنيل الشهوات واللذات وكل ما
يشغل عن الله تعالى. أما محبتها لفعل الخير والتقرب به إلى الله فهو محمود،
لحديث " نعم المال الصالح للرجل الصالح يصل به رحماً، ويصنع به معروفاً"
رواه الإمام أحمد.

كيف نكتسب محبة الناس: ويعلمنا الحديث كيف ننال
محبة الناس، وذلك بالزهد فيما في أيديهم، لأنهم إذا تركنا لهم ما أحبوه
أحبونا، وقلوب أكثرهم مجبولة مطبوعة على حب الدنيا، ومن نازع إنساناً في
محبوبه كرهه ومن لم يعارضه فيه أحبه واصطفاه. قال الأعرابي لأهل البصرة: من
سيدكم ؟ قالوا: الحسن. قال: بما سادكم ؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه
واستغنى هو عن دنياهم. فقال: ما أحسنَ هذا .

وأحق الناس باكتساب هذه
الصفة الحكام والعلماء، لأن الحكام إذا زهدوا أحبهم الناس واتبعوا نهجهم
وزهدهم، وإذا زهد العلماء أحبهم الناس واحترموا أقوالهم وأطاعوا ما يعظون
به وما يُرْشِدون إليه.

زهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وزهد أصحابه الكرام: وإذا كنا نبحث عن القدوة في حياة الزاهدين، فإننا نجد
ذلك متمثلاً في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم عملاً وسلوكاً، لقد عاش
النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة وبعدها، وفي أيام الشِّدة والرخاء
زاهداً في متاع الدنيا، طالباً للآخرة، جاداً في العبادة. وقد تأسى به
أصحابه الكرام فكانوا سادة الزهاد وأسوة للزاهدين.

لقد جاءتهم الدنيا بالأموال الحلال فأمسكوها تقرباً لله تعالى وأنفقوها في خدمة دينه وإعلاء كلمته.

الزهد
الأعجمي: إن الزهد بمعناه الإسلامي هو ما بيناه، أما الزهد الأعجمي فهو
الإعراض الكامل عن نعم الله والتحقير لها، والحرمان من الاستمتاع بشيء
منها، وقد تأثر بعض المسلمين بهذا المفهوم الأعجمي للزهد، فأصبحنا نجد
أناساً في عصر ضعف الدولة العباسية وما بعده، يَلْبَسون المرقعات ويقعدون
عن العمل والكسب، ويعيشون على الإحسان والصدقات، ويَدَّعون أنهم زاهدون.

مع أن روح الإسلام تأبى هذه السلبية القاتلة، وترفض هذا العجز المميت، وتنكر هذا الذل والتواكل.

والمسلمون
اليوم أصحاء من مثل هذه العقلية المريضة، يندفعون إلى العمل والكسب
الحلال، ويتنافسون في تحصيل الربح وإعمار الأرض، حتى أصبحنا نخاف على
أنفسنا الغفلة عن الآخرة، ونبحث عن المهدئات التي تذكرنا بالله تعالى
وتدعونا إلى الزهد في الدنيا.

الحديث الثاني والثلاثون:

نفي الضرر في الإسلام

أهمية الحديث

مفردات الحديث

المعنى العام :(1-لا تكليف في الإسلام بما فيه ضرر، ولا نهي عما فيه نفع 2-رفع الحرج 3-مظاهر الضرر )

عن أبي سَعِيدٍ سَعْدِ بن سِنَانٍ الخُدْرِي رضي اللهُ عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ ".

حديث حسن، رواه ابن ماجه والدَّارَقُطْنِيُّ وغيرُهما مسنَداً .

أهمية الحديث:

قال أبو داود السِّجِسْتَاني :إنه من الأحاديث التي يدور الفقه عليها.

مفردات الحديث

الضرر أن يُلْحِقَ الإنسان أذىً بمن لم يؤذه، والضرار أن يلحق أذى بمن قد آذاه على وجه غير مشروع.

المعنى العام:

المنفي
هو الضرر لا العقوبة والقصاص: المراد بالضرر في الحديث هو ما كان بغير حق،
أما إدخال الأذى على أحد يستحقه - كمن تعدى حدود الله تعالى فعوقب على
جريمته، أو ظلم أحداً فعومل بالعدل وأوخذ على ظلمه - فهو غير مراد في
الحديث لأنه قصاص شرعه الله عز وجل.

بل من نفي الضرر أن يُعَاقَبَ المجرم بِجُرمه ويؤخذ الجاني بجنايته، لأن في ذلك دفعاً لضرر خطير عن الأفراد والمجتمعات.

لا
تكليف في الإسلام بما فيه ضرر، ولا نهي عما فيه نفع: إن الله تعالى لم
يكلف عباده فعل ما يضرهم ألبتة، كما أنه سبحانه لم ينههم عن شيء فيه نفع
لهم، ففيما أمرهم به عين صلاحهم في دينهم ودنياهم، وفيما نهاهم عنه عين
فساد معاشهم ومعادهم. قال تعالى: {قلْ أمرَ ربِّي بالقِسْطِ} [ الأعراف:
29] وقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا
وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33].

رفع الحرج: من نفي الضرر في الإسلام
رفع الحرج عن المكلف، والتخفيف عنه عندما يوقعه ما كُلِّف به في مشقة غير
معتادة، ولا غرابة في ذلك فإن هذا الدين دينُ التيسير، قال الله
تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]
وقال: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [ البقرة: 286].

ومن أمثلة التخفيف عن المكلف عند حصول المشقة:

التيمم للمريض وعند عسر الحصول على الماء.

الفطر للمسافر والمريض [ انظر الفقه: باب التيمم والصيام ]

انظار المدين المعسر: من استدان في مباح لِأَجَل ولم يتمكن من
الوفاء، وجب على دائنه تأخير مطالبته إلى حال يساره، قال تعالى: {وإن كان
ذو عُسرةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] وقرر الفقهاء هنا أنه
لا يُلزم بقضاء ما عليه مما في خروجه من ملكه ضرر عليه، كثيابه ومسكنه
وخادمه المحتاج إليه، وكذلك ما يحتاج للتجارة بل ليحصل على نفقة نفسه
وعياله.

مظاهر الضرر: قد يتجلى قصد الضرر في نوعين من التصرفات:

تصرفات ليس للمكلف فيها غرض سوى إلحاق الضرر بغيره، وهذا النوع لا ريب في قبحه وتحريمه.

تصرفات يكون للمكلف فيها غرض صحيح مشروع، ولكن يرافق غرضه أو يترتب عليه إلحاق ضرر بغيره.

النوع الأول من التصرفات: لقد ورد الشرع في النهي عن كثير من التصرفات التي لا يقصد منها غالباً إلا إلحاق الضرر منها:

المضارة في البيع: ويتناول صوراً عِدَّة منها:

بيع
المضطر: وهو أن يكون الرجل محتاجاً لسلعة ولا يجدها ، فيأخذها من بائعها
بزيادة فاحشة عن ثمنها المعتاد، كأن يشتريها بعشرة وهي تساوي خمسة.

أخرج أبو داود من حديث علي رضي الله عنه: أنه خطب الناس فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر.

الغَبْنُ الفاحش: إذا كان المشتري لا يحسن المماكسة (المفاصلة)
فاشترى بغبن كثير، لم يجز للبائع ذلك. ومذهب مالك وأحمد رحمهما الله تعالى
أنه يثبت له خيار الفسخ.

الوصية: والإضرار بالوصية على حالين.

أن يَخُصَّ بعض الورثة بزيادة على فرضه الذي فرضه الله له، فيتضرر
بقية الورثة بتخصيصه، ولذا منع الشارع من ذلك إذا لم يرض باق الورثة.

أن يوصي لأجنبي لينقص حقوق الورثة، ولذا منع الشرع من ذلك فيما زاد
عن الثلث سواء قصد المضارة أم لا، إلا إذا أجاز الورثة، قال صلى الله عليه
وسلم: " الثلثُ والثلثُ كثير". متفق عليه.

وأجازها في حدود
الثلث ليتدارك المكلف بعض ما فاته من الخيرات في حياته، وما قَصَّر فيه عن
وجوه الإنفاق. وهذا إذا لم يقصد الوصي بوصيته إدخال الضرر على الورثة، وإلا
فإنه يأثم بوصيته عند الله عز وجل.

النوع الثاني من التصرفات: وهي
التي يكون للمتصرف فيها غرض صحيح ومشروع، ولكن قد يرافقها أو يترتب عليها
ضرر بغيره. وذلك: بأن يتصرف في ملكه بما يتعدى ضرره إلى غيره، أو يمنع غيره
من الانتفاع بملكه، فيتضرر الممنوع بذلك.

النوع الأول: وهو التصرف في ملكه بما يتعدى ضرره، وهو على حالتين:

أن يتصرف على وجه غير معتاد ولا مألوف، فلا يسمح له به، وإن تصرف
وتضرر غيره ضمن ما حصل من ضرر، وذلك كأن يؤجج ناراً في أرضه في يوم عاصف،
فيحترق ما يليها، فإنه متعد بذلك وعليه الضمان.

أن يتصرف على الوجه المعتاد.

أن يُحْدِث في ملكه ما يضر بجيرانه، من هدم أو دق أو نحوهما، أو يضع ما له رائحة خبيثة، فإنه يُمنع منه.

النوع الثاني: وهو منع غيره من التصرف في ملكه وتضرر غيره بهذا المنع.

أن يمنع جاره من الانتفاع بملكه والارتفاق به: فإن كان يضر بمن انتفع
بملكه فله المنع، كمن له جدار واهٍ، لا يحمل أكثر مما هو عليه، فله أن
يمنع جاره من وضع خشبة عليه. وإن كان لا يضر به: له المنع من التصرف في
ملكه بغير إذنه.

فائدة: ذكر السيوطي في كتابه "الأشباه والنظائر" أن مَرَدَّ مذهب الشافعي رحمه الله تعالى إلى أربع قواعد:

الأولى: "اليقين لا يُزَالُ بالشك". وأصل ذلك ما رواه البخاري ومسلم
أنه صلى الله عليه وسلم شُكِيَ له الرجل يُخَيَّل إليه أنه يجد الشيء في
الصلاة، قال:"لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً". وذلك أنه على يقين من
طهارته، فلا يرفع ذلك اليقين بالشك الذي طرأ عليه: أنه أحدث.

الثانية:
"المشقة تجلب التيسير". والأصل فيها قوله تعالى:{وما جعل عليكم في الدين
من حرج} [ الحج: 78 ]. وقوله صلى الله عليه وسلم:" بعثت بالحنفية السمحة"
رواه أحمد في مسنده.

الثالثة: "الضرر يزال" وأصلها قوله صلى الله عليه وسلم:" لا ضرر ولا ضرار".

الرابعة:
"العادة مُحَكَّمَة". لقوله صلى الله عليه وسلم:"فما رأى المسلمون حسنا
فهو عن الله حسن". (والصحيح أن هذا الحديث هو قول ابن مسعود رضي الله عنه،
رواه الإمام أحمد في مسنده).

وبناء على ما سبق يعتبر هذا الحديث
ربع الفقه الإسلامي، ولقد اعتبره الفقهاء قاعدة أصلية من القواعد الفقهية،
وفرَّعوا عنها فروعاً عدة.



الحديث الثالث والثلاثون:

أُسُسُ القضاء في الإسلام

أهمية الحديث

مفردات الحديث

المعنى
العام:(1-سمو التشريع الإسلامي 2-البينة وأنواعها 3-البينة حجة المدعي
واليمين حجة المدعى عليه 4-حجة المدعي مقدمة على حجة المدعى عليه 5-القضاء
بالنكول 6- بم تكون اليمين 7-قضاء القاضي بعلمه 8-القضاء لا يُحِل حراماً
ولا يُحرِّم حلالاً 9-أجر القاضي العادل )

عن
ابن عَبَّاسٍ رضي اللُه عنهما: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو
يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى رِجَالٌ أموالَ قَوْمٍ
ودِماءَهُمْ لَكِنْ البَيِّنَةُ على المُدَّعِى والْيَمينُ على من
أَنْكَرَ". حديث حسَنٌ، رَوَاهُ الْبَيْهقي وغيرُهُ هكذا، وبَعْضُهُ في
الصحِيحَين.

أهمية الحديث:

قال شيخ الإسلام ابن دقيق العيد: وهذا الحديث أصل من أصول الأحكام، وأعظم مرجع عند التنازع والخصام.

مفردات الحديث:

"لادَّعى رجال": أي لاستباح بعض الناس دماء غيرهم وأموالهم وطلبوها دون حق.

"البَيِّنَةُ": هي الشهود، مأخوذة من البيان وهو الكشف والإظهار، أو إقرار المدعَى عليه وتصديقه للمدعي.

"على المُدَّعِي": وهو من يدعي الحق على غيره يُطالبه به.

"الْيَمينُ" : الحَلِفُ على نفي ما ادعي به عليه.

"على من أَنْكَرَ": منكر الدعوى وهو المدعى عليه.

المعنى العام:

سموُّ التشريع الإسلامي: الإسلام منهج متكامل للحياة، فيه العقيدة
الصافية، والعبادة الخالصة، والأخلاق الكريمة، والتشريع الرفيع، الذي يضمن
لكل ذي حق حقه، ويصون لكل فرد دمه وماله وعرضه، ولما كان القضاء هو المرجع
والأساس في فصل المنازعات وإنهاء الخصومات، والحكم الفصل في إظهار الحقوق
وضمانها لأصحابها، وضع له الإسلام القواعد والضوابط التي تمنع ذوي النفوس
المريضة من التطاول والتسلط، وتحفظ الأمة من العبث والظلم، وخير مثال على
ذلك حديث الباب، الذي يشرط ظهور الحجج لصحة الدعوى ومضائها، ويقرر ما هي
حجة كل من المتداعيين المناسبة له، والتي يعتمد عليها القاضي في تعرف الحق
وإصدار الحكم على وفقه.

البينة وأنواعها: أجمع العلماء على أن
المراد بالبينة الشهادة، لأنها تكشف الحق وتظهر صدق المدعي غالباً،
والشهادة هي طريق هذا الكشف والإظهار، لأنها تعتمد على المعاينة والحضور.

والثابت في شرع الله عز وجل أنواع أربعة للشهادات:

الشهادة على الزنا: وهذه يشترط فيها أربعة رجال ولا يُقبل فيها قول النساء . [انظر الفقه شروط ثبوت الزنا ].

الشهادة على القتل والجرائم التي لها عقوبات محددة: كالسرقة وشرب
الخمر والقذف،وتسمى في الفقه بالحدود، ويشترط فيها رجلان، ولا يُقبل فيها
قول النساء أيضاً.

الشهادة لإثبات الحقوق المالية: كالبيع والقرض والإجارة، فإنها يقبل فيها شهادة رجلين أو رجل وامرأتين.

الشهادة على ما لا يطلع عليه والرجال غالباً من شؤون النساء:
كالولادة والبَكَارة والرضاع ونحوها، وهذا النوع تقبل فيه شهادة النساء وإن
انفردن عن الرجال، وربما قُبِلت فيه شهادة المرأة الواحدة كما هو مذهب
الحنفية .

البينة حجة المدعي واليمين حجة المدَّعى عليه:
القاضي المسلم مأمور بالقضاء لمن قامت الحجة على صدقه، سواء أكان مدعياً أم
مدعىً عليه، وقد جعل الشرع الحكيم البينة حجة المدعي إذا أقامها استحق بها
ما ادعاه، كما جعل اليمين حجة المدعى عليه فإذا حلف برىء مما ادعي عليه.

وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمدعي:"شاهداك أو يمينه" رواه مسلم.

حجة المدعي مُقَدَّمة على حجة المدعى عليه: إذا توفرت شروط الدعوى لدى
القضاء سمعها القاضي. ثم سأل المدعى عليه عنها: فإذا أقر بها قضي عليه، لأن
الإقرار حجة يُلْزَم بها المُقِر. وإن أنكر، طلب القاضي من المدعي البينة،
فإن أتى بها قضي له، ولم يلتفت إلى قول المدعى عليه أو إنكاره وإن غَلَّظ
الأَيْمَان. فإن عَجَز المدعى عن إقامة البينة، وطلب يمين خصمه، استحلفه
القاضي، فإن حلف برىء وانتهت الدعوى.

القضاء بالنُّكُول: إذا توجهت
اليمين على المدعى عليه فنكل عنها، أي رفض أن يحلف وامتنع عن اليمين، قضي
عليه بالحق الذي ادعاه المدعي لدى الحنفية والحنابلة.

قال المالكية والشافعية: لا يقضى عليه بالنكول، إنما ترد اليمين على المدعي.

بم
تكون اليمين: إذا توجهت اليمين على أحد من المتخاصمين حلَّفه القاضي بالله
تعالى، ولا يجوز أن يحلِّفه بغير ذلك: سواء كان الحالف مسلماً أم غير
مسلم. روى البخاري ومسلم وغيرهما: عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً
فليحلف بالله أو ليصمُت".

ومن هذا: إحضار المصحف وتحليفه عليه إن
كان الحالف مسلماً، مع مراعاة شروط مس القرآن وحمله وآدابه، وأن يحلف بالله
تعالى الذي أنزل التوارة على موسى إن كان يهودياً، وبالله الذي أنزل
الإنجيل على عيسى إن كان نصرانياً، وبالله تعالى الذي خلقه وصوره إن كان
وثنياً، ونحو ذلك.

آداب اليمين: إذا توجهت اليمين على الحالف فيستحب للقاضي ونحوه أن يعظه قبل الحلف، ويحذره من اليمين الكاذبة.

فإن كان من توجهت عليه اليمين يعلم من نفسه الكذب وجب عليه أن يعترف
بالحق الذي عليه، ويتورع عن الحلف، حتى لا يقع في غضب الله تعالى والحرمان
من رحمته.

وإن كان يعلم من نفسه الصدق كان الأولى في حقه أن
يحلف، وربما وجب عليه ذلك، لأن الله تعالى شرع اليمين في هذه الحالة حتى
يصون المسلم حقه من الضياع.

تحليف الشهود: للقاضي أن يستحلف الشهود، تقوية لشهادتهم، ودفعاً للريبة.

قضاء القاضي بعلمه: إذا كان القاضي على علم بحقيقة الدعوى التي رفعت
إليه، فليس له أن يحكم بمقتضى علمه، وإنما يحكم بناء على ما يتوفر له من
الحجج الظاهرة للمدعي أو المدعى عليه، حتى ولو كانت هذه الحجج مخالفة
لعلمه.

القضاء لا يُحِلّ حراماً ولا يُحَرِّم حلالاً: إذا
توفرت لدى القضاء وسائل الإثبات أو النفي من الحجج الظاهرة كالبينة أو
اليمين قضى بها، لأنه مأمور باتباع ما ظهر له من الأدلة كما علمنا، فيلزم
المقضي عليه بتنفيذ ما قضي به. ولكن هذا القضاء قد يكون على خلاف الحق من
حيث الواقع، كما لو أتى المدعي بشاهدي زور، أو حلف المدعى عليه يميناً
كاذبة، ففي هذه الحالة لا يحل للمقضي له ما قضي به، وهو يعلم من نفسه أنه
ليس بحق له، كما لا يحرم على المقضي عليه ما يعلم من نفسه أنه حلال له وحق.

ومثال
ذلك: ما لو شهد شاهدان بطلاق امرأة زوراً، وأنكر الزوج تطليقها، وحكم
القاضي بالفراق، فإنه لا يحل لهذه المرأة أن تتزوج بأحد غير زوجها الأول،
لأنها ما زالت زوجة في شرع الله عز وجل، كما لا يحرم على زوجها معاشرتها،
لأنها في الحقيقة لم تطلق منه.

أجر القاضي العادل: إن واجب
القاضي أن يبذل جهده للتعرف على جوانب الدعوى، ويقضي بحسب ما توصل إليه
اجتهاده أنه الحق، وظن أنه الصواب، قال صلى الله عليه وسلم " إذا حكم
الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإن حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر". [متفق
عليه].

روى أبو داود وغيره: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار: فأما الذي في الجنة: فرجل
عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى
للناس على جهل فهو في النار".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.halimb.yoo7.com
عبدالله ناجح
عضو متّألق
عضو متّألق
عبدالله ناجح


الإسم الحقيقي : ABDALLAH NAJIH
البلد : ROYAUME DU MAROC

عدد المساهمات : 12530
التنقيط : 79438
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 16/09/2010
الجنس : ذكر

الأربعين النووية 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأربعين النووية 2   الأربعين النووية 2 I_icon_minitimeالجمعة 22 أبريل 2011, 06:06

الحديث الرابع والثلاثون:

إزَالَةُ المُنْكَرِ فَريضَةٌ إسلاميّة

مفردات الحديث

المعنى
العام:(1-مجاهدة أهل الباطل 2-إنكار المنكر 3-الإنكار بالقلب 4-الإنكار
باليد أو اللسان له حكمان : فرض كفاية وفرض عين 5-عاقبة ترك إزالة المنكر
مع القدرة عليها 6-ترك الإنكار خشية وقوع مفسدة 7-أمر الأمراء ونهيهم
8-الغلظة واللِّين في الأمر والنهي 9-لا إنكار لما اختلف فيه 10-من آداب
الآمر والناهي 11-النية والقصد في الأمر والنهي )


عن أبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقوُل :

"مَنْ
رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإنْ لمَْ
يَسْتَطِعْ فَبلِسانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبقَلْبِهِ، وَذَلِكَ
أضْعَفُ اْلإِيمَانِ". رواه مسلم.



مفردات الحديث:

"منكم": أي من المسلمين المكلَّفين، فهو خطاب لجميع الأمة.

"منكراً": وهو ترك واجب أو فعل حرام ولو كان صغيرة.

"فليغيره": فليزله ويذهبه ويغيره إلى طاعة.

"بيده": إن توقف تغييره عليها ككسر آلات اللهو وإراقة الخمر ومنع ظالم عن ضرب ونحوه.

المعنى العام:

مجاهدة أهل الباطل: إن الحق والباطل مقترنان على وجه الأرض منذ وجود
البشر، وكلما خمدت جذور الإيمان في النفوس بعث الله عز وجل من يزكيها
ويؤججها، وهيأ للحق رجالاً ينهضون به وينافحون عنه، فيبقى أهل الباطل
والضلال خانعين، فإذا سنحت لهم فرصة نشطوا ليعيثوا في الأرض الفساد، وعندها
تصبح المهمة شاقة علىمن خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، ليقفوا في وجه الشر
يصفعونه بالفعل والقول، وسخط النفس ومقت القلب.

أخرج مسلم عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كانت
له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من
بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلوا، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده
فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس
وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".

حواريون: خلصاء أصفياء، تخلف : تحدث.

خلوف: جمع خَلْف وهو الذي يخلف بشر.

إنكار المنكر: لقد أجمعت الأمة على وجوب إنكار المنكر، فيجب على
المسلم أن ينكر المنكر حسب طاقته، وأن يغيره حسب قدرته على تغييره، بالفعل
أو القول، بيده أو بلسانه أو بقلبه:

الإنكار بالقلب: من
الفروض العينية التي يُكَلَّف بها كل مسلم، ولا تسقط عن أحد في حال من
الأحوال، معرفة المعروف والمنكر، وإنكار المنكر في القلب، فمن لم يعرف
المعروف والمنكر في قلبه هلك، ومن لم ينكر المنكر في قلبه دل على ذهاب
الإيمان منه. قال ابن مسعود : هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر.

إنكار القلب عند العجز: إنكار القلب يُخَلِّص المسلم من المسؤولية
إذا كان عاجزاً عن الإنكار باليد أو اللسان. قال ابن مسعود رضي الله عنه :
يوشك من عاش منكم أن يرى منكراً لا يستطيع له غير أن يَعلم اللهُ من قلبه
أنه له كاره.

والعجز أن يخاف إلحاق ضرر ببدنه أو ماله، ولا طاقة له
على تحمل ذلك، فإذا لم يغلب على ظنه حصول شيء من هذا لا يسقط عنه الواجب
بإنكار قلبه فقط، بل لابد له من الإنكار باليد أو اللسان حسب القدرة.

الرضا بالمعصية كبيرةٌ: من علم بالخطيئة ورضي بها فقد ارتكب ذنباً
كبيراً، وأتى أقبح المحرمات، سواء شاهد فعلها أم غاب عنه، وكان إثمه كإثم
من شاهدها ولم ينكرها. روى أبو داود عن العُرْسِ بن عميرة رضي الله عنه، عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عُمِلَت الخطيئة في الأرض كان من
شهدها فكرهها - وقال مرة: أنكرها - كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فَرَضِيَها
كمن شهدهها". وذلك لأن الرضا بالخطيئة يفوت به إنكار القلب، وقد علمنا أنه
فرض عين، وترك فرض العين من الكبائر.

الإنكار باليد أو اللسان له حكمان:

فرض كفاية: إذا رأى المنكر أو علمه أكثر من واحد من المسلمين وجب
إنكاره وتغييره على مجموعهم، فإذا قام به بعضهم ولو واحداً كفى وسقط الطلب
عن الباقين، وإذا لم يقم به أحد أثم كل من كان يتمكن منه بلا عذر ولا خوف،
ودل على الوجوب على الكفاية قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ
يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ
الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104]. والأمة الجماعة، وهي بعض المسلمين.

فرض عين: وإذا رأى المنكر أو علمه واحد، وهو قادر على إنكاره أو
تغييره، فقد تعين عليه ذلك. وكذلك إذا رآه أو علمه جماعة، وكان لا يتمكن من
إنكاره إلا واحد منهم، فإنه يتعين عليه، فإن لم يقم به أثم.


عاقبة ترك إزالة المنكر مع القدرة عليها: إذا تُرِكَ النهي عن المنكر
استشرى الشر في الأرض، وشاعت المعصية والفجور، وكثر أهل الفساد، وتسلطوا
على الأخيار وقهروهم، وعجز هؤلاء عن ردعهم بعد أن كانوا قادرين عليهم،
فتطمس معالم الفضيلة، وتعم الرذيلة، وعندها يستحق الجميع غضب الله تعالى
وإذلاله وانتقامه، قال الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي
إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا
عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ
فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78 - 79]. لا
يتناهون: لا ينهى بعضهم بعضاً إذا رآه على المنكر. والأحاديث في هذا كثيرة،
منها:

ما أخرج أبو داود: عن أبي بكر رضي الله عنه، عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : "ما من قوم يُعْمَل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على
أن يغيروا ثم لا يغيروا، إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب".


تصحيح لفهم خاطئ: يخطئ الكثير من المسلمين حين يرغبون في تبرير انهزامهم
وتقصيرهم في إنكار المنكر، فيحتجون بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا
اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]. على أن الآية نفسها توجب القيام بإنكار
المنكر إذا فُهِمت الفهمَ الصحيح، فقد روى أبو داود وغيره عن أبي بكر رضي
الله عنه قال: يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير
مواضعها {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا
اهْتَدَيْتُمْ} وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا
رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب".


قال النووي رحمه الله في (( شرح مسلم )) : المذهب الصحيح عند المحققين في
معنى الآية : إنكم إذا فعلتم ما كُلِّفتم به فلا يضركم تقصير غيركم، فمما
كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب، فلا
عتب بعد ذلك على الناهي أو الآمر، لكونه أدى ما عليه، فإنما عليه الأمر
والنهي، لا القبول، والله أعلم.

ترك الإنكار خشية وقوع مفسدة:
إذا كان المكلف قادراً على إنكار المنكر الذي رآه أو علمه، لكنه غلب على
ظنه أن تحدث نتيجة إنكاره مفسدة ويترتب عليه شر، هو أكبر من المنكر الذي
أنكره أو غيره، فإنه في هذه الحالة يسقط وجوب الإنكار، عملاً بالأصل
الفقهي: يُرَتَكَبُ أَخَفُّ الضررين تفادياً لأشدهما.

على أنه
ينبغي أن يتنبه هنا إلى أن الذي يسقط وجوب الإنكار غالبية الظن، لا الوهم
والاحتمال الذي قد يتذرع به الكثير من المسلمين، ليبرروا لأنفسهم ترك هذا
الواجب العظيم من شرع الله عز وجل.

ذهب العلماء إلى القول
بوجوب الأمر والنهي حتى لمن علم أنه لا يقبل، ليكون في هذا معذرة للمسلم
الآمر الناهي، ولأن المطلوب منه هو الإنكار لا القبول، لأن الله تعالى
يقول: {فذكِّرْ إنما أنتَ مذكر} [الغاشية: 21] ويقول: {إنْ عليكَ إلا
البلاغ} [الشورى: 48].

وفي ذلك رد صريح على أولئك الذين
يجبنون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويريدون أن يصدوا غَيرهم عن
القيام بواجبه، فيقولون: لا تُتْعِب نفسك، ودع الأمور، لا فائدة من الكلام،
وربما احتجوا خاطئين بقوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت} [القصص: 56].
ويغيب عن ذهنهم أنها نزلت في شأن أبي طالب، الذي مازال رسول الله صلى الله
عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، حتى
لَفَظَ الأنفاس الأخيرة وهو على شركه، فنزلت الآية تواسي النبي صلى الله
عليه وسلم لحزنه على عمه الذي دافع عنه وناصره، مبينة له: أنه لا يستطيع أن
يجعل الهداية في قلب من أحب، لا أنها تنهاه عن الأمر والنهي.


قول الحق دون خوف أو رهبة: على المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
دون أن يلتفت إلى شأن من يأمره أو ينهاه، من منصب أو جاه أو غنى، ودون أن
يلتفت إلى لوم الناس وعبثهم وتخذيلهم، ودون أن يأبه بما قد يناله من أذى
مادي أو معنوي يقدر على تحمله ويدخل في طاقته، على أن يستعمل الحكمة في
ذلك، ويخاطب كُلاًّ بما يناسبه، ويعطي كل موقف ما يلائمه. أخرج الترمذي
وابن ماجه، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال في خطبة: "ألا لا يَمْنَعَنَّ رجلاً هيبةُ الناس أن يقول الحق إذا
علمه".

أمر الأمراء ونهيهم: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
واجب على الأمة، كما أنه حق لها. والأمة رئيس ومرؤوس، فكما يجب على الأمراء
أن يأمروا وينهَوا الرعية كذلك يجب على الأمة أن تأمر وتنهى أمراءها،
قياماً بالواجب وأداءً للحق.

ورضي الله عن أبي بكر، إذ وقف
عقب استخلافه ليضع المنهج السوي الذي يستقيم عليه أمر الراعي والرعية،
فقال: وُليِّت عليكم ولست بخيركم، إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني،
أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم.

يجب
أن يكون تغيير المنكر بداية الدين. قال عليه الصلاة والسلام: "الدين
النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله ؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة
المسلمين وعامتهم" رواه مسلم.

الغِلظة واللِّين في الأمر
والنهي: ينبغي أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحكمة، كما قال
تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ} [النحل: 125]. وتختلف الحكمة حسب حال المأمور والمنهي، وما
يؤمر به أو ينهى عنه، وما يكون أنفع وأبلغ في الزجر، فتارة ينبغي استعمال
اللين في القول والمجاملة والمداراة، وتارة لا تصلح إلا القسوة والغلظة.

ولذلك كان من يأمر وينهى لا بد فيه من صفات، أهمها: الرفق، والحلم، والعدل، والعلم.

كرامة لا ذلة: ليس فيما ينال المسلم من أذى في سبيل أمره ونهيه ذلة
أو مهانة، وإنما هي عزة وشرف ورفعة في الدنيا والآخرة، وشهادة في سبيل الله
عز وجل، بل أعظم شهادة.

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر". رواه أبو داود والترمذي.

يجب على المسلم أن ينكر المنكر إذا كان ظاهراً وشاهَدَهُ ورآه، دل
على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً". فإذا داخله ريبة
وشك في منكر خفي مستور عنه، فإنه لا يتعرض له ولا يفتش عنه، لأن هذا النوع
هو من التجسس المنهي عنه. ويقوم مقام الرؤية علمه بالمنكر، وتحققه عن وقوعه
ومعرفة موضعه، كما إذا أخبره ثقة بذلك، أو كانت هنالك قرائن تجعل الظن
غالباً بوجود المنكر، ففي هذه الحالة يجب عليه الإنكار بالطريقة المناسبة
التي تكفل القضاء على المنكر، واستئصال جذور الشر والفساد من المجتمعات.

لا إنكار لما اختُلِفَ فيه: لقد قرر العلماء أن الإنكار يكون لفعلٍ
ما أجمع المسلمون على تحريمه، أو ترك ما أجمعوا على وجوبه، كشرب الخمر
والتعامل بالربا وسفور النساء ونحو ذلك، أو ترك الصلاة أو الجهاد ونحو ذلك
أيضاً.

أما ما اختلف العلماء في تحريمه أو وجوبه فلا ينكر على
فعله أو تركه، شريطة أن يكون هذا الاختلاف ممن يعتد بهم من العلماء، وأن
يكون ناشئاً عن دليل.

عموم المسؤولية وخصوصها: إن الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر واجب الأمة جمعاء، فكل مسلم علم بالمنكر وقدر
على إنكاره وجب عليه ذلك على الوجه الذي علمت، لا فرق في ذلك بين حاكم
ومحكوم، أو عالم وعامي. ولكن هذه المسؤولية تتأكد على صنفين من الناس،
وهما: العلماء والأمراء.

أما العلماء: فلأنهم يعرفون من شرع
الله تعالى ما لا يعرفه غيرهم من الأمة، ولما لهم من هيبة في النفوس
واحترام في القلوب، مما يجعل أمرهم ونهيهم أقرب إلى الامتثال وأدعى إلى
القبول.

والخطر الكبير عندما يتساهل علماء الأمة بهذه الأمانة
التي وضعها الله تعالى في أعناقهم، روى أبو داود والترمذي واللفظ له، عن
ابن مسعود رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما وقعت بنو
إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم،
وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى
بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون". فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان متكئاً، فقال: "لا والذي نفسي بيده، حتى تأطروهم على الحق أطراً ".
أي تحملوهم عليه وتحبسوهم وتعطفوهم وتردوهم إليه.

وأما
الأمراء: أي الحكام، فإن مسؤوليتهم أعظم، وخطرهم إن قصروا في الأمر والنهي
أكبر، لأن الحكام لهم ولاية وسلطان، ولديهم قدرة على تنفيذ ما يأمرون به
وينهَون عنه وحمل الناس على الامتثال، ولا يخشى من إنكارهم مفسدة، لأن
القوة والسلاح في أيديهم والناس ما زالوا يحسبون حساباً لأمر الحاكم ونهيه.

فإذا قصر الحاكم في الأمر والنهي طمع أهل المعاصي والفجور، ونشطوا
لنشر الشر والفساد، دون أن يراعوا حرمة أو يقدسوا شرعاً، ولذا كان من
الصفات الأساسية للحاكم الذي يتولى الله تأييده ونصرته، ويثبت ملكه ويسدد
خطته، أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

فإذا أهمل الحكام
هذا الواجب العظيم فقد خانوا الأمانة التي وضعها الله تعالى في أعناقهم،
وضيعوا الرعية التي استرعاهم الله تعالى عليها.

من آداب الآمر
والناهي: أن يكون ممتثلاً لما يأمر به، مجتنباً لما ينهى عنه، حتى يكون
لأمره ونهيه أثر في نفس من يأمره وينهاه، ويكون لفعله قبول عند الله عز
وجل، فلا يكون تصرفه حجة عليه توقعه في نار جهنم يوم القيامة.


النية والقصد في الأمر والنهي: ينبغي أن يكون الحامل على الأمر والنهي هو
ابتغاء رضوان الله تعالى وامتثال أمره، لا حب الشهرة والعلو وغير ذلك من
الأغراض الدنيوية. فالمؤمن يأمر وينهى غضباً لله تعالى إذا انتهكت محارمه،
ونصيحة للمسلمين ورحمة بهم إذا رأى منهم ما يُعَرِّضهم لغضب الله عز وجل
وعقوبته في الدنيا والآخرة، وإنقاذاً لهم من شر الويلات والمصائب عندما
ينغمسون في المخالفات وينقادون للأهواء والشهوات. يبتغي من وراء ذلك كله
الأجر والمثوبة عند الله سبحانه، ويقي نفسه من أن يناله عذاب جهنم إن هو
قصر في أداء الواجب، وترك الأمر والنهي.

العبودية الحقة: قد
يكون الباعث لدى المؤمن على الأمر والنهي إجلاله البالغ لعظمة الله سبحانه،
وشعوره أنه أهل لأن يطاع فلا يعصى، وأن يُذكر فلا ينسى، ويُشكر فلا يكفر.
ويزكي ذلك في نفسه محبته الصادقة لله عز وجل، التي تمكنت من قلبه وسرت في
آفاق روحه سريان الدم في العروق، ولذلك تجده يؤثر أن يستقيم الخلق ويلتزموا
طاعة الحق، وأن يفتدي ذلك بكل غال ونفيس يملكه، بل حتى ولو ناله الأذى
وحصل له الضرر، يتقبل ذلك بصدر رحب، وربما تضرع إلى الله عز وجل أن يغفر
لمن أساء إليه ويهديه سواء السبيل. وهذه مرتبة لا يصل إليها إلا من تحققت
في نفسه العبودية الخالصة لله عز وجل، وانظر إليه صلى الله عليه وسلم وقد
آذاه قومه وضربوه، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم
لا يعلمون".




الحديث الخامس والثلاثون:

أخُوَّةُ الإِسلامِ وحُقوقُ المُسْلِم

أهمية الحديث

مفردات الحديث

المعنى
العام :(1-النهي عن الحسد 2-النهي عن النجش 3-النهي عن التباغض 4-النهي عن
التدابر 5-النهي عن البيع على البيع 6-الأمر بنشر التآخي 7-واجبات المسلم
نحو أخيه 8-التقوى مقياس التفاضل وميزان الرجال 9-حرمة المسلم ما يستفاد من
الحديث )


عن أبي هُريرةَ رضي اللهُ عنه قال: قال رسوُل الله صلى الله عليه وسلم :
"لا تَحَاسَدُوا، ولا تَنَاجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدَابَرُوا، ولا
يَبعْ بَعْضُكُمْ على بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوَاناً،
المُسْلمُ أَخُو المُسْلمِ: لا يَظْلِمُهُ، ولا يَكْذِبُهُ، ولا
يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى ههُنا - ويُشِيرُ إلى صَدْرِه ثَلاثَ مَرَّاتٍ -
بِحَسْبِ امْرِىءٍ مِنَ الشَّرِّ أن يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمِ، كُلُّ
المُسْلِمِ على الْمسْلِم حَرَامٌ: دَمُهُ ومالُهُ وعِرْضُهُ" رواه مسلم.



أهمية الحديث:

لا يقتصر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بتأكيد الأخوة الإسلامية
على رفعها كشعار، بل يحيطها بأوامر ونواهٍ تجعلها حقيقة ملموسة بين أفراد
المجتمع المسلم، وهذا الحديث اشتمل على أحكام كثيرة وفوائد عظيمة لبلوغ هذه
الغاية الإسلامية النبيلة، وحمايتها من كل عيب أو خلل حتى لا تصبح الأخوة
كلاماً يهتف به الناس، وخيالاً يحلمون به ولا يلمَسُون له في واقع حياتهم
أي أثر، ولذلك قال النووي في " الأذكار" عن هذا الحديث: وما أعظم نفعه، وما
أكثر فوائده.

مفردات الحديث:

"لا تحاسدوا": أي لا يتمنى بعضكم زوال نعمة بعض.

"لا تناجشوا": والنجش في اللغة: الخداع أو الارتفاع والزيادة. وفي
الشرع: أن يزيد في ثمن سلعة ينادي عليها في السوق ونحوه ولا رغبة له في
شرائها، بل يقصد أن يضر غيره.

"لا تدابروا": لا تتدابروا، والتدابر: المصارمة والهجران.

"لا يخذله": لا يترك نصرته عند قيامه بالأمر بالمعروف أو نهيه عن
المنكر، أو عند مطالبته بحق من الحقوق، بل ينصره ويعينه ويدفع عنه الأذى ما
استطاع.

"لا يكذبه": لا يخبره بأمر على خلاف الواقع.

"لا يحقره": لا يستصغر شأنه ويضع من قدره.

"بحسب امرئ من الشر": يكفيه من الشر أن يحقر أخاه، يعني أن هذا شر عظيم يكفي فاعله عقوبة هذا الذنب.

"وعرضه": العرض هو موضع المدح والذم من الإنسان.



المعنى العام:

النهي عن الحسد:

تعريفه: الحسد لغة وشرعاً: تمني زوال نعمة المحسود، وعودها إلى
الحاسد أو إلى غيره. وهو خُلُقٌ ذميم مركوز في طباع البشر، لأن الإنسان
يكره أن يفوقه أحد من جنسه في شيء من الفضائل.

حكمه: أجمع الناس من المشرعين وغيرهم على تحريم الحسد وقبحه.

حكمة تحريمه: أنه اعتراض على الله تعالى ومعاندة له، حيث أنعم على غيره، مع محاولته نقض فعله تعالى وإزالة فضله.

أقسام أهل الحسد:

قسم يسعى في زوال نعمة المحسود بالبغي عليه بالقول والفعل.

وقسم آخر من الناس، إذا حسد غيره لم يبغ على المحسود بقول ولا بفعل.

وقسم ثالث إذا وجد في نفسه الحسد سعى في إزالته، وفي الإحسان إلى
المحسود بإبداء الإحسان إليه والدعاء له ونشر فضائله، وفي إزالة ما وجد له
في نفسه من الحسد حتى يبدله بمحنته، وهذا من أعلى درجات الإيمان، وصاحبه هو
المؤمن الكامل الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

النهي عن النجش:

تعريفه: تضمن الحديث النهي عن النجش، وهو أن يزيد في ثمن سلعة ينادى
عليها في السوق ونحوه، ولا رغبة له في شرائها، بل يقصد أن يضر غيره.

وحكمه: حرام إجماعاً على العالم بالنهي، سواء كان بمواطأة البائع أم
لا، لأنه غش وخديعة، وهما محرمان، ولأنه ترك للنصح الواجب، قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا"، وفي رواية:"من غشَّ ". [رواه
مسلم].

أما حكم عقد البيع من النجش: فقد اختلف فيه العلماء،
فمنهم من قال: إنه فاسد، وهو رواية عن أحمد اختارها طائفة من أصحابه. وأكثر
الفقهاء على أن البيع صحيح مطلقاً، إلا أن مالكاً وأحمد أثبتا للمشتري
الخيار إذا لم يعلم بالحال وغُبِنَ غبناً فاحشاً يخرج عن العادة، فإن اختار
المشتري حينئذ الفسخ فله ذلك، وإن أراد الإمساك فإنه يحط ما غبن به من
الثمن.

النهي عن التباغض:

تعريفه: البغض هو
النفرة من الشيء لمعنى فيه مستقبح، ويرادفه الكراهة. وقد نهى النبي صلى
الله عليه وسلم المسلمين عن التباغض بينهم في غير الله تعالى، فإن المسلمين
إخوة متحابون، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}
[الحجرات: 10].

حكمه: وهو لغير الله حرام.

تحريم ما
يوقع العداوة والبغضاء: حرم الله على المؤمنين ما يوقع بينهم العداوة
والبغضاء، فحرم الخمر والميسر، قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ
أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ
وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ
أَنْتُمْ مُنتَهُونَ} [المائدة: 91] وحَرَّم الله المشي بالنميمة لما فيها
من إيقاع العداوة والبغضاء، ورَخَّصَ في الكذب في الإصلاح بين الناس.

النهي عن التدابر: التدابر هو المصارمة والهجران، وهو حرام إذا كان
من أجل الأمور الدنيوية، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم _ في البخاري
ومسلم عن أبي أيوب _ "لا يَحِلُّ لمسلم أن يَهْجُرَ أخاه فوق ثلاث،
يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".

أما
الهجران في الله، فيجوز أكثر من ثلاثة أيام إذا كان من أجل أمر ديني، وقد
نص عليه الإمام أحمد، ودليله قصة الثلاثة الذين خُلِّفوا في عزوة تبوك،
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجرانهم خمسين يوماً، تأديباً لهم على
تخلفهم، وخوفاً عليهم من النفاق. تنظر القصة كاملة في السيرة.

كما
يجوز هجران أهل البدع المغلظة والدعاة إلى الأهواء والمبادئ الضالة. ويجوز
هجران الوالد لولده، والزوج لزوجته، وما كان في معنى ذلك تأديباً، وتجوز
فيه الزيادة على الثلاثة أيام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هجر نساءه
شهراً.

النهي عن البيع على البيع: وقد ورد النهي عنه كثيراً
في الحديث، وصورته أن يقول الرجل لمن اشترى سلعة في زمن خيار المجلس أو
خيار الشرط: افسخ لأبيعك خيراً منها بمثل ثمنها، أو مثلها بأنقص، ومثل ذلك
الشراء على الشراء، كأن يقول للبائع: افسخ البيع لأشتري منك بأكثر، وقد
أجمع العلماء على أن البيع على البيع والشراء على الشراء حرام.

قال النووي: وهذا الصنيع في حالة البيع والشراء، صنع آثم، منهي عنه.

أما السوم على السوم: فهو أن يتفق صاحب السلعة والراغب فيها على
البيع، وقبل أن يعقداه يقول آخر لصاحبها: أنا أشتريها بأكثر، أو للراغب:
أنا أبيعك خيراً منها بأقل ثمناً، فهو حرام كالبيع على البيع والشراء على
الشراء، ولا فرق في هذا بين الكافر والمؤمن، لأنه من باب الوفاء بالذمة
والعهد.

والحكمة في تحريم هذه الصورة ما فيها من الإيذاء
والإضرار، وأما بيع المزايدة وهو البيع ممن يزيد فليس من المنهي عنه، لأنه
قبل الاتفاق والاستقرار، وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض بعض
السلع وكان يقول: "من يزيد ؟".

الأمر بنشر التآخي: يأمر النبي
صلى الله عليه وسلم بنشر التآخي بين المسلمين فيقول: "وكونوا عباد الله
إخواناً "، أي اكتسبوا ما تصيرون به إخواناً من ترك التحاسد والتناجش
والتباغض والتدابر وبيع بعضكم على بعض، وتعاملوا فيما بينكم معاملة الإخوة
ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير مع صفاء
القلوب. ولا تنسوا أنكم عباد الله، ومن صفة العبيد إطاعة أمر سيدهم بأن
يكونوا كالإخوة متعاونين في إقامة دينه وإظهار شعائره، وهذا لا يتم بغير
ائتلاف القلوب وتراص الصفوف، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ
بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال:
62-63].

ولابد في اكتساب الأخوة من أداء حقوق المسلم على
المسلم، كالسلام عليه، وتشميته إذا عطس، وعيادته إذا مرض، وتشييع جنازته،
وإجابة دعوته، والنصح له.

ومما يزيد الأخوة محبة ومودة الهدية
والمصافحة، ففي الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"تهادَوا فإن الهدية تذهب وَحَرَ الصدر" أي غشه وحقده.

واجبات المسلم نحو أخيه:

تحريم ظلمه : فلا يُدخل عليه ضرراً في نفسه أو دينه أو عرضه أو ماله
بغير إذن شرعي، لأن ذلك ظلم وقطيعة محرَّمة تنافي أخوة الإسلام.


تحريم خذلانه: الخذلان للمسلم محرم شديد التحريم، لا سيما مع الاحتياج
والاضطرار قال الله تعالى: {وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ
فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ} [الأنفال: 72] وروى أبو داود: "ما من امرئ مسلم
يخذل امرأ مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص من عرضه إلا خذله الله في
موضع يحب نصرته".

والخذلان المحرم يكون دنيوياً، كأن يقدر
على نصرة مظلوم ودفع ظالمه فلا يفعل. ويكون دينياً، كأن يقدر على نصحه عن
غيه بنحو وعظ فلا يفعل.

تحريم الكذب عليه أو تكذيبه: ومن حق
المسلم على المسلم أن يصدق معه إذا حدثه، وأن يصدقه إذا سمع حديثه، ومما
يُخِلّ بالأمانة الإسلامية أن يخبره خلاف الواقع، أو يحدثه بما يتنافى مع
الحقيقة، وفي مسند الإمام أحمد عن النواس بن سمعان، عن النبي صلى الله عليه
وسلم: "كَبُرَت خيانة أن تُحَدِّث أخاك حديثاً هو لك مُصَدِّقٌ وأنت به
كاذب".

تحريم تحقيره: يحرم على المسلم أن يستصغر شأن أخيه
المسلم وأن يضع من قدره، لأن الله تعالى لما خلقه لم يحقره بل كرمه ورفعه
وخاطبه وكلفه، فاحتقاره تجاوز لحد الربوبية في الكبرياء، وهو ذنب عظيم.
والاحتقار ناشئ من الكبر.

التقوى مقياس التفاضل وميزان
الرجال: التقوى هي اجتناب عذاب الله بفعل المأمور وترك المحظور، والله
سبحانه وتعالى إنما يكرم الإنسان بتقواه وحسن طاعته، لا بشخصه أو كثرة
أمواله. فالناس يتفاوتون عند الله في منازلهم حسب أعمالهم، وبمقدار ما
لديهم من التقوى.

ومكان التقوى: القلب، قال تعالى: {وَمَنْ
يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [ الحج:
32]. وإذا كانت التقوى في القلوب فلا يطلع أحد على حقيقتها إلا الله. كما
أن الأعمال الظاهرة لا تحصل بها التقوى، إنما تحصل بما يقع في القلب من
عظيم خشية الله ومراقبته.

فقد يكون كثير ممن له صورة حسنة أو
مال أو جاه أو رياسة في الدنيا قلبه خراب من التقوى، ويكون من ليس له شيء
من ذلك قلبه مملوء من التقوى، فيكون أكرم عند الله تعالى، ولذلك كان
التحقير جريمة كبرى، لأنه اختلال في ميزان التفاضل وظلم فادح في اعتبار
المظهر، وإسقاط التقوى التي بها يوزن الرجال.

حرمة المسلم:
للمسلم حرمة في دمه وماله وعرضه، وهي مما كان النبي صلى الله عليه وسلم
يخطب بها في المجامع العظيمة، فإنه خطب بها في حجة الوداع: يوم النحر، ويوم
عرفة، ويوم الثاني من أيام التشريق وقال: "إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم
عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ...".


وهذه هي الحقوق الإنسانية العامة التي يقوم عليها بناء المجتمع المسلم
الآمن، حيث يشعر المسلم بالطمأنينة على ماله، فلا يسطو عليه لص أو يغتصبه
غاصب، والطمأنينة على عرضه، فلا يعتدي عليه أحد، وحفاظاً على ذلك كله شرع
الله تعالى القصاص في النفس والأطراف، وشرع قطع اليد للسارق، والرجم أو
الجلد للزاني الأثيم.

ومن كمال الحفاظ على حرمة المسلم عدم
إخافته أو ترويعه، ففي سنن أبي داود : أخذ بعض الصحابة حَبْلَ آخرَ ففزع،
فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يُرَوع مسلماً "، وروى أحمد
وأبو داود والترمذي: " لا يأخذ أحدكم عصا أخيه لاعباً ولا جاداً ". وفي
البخاري ومسلم: "لا يتناجى اثنان دون الثالث فإنه يُحزنه" وفي رواية: "فإن
ذلك يؤذي المؤمن والله يكره أذى المؤمن".

ما يستفاد من الحديث:

أن الإسلام ليس عقيدة وعبادة فحسب، بل هو أخلاق ومعاملة أيضاً.

الأخلاق المذمومة في شريعة الإسلام جريمة ممقوتة.

النية والعمل هي المقياس الدقيق الذي يزن الله به عباده، ويحكم عليهم بمقتضاه.

القلب هو منبع خشية الله والخوف منه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.halimb.yoo7.com
عبدالله ناجح
عضو متّألق
عضو متّألق
عبدالله ناجح


الإسم الحقيقي : ABDALLAH NAJIH
البلد : ROYAUME DU MAROC

عدد المساهمات : 12530
التنقيط : 79438
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 16/09/2010
الجنس : ذكر

الأربعين النووية 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأربعين النووية 2   الأربعين النووية 2 I_icon_minitimeالجمعة 22 أبريل 2011, 06:06

الحديث السادس والثلاثون:

جَوَامع الخَيْرِ

مفردات الحدث

المعنى
العام:(1-واجبات المسلم نحو أخيه المسلم 2-التيسير على المعسر 3-ستر
المسلم 4-الشفاعة لمن وقعت منه معصية 5-التعاون بين المسلمين وعون الله
تعالى لهم 6-طريق الجنة 7-حكم طلب العلم : أ- "فرض عين ، ب- فرض كفاية"
8-التحذير من ترك العمل بالعلم 9-نشر العلم 10-الإخلاص في طلب العلم وترك
المباهاة به 11-ذكر الله تعالى 12-عمارة المسجد 13-إنسانية الإسلام وعدالته
14-ولاية الإيمان والعمل لا ولاية الدم والنسب )

ما يستفاد من الحديث

عن
أبي هُرَيْرَة رضي اللهُ عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((
مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا نَفَّسَ اللهُ
عَنْهُ كُرْبَةً من كُرَبِ يوْمِ القيامَةِ، ومَنْ يَسَّرَ على مُعْسِرٍ
يَسَّرَ اللهُ عليه في الدنْيا والآخِرَةِ، واللهُ في عَوْنِ الْعَبْدِ ما
كانَ الْعَبْدُ في عَونِ أخيهِ. ومَنْ سلك طَريقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ
عِلْماً سَهَّلَ اللهُ له بِهِ طَرِيقاً إلى الجنَّةِ.

وَمَا
اجتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ
ويَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إلا نَزَلَتْ عليهمُ السَّكِينَةُ،
وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وحَفَّتهُمُ المَلائِكَةُ، وذَكَرَهُمُ اللهُ
فيمَنْ عِنْدَه . وَمَنْ بَطَّأ بِه عَمَلُهُ لمْ يُسْرِعْ به نَسَبُهُ)).
رَواه بهذا اللَّفظ مسلم.



مفردات الحديث:

" نفَّسَ ": خفف.

و" الكربة": الشدة العظيمة التي تُوقع من نزلت فيه بغم شديد.

"يسر على معسر": المعسر: من أثقلته الديون وعجز عن وفائها، والتيسير عليه مساعدته

على إبراء ذمته من تلك الديون.

"ستر مسلماً ": بأن رآه على فعل قبيح شرعاً فلم يظهر أمره للناس.

" ستره الله ": حفظه من الزلات في الدنيا.

"سلك": مشى، أو أخذ بالأسباب.

"
طريقاً ": مادية كالمشي إلى مجالس العلم وقطع المسافات بينه وبينها. أو
معنوية كالكتابة والحفظ والفهم والمطالعة والمذاكرة وما إلى ذلك، مما يتوصل
به إلى تحصيل العلم.

" يلتمس": يطلب.

" فيه ": في غايته.

" علماً ": نافعاً.

" له ": لطالب العلم.

" به ": بسبب سلوكه الطريق المذكور.

" طريقاً إلى الجنة " : أي يكشف له طرق الهداية ويهيء له أسباب الطاعة في الدنيا، فيسهل عليه دخول الجنة في الآخرة.

" بيوت الله ": المساجد.

" يتدارسونه بينهم " يقرأ كل منهم جزءاً منه، بتدبر وخشوع،ويحاولون فهم معانيه وإدراك مراميه.

" السكينة ": ما يطمئن به القلب وتسكن له النفس.

" غشيتهم ": غطتهم وعمتهم .

" الرحمة ": الإحسان من الله تبارك وتعالى والفضل والرضوان.

" حفتهم ": أحاطت بهم من كل جهة.

" الملائكة ": الملتمسون للذكر، والذين ينزلون البركة والرحمة إلى الأرض.

" ذكرهم الله فيمن عنده ": باهى بهم ملائكة السماء وأثنى عليهم.

" بطأ به عمله ": كان عمله الصالح ناقصاً وقليلاً فقصر عن رتبة الكمال.

" لم يسرع به نسبه ": لا يعلي من شأنه شرف النسب.

المعنى العام:

1- المسلمون جسد واحد: إن أفراد مجتمع الإيمان والإسلام أعضاء من
جسد واحد، يتحسس كل منهم مشاعر الآخرين وتنبعث فيه أحاسيسهم، فيشاركهم
أفراحهم وأحزانهم.

2- فالحياة ملأى بالمتاعب والأكدار،
وكثيراً ما يتعرض المسلم لما يوقعه في غم وهم وضيق وضنك، مما يتوجب على
المسلمين أن يخلصوه منه، ومن ذلك:

أ- نصرته وتخليصه من
الظلم: كما قال صلى الله عليه وسلم: " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال
رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً، كيف
أنصره ؟ قال: تحجزه، أو تمنعه، من الظلم فإن ذلك نصره " متفق عليه.

ولا
سيما إذا كان الظلم الذي يوقع عليه بسبب دينه وتمسكه بإسلامه، من قبل قوم
كافرين أو فاسقين مارقين . قال تعالى: {وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي
الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ} [الأنفال: 72].

ب- إقراضه
المال إن احتاج إلى المال: قد يقع المسلم في ضائقة مالية، فيحتاج إلى
النفقة في حوائجه الأصلية من طعام وشراب ومسكن وعلاج ونحو ذلك، فينبغي على
المسلمين أن يسارعوا لمعونته، وعلى الأقل أن يقرضوه المال قرضاً حسناً، بدل
أن يتخذوا عوزه وسيلة لتثمير أموالهم، وزيادتها، كما هو الحال في مجتمعات
الربا والاستغلال. قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ
وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [ المزمل: 20].


وقال صلى الله عليه وسلم: " من أقرض مسلماً درهماً مرتين كان له مثل أجر
أحدهما لو تصدّق به " رواه ابن حبان . بل قد يفوق أجرُ القرض أجرَ الصدقة،
حسب حال المقترض والمتصدق عليه.

3-كُرَب يوم القيامة
والخلاص منها:قال صلى الله عليه وسلم : " يجمع الله الأولين والآخرين في
صعيد واحد، فيسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمس منهم، فيبلغ الناس
من الكرب والغم ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس بعضهم لبعض: ألا
ترون ما بلغكم، ألا تنظرون من يشفع لكم عند ربكم ". خرجاه بمعناه في
الصحيحين.

وفي خضم هذه الأهوال يتدارك المؤمن عدل الله عز
وجل، فيكافئه على صنيعه في الدنيا، إذ كان يسعى في تفريج كربات المؤمن،
فيفرج عنه أضعاف أضعاف ما أزال عنهم من غم وكرب:

" من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ".

4- التيسير على المعسر: الذي أثقلته الديون وعجز عن وفائها ويكون التيسير عليه بأمرين:

إما بمساعدته لوفاء دينه، أو بالحطِّ عنه من دينه.

5-
ستر المسلم: إن تتبع عورات المسلمين علامة من علامات النفاق، ودليل على أن
الإيمان لم يستقر في قلب ذلك الإنسان الذي همه أن يُنَقِّب عن مساوىء
الناس ليعلنها بين الملأ. روى الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فنادى بصوت رفيع فقال: " يا
معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا
تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله
عورته. ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله ". أي منزله الذي ينزل
فيه.

6-الستر على من وقع في معصية: إذا اطلع المسلم على زلة
المسلم، فهل يسترها عليه أم يعلنها؟ فإن هذا يختلف باختلاف أعمال الناس،
والناس في هذا على حالتين:

1- من كان مستور الحال: أي لا يعرف بين
الناس بشيء من المعاصي، فمثل هذا إذا وقعت منه هفوة أو زلة وجب الستر عليه،
ولا يجوز كشف حاله ولا التحدث بما وقع منه، لأن ذلك غيبة محرمة، وإشاعة
للفاحشة.

2- من كان مشتهراً بالمعصية، مستعلناً بها بين الناس: من
لا يبالي بما يرتكب، ولا يكترث لما يقال عنه، فهذا فاجر مستعلن بفسقه، فلا
غيبة له، بل يندب كشف حالة للناس، وربما يجب، حتى يتوقوه ويحذروا شره، وإن
اشتد فسقه، ولم يرتدع من الناس، وجب رفع الحالة إلى ولي الأمر حتى يؤدبه
بما يترتب على فسقه من عقوبة شرعية، لأن الستر عليه يجعله وأمثاله يطمعون
في مزيد من المخالفة، فيعيثون في الأرض فساداً، ويجرون على الأمة الشر
المستطير.

7- الشفاعة لمن وقعت منه معصية: إذا وقعت من المسلم زلة،
وكان مستور الحال، معروفاً بين الناس بالاستقامة والصلاح، ندب للناس أن
يستروه ولا يعزروه على ما صدر منه، وأن يشفعوا له ويتوسطوا له لدى من تتعلق
زلته به إن كانت تتعلق بأحد، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " أقيلوا ذوي
الهيئات عثراتهم " رواه أبو داود. أي تغاضوا عن زلات من عرفوا بالاستقامة
والرشد.

8- التعاون بين المسلمين وعون الله عز وجل لهم: إن المجتمع
لن يكون سوياً قويماً، ولن يكون قوياً متماسكاً إلا إذا قام على أساس من
التعاون والتضامن والتكافل فيما بين أفراده، فسعى كل منهم في حاجة غيره،
بنفسه وماله وجاهه، حتى يشعر الجميع أنهم كالجسد الواحد، وقال صلى الله
عليه وسلم : " إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " متفق عليه.

ولا
شك أن أعظم ثمرة يجنيها المسلم من إعانته لأخيه هي ذاك العون والمدد من
الله تبارك وتعالى: " والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه " [رواه
مسلم ].وكيف لا ولا حول للإنسان ولا قوة إلا بالله عز وجل؟ وهو سبحانه
المحرك الحقيقي لهذا الكون، وهو المعطي والمانع، ومنه الصحة والمرض، ومنه
القوة والضعف، والغنى والفقر.

9- طريق الجنة: إن الإسلام شرط النجاة
عند الله عز وجل، والإسلام لا يقوم ولا يكون إلا بالعلم، فلا طريق إلى
معرفة الله تعالى والوصول إليه إلا بالعلم، فهو الذي يدل على الله سبحانه
من أقرب طريق، فمن سلك طريقه ولم يعوج عنه بلغ الغاية المنشودة، فلا عجب
إذن أن يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب العلم طريق الجنة، ويبين أن
كل طريق يسلكه المسلم يطلب فيه العلم يشق به طريقاً سالكة توصله إلى الجنة:
"من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة" وليس
أدل على ما نقول من أن الله تعالى جعل فاتحة الوحي إلى رسوله صلى الله عليه
وسلم أمراً بالعلم وبوسائل العلم، وتنبيهاً إلى نعمة العلم وشرفه وأهميته
في التعرف على عظمة الخالق جل وعلا وإدراك أسرار الخلق، وإشارة إلى حقائق
علمية ثابتة، فقال سبحانه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *
خَلَقَ اإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي
عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [ العلق:1-5
].

10- حكم طلب العلم في الإسلام:

أ- فرض عين: يتوجب على كل مسلم طلبه، وهو ما لابد لكل مسلم من معرفته:

لتسلم
عقيدته، وتصح عبادته وتستقيم معاملته على وفق شرع الله عز وجل. وهو المراد
بقوله صلى الله عليه وسلم: " طلبُ العلم فريضةٌ على كلِّ مسلم " رواه ابن
ماجه. أي: ذكراً كان أو أنثى .

ب- فرض كفاية: يتوجب على
المسلمين بمجموعهم تحصيله، فإذا قام به بعضهم سقط الطلب عن الباقين، وإن لم
يقم به أحد أثم الجميع، وهو التوسع في علوم الشريعة درساً وحفظاً وبحثاً،
والتخصص في كل علم تحتاج إليه الجماعة المسلمة من علوم كونية، لتحفظ
كيانها، وتقيم دعائم دولة الحق والعدل على الأرض قوية متينة، مهيبة الجانب.


وإنما يرث العلم النبوي العلماء العاملون المخلصون: " إن
الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم " رواه الترمذي
وغيره. فهم علائم الحق ومنارات الهدى التي تهتدي بها الأمة في مسالك
حياتها، وتقتدي بهم وتسير وراءهم في شدائدها وأزماتها.

فما
دام العلم باقياً في الأمة فالناس في هدى وخير، وحضارة ورقي، واستقامة
وعدل. وإنما يبقى العلم ببقاء حَمَلَته العلماء، فإذا ذهب العلماء وفُقِدوا
من بين ظهرانَي الناس اختلت الأمور، وانحرفت الأمة عن الجادة القويمة،
وسلكت مسالك الضلال، وانحدرت في مهاوي الرذيلة والفساد، وألقت بنفسها إلى
الضياع والدمار. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذيقول: " إن الله لا
يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى
إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم،
فضلوا وأضلوا " متفق عليه.

11- التحذير من ترك العمل بالعلم: علمنا
أن العلماء هم منار الهدى في الأمة، فإذا فقدوا ضلت الأمة طريقها السوي،
والأشد سوءاً من فقد العلماء أن ينحرف هؤلاء عن الطريق التي أمرهم الله
تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بسلوكها، فلا يعلموا بعلمهم الذي ورثوه عن
الجناب النبوي، فيخالف فعلهم قولهم، ويكونوا قدوة سيئة للأمة في معصية
الله عز وجل وترك طاعته.

قال صلى الله عليه وسلم: " لا تزول قدما
عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم عمل به، وعن ماله من أين
اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه " رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح
.

12- نشر العلم: لقد حث الإسلام على تعلم العلم وتعليمه، قال
تعالى:{ فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا
إِلَيْهِمْ} [التوبة: 122].

وقال صلى الله عليه وسلم: " نضر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مبلَّغ أوعى من سامع" رواه الترمذي وغيره.

وخير
عمل يقوم به المسلم وينمو له أجره وثوابه عند ربه حتى بعد موته: أن يعلم
الناس العلم الذي أكرمه الله تعالى به ومَنَّ عليه بتحصيله. قال عليه
الصلاة والسلام: " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة
جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم وغيره.

13-
الإخلاص في طلب العلم وترك المباهاة والمباراة به: على طالب العلم والعالم
أن يخلص في طلبه وعلمه لله تعالى، ولا يقصد من ذلك إلا حفظ دينه وتعليمه
للناس ونفعهم به، فلا يكون غرضه من تعلم العلم وتعليمه نيل منصب أو مال أو
سمعة أو جاه، أو ليقال عنه إنه عالم، أو ليتعالى بعلمه على خلق الله عز
وجل، ويجادل به أقرانه ويباريهم، فكل ذلك مذموم يحبط عمله، ويوقعه في سخط
الله تبارك وتعالى.

وروى الترمذي وغيره: " من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، ويصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار" .

14-
" لا أدري" نصف العلم: من علائم الإخلاص في طلب العلم وتعليمه أن لا يأنف
طالب العلم من أن يقول: لا أدري، فيما لا علم له به، وكثيراً ما كان
العلماء يسأل أحدهم عن عديد من المسائل، فيجيب عن بعضها بما يعلم، ويجيب عن
أكثرها بلا أدري، حتى قيل: لا أدري نصف العلم، لأنها علامة على أن قائلها
متثبت مما يقول.

15- ذكر الله عز وجل: إن ذكر الله عز وجل من أعظم
العبادات، وذلك أن ذكر الله عز وجل يحمل الإنسان على التزام شرعه في كل شأن
من شؤونه، ويشعره برقابة الله تعالى عليه فيكون له رقيب من نفسه، فيستقيم
سلوكه ويصلح حاله مع الله تعالى ومع الخلق، ولذا أُمِر المسلم بذكر الله
تبارك تعالى في كل أحيانه وأحواله، قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً
وَأَصِيلا} [الأحزاب: 41-42]. أي صباحاً ومساءً، والمراد: في كل الأوقات.

16-
خير ذكر كتاب الله تعالى: وخير ما يذكر به الله عز وجل كلامه المنزل على
المصطفى صلى الله عليه وسلم لما فيه-إلى جانب الذكر- من بيان لشرع الله
تعالى، وما يجب على المسلم التزامه، وما ينبغي عليه اجتنابه.

17-
عمارة المساجد: وخير الأماكن لذكر الله عز وجل وتلاوة القرآن وتعلم العلم
إنما هي المساجد بيوت الله سبحانه، يعمرها في أرضه المؤمنون، وعمارتها
الحقيقية إنما تكون بالعلم والذكر إلى جانب العبادة من صلاة واعتكاف
ونحوها، قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ
فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ
لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ
الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ
الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا
وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ
حِسَابٍ}[النور: 36-38].

18- عبادة منفردة وشافع مشفع: فتلاوة
القرآن بذاتها عبادة مأمور بها، ويثاب عليها المسلم، وتكون وسيلة لنجاته
يوم القيامة ونيل مرضاة ربه جل وعلا، حيث يشفع القرآن لتاليه عند ربه.

وروى
مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: " اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ".

ولا يقل فضل السماع للقرآن عن فضل تلاوته، بل إن الاستماع والإنصات لقراءته سبب لنيل مغفرة الله تعالى ورحمته.

وروى
الأمام أحمد في مسنده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من استمع
إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نوراً يوم
القيامة ".

19- نور على نور: ويزداد الأجر ويعظم الثواب ويكثر
الفضل إذا ضم إلى التلاوة والاستماع والفهم والتدبير والخشوع، فيجتمع نور
على نور، ومكرمة إلى مكرمة. قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ
إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا
الأَلْبَابِ} [ ص: 29] .

20- "نزلت عليهم السكينة":

وبهذه
السكينة يطمئن القلب، وتهدأ النفس، وينشرح الصدر، ويستقر البال والفكر،
وقال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ
أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [ الرعد: 28].

والخسارة
كل الخسارة لأولئك الذين خوت قلوبهم فغفلوا عن الله تعالى وذكره، فعاشوا
في مقت وكرب وضياع في دنياهم، وكان لهم الهلاك والخلود في جهنم في أخراهم،
قال تعالى:

{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].

وقال سبحانه: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الزمر:22] .

21- "غشيتهم الرحمة":

فطوبى لهؤلاء الذين قربت منهم الرحمة فكانت تلاوتهم لكتاب الله عز
وجل ومدارستهم له عنواناً على أنهم من المحسنين: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ
قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].

22- "حفتهم الملائكة":

فلما كثر القارئون كثرت الملائكة حتى تُحيط بهم من كل جانب .

ولعل
خير ثمرة لهذه المكرمة أن يكون هؤلاء الملائكة سفراء بين عباد الرحمن
هؤلاء وبين خالقهم جل وعلا، يرفعون إليه سبحانه ما يقوم به هؤلاء المؤمنون
من ذكر الله عز وجل ومدارسة لكتابه، وما انطوت عليه نفوسهم من رغبة في نعيم
الله عز وجل ورضوانه، ورهبة من سخطه وإشفاق من عقابه، فيكون ذلك سبباً
للمغفرة، وباباً للفوز والنجاة.

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم: "إن لله ملائكة يطوفون
في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإن وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا: هلموا
إلى حاجتكم. قال: فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا. قال: فيسألهم ربهم
-وهو أعلم منهم-: ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك
ويمجدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال:
فيقول: وكيف لو رأوني ؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك
تمجيداً وأكثر تسبيحاً. قال: يقول: فما يسألونني ؟ قال: يسألونك الجنة.
قال: يقول: وهل رأوها ؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها. قال: يقول:
فكيف لو أنهم رأوها ؟ قال: يقولون لو أنهم رأوها كانوا أشد حرصاً عليها
وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة. قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار.
قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها. قال: يقول:
فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد لها
مخافة. قال فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال يقول ملك من الملائكة :
فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة؟ قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم
".

د- "ذكَرَهم الله فيمن عنده": قال عز وجل: {فاذكُروني أذكرْكم
واشكُروا لي ولا تَكْفرون} [ البقرة: 152]. فإذا ذكر العبد المؤمن ربه،
بتلاوة كتابه وسماع آياته، قابله الله عز وجل على فعله من جنسه فذكره
سبحانه في عليائه، وشتان ما بين الذاكرين، ففي ذكر الله تعالى لعبده
الرفعة، والمغفرة والرحمة، والقبول والرضوان.

وخلاصة القول: لقد
ربحت تجارة هؤلاء الذين أقبلوا على كتاب الله عز وجل تلاوة ودرساً وتعلماً
وعملاً والتزاماً، وصدق الله العظيم إذ يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ
كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ
أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:
29-30].

إنسانية الإسلام وعدالته: التقوى والعمل الصالح طريق
الوصول إلى الله عز وجل: لقد قرر الإسلام وحدة الإنسانية، ورسخ المساواة
بين أفراد البشرية من حيث المولد، فالجميع مخلوقون من نفس واحدة، ولا فرق
بين أبيض وأسود، ولا فضل لعربي على أعجمي، ولا امتياز لشريف على وضيع في
أصل الخلقة والمنشأ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1]. وكانت العدالة الإلهية
في الإسلام حيث جعل التفاضل بين الناس بالعمل الصالح، وطريق القرب من الله
تعالى تقواه، دون النظر إلى من انحدر من الآباء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا
وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]. فلا يضير الإنسان عند الله
عز وجل ضعة نسبه، فإن الله تعالى رتب الجزاء على الأعمال لا على الأنساب.

ولذا
نجد القرآن الكريم يحذر الناس من أن يعتمدوا على الأنساب، فيأمر النبيَّ
أن يبدأ بتبليغ أهله فيقول له :{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}
[الشعراء:214] ،ونجد المصطفى صلى الله عليه وسلم ينادي فيقول:" يا فاطمة
بنت محمد- صلى الله عليه وسلم - سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله
شيئاً " متفق عليه.

ولاية الإيمان والعمل، لا ولاية الدم والنسب:
لقد كان الناس يتناصرون ويتولى بعضهم بعضاً بالعصبية والقرابة النسبية فجاء
الإسلام وجعل الصلة هي صلة الإيمان، والولاية هي ولاية الدين والعمل،
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ
الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
[التوبة: 71] .

ومما يستفاد من الحديث:

1- أن الجزاء عند
الله من جنس ما قدم العبد من عمل، فجزاء التنفيس التنفيس، وجزاء التفريج
التفريج، والعون بالعون، والستر بالستر، والتيسير بالتيسير: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:" أيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع أطعمه الله يوم
القيامة من ثمار الجنة، وأيما مؤمن سقى مؤمناً على ظمأ سقاه الله يوم
القيامة من الرحيق المختوم، وأيما مؤمن كسا مؤمناً على عري كساه الله من
خضر الجنة " رواه الترمذي.

2- الإحسان إلى الخلق طريق محبة الله عز وجل.

3-
ما ذكر من التنفيس وغيره عام في المسلم وغيره الذي لا يناصب المسلمين
العداء، فالإحسان إليه مطلوب، بل ربما تعدى ذلك لكل مخلوق ذي روح، قال صلى
الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء " رواه مسلم.

وقال:"في كل كبد رطبة أجر" متفق عليه.

4-
الحذر من تطرق الرياء في طلب العلم، لأن تطرقه في ذلك أكثر من تطرقه في
سائر الأعمال، فينبغي تصحيح النية فيه والإخلاص كي لا يحبط الأجر ويضيع
الجهد .

5- طلب العون من الله تعالى والتيسير، لأن الهداية بيده، ولا تكون طاعة إلا بتسهيله ولطفه، ودون ذلك لا ينفع علم ولا غيره .

6-
ملازمة تلاوة القرآن والاجتماع لذلك، والإقبال على تفهمه وتعلمه والعمل
به، وأن لا يترك ليقرأ في بدء الاحتفالات والمناسبات، وفي المآتم وعلى
الأموات.

7- المبادرة إلى التوبة والاستغفار والعمل الصالح، قال
الله تعالى :{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ
وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:
133-134] .





الحديث السابع والثلاثون:

عَدلُ اللهِ تَعالى وَفَضْلُهُ وقُدرتُه

مفردات الحديث

المعنى العام:(1-عمل الحسنات 2-عمل السيئات 3-الهمّ بالحسنات 4-الهمّ بالسيئات)

عن
ابنِ عبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيما
يَرْويهِ عن رَبِّهِ تَباركَ وتعالى قال: "إنَّ اللهَ كَتَبَ الحَسَناتِ
والسَّيِّئاتِ ثُمَّ بَيَّنَ : فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلهَا
كَتَبَها اللهُ عِنْدَهُ حَسَنةً كامِلَةً، وإنْ هَمَّ بها فَعَمِلها
كَتَبَها اللهُ عنْدَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ إلى
أضْعافٍ كَثيرَةٍ، وإن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كَتَبها اللهُ
عنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، وإن هَمَّ بها فَعَمِلها كَتَبَها اللهُ
سيَئّةً واحِدَة". رواهُ البخاري ومُسلمٌ في صحيحيهما بهذه الحروف.



مفردات الحديث:

"كتب الحسنات والسيئات": أمر الملائكة الحفظة بكتابتهما _ كما في علمه _ على وَفق الواقع.

"هَمَّ": أراد وقصد.

"بحسنة": بطاعة مفروضة أو مندوبة.

"ضعف": مثل.

"سيئة": بمعصية صغيرة كانت أو كبيرة.

المعنى العام:

تضمن الحديث كتابة الحسنات والسيئات، والهم بالحسنة والسيئة، وفيما يلي الأنواع الأربعة:

عمل الحسنات: كل حسنة عملها العبد المؤمن له بها عشر حسنات، وذلك
لأنه لم يقف بها عند الهم والعزم، بل أخرجها إلى ميدان العمل، ودليل ذلك
قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}
[الأنعام: 160]. وأما المضاعفة على العشر لمن شاء الله أن يضاعف له، فدليله
قول الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ
سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ
وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261]. روى مسلم عن ابن مسعود قال: "جاء رجل
بناقة مخطومة فقال: يا رسول الله هذه في سبيل الله، فقال: لك بها يوم
القيامة سَبْعُ مِئَةِ ناقة".

ومضاعفة الحسنات زيادة على العشر إنما تكون بحسب حسن الإسلام، وبحسب كمال الإخلاص، وبحسب فضل العمل وإيقاعه في محله الملائم.

عمل السيئات: وكل سيئة يقترفها العبد تكتب سيئة من غير مضاعفة، قال
تعالى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ
لا يُظْلَمُونَ} [الأنعام: 160]، لكن السيئة تعظم أحياناً بسبب شرف الزمان
أو المكان أو الفاعل:

فالسيئة أعظم تحريماً عند الله في الأشهر الحرم، لشرفها عند الله.

والخطيئة في الحرم أعظم لشرف المكان.

والسيئة من بعض عباد الله أعظم، لشرف فاعلها وقوة معرفته بالله وقربه منه سبحانه وتعالى.

الهم بالحسنات: ومعنى الهم الإرادة والقصد، والعزم والتصميم، لا
مجرد الخاطر، فمن هم بحسنة كتبها الله عنده حسنة واحدة، وذلك لأن الهم
بالحسنة سبب وبداية إلى عملها، وسبب الخير خير، وقد ورد تفسير الهم في حديث
أبي هريرة عند مسلم "إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة".

الهم بالسيئات: وإذا هم العبد بسيئة ولم يعملها، كتبت له حسنة
كاملة، وفي حديث البخاري "وإن تركها من أجلي" وهذا يدل على أن ترك العمل
مقيد بكونه لله تعالى، والتارك يستحق الحسنة الكاملة، لأنه قصد عملاً
صالحاً، وهو إرضاء الله تعالى بترك العمل السيء. أما من ترك السيئة بعد
الهم بها مخافة من المخلوقين أو مراءاة لهم، فإنه لا يستحق أن تكتب له
حسنة.

وقال الخطابي: محل كتابة الحسنة على الترك أن يكون
التارك قد قدر على الفعل ثم تركه، لأن الإنسان لا يسمى تاركاً إلا مع
القدرة ويدخل فيه من حال بينه وبين حرصه على الفعل مانع، كأن يمشي إلى
امرأة ليزني بها مثلاً فيجد الباب مغلقاً ويتعسر فتحه.

أن رحمة الله بعباده المؤمنين واسعة، ومغفرته شاملة، وعطاءه غير محدود.

لا يؤاخذ الله تعالى على حديث النفس والتفكير بالمعصية إلا إذا صدق ذلك العمل والتنفيذ.

على المسلم أن ينوي فعل الخير دائماً وأبداً، لعله يكتب له أجره وثوابه، ويروض نفسه على فعله إذا تهيأت له الأسباب.

الإخلاص في فعل الطاعة وترك المعصية هو الأساس في ترتب الثواب، وكلما عظم الإخلاص كلما تضاعف الأجر وكثر الثواب.

الحديث الثامن والثلاثون:

وَسائِلُ القُربِ مِنَ اللهِ تعالى ونَيْلِ مَحَبَّتِه

مفردات الحديث

المعنى
العام:(1-أولياء الله تعالى 2-معاداة أولياء الله تعالى 3-أفضل الأعمال
وأحبها إلى الله تعالى: أداء الفرائض 4-من أداء الفرائض ترك المعاصي
5-التقرب إلى الله تعالى بالنوافل 6-أثر محبة الله في وليه 7-الولي مجاب
الدعوة)

ما يستفاد من الحديث

عن أبي هُرَيْرَةَ رضي
الله عنه قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : "إنَّ الله تَعالَى
قَال : مَنْ عَادَى لي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا
تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ
عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِل حَتَّى
أُحِبَّهُ، فإذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بهِ،
وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بهِ، وَيَدَهُ الّتي يَبْطِشُ بهَا،
وَرِجْلَهُ الّتي يَمْشي بِهُا، وَإنْ سَأَلِني لأعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ
اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.



مفردات الحديث:

"عادى": آذى وأبغض وأغضب بالقول أو الفعل. المراد بولي الله العالم بالله تعالى، المواظب على طاعته، المخلص في عبادته.

"فقد آذنته بالحرب": آذنته: أعلمته، والمعنى أن من آذى مؤمناً فقد
آذنه الله أنه محارب له، والله تعالى إذا حارب العبد أهلكه.

"النوافل": ما زاد على الفرائض من العبادات.

"استعاذني": طلب العوذ والحفظ مما يخاف منه.

"لأعيذنه": لأحفظنه مما يخاف.

المعنى العام:

أولياء الله تعالى: هم خُلَّص عباده القائمون بطاعاته المخلصون له،
وقد وصفهم الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بصفتين هم الإيمان والتقوى،
فقال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا
هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:
62-63]، فالركن الأول للولاية هو الإيمان بالله، والركن الثاني لها هو
التقوى، وهذا يفتح الباب واسعاً وفسيحاً أمام الناس ليدخلوا إلى ساحة
الولاية، ويتفيؤوا ظلال أمنها وطمأنينتها.

وأفضل أولياء
الله تعالى هما الأنبياء والرسل، المعصومون عن كل ذنب أو خطيئة، المؤيدون
بالمعجزات من عند الله سبحانه وتعالى، وأفضل الأولياء بعد الأنبياء والرسل
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين عملوا بكتاب الله وسنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم، ومن جاء بعدهم من القرون حتى أيامنا هذه ممن ينسب
إلى الولاية، ولا يكون ولياً لله حقاً إلا إذا تحقق في شخصه الإيمان
والتقوى، واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم واهتدى بهديه واقتدى به في
أقواله وأفعاله.

معاداة أولياء الله تعالى: إن كل من يؤذي
مؤمناً تقياً، أو يعتدي عليه في ماله أو نفسه أو عرضه، فإن الله تعالى
يعلمه أنه محارب له، وإذا حارب الله عبداً أهلكه، وهو يمهل ولا يهمل، ويمد
للظالمين مداً ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وقد وقع في بعض روايات الحديث أن
معاداة الولي وإيذاءه محاربةٌ لله، ففي حديث عائشة رضي الله عنها في المسند
"من آذى ولياً فقد استحل محاربتي".

أفضل الأعمال وأحبها
إلى الله تعالى أداء الفرائض: وهذه الفائدة صريحة في قول الله تعالى في هذا
الحديث: "ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضت عليه".


ومن الفرائض المقربة إلى الله تعالى عَدْلُ الراعي في رعيته سواء
كانت رعية عامة كالحاكم، أو رعية خاصة، كعدل آحاد الناس في أهله وولده، ففي
الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحب
العباد إلى الله يوم القيامة وأدناهم إليه مجلساً إمام عادل".


من أداء الفرائض ترك المعاصي: لأن الله تعالى افترض على عباده ترك
المعاصي، وأخبر سبحانه أن من تعدى حدوده وارتكب معاصيه، كان مستحقاً للعقاب
الأليم في الدنيا والآخرة، وبهذا يكون ترك المعاصي من هذه الناحية داخلاً
تحت عموم قوله: "وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه".

التقرب إلى الله تعالى بالنوافل: ولا يحصل هذا التقرب والتحبب إلا
بعد أداء الفرائض، ويكون بالاجتهاد في نوافل الطاعات، من صلاة وصيام وزكاة
وحج ...، وكف النفس عن دقائق المكروهات بالورع، وذلك يوجب للعبد محبة الله،
ومن أحبه الله رزقه طاعته والاشتغال بذكره وعبادته.

ومن
أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى من النوافل كثرة تلاوة القرآن
وسماعه بتفكر وتدبر وتفهم، ومن أعظم النوافل كثرة ذكر الله، قال تعالى:
{فاذكرُوني أذكرْكم} [البقرة: 152].

أثر محبة الله في وليه:
يظهر أثر محبة الله في وليه بما ورد في الحديث "فإذا أحببته كنت سمعه الذي
يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها"
وفي بعض الروايات "وقلبه الذي يعقل به، ولسانه الذي ينطق به" .

قال
ابن رجب: والمراد من هذا الكلام أن من اجتهد بالتقرب إلى الله بالفرائض ثم
بالنوافل قَرَّبه إليه ورَقَّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصير
يعبد الله على الحضور والمراقبة كأنه يراه، فيمتلئ قلبه بمعرفة الله تعالى
ومحبته وعظمته، وخوفه ومهابته، والأنس به والشوق إليه، حتى يصير الذي في
قلبه من المعرفة مشاهداً له بعين البصيرة.

ومتى امتلأ القلب
بعظمة الله تعالى محا ذلك من القلب كل ما سواه، ولم يبق للعبد شيء من نفسه
وهواه، ولا إرادة إلا لما يريده منه مولاه، فحينئذ لا ينطق العبد إلا
بذكره، ولا يتحرك إلا بأمره، فإن نطق نطق بالله، وإن سمع سمع به، وإن نظر
نظر به، وإن بطش بطش به. فهذا هو المراد بقوله : "كنت سمعه الذي يسمع به
...".

وقد ذهب الشوكاني إلى أن المراد: إمداد الرب سبحانه
لهذه الأعضاء بنوره الذي تلوح به طرائق الهداية وتنقشع عنده سحب الغَوَاية.

الولي مجاب الدعوة: ومن تكريم الله لوليه أنه إذا سأله شيئاً
أعطاه، وإن استعاذ به من شيء أعاذه منه، وإن دعاه أجابه، فيصير مجاب الدعوة
لكرامته على الله تعالى، وقد كان كثير من السلف الصالح معروفاً بإجابة
الدعوة، كالبراء بن مالك، والبراء بن عازب، وسعد بن أبي وقاص .. وغيرهم،
وربما دعا المؤمن المجاب الدعوة بما يعلم الله الخيرة له في غيره، قال :
فلا يجيبه إلى سؤاله ويعوضه بما هو خير له، إما في الدنيا أو في الآخرة،
فقد أخرج أحمد والبزار وأبو يعلى بأسانيد جيدة، أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه
الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة،
وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها".

ما يستفاد الحديث


عِظَم قدر الولي، لكونه خرج من تدبير نفسه إلى تدبير ربه تعالى، ومن
انتصاره لنفسه إلى انتصار الله له، وعن حوله وقوته بصدق توكله.


أن لا يحكم لإنسان آذى ولياً ثم لم يعاجل بمصيبة في نفسه أو ماله أو
ولده، بأنه يسلم من انتقام الله تعالى له، فقد تكون مصيبته في غير ذلك مما
هو أشبه عليه، كالمصيبة في الدين مثلاً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.halimb.yoo7.com
عبدالله ناجح
عضو متّألق
عضو متّألق
عبدالله ناجح


الإسم الحقيقي : ABDALLAH NAJIH
البلد : ROYAUME DU MAROC

عدد المساهمات : 12530
التنقيط : 79438
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 16/09/2010
الجنس : ذكر

الأربعين النووية 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأربعين النووية 2   الأربعين النووية 2 I_icon_minitimeالجمعة 22 أبريل 2011, 06:07

الحديث التاسع والثلاثون:

رَفْعُ الحَرَجِ في الإِسلامِ

مفردات الحديث

المعنى
العام:(1-فضل الله على هذه الأمة ورفع الحرج عنها 2-قتل الخطأ 3-تأخير
الصلاة عن وقتها 4-تفصيل القول في حكم الخطأ والنسيان 5-ما لا يعذر به
الناسي 6-ما يترتب على فعل المكره)


عَن ابْنِ عَبَّاسِ رَضِيَ الله عَنْهُما: أن رَسُوَل اللهِ صلى الله عليه
وسلم قَالَ : "إنَّ الله تَجاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتي: الْخَطَأَ،
والنِّسْياَنَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ".



مفردات الحديث:

"تجاوز": عفا.

"لي": لأجلي وتعظيم أمري ورفعة قدري.

"أمتي": أمة الإجابة، وهي كل من آمن به صلى الله عليه وسلم واستجاب لدعوته.

"الخطأ": ضد العمد لا ضد الصواب.

"النسيان": ضد الذِّكْر.

"استكرهوا عليه": يقال: أكرهته على كذا إذا حملته عليه قهراً.

المعنى العام :

إن
من أتى بشيء مما نهى الله عنه، أو أخل بشيء مما أمر الله تعالى به، دون
قصد منه لذلك الفعل أو الخلل، وكذلك من صدر عنه مثل هذا نسياناً أو أُجبر
عليه، فإنه لا يتعلق بتصرفه ذم في الدنيا ولا مؤاخذة في الآخرة، فضلاً من
الله تبارك وتعالى ونعمة.

فضل الله عز وجل على هذه الأمة
ورفع الحرج عنها: وهكذا لقد كان فضل الله عز وجل عظيماً على هذه الأمة، إذ
خفف عنها من التكليف ما كان يأخذ به غيرها من الأمم السابقة، فقد كان بنو
إسرائيل: إذا أُمروا بشيء فنسوه، أو نهوا عن شيء فأخطؤوه وقارفوه عجل الله
تعالى لهم العقوبة، وآخذهم عليه، بينما استجاب لهذه الأمة دعاءها الذي
ألهمها إياه، وأرشدها إليه جل وعلا، إذ قال: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا
إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا
كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا
تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286]. فتجاوز سبحانه عما
يقع خطأً أو نسياناً فلم يؤاخذها به، قال سبحانه: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}
[الأحزاب: 5]. أي لا تؤاخذون فيما وقع منكم خطأً، ومثله النسيان، ولكن
تؤاخذون بما قصدتم إلى فعله. كما أنه سبحانه لم يكلفها من الأعمال ما تعجز
عن القيام به في العادة، ولم يحملها من التكاليف ما فيه عسر وحرج، أو يوقع
التزامه في مشقة وضيق، وذلك لامتثالها أمر الله عز وجل على لسان رسوله
المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ قالت:{سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ
رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285].

المتجاوَزُ
عنه الإثم، لا كل ما يترتب من الحكم: إن تصرف المكلف إذا لم يأت على وَفق
ما جاء به الشرع ترتبت عليه أحكام: منها المؤاخذة والإثم، ومنها تدارك ما
فات أو ضمان ما أتلف ونحو ذلك.

وقد قامت الأدلة من الشرع على أن المراد رفع الإثم والمؤاخذة، لا كل ما يترتب من أحكام، على تفصيل في الحكم.

اقتضت حكمة الله عز وجل: أن لا يؤاخذ فرداً من هذه الأمة إلا إذا
تعمد العصيان، وقصد قلبه المخالفة وترك الامتثال، عن رغبة وطواعية. والعفو
عن ذلك _ أي عن إثم الخطأ والنسيان والإكراه _ هو مقتضى الحكمة والنظر، مع
أنه تعالى لو آخذ بها لكان عادلاً.

قتل الخطأ: من قصد إلى
رمي صيد أو عدو فأصاب مسلماً أو معصوم الدم فإنه لا إثم عليه ولا ذنب، وإن
كان هذا لا يعفيه من المطالبة بالدية والكفارة.

تأخير
الصلاة عن وقتها: من أخر الصلاة عن وقتها بعذر كنوم أو نسيان فإنه لا يأثم،
ولكنه يطالب بالقضاء فور الاستيقاظ أو التذكر.

تفصيل القول في حكم الخطأ والنسيان:

أولاً:

إن وَقَعَ الخطأ أو النسيان في ترك مأمور به لم يسقط، بل يجب
تداركه. ومثال ذلك في الخطأ: ما لو دفع زكاة ماله إلى من ظنه فقيراً، فبان
غنياً، لم تجزئ عنه، ووجب عليه دفعها للفقير، وله أن يرجع بها على الغني.

ثانياً:

إن وقع الخطأ أو النسيان في فعل منهي عنه، ليس من باب الإتلاف، فلا
شيء عليه. ومثاله في الخطأ: من شرب خمراً، ظاناً أنها شراب غير مسكر، فلا
حد عليه ولا تعزيز، وفي النسيان : ما لو تطيب المحرم أو لبس مخيطاً ونحو
ذلك، ناسياً فلا شيء عليه.

ثالثاً:

إن وقع الخطأ أو
النسيان في فعل منهي عنه، هو من باب الإتلاف، لم يسقط الضمان، ومثاله: ما
لو قُدِّم له طعام مغصوب ضيافة، فأكل منه ناسياً أنه مغصوب أو ظناً منه أنه
غير مغصوب، فإنه ضامن، ومثله لو قتل صيداً وهو محرم، ناسياً لإحرامه أو
جاهلاً للحكم، فعليه الفدية.

مالا يعذر به الناسي: ما سبق
من القول من رفع المؤاخذة عما وقع من تصرف نسياناً إنما هو في الناسي الذي
لم يتسبب في نسيانه، أما من تسبب في ذلك كأن ترك التحفظ وأعرض عن أسباب
التذكر، فإنه قد يؤاخذ عن تصرفه ولو وقع منه نسياناً، وذلك: كمن رأى نجاسة
في ثوبه فتباطأ عن إزالتها حتى صلى بها ناسياً لها، فإنه يعد مقصراً مع
وجوب القضاء عليه.

ما يترتب على فعل المكرَه: تختلف الأحكام المترتبة على فعل المكره حسب درجة الإكراه، وطبيعة الفعل المكره عليه:

فقد يكون الإكراه ملجئاً: بمعنى أن المكره يصبح في حالة لا يكون له
اختيار في فعل ما أُكره عليه بالكلية ولا قدرة لديه على الامتناع منه،
وذلك: كمن رُبِط وحُمِلَ كرهاً، وأُدخل إلى مكان حلف على الامتناع من
دخوله، فلا إثم عليه بالاتفاق، ولا يترتب عليه حنث في يمينه عند الجمهور.

وقد
يكون الإكراه غير ملجئٍ: بمعنى أن المكره يستطيع أن يمتنع عن فعل ما أكره
عليه، فإذا كان المكره على هذه الحال فإن فعله يتعلق به التكليف، وذلك: كمن
أكره بضرب أو غيره حتى فعل، فإن كان يمكنه أن لا يفعل فهو مختار لفعله،
لكن ليس غرضه نفس الفعل، بل دفع الضرر عنه، فهو مختار من وجه، وغير مختار
من وجه آخر، ولهذا اختلف فيه: هل هو مكلف أم لا ؟[انظر الفقه :كتاب
الإكراه].



الحديث الأربعون:

اغتنامُ الدُّنيا للفوزِ بالآخرة

مفردات الحديث

المعنى العام:(1-الرسول المربي صلى الله عليه وسلم 2-فناء الدنيا وبقاء الآخرة 3-الدنيا معبر وطريق للآخرة)


عن ابنِ عُمَرَ رضي اللهُ عنهما قال: أَخَذَ رسُول اللهِ صلى الله عليه
وسلم بِمَنْكِبَيَّ فقال : "كُنْ في الدُّنْيا كأنَّكَ غَرِيبٌ، أو عابرُ
سبِيل".

وكانَ ابنُ عُمَرَ رَضي اللهُ عنهما يقولُ: إذا
أمْسَيْتَ فلا تَنْتظرِ الصبَّاح، وإذا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِرِ الَمسَاء،
وخُذْ مِنْ صحَّتِك لِمَرضِك، ومِنْ حَياتِك لِمَوْتِكَ. رَواهُ البُخاري.



مفردات الحديث:

"أخذ": أمسك.

"بمنكبيّ" بتشديد الياء، مثنَّى منكب،والمنكِب: مجتمع رأس العضد والكتف.

"إذا أمسيت": دخلتفي المساء، وهو من الزوال إلى نصف الليل.

"إذا أصبحت": دخلت في الصباح، وهو من نصف الليل إلى الزوال.

المعنى العام:

الرسول المربي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معلماً لأصحابه
ومربياً، وقد سبق في تعليمه وتربيته لهم أحدث ما توصل إليه علماء التربية
الحديثة من طرق ووسائل، فهو يغتنم الفرص والمناسبات، ويضرب لهم الأمثال،
وينقل لهم المعنى المجرد إلى محسوس ومُشاهد، ويتخولهم بالموعظة ويخاطبهم
بما تقتضيه حاجتهم، وتدركه عقولهم.

ورسول الله صلى الله
عليه وسلم في هذا الحديث يأخد بمنكبيّ عبد الله بن عمر، لينبهه إلى ما
يُلقى إليه من علم، وليشعره باهتمامه وحرصه على إيصال هذا العلم إلى قرارة
نفسه. وحكمة ذلك ما فيه من التأنيس والتنبيه والتذكير، إذ محالٌ عادةً أن
يَنْسَى من فُعِل ذلك معه، ففيه دليل على محبته صلى الله عليه وسلم لابن
عمر.

فناء الدنيا وبقاء الآخرة: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ
الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا
وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34].


فهذه الدنيا فانية مهما طال عمر الإنسان فيها، وهذه حقيقةٌ مشاهَدَةٌ،
نراها كل يوم وليلة، والحياة الباقية هي الحياة الأخروية.


فالمؤمن العاقل هو الذي لا يغتر بهذه الدنيا، ولا يسكن إليها ويطمئن بها،
بل يقصر أمله فيها، ويجعلها مزرعة يبذر فيها العمل الصالح ليحصد ثمراته في
الآخرة، ويتخذها مطية للنجاة على الصراط الممدود على متن جهنم، وقال رسول
الله صلى عليه وسلم: "مالي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قَالَ
في ظل شجرة ثم راح وتركها". قَالَ: نام في النهار ليستريح.


الدنيا معبر وطريق للآخرة: والمؤمن إما غريب فيها أو عابر سبيل، فهو لا
يركن إليها، ولا يُشْغَل بزخرفها ويخدع بما فيها، إنما يستشعر المؤمن في
نفسه وقلبه دائماً وأبداً، أن يعيش في هذه الدنيا عيش الغريب عن وطنه،
البعيد عن أهله وعياله، فهو دائماً وأبداً، في شوق إلى الوطن، وفي حنين إلى
لقيا الأهل والعيال والأحباب، ولا يزال قلبه يتلهف إلى مفارقته فهو لا
يشيد فيه بناء، ولا يقتني فراشاً ولا أساساً، بل يرضى بما تيسر له، ويدخر
من دار الغربة، ويجمع من الهدايا والتحف، ما يتنعم به في بلده، بين الأهل
وذوي القربى، لأنه يعلم أن هناك المقام والمستقر، وهكذا المؤمن يزهد في
الدنيا، لأنها ليست بدار مقام، بل هي لحظات بالنسبة للآخرة {فَمَا مَتَاعُ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ} [التوبة: 38] {وَإِنَّ
الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39].

بل إن المؤمن
يعيش في هذه الدنيا ويستقر أقل مما يعيشه الغريب عن بلده ويقيم، فإن
الغريب ربما طاب له المقام، واتخذ المسكن والأهل والعيال، وليس هذا حال
المؤمن في الدنيا، بل هو كالمسافر في الطريق، يمر مَرّ الكرام، ونفسه تتلهف
إلى الوصول لموطنه ومستقره، والمسافر لا يتخذ في سفره المساكن بل يكتفي من
ذلك بالقليل، قدر ما يؤنسه لقطع مسافة عبوره، ويساعده على بلوغ غايته
وقصده.

وهكذا المؤمن في الدنيا يتخذ من مساكنها ومتاعها ما يكون
عوناً في تحقيق مبتغاه في الآخرة من الفوز برضوان الله تعالى ويتخذ من
الخلان من يدله على الطريق، ويساعده على الوصول إلى شاطئ السلامة
{الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ}
[الزخرف: 67] ويكون حَذِراً فيها من اللصوص وقُطَّاع الطرق الذين يبعدونه
عن الله عز وجل وطاعته، كحال المسافر في الصحراء {وَيَوْمَ يَعَضُّ
الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ
الرَّسُولِ سَبِيلا * يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا
خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ
الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا} [الفرقان: 27- 29]. والمسافر يتزود
لسفره، والمؤمن يتزود من دينه لآخرته قال الله تعالى:{وتزوَّدُوا فإنَّ
خيرَ الزادِ التَّقوى، واتَّقونِ يا أُولي الألباب} [البقرة : 197].

على المسلم أن يبادر إلى فعل الخير، والإكثار من الطاعات والمبرات،
فلا يهمل ولا يمهل، على أمل التدارك في المستقبل، لأنه لا يدري متى ينتهي
أجله.

ما يستفاد الحديث:

على المسلم أن يغتنم المناسبات والفرص، إذا سنحت له، وقبل أن يفوت الأوان.

وفي الحديث حث على الزهد في الدنيا، والإعراض من مشاغلها، وليس
معنى ذلك ترك العمل والسعي والنشاط، بل المراد عدم التعلق بها والاشتغال
بها عن عمل الآخرة.

شأن المسلم أن يجتهد في العمل الصالح،
ويكثر من وجوه الخير، مع خوفه وحذره دائماً من عقاب الله سبحانه وتعالى،
فيزداد عملاً ونشاطاً، شأن المسافر الذي يبذل جهده من الحذر والحيطة، وهو
يخشى الانقطاع في الطريق، وعدم الوصول إلى المقصد.

الحذر من صحبة الأشرار، الذين هم بمثابة قطاع الطرق، كي لا ينحرفوا بالمسلم عن مقصده، ويحولوا بينه وبين الوصول إلى غايته.

العمل الدنيوي واجب لكف النفس وتحصيل النفع، والمسلم يسخِّر ذلك كله من أجل الآخرة وتحصيل الأجر عند الله تعالى.

الاعتدال في العمل للدنيا والآخرة.



الحديث الحادي والأربعون:

اتباعُ شرعِ اللهِ تعالى عِمَادُ الإِيمان

مفردات الحديث

المعنى
العام:(1-المسلم إنسان متكامل 2-حقيقة الهوى وأنواعه 3-اتباع الهوى منشأ
المعاصي والبدع والإعراض عن الحق 4-محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه
وسلم 5-عنوان المحبة :الموافقة والاتباع 6-حلاوة الإيمان 7-الاحتكام إلى
شرع الله عز وجل والرضا بحكمه )

ما يستفاد من الحديث


عن أبي محمَّدٍ عَبدِ الله بنِ عَمرو بْنِ الْعاص رَضي اللهُ عنهما قال:
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يُؤمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى يكُونَ
هَواهُ تَبَعاً لِمَا جِئْتُ به".

حديثٌ صَحِيح، رُوِّيناهُ في "كتاب الْحُجَّةِ" بإسْنادٍ صحيحٍ.



مفردات الحديث:

"لا يؤمن": لا يكمل إيمانه، أو لا يصح.

"هواه": ما تحبه نفسه ويميل إليه قلبه ويرغبه طبعه.

"تبعاً": تابعاً له بحيث يصبح اتِّباعه كالطبع له.

"لما جئت به": ما أرسلني الله تعالى به من الشريعة الكاملة.

المعنى العام:

المسلم إنسان متكامل: المسلم إنسان تتكامل فيه جوانب الشخصية
المثالية، فلا تعارض بين قوله وفعله، ولا تناقض بين سلوكه وفكره، بل هو
إنسان يتوافق فيه القلب واللسان مع سائر أعضائه، كما يتناسق لديه العقل
والفكر والعاطفة، وتتوازن عنده الروح والجسد، ينطق لسانه بما يعتقد، وتنعكس
عقيدته على جوارحه، فتُقَوِّم سلوكَه وتُسَدِّد تصرفاته، فلا تتملكه
الشهوة، ولا تطغيه بدعة، ولا تهوي به متعة، منطلقه في جميع شؤونه وأحواله
شرعُ الله تعالى الحكيم، وهذا ما يقرره رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما
ينصب لنا العلامة الفارقة للمسلم المؤمن فيقول: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون
هواه تبعاً لما جئت به".

حقيقة الهوى وأنواعه: قد يطلق
الهوى ويراد به الميل إلى الحقِّ خاصة، ومحبته والانقياد إليه. ومنه ما جاء
في قول عائشة رضي الله عنها: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك.

وقد يطلق ويراد به الميل والمحبة مطلقاً، فيشمل الميل إلى الحق وغيره، وهذا المعنى هو المراد في الحديث.

وقد يطلق ويراد به مجرد إشباع شهوات النفس وتحقيق رغباتها، وهذا
المعنى هو المراد عند إطلاق كلمة الهوى، وهو الأكثر في الاستعمال، وهو
المعنى الذي تضافرت نصوص الشرع على ذمه والتحذير منه والتنفير عنه، إذ
الغالب فيه أن يكون ميلاً إلى خلاف الحق، وتحقيق مشتهيات الطبع دون مقتضيات
الشرع، فيكون سبيل الضلال والشقاء. قال الله تعالى مخاطباً داود عليه
السلام: {وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:
26].

اتباع الهوى منشأ المعاصي والبدع والإعراض عن الحق:
فمن استرسل في شهواته، وأعطى نفسه هواها، جرته إلى المعاصي والآثام،
وأوقعته في مخالفة شرع الله عز وجل، وفي الحقيقة: ما انحرف المنحرفون، وما
ابتدع المبتدعون، وما أعرض الكافرون الفاسقون والمارقون، عن المنهج القويم
والحق المبين، لعدم وضوح الحق أو عدم اقتناعهم به _ كما يزعمون _ فالحق
واضح أبلج، والباطل ملتبس لجلج، وإنما بدافع الهوى المُتَّبَع، قال تعالى:
{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ
أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى
مِنْ اللَّهِ} [القصص: 50].

الهوى المتبع إله يُعْبَد من
دون الله عز وجل: إن العبادة هي الانقياد والخضوع، فمن انقاد لهواه وخضع
لشهواته فقد أصبح عبداً لها. وإن الهوى والشهوات لا تزال بالإنسان حتى
تتمكن منه وتسيطر عليه، فلا يصدر في تصرفاتهإلا عنها، ولا يأتمر إلا
بأمرها، وإن خالف فكره وعقله، وناقض معرفته وعلمه. وهكذا تجد عَبَدَة الهوى
يغمضون أعينهم عن رؤية الحق، ويصمون آذانهم عن سماعه، فلا يعرفون استقامة
ولا يهتدون سبيلاً. قال ابن عباس رضي الله عنه : الهوى إله يعبد في الأرض،
ثم تلا: {أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان: 43]. وقال
عليه الصلاة والسلام: "ما تحت ظل السماء إله يعبد أعظم عند الله تعالى من
هوى متبع". أعظم: أي أكثر إثماً لأنه أوسع شراً.

والإنسان
بما مُنِح من القوة العاقلة وما أعطي من الاختيار والقدرة بمَلْكِه أن
يخالف هواه ويسيطر على نوازع الشر ويكبتها، ويجاهد نفسه ويحملها على السمو
في درجات الخير والتقوى فيبوئها المرتبة اللائقة بها من التكريم والتفضيل،
فإن هو فعل ذلك كان سلوكه عنوان قوته العقلية وبشريته المثالية وإنسانيته
المتكاملة، وإن هو انهزم أمام نوازع الشر واستسلم لهواه وانحدر في دركات
الرذيلة فقد انحط بإنسانيته، وأَسَفَّ بكرامته، فكان _ذا عنوان حماقته
وضعفه، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ
دَسَّاهَا} [الشمس: 9 - 10]. وقال عليه الصلاة والسلام: "المجاهدُ من
جاهدَ نفسه، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها، وتمنَّى على الله الأماني".

وأما مجاهدة النفس والتمرد على الهوى فهي نتيجة المعرفة الحقة
بالله عز وجل، واستشعار عظمته وإدراك نعمته. ولا يزال العبد يجاهد نفسه حتى
ينسلخ كلياً من عبودية الهوى إلى العبودية الخالصة لله عز وجل، ويكتمل فيه
الإيمان، ويثبت لديه اليقين، ويكون من الفائزين بسعادة الدارين، قال الله
تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ
الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40 - 41].

محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم: حتى يتحقق لدى المسلم
أصل الإيمان، ويسير في طريق بلوغ كماله، لابد من أن يحب ما أحبه الله
تعالى، محبة تحمله على الإتيان بما وجب عليه منه وما ندب إلى فعله، وأن
يكره ما كرهه الله تعالى، كراهة تحمله على الكف عما حرم عليه منه وما ندب
إلى تركه، وهذه المحبة لما أحبه الله تعالى والكراهة لما كرهه، لا تتحققان
إلا إذا أحب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم حباً يفوق حبه لكل شيء،
بحيث يضحي في سبيلهما بكل شيء، ويقدمهما على كل شيء.

وروى
البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده وأهله والناس أجمعين".

عنوان المحبة الموافقة والاتباع: المحبة الصحيحة تقتضي متابعة
المحب لمن أحب، وموافقته فيما يحب ويكره، قولاً وفعلاً واعتقاداً، قال الله
تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ..} [آل عمران: 31]. فمن ترك شيئاً مما يحبه الله عز
وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وفعل شيئاً يكرهانه، مع قدرته على فعل
المحبوب وترك المكروه، كان في إيمانه خلل ونقص، عليه أن يسعى لإصلاحه
وتداركه، وكانت محبته دعوى تحتاج إلى بينة.

حلاوة الإيمان:
للإيمان أثر في النفوس، وطعم في القلوب، أطيب لدى المؤمنين من الماء العذب
البارد على الظمأ، وأحلى من طعم العسل بعد طول مرارة المذاق. وهذه المحبة
وذاك الطيب، لا يشعر بهما ولا يجد لذتهما إلا من استكمل إيمانه، وصدقت
محبته لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وأثمرت في جوانب نفسه، فأصبح
لا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله، ولا يعطي إلا لله، ولا يمنع إلا لله.
روى البخاري ومسلم: عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما
سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر _ بعد
أن أنقذه الله منه _ كما يكره أن يلقى في النار". حلاوة الإيمان: معناها
اللذة في الطاعة.

الاحتكام إلى شرع الله عز وجل والرضا
بحكمه: من لوازم الإيمان أن يحتكم المسلم إلى شرع الله عز وجل في خصوماته
وقضاياه، ولا يعدل عنه إلى سواه.

النموذج المثالي: لقد كان
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم النموذج المثالي في صدق محبتهم لله
تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحبهم ما يرضيهما وبغضهم ما يسخطهما،
وتقديم محبتهما على كل شيء، وتكييف أهوائهم تبعاً لما جاء به رسول الله صلى
الله عليه وسلم، حتى بذلوا في سبيل ذلك نفوسهم وأرواحهم وأموالهم، وقاتلوا
عليه آباءهم، وهجروا أزواجهم وعشيرتهم وأوطانهم، لأنهم كانوا أعرف بحقه
وأدرك لفضله صلى الله عليه وسلم.

ما يستفاد من الحديث

أنه يجب على المسلم أن يعرض عمله على الكتاب والسنة، ويسعى لأن يكون موافقاً لهما.

من
صَدَّق شرع الله تعالى بقلبه وأقر بلسانه وخالف بفعله فهو فاسق، ومن وافق
بفعله وخالف في اعتقاده وفكره فهو منافق، ومن لبس لكل موقف لَبُوسه فهو
زنديق مارق.

من لوازم الإيمان نصرة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والدفاع عن شريعته.



الحديث الثاني والأربعون:

سعةُ مَغْفِرة اللِه عَزَّ وجَل

مفردات الحديث

المعنى
العام:(1-أسباب المغفرة 2-شرائط الإجابة وموانعها وآدابها :"أ- الحضور
والرجاء ، ب- العزم في المسألة والدعاء ،ج- الإلحاح في الدعاء، د-
الاستعجال وترك الدعاء، هـ- الرزق الحلال " 3-من آداب الدعاء 4-الاستغفار
مهما عظمت الذنوب 5-الاستغفار وعدم الإصرار 6-توبة الكذابين 7-الإكثار من
الاستغفار 8-سيد الاستغفار 9-الاستغفار لما جهله من الذنوب 10-من ثمرات
الاستغفار 11-الخوف والرجاء 12-التوحيد أساس المغفرة 13-النجاة من النار
14-التوحيد الخالص)


عن أنسٍ رضي اللهُ عنه قال : سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم
يقول:"قال اللهُ تعالى: يا ابنَ آدَمَ، إنَّكَ ما دَعَوْتَني ورجَوْتَني
غَفَرْتُ لَكَ على ما كانَ مِنْكَ ولا أُبالي . يا ابنَ آدَمَ، لَوْ بلغت
ذنوبُك عَنَان السماء، ثم استغفرتني غَفَرْتُ لكَ. يا ابن آدَمَ، إنَّك لَو
أَتَيْتَني بقُرَاب اْلأَرْضِ خَطَايا، ثُمَّ لَقِيَتني لا تُشْرِكُ بي
شَيْئاً، لأتَيْتُكَ بقُرَابِها مَغْفِرَةً". رواه الترمذي، وقال حديث حسن
صحيح.



مفردات الحديث:

"ما دعوتني": ما دمت تسألني مغفرة ذنوبك وغيرها.

و "ما": زمانية ظرفية أي مدة دوام دعائك.

"رجوتني": خفت من عقوبتي ورجوت مغفرتي، وطمعت في رحمتي، وخشيت من عظمتي.

"على ما كان منك" : مع ما وقع منك من الذنوب الكثيرة، الصغيرة والكبيرة.

و "لا أبالي": أي لا تعظم كثرتها عَلَيَّ.

"بلغت": وصلت من كثرة كميتها، أو من عظمة كيفيتها.

"عنان": هو السحاب، وقيل ما انتهى إليه البصر منها.

"استغفرتني": طلبت مني المغفرة.

"قراب الأرض": ملؤها، أو ما يقارب ملأها.

"لقيتني": أي مت ولقيتني يوم القيامة.

"لا تشرك بي شيئاً": اعتقاداً ولا عملاً، أي تعتقد أنه لا شريك لي
في ملكي ولا ولد لي ولا والد، ولا تعمل عملاً تبتغي به غيري.

"مغفرة": هي إزالة العقاب وإيصال الثواب.

المعنى العام:

هذا الحديث أرجى حديث في السنة، لما فيه من بيان كثرة مغفرته
تعالى، لئلا ييأس المذنبون منها بكثرة الخطايا، ولكن لا ينبغي لأحد أن يغتر
به فينهمك في المعاصي : فربما استولت عليه، وحالت بينه وبين مغفرة الله عز
وجل. وإليك بيان ما فيه:

أسباب المغفرة:


الدعاء مع رجاء الإجابة: الدعاء مأمور به وموعود عليه بالإجابة، قال تعالى:
{وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : "إن الدعاء هو العبادة. رواه الترمذي.


أخرج الطبراني مرفوعاً: "من أعطي الدعاء أعطي الإجابة، لأن الله تعالى
يقول: ادعوني أستجب لكم". وفي حديث آخر: "ما كان الله ليفتح على عبد باب
الدعاء ويغلق عنه باب الإجابة".

شرائط الإجابة وموانعها
وآدابها: الدعاء سبب مقتض للإجابة عند استكمال شرائطه وانتفاء موانعه، وقد
تتخلف الإجابة لانتفاء بعض شروطه أو آدابه، أو وجود بعض موانعه:

الحضور والرجاء: ومن أعظم شرائطه حضور القلب مع رجاء الإجابة من الله تعالى.

أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، وإن الله تعالى لا يقبل
دعاء من قلب غافل لاهٍ".

العزم في المسألة والدعاء: أي أن
يدعو العبد بصدق وحزم وإبرام، ولا يكون تردد في قلبه أو قوله، فقد نهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يقول الداعي أو المستغفر في دعائه واستغفاره:
"اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم في الدعاء، فإن
الله صانعٌ ما شاء لا مُكْرِه له". رواه مسلم.

الإلحاح في
الدعاء: إن الله تعالى يحب من عبده أن يعلن عبوديته له وحاجته إليه حتى
يستجيب له ويلبي سؤله، فما دام العبد يلح في الدعاء، ويطمع في الإجابة، من
غير قطع الرجاء، فهو قريب من الإجابة، ومن قرع الباب يوشك أن يُفْتَح له.

الاستعجال وترك الدعاء: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم العبد أن
يستعجل ويترك الدعاء لاستبطاء الإجابة، وجعل ذلك من موانع الإجابة، حتى لا
يقطع العبد رجاءه من إجابة دعائه ولو طالت المدة، فإنه سبحانه يحب الملحين
في الدعاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل
فيقول: قد دعوت ربي فلم يُسْتَجَب لي" متفق عليه.

الرزق
الحلال: إن من أهم أسباب استجابة الدعاء أن يكون رزق الإنسان حلالاً، ومن
طريق مشروع، ومن موانع الاستجابة أن لا يبالي الإنسان برزقه: أمن حلال أو
حرام. ثبت عنه عليه الصلاة والسلام: "الرجل يمد يديه إلى السماء، يقول: يا
رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى
يستجاب لذلك" رواه مسلم. وقال: "يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة".
رواه الطبراني في "الصغير".

صرف طلب العبد إلى ما فيه خيره:
من رحمة الله تعالى بعبده أن العبد قد يدعوه بحاجة من حوائج الدنيا، فإما
أن يستجيب له أو يعوضه خيراً منها : بأن يصرف عنه بذلك سوءاً، أو يدخرها له
في الآخرة، أو يغفر له بها ذنباً. روى أحمد والترمذي، من حديث جابر، عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما
سأل، أو كف عنه من السوء مثله، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم" . وفي المسند
عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم
يدعو بدعوة ليس فيها إثم أو قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما
أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يكشف عنه من السوء
مثلها". قالوا: إذاً نكثر ؟ قال: "الله أكثر". وعند الطبراني: "أو يغفر له
بها ذنباً قد سلف" بدل قوله: "أو يكشف عنه عن السوء مثلها".


من آداب الدعاء: تحري الأوقات الفاضلة. _ تقديم الوضوء والصلاة . _
التوبة. _ استقبال القبلة ورفع الأيدي. _ افتتاحه بالحمد والثناء والصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم. _جعل الصلاة في وسطه وختمه بها وبآمين. _لا
يخص نفسه بالدعاء بل يعم. _يحسن الظن بالله ويرجو منه الإجابة. _ الاعتراف
بالذنب. _ خفض الصوت.

الاستغفار مهما عظمت الذنوب: إن ذنوب
العبد مهما عظمت فإن عفو الله تعالى ومغفرته أوسع منها وأعظم، فهي صغيرة في
جنب عفو الله تعالى ومغفرته. أخرج الحاكم، عن جابر رضي الله عنه: "أن
رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: واذنوباه، مرتين أو
ثلاثاً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قل: اللهم مغفرتك أوسع من
ذنوبي، ورحمتك أرجى عندي من عملي، فقالها، ثم قال به: عد، فعاد، ثم قال له:
عد، فعاد، فقال له : قم، قد غفر الله لك".

الاستغفار وعدم
والإصرار: في الصحيحين: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه
وسلم: "إن عبداً أذنب فقال: رب أذنبت ذنباً فاغفر لي، قال الله تعالى: علم
عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم
أذنب ذنباً آخر ... فذكر مثل الأول مرتين أخرين". وفي رواية لمسلم أنه قال
في الثالثة: "قد غفرت لعبدي، فليعمل ما شاء". والمعنى: ما دام على هذا
الحال، كلما أذنب استغفر. والظاهر: أن مراده الاستغفار المقرون بعدم
الإصرار، فالاستغفار التام الموجب للمغفرة هو ما قارن عدم الإصرار.

وأما الاستغفار باللسان مع إصرار القلب على الذنب، فهو دعاء مجرد،
إن شاء الله أجابه وإن شاء رده، وقد يرجى له الإجابة، ولا سيما إذا خرج عن
قلب منكسر بالذنوب، أو صادف ساعة من ساعات الإجابة، كالأسحار وعقب الأذان
والصلوات المفروضة ونحو ذلك. وقد يكون الإصرار مانعاً من الإجابة، ففي
المسند من حديث عبد الله مرفوعاً : "ويل للذين يصرون على ما فعلوا وهم
يعلمون".

توبة الكذابين: من قال: أستغفر الله وأتوب إليه،
وهو مصر بقلبه على المعصية، فهو كاذب في قوله، آثم في فعله لأنه غير تائب،
فلا يجوز له أن يخبر عن نفسه بأنه تائب وهو غير تائب، والأشبه بحاله أن
يقول : اللهم إني أستغفرك فتب علي.

الإكثار من الاستغفار:
في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".


سيد الاستغفار: يستحب أن يزيد في الاستغفار على قوله: أستغفر الله
وأتوب إليه، توبة من لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا
نشوراً.

روى البخاري عن شداد بن أوس رضي الله عنه، عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : "سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت
ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت،
أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه
لا يغفر الذنوب إلا أنت".

الاستغفار لما جهله من الذنوب: من
كثرت ذنوبه وسيئاته وغفل عن كثير منها، حتى فاقت العدد والإحصاء، فليستغفر
الله عز وجل مما علمه الله تعالى من ذنبه، روى شداد بن أوس رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما
تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب".

من ثمرات
الاستغفار: في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل
ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب".

الخوف والرجاء: ولا بد
لتحقيق الرجاء من الخوف، فيجب على الشخص أن يجمع بينهما ليسلم، ولا يقتصر
على أحدهما دون الآخر، لأنه ربما يفضي الرجاء إلى المكر والخوف إلى القنوط،
وكل منهما مذموم.

والمختار عند المالكية تغليب الخوف إن
كان صحيحاً والرجاء إن كان مريضاً، والراجح عند الشافعية استواؤهما في حق
الصحيح : بأن ينظر تارة إلى عيوب نفسه فيخاف، وتارة ينظر إلى كرم الله
تعالى فيرجو. وأما المريض : فيكون رجاؤه أغلب من خوفه، لقوله صلى الله عليه
وسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله تعالى".

وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه في مرض موته:

ولما قَسَا قَلبي وضاقتْ مذاهبي جعلتُ الرَّجَا مني لعفوِك سُلَّمَا

تَعاظَمنَي ذنبي فلمَّا قرنتُــه بعفوِكَ ربِّي كانَ عفوك أعظمَا

ولعل هذه هي الحكمة في ختم هذه الأحاديث المختارة بهذا الحديث وزيادته على الأربعين.

التوحيد أساس المغفرة: من أسباب المغفرة التوحيد، وهو السبب
الأعظم، فمن فقده فقد المغفرة، ومن جاء به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة،
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ
مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء : 116]. وإن الذنوب لتتصاغر
أمام نور توحيد الله عز وجل، فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض خطايا لقيه
الله عز وجل بقرابها مغفرة، على أنه موكول إلى مشيئة الله تعالى وفضله: فإن
شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه.

النجاة من النار : إذا
كمل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه، وقام بشروطه كلها، بقلبه ولسانه وجوارحه،
أو بقلبه ولسانه عند الموت، أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها ومنعه
من دخول النار بالكلية. قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه:
"أتدري ما حق الله على العباد ؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أن يعبدوه
ولا يشركوا به شيئاً. أتدري ما حقهم عليه ؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أن
لا يعذبهم" رواه البخاري وغيره. وفي المسند وغيره: عن أم هانئ رضي الله
عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا إله إلا الله لا تترك ذنباً
ولا يسبقها عمل".

التوحيد الخالص : من تحقق بكلمة التوحيد
قلبه أخرجت منه كل ما سوى الله تعالى، محبة وتعظيماً، وإجلالاً ومهابة،
وخشية ورجاء وتوكلاً، وحينئذ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد
البحر، وربما قلبتها حسنات وأحرق نور محبته لربه كل الأغيار من قلبه: "لا
يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه من سواهما" رواه البخاري وغيره.
ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم من محبة الله عز وجل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.halimb.yoo7.com
 
الأربعين النووية 2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الأربعين النووية 1
» الفيزياء النووية : النظائر الغير المستقرة
» تمارين و حلول ...السلسلة 1 التناقص الإشعاعي ... الفيزياء النووية
» تمارين و حلول ...السلسلة 2 النوى ، الطاقة و الكثلة ... الفيزياء النووية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: منتديات مختلفة... DIVERS :: اسلاميات /فقه / حديث / سنة ...-
انتقل الى: