هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
البوابةأحدث الصورالتسجيلدخولالرئيسية
المواضيع الأخيرة
» INFORMATIONS SUR LES MALADIES : SYMPTÔMES, DIAGNOSTIC, TRAITEMENTS, PRÉVENTION
 الأربعين النووية 1 I_icon_minitimeالأحد 13 يونيو 2021, 15:01 من طرف abdelhalim berri

»  Il était une fois un vieux couple heureux de M. Khair-Eddine
 الأربعين النووية 1 I_icon_minitimeالسبت 10 أبريل 2021, 14:22 من طرف abdelhalim berri

» أحلى صفات المرأة والتي تجعل الرجل يحبها بجنون
 الأربعين النووية 1 I_icon_minitimeالخميس 17 أكتوبر 2019, 17:59 من طرف abdelhalim berri

» بحث حول العولمـــــــــــــــة
 الأربعين النووية 1 I_icon_minitimeالأربعاء 10 يوليو 2019, 00:22 من طرف abdelhalim berri

» L'intégration des connaissances en littérature Française
 الأربعين النووية 1 I_icon_minitimeالأربعاء 10 يوليو 2019, 00:17 من طرف abdelhalim berri

» Dr Patrick Aïdan : Chirurgie robotique thyroidienne par voie axillaire
 الأربعين النووية 1 I_icon_minitimeالأربعاء 10 يوليو 2019, 00:15 من طرف abdelhalim berri

» كيف نشأت الفلسفة
 الأربعين النووية 1 I_icon_minitimeالثلاثاء 09 أبريل 2019, 23:53 من طرف abdelhalim berri

» زجل :الربيع.
 الأربعين النووية 1 I_icon_minitimeالجمعة 21 ديسمبر 2018, 14:05 من طرف abdelhalim berri

» le bourgeois gentilhomme de Molière
 الأربعين النووية 1 I_icon_minitimeالجمعة 21 ديسمبر 2018, 14:02 من طرف abdelhalim berri

» مساعدة
 الأربعين النووية 1 I_icon_minitimeالإثنين 09 يوليو 2018, 01:12 من طرف abdelhalim berri

بحـث
 
 

نتائج البحث
 

 


Rechercher بحث متقدم
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 8836 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو سعد فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 87005 مساهمة في هذا المنتدى في 16930 موضوع
التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني
روابط مهمة
Maroc mon amour

خدمات المنتدى
تحميل الصور و الملفات

 

  الأربعين النووية 1

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله ناجح
عضو متّألق
عضو متّألق
عبدالله ناجح


الإسم الحقيقي : ABDALLAH NAJIH
البلد : ROYAUME DU MAROC

عدد المساهمات : 12530
التنقيط : 79238
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 16/09/2010
الجنس : ذكر

 الأربعين النووية 1 Empty
مُساهمةموضوع: الأربعين النووية 1    الأربعين النووية 1 I_icon_minitimeالجمعة 22 أبريل 2011, 05:59

مقدمة الإمام النووي

الحديث الأول: إنما الأعمال بالنيات

الحديث الثاني: الإسلام والإيمان والإحسان

الحديث الثالث: أركان الإسلام ودعائمه العظام

الحديث الرابع: أطوار خلق الإنسان وخاتمته

الحديث الخامس: إبطال المنكرات والبدع

الحديث السادس: الحلال والحرام

الحديث السابع: الدِّين النصيحة

الحديث الثامن: حرمة المسلم

الحديث التاسع: الأخذ باليسير وترك التعسير

الحديث العاشر: الحلال الطَّيِّبُ شرط القبول

الحديث الحادي عشر: الأخذ باليقين والبعد عن الشبهات

الحديث الثاني عشر: الاشتغال بما يفيد

الحديث الثالث عشر: أخوة الإيمان والإسلام

الحديث الرابع عشر: حرمة دم المسلم

الحديث الخامس عشر:آداب إسلامية: من خصال الإيمان القول الحسن ورعاية حق الضيف والجار

الحديث السادس عشر: لا تغضب ولك الجنة

الحديث السابع عشر: عموم الإحسان

الحديث الثامن عشر: تقوى الله تعالى وحسن الخُلُق

الحديث التاسع عشر: عون الله وحفظه ونصره وتأييده

الحديث العشرون: الحياء من الإيمان

الحديث الحادي والعشرون: الاستقامة والإيمان

الحديث الثاني والعشرون: طريق الجنة

الحديث الثالث والعشرون: كلُّ خيرٍ صدقة

الحديث الرابع والعشرون: تحريم الظلم

الحديث الخامس والعشرون: فضل الله وسعة رحمته

الحديث السادس والعشرون: الإصلاح بين الناس والعدل فيهم

الحديث السابع والعشرون: البِرُّ والإثم

الحديث الثامن والعشرون: لزوم السنة واجتناب البِدَع

الحديث التاسع والعشرون: أسلوب الخير ومسالك الهدى

الحديث الثلاثون: حدود الله تعالى وحرماته

الحديث الحادي والثلاثون: حقيقة الزهد وثمراته

الحديث الثاني والثلاثون: نفي الضرر في الإسلام

الحديث الثالث والثلاثون: أسس القضاء في الإسلام

الحديث الرابع والثلاثون: إزالة المنكر فريضة إسلامية

الحديث الخامس والثلاثون: أخوَّة الإسلام وحقوق المسلم

الحديث السادس والثلاثون: جوامع الخير

الحديث السابع والثلاثون: عدل الله تعالى وفضله وقدرته

الحديث الثامن والثلاثون: وسائل القرب من الله تعالى ونيل محبته

الحديث التاسع والثلاثون: رفع الحرج في الإسلام

الحديث الأربعون: اغتنام الدنيا للفوز بالآخرة

الحديث الحادي والأربعون: اتباع شرع الله تعالى عمادُ الإيمان

الحديث الثاني والأربعون: سعة مغفرة الله عز وجل


بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الإمام النووي

الحمدُ
للهِ رَبِّ العالَمينَ. قَيُّومِ السَّماوات والأرَضِينَ . مُدبِّرِ
الخلائِق أجْمعينَ . باعِثِ الرُّسُلِ - صلواتُهُ وسلامُهُ عَليهِم- إلى
المُكلَّفينَ، لهِدايَتِهم وبَيانِ شَرائع الدِّينِ. بالدَّلائلِ
القَطْعِيَّةِ وَواضحاتِ البَراهِينِ. أحْمَدُهُ على جميع نِعمِه. وأسأله
المَزيدَ من فضلهِ وكَرمِه. وأشهَدُ أنَّ سيدَنا محمداً عبْدُه ورسولُه.
وحبيبُهُ وخلِيلُه أفضلُ المخلُوقِين. المُكَرَّمُ بالقُرآن العزيز
المُعْجزَةِ المستمِرَّةِ على تعاقُب السِّنين. وبالسُّننِ المستَنيرةِ
للمُستَرْشِدِين. المخْصوصُ بجَوامع الكَلِم وسَماحَةِ الدِّين. صلواتُ
الله وسلامُه عليه وعلى سائر النبيينَ والمرسَلينَ. وآلِ كلٍّ وسائِرِ
الصالِحينَ.

أما بَعْدُ: فقد رُوِّينَا عَنْ عَليِّ بن أبي طالب،
وعبدِ الله بنِ مَسعودٍ، ومُعاذِ بنِ جَبَلٍ، وأبي الدَّرْداءِ، وابنِ
عُمَرَ، وابنِ عباسٍ، وأنسِ بنِ مالِكٍ، وأبي هُرَيرةَ، وأبي سعيدٍ
الخُدْرِيّ رضي الله عنهم من طُرُقٍ كثيراتٍ بِرواياتٍ متنوِّعاتٍ أنَّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ حَفِظَ على أُمَّتي أَربعينَ
حديثاً من أمْر دينِها بَعَثهُ الله يومَ القيامةِ في زُمْرةِ الفُقَهاءِ
والعُلماءِ"، [رواه البيهقي ]وفي روايةٍ: " بَعَثَهُ اللهُ فَقِيهاً عالماً
". وفي روايةِ أبي الدَّرْداءِ: "وكُنتُ له يومَ القيامةِ شافعاً وشَهيداً
"، وفي روايةِ ابنِ مَسعودٍ: " قيلَ له: ادخُلْ مِن أيِّ أبوابِ الجنةِ
شِئتَ ". وفي رواية ابن عُمَر: "كُتِبَ في زُمْرةِ العُلماءِ وحُشرَ في
الشهَداءِ ".

واتَّفَق الحُفَّاظُ على أنَّه حديثٌ ضعيفٌ وإن
كثُرَتْ طُرُقُه، وقد صَنَّفَ العُلماءُ رضي الله عنهُم في هذا البابِ ما
لا يُحْصَى من المصَنَّفاتِ، فأَوَّل مَن عَلِمْتُه صَنَّفَ فيه عبدُ الله
بِنُ المبارَكِ، ثم محمدُ بنُ أَسْلَمَ الطُّوسيُّ العالِمُ الرَّبَّاني،
ثم الحسَنُ بنُ سفيانَ النَّسَائيُّ، وأبو بكرٍ الآجُرِّيُّ، وأبو بكر
محمدُ بنُ إبراهيمَ الأصفَهانيُّ، والدَّارَقُطنيُّ، والحاكمُ، وأبو
نُعَيم، وأبو عبد الرحمنِ السُّلَميُّ، وأبو سعيدٍ المَالِينيُّ، وأَبو
عُثمانَ الصَّابُونيُّ، وعبدُ الله بنُ محمد الأنصاري، وأبو بكرٍ
البَيْهقيُّ، وخلائقُ لا يُحْصَوْنَ من المُتَقَدِّمينَ والمُتأخِّرينَ .

وقد
استَخَرتُ الله تعالى جَمعَ أربعينَ حديثاً اقتِدَاءً بهؤلاءِ الأَئمةِ
الأَعلام وحُفَّاظِ الإسلامِ. وقد اتفَقَ العلماءُ على جَوازِ العَمَلِ
بالحديث الضعيفِ في فضائِل الأعمالِ، ومع هذا فليس اعتمادي على هذا الحديث،
بل على قوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة : "ليُبَلِّغِ
الشاهِدُ منكم الغائِبَ" [رواه البخاري ]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "
نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مَقالتي فَوعَاها فأدَّاها كما سَمِعَها"
[رواه أبو داود].

ثم منَ العُلماء من جَمَع الأربعين في أصول
الدِّينِ، وبعضُهم في الفروع، وبعضُهم في الجهاد، وبعضُهم في الزُّهْد،
وبعضُهم في الخُطَب، وكُلُّها مقاصِدُ صالِحةٌ، رضي اللهُ عن قاصِدِيها.
وقد رأيتُ جَمْعَ أربعينَ أهمَّ من هذا كلِّهِ، وهي أربعون حديثاً مشتملة
على جميع ذلك ، وكلُّ حديث منها قاعِدةُ عظيمةُ من قواعد الدِّينِ، وقد
وصَفَهُ العُلماءً بأنَّ مَدَارَ الإسلام عليه، أو نِصْفَ الإسلام، أو
ثُلُثَهُ، أو نحو ذلك.

ثم أَلتَزمُ في هذه الأربعينَ أن تكونَ
صحيحةً ومُعْظَمُها في صحيحي البُخارِيِّ ومُسْلم، وأذكُرُها محذُوفَة
الأسانيدِ، ليَسْهُلَ حِفْظُها ويَعُمَّ الانتفاعُ بها إن شاء الله تعالى.
ثم أُتْبِعُها بباب في ضبطِ خَفِيِّ ألفاظها.

وينبغي لكل راغب في
الآخرَةِ أن يَعْرِفَ هذه الأحاديث لِمَا اشتَمَلتْ عليه من المُهمَّاتِ،
واحتَوتْ عليه من التنبيهِ على جميعِ الطاعاتِ، وذلك ظاهرٌ لمن تَدبَّره،
وعلى الله اعتمادي، وإليه تَفْويضي واستنادي، وله الحمدُ والنِّعمةُ، وبه
التوفيقُ والعِصمةُ


الحديث الأول:

إِنمَا الأَعمَالُ بالنّيات

أهمية الحديث

مفردات الحديث

سبب ورود الحديث

المعنى العام 1-اشتراط النية 2-وقت النية ومحلها 3-وجوب الهجرة 4-ما يفيده الحديث


عن
أَمِيرِ المُؤمِنِينَ أَبي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "
إِنَّما الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لكُلِّ امْرِىءٍ ما نَوَى،
فَمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ ورَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ
ورَسُولِهِ، ومَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيا يُصِيبُها أو امْرأةٍ
يَنْكِحُها فَهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إليه".

رواهُ إمَامَا
المُحَدِّثِينَ : أبُو عَبْدِ اللهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيمَ بن
المُغِيرةِ بن بَرْدِزْبَهْ البُخَاريُّ، وأبُو الحُسَيْنِ مُسْلِمُ بنُ
الحَجَّاج بن مُسْلمٍ القُشَيْرِيُّ النَّيسابُورِيُّ في صَحِيحَيْهما
اللَّذَيْنِ هُما أَصَحُّ الْكُتُبِ المُصَنَّفَةِ.



أهمية الحديث:

إن
هذا الحديث من الأحاديث الهامة، التي عليها مدار الإسلام، فهو أصل في
الدين وعليه تدور غالب أحكامه. قال الإمام أحمد والشافعي: يدخل في حديث:
"إنما الأعمال بالنيات" ثلث العلم، وسبب ذلك أن كسب العبد يكون بقلبه
ولسانه وجوارحه، فالنية بالقلب أحد الأقسام الثلاثة.

مفردات الحديث:

"الحفص": الأسد، وأبو حفص: كنية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

"إلى الله": إلى محل رضاه نيةً وقصداً.

"فهجرته إلى الله ورسوله": قبولاً وجزاءً.

"لدنيا يصيبها": لغرض دنيوي يريد تحصيله.

سبب ورود الحديث:

عن
ابن مسعود رضي الله عنه قال : كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها : أم قيس،
فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر، فهاجر، فتزوجها، فكنا نسميه: مهاجر أم قيس.
[رواه الطبراني بإسناد رجاله ثقات] .

المعنى العام

1- اشتراط
النية: اتفق العلماء على أن الأعمال الصادرة من المكلفين المؤمنين لا تصير
معتبرة شرعاً، ولا يترتب الثواب على فعلها إلا بالنية.

والنية في
العبادة المقصودة، كالصلاة والحج والصوم، ركن من أركانها، فلا تصح إلا بها،
وأما ما كان وسيلة، كالوضوء والغسل، فقال الحنفية : هي شرط كمال فيها،
لتحصيل الثواب. وقال الشافعية وغيرهم: هي شرط صحة أيضاً، فلا تصح الوسائل
إلا بها.

2- وقت النية ومحلها: وقت النية أو العبادة، كتكبيرة
الإحرام بالصلاة، والإحرام بالحج، وأما الصوم فتكفي النية قبله لعسر مراقبة
الفجر.

ومحل النية القلب؛ فلا يشترط التلفظ بها؛ ولكن يستحب ليساعد اللسانُ القلبَ على استحضارها.

ويشترط فيها تعيين المنوي وتمييزه، فلا يكفي أن ينوي الصلاة بل لا بد من تعيينها بصلاة الظهر أو العصر .. إلخ.

3- وجوب الهجرة: الهجرة من أرض الكفار إلى ديار الإسلام واجبة على المسلم الذي لا يتمكن من إظهار دينه، وهذا الحكم باق وغير مقيد.

-4يفيد الحديث: أن من نوى عملاً صالحاً، فَمَنَعَهُ من القيام به عذر قاهر، من مرض أو وفاة، أو نحو ذلك، فإنه يثاب عليه.

والأعمال
لا تصح بلا نية، لأن النية بلا عمل يُثاب عليها، والعمل بلا نية هباء،
ومثال النية في العمل كالروح في الجسد، فلا بقاء للجسد بلا روح، ولا ظهور
للروح في هذا العالم من غير تعلق بجسد.

5- ويرشدنا إلى الإخلاص في العمل والعبادة حتى نحصِّل الأجر والثواب في الآخرة، والتوفيق والفلاح في الدنيا.

6-كل عمل نافع وخير يصبح بالنية والإخلاص وابتغاء رضاء الله تعالى عبادة.

فاحرص على تحسين النية والإخلاص لله تعالى.



الحديث الثاني:

الإسْلامُ والإيمَانُ والإحْسَان

أهمية الحديث

مفردات الحديث

المعنى
العام 1-تحسين الهيئة 2-ما هو الإسلام 3-ما هو الإيمان 4-ما هو الإحسان
5-الساعة وأماراتها 6-السؤال عن العلم 7-من أساليب التربية

عَن
عُمَر رضي اللهُ عنه أَيْضاً قال: " بَيْنَما نَحْنُ جُلْوسٌ عِنْدَ
رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ
بَياضِ الثِّيَاِب شَديدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عليه أَثَرُ
السَّفَرِ ولا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتى جَلَسَ إلى النَّبِّي صلى
الله عليه وسلم، فأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلى رُكْبَتَيْهِ ووَضَعَ كَفَّيْهِ
على فَخِذَيْهِ، وقال: يا محمَّدُ أَخْبرني عَن الإسلامِ، فقالَ رسُولُ
الله صلى الله عليه وسلم: الإسلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إلهَ إلا اللهُ
وأَنَّ محمِّداً رسولُ الله، وتُقِيمَ الصَّلاةَ، وتُؤتيَ الزَّكاةَ،
وتَصُومَ رَمَضان، وتَحُجَّ الْبَيْتَ إن اسْتَطَعتَ إليه سَبيلاً. قالَ
صَدَقْتَ. فَعَجِبْنا لهُ يَسْأَلُهُ ويُصَدِّقُهُ، قال : فَأَخْبرني عن
الإِيمان. قال: أَن تُؤمِنَ باللهِ، وملائِكَتِهِ وكُتُبِهِ، ورسُلِهِ،
واليَوْمِ الآخِرِ، وتُؤمِنَ بالْقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ. قال صدقت. قال :
فأخْبرني عَنِ الإحْسانِ. قال: أنْ تَعْبُدَ الله كَأَنَّكَ تَرَاهُ فإنْ
لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّهُ يَرَاك. قال: فأَخبرني عَنِ السَّاعةِ، قال:ما
المَسْؤولُ عنها بأَعْلَمَ من السَّائِلِ . قال: فأخبرني عَنْ
أَمَارَتِها، قال: أن تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَها، وأَنْ تَرَى الحُفاةَ
العَُراةَ العالَةَ رِعاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُون في الْبُنْيانِ، ثُمَّ
انْطَلَقَ، فَلَبثْتُ مَلِيّاً، ثُمَّ قال : يا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ
السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللهُ ورسُولُهُ أَعلَمُ . قال: فإِنَّهُ جِبْرِيلُ
أَتاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ". رواه مسلم.



أهمية الحديث:

قال
ابن دقيق العيد: هذا حديث عظيم اشتمل على جميع وظائف الأعمال الظاهرة
والباطنة، وعلوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه؛ لما تضمنه من جمعه
علم السنة، فهو كالأم للسُّنة؛ كما سميت الفاتحة " أم القرآن "؛ لما تضمنه
من جمعها معاني القرآن.

مفردات الحديث:

"ووضع كفيه على
فخذيه": أي فخذي نفسه كهيئة المتأدب. وفيرواية النسائي: "فوضع يديه على
ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم ". والرواية الأولى أصح وأشهر.

"فعجبنا
له يسأله ويصدقه": أي أصابنا العجب من حاله، وهو يسأل سؤال العارف المحقق
المصدق. أو عجبنا لأن سؤاله يدل على جهله بالمسؤول عنه، وتصديقه يدل على
علمه به.

"أن تؤمن بالله..": الإيمان لغة التصديق والجزم في القلب، وشرعاً: التصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.

"أماراتها": بفتح الهمزة جمع أمارة: وهي العلامة. والمراد علاماتها التي تسبق قيامها.

"أن
تلد الأمة ربتها": أي سيدتها. وفي رواية "ربها" أي: سيدها. والمعنى أن من
علامات الساعة كثرة اتخاذ الإماء ووطئهن بملك اليمين، فيأتين بأولادٍ هم
أحرار كآبائهم، فإنَّ ولدها من سيدها بمنزلة سيدها، لأن ملك الوالد صائر
إلى ولده،فهو ربها من هذه الجهة.

"العالة": جمع عائل، وهو الفقير.

"فلبثتُ ملياً": انتظرتُ وقتاً طويلاً؛ أي: غبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث ليالٍ كما في رواية، ثم لقيته.

المعنى العام:

1-
تحسين الثياب والهيئة: يستحسن ارتداء الثياب النظيفة، والتطيب بالرائحة
الزكية لدخول المسجد وحضور مجالس العلم، والتأدب في مجالس العلم ومع
العلماء، فإن جبريل عليه الصلاة والسلام أتى معلماً للناس بحالة ومقاله.

2-
ما هو الإسلام: الإسلام لغة: الانقياد والاستسلام لله تعالى. وهو شرعاً:
قائم على أسس خمس: شهادة أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله، وإقام
الصلاة في أوقاتها كاملة الشروط والأركان، مستوفاة السنن والآداب، وإيتاء
الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت الحرام مرة في العمر على من قدر عليه
وتوفر له مؤونة السفر من الزاد والراحلة ونفقة الأهل والعيال.

3- ما هو الإيمان ؟: الإيمان لغة: التصديق، وشرعاً : التصديق الجازم بوجود الله الخالق وأنه سبحانه واحد لا شريك له.

والتصديق
بوجود خلق لله هم الملائكة، وهم عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم
ويفعلون ما يؤمرون، خلقهم الله من نور، لا يأكلون ولا يتصفون بذكورة ولا
أنوثة ولا يتناسلون، ولا يعلم عددهم إلا الله تعالى.

والتصديق بالكتب السماوية المنزلة من عند الله تعالى، وأنها شرع الله قبل أن تنالها أيدي الناس بالتحريف والتبديل.

والتصديق بجميع الرسل الذين اختارهم الله لهداية خلقه، وأنزل عليهم الكتب السماوية، والاعتقاد أن الرسل بشر معصومون.

والتصديق بيوم آخر، يبعث الله فيه الناس من قبورهم، ويحاسبهم على أعمالهم ويجزيهم عليها إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

والتصديق
بأن كل ما يجري في هذا الكون هو بتقدير الله تعالى وإرادته،لحكمة يعلمها
الله تعالى. هذه هي أركان الإيمان، من اعتقد بها نجا وفاز، ومن جحدها ضل
وخاب.

4- ما هو الإحسان ؟:أن تعبد الله كأنك تراه ، أي تخلص في
عبادة الله وحده مع تمام الإتقان ،كأنك تراه وقت عبادته، فإن لم تقدر على
ذلك فتذكر أن الله يشاهدك ويرى منك كل صغير وكبير. وفي رواية للإمام مسلم :
" أن تخشى الله كأنك تراه ".

5- الساعة وأماراتها: علم وقت قيام
القيامة، مما اختص الله بعلمه، ولم يُطلع عليه أحداً من خلقه ملكاً كان أو
رسولاً، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: " ما المسؤول عنها
بأعلم من السائل". ولكنه أجابه عن بعض أماراتها التي تسبقها وتدل على
قربها:

أ- فساد الزمن، وضعف الأخلاق، حيث يكثر عقوق الأولاد ومخالفتهم لآبائهم فيعاملونهم معاملة السيد لعبيده.

ب-
انعكاس الأمور واختلاطها، حتى يصبح أسافل الناس ملوك الأمة ورؤساءها،
وتسند الأمور لغير أهلها، ويكثر المال في أيدي الناس، ويكثر البذخ والسرف،
ويتباهى الناس بعلو البنيان، وكثرة المتاع والأثاث، ويُتعالى على الخلق
ويملك أمرهم من كانوا في فقر وبؤس، يعيشون على إحسان الغير من البدو
والرعاة وأشباههم.

6- السؤال عن العلم: المسلم إنما يسأل عما ينفعه
في دنياه أو آخرته، ويترك السؤال عما لا فائدة فيه . كما ينبغي لمن حضر
مجلس علم، ولمس أن الحاضرين بحاجة إلى مسألة ما، ولم يسأل عنها أحد، أن
يسأل هو عنها وإن كان هو يعلمها، لينتفع أهل المجلس بالجواب. ومن سئل عن
شيء لا يعلمه وجب عليه أن يقول: لا أعلم، وذلك دليل ورعه وتقواه وعلمه
الصحيح.

7- من أساليب التربية: طريقة السؤال والجواب، من الأساليب
التربوية الناجحة قديماً وحديثاً، وقد تكررت في تعليم النبي صلى الله عليه
وسلم لأصحابه في كثير من الأحاديث النبوية؛ لما فيها من لفت انتباه
السامعين وإعداد أذهانهم لتلقي الجواب الصحيح.

الحديث الثالث:

أركان الإسلام ودَعَائمهُ العِظام

مفردات الحديث

المعنى العام

بناء الإسلام : 1-الشهادتان 2-الصلاة 3-الزكاة 4-الحج

ارتباط أركان الإسلام ببعض

غاية العبادات

شُعَب الإيمان

ما يفيده الحديث

عن
أبي عَبْدِ الرَّحْمنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطابِ رَضيَ اللهُ
عنهُما قال: سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: " بُنَي
الإسلامُ على خَمْسٍ : شهادَةِ أَنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأَنَّ محمَّداً
رسولُ اللهِ، وإقَامِ الصَّلاةِ، وإيتَاءِ الزَّكاةِ، وحَجِّ البَيْتِ،
وصَوْمِ رَمَضَانَ ". رواهُ البُخَارِيُّ ومسلمٌ.

مفردات الحديث:

" على خَمْسٍ ": وفي رواية: "على خمسة "، أي خمس دعائم أو خمسة أركان، و " على " بمعنى : من.

" إقَامِ الصَّلاةِ ": المداومة عليها، وفعلها كاملة الشروط والأركان، مستوفية السنن والآداب.

المعنى العام:

· بناء الإسلام: يشبِّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء به -والذي يخرج به

الإنسان
من دائرة الكفر ويستحق عليه دخول الجنة والمباعدة من النار- بالبناء
المحكم، القائم على أسس وقواعد ثابتة، ويبين أنَّ هذه القواعد التي قام
عليها وتم هي:

1- شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله:
ومعناها الإقرار بوجود الله تعالى ووَحدانيته، والتصديق بنبوة محمد صلى
الله عليه وسلم ورسالته، وهذا الركن هو كالأساس بالنسبة لبقية الأركان،
وقال عليه الصلاة والسلام:" من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة".
حديث صحيح أخرجه البزار.

2- إقام الصلاة: والمراد المحافظة على
الصلاة والقيام بها في أوقاتها، وأداؤها كاملة بشروطها وأركانها، ومراعاة
آدابها وسننها، حتى تؤتي ثمرتها في نفس المسلم فيترك الفحشاء والمنكر، قال
تعالى: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].

3- إيتاء الزكاة: وهي إعطاء نصيب معين من المال -ممن ملك النصاب، وتوفرت فيه شروط الوجوب والأداء - للفقراء والمستحقين.

4-
الحج: وهو قصد المسجد الحرام في أشهر الحج، وهي شوال وذو القعدة والعشر
الأول من ذي الحجة، والقيام بما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم من
مناسك، وهو عبادة مالية وبدنية تتحقق فيه منافع كثيرة للفرد والمجتمع، وهو
فوق ذلك كله مؤتمر إسلامي كبير، ومناسبة عظيمة لالتقاء المسلمين من كل بلد.
ولذا كان ثواب الحج عظيماً وأجره وفيراً، قال عليه الصلاة والسلام "
الحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنة "متفق عليه. وقد فُرِض الحج في
السنة السادسة(1) من الهجرة بقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [ آل عمران: 97] .

5-
صوم رمضان: وقد فرض في السنة الثانية للهجرة بقوله تعالى: {شَهْرُ
رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ
مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ
فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]. وهو عبادة فيها تطهير للنفس، وسمو للروح،
وصحة للجسم، ومن قام بها امتثالاً لأمر الله وابتغاء مرضاته كان تكفيراً
لسيئاته وسبباً لدخوله الجنة.

· ومن أتى بهذه الأركان كاملة كان مسلماً كامل الإيمان، ومن تركها جميعاً كان

كافراً قطعاً.

· غاية العبادات: ليس المراد بالعبادات في الإسلام صورها وأشكالها، وإنما المراد غايتها

ومعناها
مع القيام بها، فلا تنفع صلاة لا تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما لا يُفيد
صومٌ لا يترك فاعلُه الزورَ والعمل به، كما لا يُقبل حج أو زكاة فعل للرياء
والسمعة. ولا يعني ذلك ترك هذه العبادات إذا لم تحقق ثمرتها، إنما المراد
حمل النفس على الإخلاص بها وتحقيق المقصود منها.

· شعب الإيمان: وليست هذه الأمور المذكورة في الحديث هي كل شيء في الإسلام،

وإنما اقتصر على ذكرها لأهميتها، وهناك أمور كثيرة غيرها؛ قال عليه الصلاة والسلام : " الإيمان بِضْعٌ وسبعونَ شعبة " متفق عليه.

· يُفيد الحديث أن الإسلام عقيدة وعمل، فلا ينفع عمل دون إيمان، كما أنه لا وجود

للإيمان دون العمل .



الحديث الرابع:

أطوارُ خَلقِ الإِنسان وخَاتِمَتُه

مفردات الحديث

المعنى العام 1-أطوار الجنين في الرحم 2-نفخ الروح 3-تحريم إسقاط الجنين 4-علم الله تعالى 5-الاحتجاج بالقدر




عن
أبي عبْدِ الرَّحْمن عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال: حدَّثَنا
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهُوَ الصَّادقُ المَصْدوق: " إن أَحَدَكُمْ
يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّه أرْبعينَ يوْماً نُطْفَةً، ثُمَّ
يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلك، ثُمَّ يَكُون مُضْغَةً مِثْلَ ذلك، ثُمَّ
يُرْسَلُ إليه المَلكُ فَيَنْفخُ فيه الرُّوحَ ويُؤمَرُ بأرْبَعِ كلماتٍ:
بِكَتْبِ رِزْقِهِ وأَجَلِهِ وعَمَلِهِ وشَقيٌّ أو سَعيدٌ، فَوَاللهِ
الَّذي لا إله غَيْرُهُ إنَّ أَحَدَكُمْ ليَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ
حتى ما يكُون بَيْنَهُ وبَيْنَها إلا ذِرَاعُ، فَيَسْبقُ عَليْه الكِتابُ
فَيَعْمَلُ بعَملُ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُها. وإنَّ أَحَدَكُمْ
لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهل النَّارِ حتى ما يَكُون بَيْنَهُ وبَيْنَها إلا
ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكتابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهل الجنَّةِ
فَيَدْخُلُها ". رواه البخاري ومسلم.



مفردات الحديث:

" المصدوق": فيما أوحي إليه، لأن الملك جبيريل يأتيه بالصدق، والله سبحانه وتعالى يصدقه فيما وعده به.

" يُجمع " يُضَم ويُحفظ، وقيل : يُقَدَّر ويُجمع.

" في بطن أمه ": في رحمها.

" نطفة": أصل النطفة الماء الصافي، المراد هنا: منياً.

" علقة": قطعة دم لم تيبس، سميت " علقة ".

" فيسبق عليه الكتاب ": الذي سبق في علم الله تعالى.

المعنى العام:

1-
أطوار الجنين في الرحم: يدل هذا الحديث على أن الجنين يتقلب في مئة وعشرين
يوماً في ثلاثة أطوار، في كل أربعين يوماً منها يكون في طور؛ فيكون في
الأربعين الأولى نطفة، ثم في الأربعين الثانية علقة، ثم في الأربعين
الثالثة مضغة، ثم بعد المئة وعشرين يوماً ينفخ فيه الملك الروح، ويكتب له
هذه الكلمات الأربعة.

والحكمة في خلق الله تعالى للإنسان بهذا
الترتيب ووفق هذا التطور والتدرج من حال إلى حال، مع قدرته سبحانه وتعالى
على إيجاده كاملاً في أسرع لحظة : هي انتظام خلق الإنسان مع خلق كون الله
الفسيح وفق أسباب ومسببات ومقدمات ونتائج، وهذا أبلغ في تبيان قدرة الله..
كما نلحظ في هذا التدرج تعليم الله تعالى لعباده التأني في أمورهم والبعد
عن التسرع والعجلة، وفيه إعلام الإنسان بأن حصول الكمال المعنوي له إنما
يكون بطريق التدريج نظير حصول الكمال الظاهر له بتدرجه في مراتب الخلق
وانتقاله من طور إلى طور إلى أن يبلغ أشده، فكذلك ينبغي له في مراتب السلوك
أن يكون على نظير هذا المنوال.

2- نفخ الروح: اتفق العلماء على أن
نفخ الروح في الجنين يكون بعد مضي مئة وعشرين يوماً على الاجتماع بين
الزوجين، وذلك تمام أربعة أشهر ودخوله في الخامس، وهذا موجود بالمشاهدة
وعليه يُعوَّل فيما يُحتاج إليه من الأحكام من الاستلحاق ووجوب النفقات،
وذلك للثقة بحركة الجنين في الرحم، ومن هنا كانت الحكمة في أن المرأة
المتوفى عنها زوجها تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام؛ لتحقق براءة الرحم ببلوغ
هذه المدة دون ظهور أثر الحمل.

والروح: ما يحيا به الإنسان، وهو من
أمر الله تعالى، كما أخبر في كتابه العزيز {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ
قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلا
قَلِيلا} [الإسراء: 85] .

3- تحريم إسقاط الجنين: اتفق العلماء على
تحريم إسقاط الجنين بعد نفخ الروح فيه؛ واعتبروا ذلك جريمة لا يحل للمسلم
أن يفعله، لأنه جناية على حيٍّ متكامل الخلق ظاهر الحياة.

وإما
إسقاط الجنين قبل نفخ الروح فيه حرام أيضاً، وإلى ذلك ذهب أغلب الفقهاء، "
وقد رخَّصَ طائفة من الفقهاء للمرأة في إسقاط ما في بطنها ما لم ينفخ فيه
الروح وجعلوه كالعزل.

4- إن الله تعالى يعلم أحوال الخلق قبل أن
يخلقهم، فما يكون منهم شيء من إيمان وطاعة أو كفر ومعصية، وسعادة وشقاوة؛
إلا بعلم الله وإرادته، وقد تكاثرت النصوص بذكر الكتاب السابق؛ ففي البخاري
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما
من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة أو النار، وإلا قد كتبت
شقية أو سعيدة، فقال رجل: يا رسول الله! أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟
فقال: اعملوا فكلٌّ مَيَسَّرٌ لما خُلِقَ له، أما أهل السعادة فيُيَسَّرون
لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ:
{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [ الليل:
5-6].

وعلى ذلك فإن عِلْمَ الله لا يَرفع عن العبد الاختيار والقصد؛
لأن العلم صفة غير مؤثرة بل هو صفة كاشفه، وقد أمر الله تعالى الخلق
بالإيمان والطاعة، ونهاهم عن الكفر والمعصية، وذلك برهان على أن للعبد
اختياراً وقصداً إلى ما يريد، وإلا كان أمر الله تعالى ونهيه عبثاً، وذلك
محال، قال الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا
فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ
مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7-10].

5- الاحتجاج بالقدر: لقد أمرنا الله
تعالى بالإيمان به وطاعته، ونهانا عن الكفر به سبحانه وتعالى ومعصيته،
وذلك ما كلفنا به، وما قدره الله لنا أو علينا مجهول لا علم لنا به ولسنا
مسؤولين عنه، فلا يحتج صاحب الضلالة والكفر والفسق بقدر الله وكتابته
وإرادته قبل وقوع ذلك منه قال الله تعالى: {وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى
اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105].

أما
بعد وقوع المقدور فيكون الاحتجاج بالقدر مأذوناً به، لما يجد المؤمن من
راحة عند خضوعه لقضاء الله تعالى، وقضاء الله تعالى للمؤمن يجري بالخير في
صورتي السراء والضراء.

قال ابن حجر الهيتمي: إن خاتمة السوء تكون -
والعياذ بالله - بسبب دسيسة باطنية للعبد، ولا يطلع عليها الناس، وكذلك قد
يعمل الرجل عمل أهل النار وفي باطنه خصلة خير خفية تغلب عليه آخر عمره
فتوجب له حسن الخاتمة. انتهى.

وهذا يوضح رواية ثانية للحديث: "إن
أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس … وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل
النار فيما يبدو للناس … " (متفق عليه).


الحديث الخامس:

إبطالُ المنْكرات وَ البِدَع

مفردات الحديث

المعنى العام 1-الإسلام اتّباع لا ابتداع 2-الأعمال المردودة 3-الأعمال المقبولة

ما يستفاد من الحديث



عن
أُمِّ المُؤمِنينَ أُمِّ عَبْدِ الله عائِشَةَ رَضي اللهُ عنها قالَتْ:
قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنا هذا ما
لَيْسَ منهُ فَهُوَ رَدٌّ ". رَواهُ البُخارِيُّ ومُسْلمٌ. وفي رِوايَةٍ
لمُسْلمٍ " : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عليه أَمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ ".



مفردات الحديث:

" من أحدث ": أنشأ واخترع من قِبَل نفسه وهواه.

" في أمرنا ": في ديننا وشرعنا الذي ارتضاه الله لنا.

" فهو رد": مردود على فاعله لبطلانه وعدم الإعتداد به.

المعنى العام:

الإسلام
اتباع لا ابتداع: والرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه حفظ الإسلام من
غلو المتطرفين وتحريف المبطلين بهذا الحديث الذي يعتبر من جوامع الكلم، وهو
مستمد من آيات كثيرة في كتاب الله عز وجل، نَصَّت على أن الفلاح والنجاة
في اتباع هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون تزيُّدٍ أو تَنَطُّعٍ،
كقوله تعالى: {قلْ إنْ كُنْتم تحِبُّونَ اللهَ فاتّبعُوني يُحببْكُم الله}
[آل عمران:31].

وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته:

"خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة".

الأعمال
المردودة: والحديث نص صريح في رد كل عمل ليس عليه أمر الشارع؛ ومنطوقه يدل
على تقييد الأعمال بأحكام الشريعة، واحتكامها كأفعال للمكلفين بما ورد في
كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أوامر ونواهٍ، والضلال كل
الضلال أن تخرج الأعمال عن نطاق أحكام الشريعة فلا تتقيد بها، وأن تصبح
الأعمال حاكمة على الشريعة لا محكومة لها، ومن واجب كل مسلم حينئذ أن يحكم
عليها بأنها أعمال باطلة ومردودة، وهي قسمان: عبادات ومعاملات.



أ-
أما العبادات: فما كان منها خارجاً عن حكم الله ورسوله بالكلية فهو مردود
على صاحبه ومثال ذلك أن يتقرب إلى الله تعالى بسماع الأغاني، أو بالرقص، أو
بالنظر إلى وجوه النساء.

ب- وأما المعاملات: كالعقود والفسوخ، فما
كان منافياً للشرع بالكلية فهو باطل ومردود، دليل ذلك ما حدث في عهد النبي
صلى الله عليه وسلم، فقد جاءه سائل يريد أن يغير حد الزنى المعهود إلى فداء
من المال والمتاع، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحال وأبطل ما
جاء به، روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه سائل
فقال: " إن ابني كان عسيفاً (أجيراً) على فلان فزنى بامرأته، فافتديت منه
بمائة شاة وخادم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: المئة الشاة والخادم
ردٌّ عليك، وعلى ابنك جلد مئة وتغريب عام".

الأعمال المقبولة: وهناك
أعمال وأمور مستحدثة، لا تنافي أحكام الشريعة، بل يوجد في أدلة الشرع
وقواعده ما يؤيدها، فهذه لا ترد على فاعلها بل هي مقبولة ومحمودة، وقد فعل
الصحابة رضوان الله عليهم كثيراً من ذلك واستجازوه، وأجمعوا على قبوله،
وأوضح مثال على ذلك جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في مصحف
واحد، وكتابة نسخ منه وإرسالها إلى الأمصار مع القراء في عهد عثمان بن
عفان رضي الله عنه..

إن بعض الأعمال المستحدثة المخالفة لشرع الله
هي بدع سيئة وضالة، وبعض الأعمال المستحدثة لا تخالف الشرع، بل هي موافقة
له مقبولة فيه، فهذه أعمال مقبولة ومحمودة، ومنها ما هو مندوب، ومنها ما هو
فرض كفاية، ومن هنا قال الشافعي رحمه الله تعالى: " ما أُحدِثَ وخالف
كتاباً أو سنة أو إجماعاً أو أثراً فهو البدعة الضالة، وما أُحْدِثَ من
الخير ولم يخالف شيئاَ من ذلك فهو البدعة المحمودة ".

يفيد الحديث: أن من ابتدع في الدين بدعة لا توافق الشرع فإثمها عليه، وعمله مردود عليه، وأنه يستحق الوعيد.

وفيه أن النهي يقتضي الفساد. وأن الدين الإسلامي كامل لا نقص فيه.



الحديث السادس:

الحَلالُ والحَرَام

مفردات الحديث

المعنى العام 1-الحلال بيِّن والحرام بيِّن 2-لكل ملك حمى 3-صلاح القلب

ما يفيد الحديث

عَنْ
أبي عَبْدِ اللهِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ :
سمعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إن الْحَلالَ بَيِّنٌ
وَإنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُما أمور مُشْتَبِهَاتٌ لا
يَعْلَمُهُنَّ كَثيِرٌ مِنَ الناسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ
اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ في الشَّبُهاتِ وَقَعَ في
الْحَرَامِ، كالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِك أَنْ يَرْتَعَ
فِيهِ، أَلا وَإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمىً أَلا وَإنَّ حِمَى الله
مَحَارِمُه، أَلا وَإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحً
الْجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ
الْقَلْب" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.



مفردات الحديث:

" بَيِّن ": ظاهر .

" مُشْتَبِهَات ": جمع مشتبه، وهو المشكل؛ لما فيه من عدم الوضوح في الحل والحرمة.

" لا يَعْلَمُهُنَّ ": لا يعلم حكمها.

" اتَّقَى الشُّبُهَاتِ ":ابتعد عنها، وجعل بينه وبين كل شبهة أو مشكلة وقاية.

"
اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ": طلب البراءة أو حصل عليها لعرضه من
الطعن ولدينه من النقص، وأشار بذلك إلى ما يتعلق بالناس وما يتعلق بالله عز
وجل.

" الْحِمَى": المحمي، وهو المحظور على غير مالكه.

" أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ": أن تأكل منه ماشيته وتقيم فيه.

" مضغة ": قطعة من اللحم قدر ما يُمضغ في الفم.

المعنى العام :

الحلال
بَيِّن والحرام بَيِّن، وبينهما أمور مشتبهات: معناه أن الأشياء ثلاثة
أقسام : حلال واضح، لا يخفى حله، كأكل الخبز، والكلام، والمشي، وغير ذلك..
وحرام واضح؛ كالخمر والزنا، ونحوهما.. وأما المشتبهات: فمعناه أنها ليست
بواضحة الحل والحرمة، ولهذا لا يعرفها كثير من الناس، وأما العلماء فيعرفون
حكمها بنص أو قياس، فإذا تردد الشيء بين الحل والحرمة ولم يكن نص ولا
إجماع اجتهد فيه المجتهد، فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي.

ومن الورع ترك الشبهات مثل عدم معاملة إنسان في ماله شبهة أو خالط ماله الربا، أو الإكثار من مباحات تركها أولى .

أما
ما يصل إلى درجة الوسوسة من تحريم الأمر البعيد فليس من المشتبهات المطلوب
تركها، ومثال ذلك: ترك النكاح من نساء في بلد كبير خوفاً من أن يكون له
فيها محرم، وترك استعمال ماء في فلاة، لجواز تنجسه.. فهذا ليس بورع، بل
وسوسة شيطانية.

وقال الحسن البصري: ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام.

وروى عن ابن عمر أنه قال: إني لأحب أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال لا أخرقها.

لكل
ملك حمى، وإن حمى الله في أرضه محارمه : الغرض من ذكر هذا المثل هو
التنبيه بالشاهد على الغائب وبالمحسوس على المجرد، فإن ملوك العرب كانت
تحمي مراعي لمواشيها وتتوعد من يقربها، والخائف من عقوبة الملك يبتعد
بماشيته خوف الوقوع، وغير الخائف يتقرب منها ويرعى في جوارها وجوانبها، فلا
يلبث أن يقع فيها من غير اختياره، فيعاقب على ذلك.

ولله سبحانه في
أرضه حمى، وهي المعاصي والمحرمات، فمن ارتكب منها شيئاً استحق عقاب الله في
الدنيا والآخرة، ومن اقترب منها بالدخول في الشبهات يوشك أن يقع في
المحرمات.

صلاح القلب: يتوقف صلاح الجسد على صلاح القلب؛ لأنه أهم
عضو في جسم الإنسان، وهذا لا خلاف فيه من الناحية التشريحية والطبية، ومن
المُسَلَّم به أن القلب هو مصدر الحياة المشاهدة للإنسان، وطالما هو سليم
يضخ الدم بانتظام إلى جميع أعضاء الجسم، فالإنسان بخير وعافية.

والمراد من الحديث صلاح القلب المعنوي، والمقصود منه صلاح النفس من داخلها حيث لا يطلع عليها أحد إلا الله تعالى، وهي السريرة.

صلاح القلب في ستة أشياء قراءة القرآن بالتدبر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السَّحَر، ومجالسة الصالحين. وأكل الحلال .

والقلب
السليم هو عنوان الفوز عند الله عز وجل، قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ
مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:
88-89].

ويلزم من صلاح حركات القلب صلاح الجوارح، فإذا كان القلب
صالحاً ليس فيه إلا إرادة ما يريده الله، لم تنبعث الجوارح إلا فيما يريده
الله، فسارعت إلى ما فيه رضاه وكفت عما يكره، وعما يخشى أن يكون مما يكرهه
وإن لم يتيقن ذلك.

يفيد الحديث : الحث على فعل الحلال، واجتناب
الحرام، وترك الشبهات، والاحتياط للدين والعرض، وعدم تعاطي الأمور الموجبة
لسوء الظن والوقوع في المحظور.

الدعوة إلى إصلاح القوة العاقلة، وإصلاح النفس من داخلها وهو إصلاح القلب.

سد الذرائع إلى المحرمات، وتحريم الوسائل إليها.
يـــتـــبـــع إن شاء الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.halimb.yoo7.com
عبدالله ناجح
عضو متّألق
عضو متّألق
عبدالله ناجح


الإسم الحقيقي : ABDALLAH NAJIH
البلد : ROYAUME DU MAROC

عدد المساهمات : 12530
التنقيط : 79238
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 16/09/2010
الجنس : ذكر

 الأربعين النووية 1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأربعين النووية 1    الأربعين النووية 1 I_icon_minitimeالجمعة 22 أبريل 2011, 06:00

الحديث السابع:

الدِّينُ النَّصِيحَةُ

أهمية الحديث

مفردات الحديث

المعنى
العام 1-النصيحة لله 2-النصيحة لكتاب الله 3-النصيحة لرسول الله صلى الله
عليه وسلم 4-النصيحة لأئمة المسلمين 5-النصيحة لعامة المسلمين 6-من أدب
النصيحة

ما يستفاد من الحديث


عن
أبي رُقَيَّةَ تَمِيمِ بنِ أوْسٍ الدَّارِيِّ رضي اللهُ عنه: أَنَّ
النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ:"الدِّينُ النَّصِيحَةُ". قُلْنَا: لِمَنْ
؟ قالَ: "للهِ، ولِكِتَابِهِ، ولِرَسُولِهِ، ولِلأَئِمةِ المُسْلِمِينَ،
وعامَّتِهِمْ" رواه مسلم.

أهمية الحديث:

هذا الحديث من جوامع
الكَلِم التي اختص الله بها رسولنا صلى الله عليه وسلم، فهو عبارة عن
كلمات موجزة اشتملت على معانٍ كثيرة وفوائد جليلة، حتى إننا نجد سائر السنن
وأحكام الشريعة أصولاً وفروعاً داخلةً تحته، ولذا قال العلماء: هذا الحديث
عليه مدار الإسلام.

مفردات الحديثَ:

المراد بالدين هنا: الإسلام والإيمان والإحسان .

"النصيحة":كلمة يعبَّر بها عن إرادة الخير للمنصوح له.

"أئمة المسلمين": حُكَّامهم.

"عامتهم": سائر المسلمين غير الحكام.

المعنى العام:

1-
النصيحة لله: وتكون بالإيمان بالله تعالى، ونفي الشريك عنه، وترك الإلحاد
في صفاته، ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها، وتنزيهه سبحانه وتعالى عن جميع
النقائص، والإخلاص في عبادته، والقيام بطاعته وتَجَنُّب معصيته، والحب
والبغض فيه، وموالاة من أطاعه، ومعاداة من عصاه. والتزام المسلم لهذا في
أقواله وأفعاله يعود بالنفع عليه في الدنيا والآخرة، لأنه سبحانه وتعالى
غني عن نصح الناصحين.

2- النصيحة لكتاب الله: وتكون بالإيمان بالكتب
السماوية المنزَّلة كلها من عند الله تعالى، والإيمان بأن هذا القرآن خاتم
لها وشاهد عليها.

وتكون نصيحة المسلم لكتاب ربه عز وجل:

أ-
بقراءته وحفظه، لأن في قراءته طهارةً للنفس وزيادة للتقوى. روى مسلم عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة
شفيعاً لأصحابه". وأما حفظ كتاب الله تعالى في الصدور، ففيه إعمار القلوب
بنور خاص من عند الله.

روى أبو داود والترمذي عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارْتَقِ، ورتِّل كما كنت ترتل في
الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها".

ب- بترتيله وتحسين الصوت بقراءته.

ج- بتدبر معانيه، وتفهُّم آياته.

د- بتعليمه للأجيال المسلمة، روى البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "خيرُكم من تعلم القرآن وعلّمه".

هـ- بالتفقه والعمل، فلا خير في قراءة لا فقه فيها، ولا خير في فقه لا عمل به.

3-
النصيحة لرسول الله: وتكون بتصديق رسالته والإيمان بجميع ما جاء من قرآن
وسنة، كما تكون بمحبته وطاعته {قلْ إنْ كُنتم تُحِبُّونَ الله فاتَّبعُوني
يُحببْكُم اللهُ} [آل عمران: 31] {مَنْ يُطعِ الرسولَ فقد أطاعَ اللهَ}
[النساء:80]. والنصح لرسول الله بعد موته، يقتضي من المسلمين أن يقرؤوا
سيرته في بيوتهم، وأن يتخلقوا بأخلاقه صلى الله عليه وسلم ويتأدبوا بآدابه،
ويلتزموا سنته بالقول والعمل، وأن ينفوا عنها تُهَمَ الأعداء والمغرضين.

4- النصيحة لأئمة المسلمين: وأئمة المسلمين إما أن يكونوا الحكام أو من ينوب عنهم، وإما أن يكونوا العلماء والمصلحين.

فأما
حكام المسلمين فيجب أن يكونوا من المسلمين، حتى تجب طاعتهم، قال تعالى:
{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}
[النساء: 59]، ونصيحتنا لهم أن نحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم، لا أن نحبهم
لأشخاصهم، ونصيحتنا لهم أن نعينهم على الحق ونطيعهم فيه ونُذَكِّرهم به،
وننبههم برفقٍ وحكمةٍ ولُطف، فإنه لا خير في أمة لا تنصح لحاكمها، ولا تقول
للظالم: أنت ظالم، ولا خير في حاكم يستذل شعبه ويكمُّ أفواه الناصحين،
ويصمُّ أذنيه عن سماع كلمة الحق.

وأما العلماء المصلحون، فإن
مسؤوليتهم في النصح لكتاب الله وسنة رسوله كبيرة، وتقتضي رد الأهواء
المضلة، ومسؤوليتهم في نصح الحكام ودعوتهم إلى الحكم بكتاب الله وسنة رسوله
أكبر وأعظم، وسيحاسبهم الله إن هم أغرَوا الحاكم بالتمادي في ظلمه وغيه
بمديحهم الكاذب، وجعلوا من أنفسهم أبواقاً للحكام ومطية لهم، ونصحنا لهم أن
نذكرهم بهذه المسؤولية الملقاة على عاتقهم.

5- النصيحة لعامة
المسلمين: وذلك بإرشادهم لمصالحهم في أمر آخرتهم ودنياهم، ومما يؤسف له أن
المسلمين قد تهاونوا في القيام بحق نصح بعضهم بعضاً وخاصة فيما يقدمونه
لآخرتهم، وقَصَرُوا جل اهتماماتهم على مصالح الدنيا وزخارفها .. ويجب أن لا
تقتصر النصيحة على القول، بل يجب أن تتعدى ذلك إلى العمل.

6- أعظم
أنواع النصيحة: ومن أعظم أنواع النصح بين المسلمين : أن ينصح لمن استشاره
في أمره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح
له"، ومن أعظم أنواعه أن ينصح أخاه في غيبته، وذلك بنصرته والدفاع عنه، لأن
النصح في الغيب يدل على صدق الناصح، قال صلى الله عليه وسلم: "إن من حق
المسلم على المسلم أن ينصح له إذا غاب".

وقال الفُضَيْل بن عِيَاض:
ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام، وإنما أدرك عندنا بسخاء
الأنفس وسلامة الصدور والنُّصْح للأمة.

أدب النصيحة: وإن من أدب
النصح في الإسلام أن ينصح المسلم أخاه المسلم ويعظه سراً، وقال الفضيل بن
عياض: المؤمن يستر وينصح، والفاجر يَهْتِك ويُعَيِّر.

يستفاد من الحديث:

- أن النصيحة دِينٌ وإسلام، وأن الدِّين يقع على العمل كما يقع على القول.

- النصيحة فرض كفاية، يجزى فيه مَن قام به ويسقط عن الباقين.

-
النصيحة لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يُقْبَلُ نُصْحُه،
ويُطاع أمره، وأَمِنَ على نفسه المكروه، فإن خشي على نفسه أذىً فهو في
سَعَة.



الحديث الثامن:

حُرْمةُ المُسلِم

أهمية الحديث

مفردات الحديث

المعنى العام

الإيمان المطلوب

ما يستفاد من الحديث




عن
ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنَّ رسُوَل الله صلى الله عليه وسلم قال:
"أُمِرْت أَنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ
وأنَّ محمداً رسوُل اللهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاَةَ، ويُؤتُوا الزَّكاةَ،
فإذا فَعَلوا ذَلِكَ عَصَموا منِّي دِماءَهُمْ وأمْوَالَهُمْ إلا بِحَقِّ
الإِسْلامِ، وحِسابُهُم على اللهِ تعالى". رواه البخاري ومسلم.

أهمية الحديث:

هذا
الحديث عظيم جداً لاشتماله على المهمات من قواعد دين الإِسلام وهي:
الشهادة مع التصديق الجازم بأنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله،
وإقامة الصلاة على الوجه المأمور به، ودفع الزكاة إلى مستحقيها.

مفردات الحديث:

"أُمرت": أمرني الله تعالى.

"الناس": هم عبدة الأوثان والمشركون.

"يقيموا الصلاة": يأتوا بها على الوجه المأمور به، أو يداوموا عليها.

"يؤتوا الزكاة": يدفعوها إلى مستحقيها.

"عصموا": حَفِظُوا ومنعوا.

"وحسابهم على الله": حساب بواطنهم وصدق قلوبهم على الله تعالى، لأنه سبحانه هو المطلع على ما فيها.

المعنى العام:

هل الاقتصار على النطق بالشهادتين كافٍ لعصمة النفس والمال؟

من
الثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَقبل مِن كل مَن جاءه يُريد
الإِسلام الشهادتين فقط، وَيْعصِم دمه بذلك ويجعله مسلماً.

ففي
البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله
إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقها، وحسابه على الله عز وجل"، وفي
رواية لمسلم: "حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئتُ به".

فإن مجرد النطق بالشهادتينَ يْعصِم الإنسان ويصبح مسلماً، فإن أقام الصلاة وآتى الزكاة بعد إسلامه، فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم.

وحكم من ترك جميعَ أركان الإسلام إذا كانوا جماعة ولهم قوة، أن يُقَاتَلوا عليها، كما يُقَاتَلون على ترك الصلاة والزكاة.

الإيمان
المطلوب: وفي الحديث دلالة ظاهرة، أن الإيمان المطلوب هو التصديق الجازم،
والاعتقاد بأركان الإسلام من غير تردد، وأما معرفة أدلة المتكلمين والتوصل
إلى الإيمان بالله بها، فهي غير واجبة، وليست شرطاً في صحة الإيمان، وهذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه هذا، وفي غيره من الأحاديث،يكتفي
بالتصديق بما جاء به، ولم يشترط معرفة الدليل.

"إلا بحقها": من هذا
الحق إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، ومن العلماء من استنبط منه فعل الصيام،
ومن حقها أن يُقْتَل المسلم إذا ارتكب محرَّماً يُوجب القتل، عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: " لا يَحِلُّ دمُ امرئٍ مسلم يشهد أن لا إله إلا
الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث : الثَّيِّبُ الزاني، والنفس بالنفس،
والتارك لِدِينِهِ المفارق للجماعة".

"وحسابهم على الله" : فالله
سبحانه وتعالى يعلم السرائر ويحاسب عليها، فإن كان مؤمناً صادقاً أدخله
الجنة، وإن كان كاذباً مرائياً بإسلامه فإنه منافق في الدَّرْكِ الأسفل من
النار. أما في الدنيا فإن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم التذكير، وفي
البخاري ومسلم قال صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد: "إني لم أؤمر أن
أُنَقِّب عن قلوب الناس، ولا أَشُقّ بطونهم".

- ويرشدنا الحديث إلى وجوب قتال عبدة الأوثان حتى يُسْلِموا.

- دماء المسلمين وأموالهم مصونة إلا عند مخالفة الشرع.



الحديث التاسع:

الأَخذُ باليَسير وَتَركُ التَعْسِير

الطاعة وعدم التعنت سبيل النجاة

أهمية الحديث

سبب الورود

مفردات الحديث

المعنى
العام 1-الضرورات تبيح المحظورات 2-المشقة تجلب التيسير 3-التشديد في
اجتناب المنهيات 4-من أسباب هلاك الأمم 5-السؤال وحكمه 6-التحذير من
الاختلاف والحثّ على الوحدة والاتفاق



عن أبي هُرَيْرةَ
عَبْدِ الرَّحمنِ بنِ صَخْرٍ رضي الله عنه قال : سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى
الله عليه وسلم يَقُولُ: "ما نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجتَنبوهُ، وَمَا
أَمَرْتُكُمْ بِهِ فأتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فإنَّما أَهْلَكَ
الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ واخْتلاُفُهُمْ على
أَنْبِيَائِهِمْ" رَواهُ البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ.

أهمية الحديث

إن هذا الحديث ذو أهمية بالغة وفوائد جلى، تجعله جديراً بالحفظ والبحث:

وهو
من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكَلِم التي أعطيها صلى الله عليه
وسلم، ويدخل فيه ما لا يحصى من الأحكام. وهو حديث عظيم من قواعد الدين
وأركان الإسلام، فينبغي حفظه والاعتناء به.

سبب الورود:

سبب
ورود هذا الحديث ما رواه مسلم في صحيحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "أيها الناس، قد فرض الله عليكم
الحج فحجّوا". فقال رجل : أَكُلَّ عام يا رسول الله ؟. فسكت، حتى قالها
ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لو قلتُ نعم لوجبت، ولما
استطعتم". ثم قال: "ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم
واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا
نهيتكم عن شيء فدعوه".

وورد أن السائل هو الأقرع بن حابس رضي الله عنه.

مفردات الحديث:

"نهيتكم عنه": طلبت منكم الكَفَّ عن فعله، والنهي: المَنْع.

"فاجتنبوه": أي اتركوه.

"فأتوا": فافعلوا.

"ما استطعتم": ما قدرتم عليه وتيسر لكم فعله دون كبير مشقة.

"أهلك": صار سبب الهلاك.

"كثرة مسائلهم": أسئلتهم الكثيرة، لا سيما فيما لا حاجة إليه ولا ضرورة.

المعنى العام:

"ما
نهيتكم عنه فاجتنبوه": لقد ورد النهي في كتاب الله تعالى وسنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم لمعان عدة، والمراد به هنا التحريم والكراهة:

· نهي التحريم:

من أمثلة ذلك: النهي عن الزنا وشرب الخمر وأكل الربا والسرقة وقتل النفس بغير حق.

فمثل
هذه المنهيات يجب اجتنابها دفعة واحدة، ولا يجوز للمُكَلَّف فعل شيء منها،
إلا إذا ألجأته إلى ذلك ضرورة، بقيود وشروط بيّنها شرع الله تعالى المحكم.

- نهي الكراهة:

ومن أمثلة ذلك: النهي عن أكل البصل أو الثوم النِّيْئ، لمن أراد حضور صلاة الجمعة أو الجماعة.

فمثل هذه المنهيات يجوز فعلها، سواء دعت إلى ذلك ضرورة أم لا، وإن كان الأليق بحال المسلم التقي اجتنابها، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

الضرورات تبيح المحظورات:

قد
يقع المسلم في ظروف تضطره إلى فعل المحرم، وتلجئه إلى إتيان المحظور، وإن
هو امتنع عن ذلك ألقى بنفسه إلى التهلكة. وهنا نجد شرع الله تعالى الحكيم،
يخفف عن العباد، ويبيح لهم في هذه الحالة فعل ما كان محظوراً في الأحوال
العادية، ويرفع عنهم المؤاخذه والإثم. قال الله تعالى: {فَمَنْ اضْطُرَّ
غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ} [البقرة: 173].

ومن أمثلة ذلك: إباحة أكل الميتة لمن فقد
الطعام ولم يقدر على غيرها، ولكن مما ينبغي التنبيه إليه، هو ما يقع فيه
الكثير من الناس، عندما يأخذون هذه القاعدة على إطلاقها، دون تحديد لمعنى
الضرورة، وحتى لا يقع المكلفون في هذا الخطأ، نجد الفقهاء حدَّدوا معنى
الضرورة: بما يجعل الإنسان في خطر يهدده بالموت، أو بإتلاف عضو من أعضائه،
أو زيادة مرض، ونحو ذلك مما يتعذر معه قيام مصالح الحياة، أو يجعلها في
مشقة وعسر لا يُحتمل. وفي الوقت نفسه حدّدوا مدى الإباحة بما يندفع به
الخطر، ويزول به الاضطرار، فوضعوا هذه القاعدة: (الضرورة تُقَدَّرُ
بَقْدرِها). أخذاً من قوله تعالى: {غير باغ ولا عاد} أي غير قاصد للمخالفة
والمعصية، وغير متعد حدود ما يدفع عنه الاضطرار.

فمن اضطر لأكل
الميتة ليس له أن يمتلئ منها أو يدخر، ومن اضطر أن يسرق لِيُطْعِم عياله
ليس له أن يأخذ ما يزيد عن حاجة يوم وليلة، وليس من الاضطرار في شيء التوسع
في الدنيا، وتحصيل الكماليات، فمن كان ذا رأسمال قليل ليس مضطراً للتعامل
بالربا ليوسع تجارته.

ومن كان له علاقات مع الناس، ليس مضطراً لأن
يجلس معهم على موائد الخمر ويسكت عن منكرهم. ومن كانت ذات زوج متهاون، ليست
مضطرة لأن تخلع لباس الحشمة وجلباب الحياء، فتترك الآداب الشرعية ولباس
المؤمنات، لتحصل على إعجابه ورضاه.

المشقة تجلب التيسير: من المعلوم
أن شرع الله عز وجل يهدف إلى تحقيق السعادة المطلقة للإنسان، في كلٍّ مِن
دنياه وآخرته، ولذلك جاء بالتيسير على العباد ورفع الحرج عنهم، قال الله
تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ}
[البقرة: 185]. وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}
[الحج: 78]. وقال صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدِّينَ يُسْرٌ .. يَسِّروا
ولا تعسروا" أخرجه البخاري.

حدود المشقة التي تستدعي التيسير:

فهناك
نوع من المشقة ملازم للتكاليف الشرعية، لا تنفك عنه في حال من أحوالها،
لأنه من طبيعة التكليف، فمثل هذا النوع من المشقة لا أثر له في إسقاط
الواجبات أو تخفيفها.

فليس لأحد أن يُفْطر في رمضان لشعوره بشدة
الجوع، كما أنه ليس لأحد قَدَرَ على نفقات الحج، وهو صحيح البدن، أن لا
يحج، لما في الحج من مشقة السفر والبعد عن الأهل والوطن!!

وهناك نوع
من مشقة ليس من طبيعة التكليف، ويمكن أن تنفك عنه الواجبات في كثير من
أحوالها، بل هو من الأمور الطارئة والعارضة، والزائدة عن القدر الذي تقتضيه
التكاليف في الظروف العادية، وهذا النوع من المشقة على مرتين:

المرتبة
الأولى: توقع المكلف في عسر وضيق خفيفين، كالسفر القصير والمرض الخفيف
وفوات المنافع المادية، فمثل هذه المشقة لا أثر لها أيضاً في التزام
الواجبات.

المرتبة الثانية: مشقة زائدة، تهدد المكلف بخطر في نفسه
أو ماله أو عرضه، كمن قدر على الحج مثلاً، وعلم أن في الطريق قطاع طرق، أو
خاف من إنسان يترقب غيابه ليسرق ماله أو يعتدي على أهله، ونحو ذلك، مما
يعتبر حرجاً وضيقاً، في عرف ذوي العقل والدين. فمثل هذه المشقة هي المعتبرة
شرعاً، وهي التي تؤثر في التكاليف، وتوجب الإسقاط أحياناً أو التخفيف.

التشديد في اجتناب المنهيات واستئصال جذور الفساد:

يسعى
شرع الله عز وجل دائماً للحيلولة دون وقوع الشر، أو بزوغ بذور الفساد،
ولذا نجد الاهتمامبأمر المنهيات ربما كان أبلغ من الاهتمام بالمأمورات، ولا
يعني ذلك التساهل بالمأمورات، وإنما التشديد في اجتناب المنهيات عامة،
والمحرمات على وجه الخصوص، لأن نهي الشارع الحكيم لم يَرِد إلا لما في
المنهي عنه من فساد أكيد وضرر محتم، ولذا لم يُعْذَر أحد بارتكاب شيء من
المحرمات، إلا حال الضرورة الملجِئة والحاجة المُلِحَّة،على ما قد علمت.

ومن
هنا يتبين خطأ مسلك الكثير من المسلمين، لا سيما في هذه الأزمنة، التي شاع
فيها التناقض في حياة الناس، عندما تجدهم يحرصون على فعل الطاعة والواجب،
وربما تشددوا في التزام المندوب والمستحب، بينما تجدهم يتساهلون في
المنهيات، وربما قارفوا الكثير من المحرمات، فنجد الصائم يتعامل بالربا،
والحاجّة المزكية تخرج سافرة متبرجة، متعذرين بمسايرة الزمن وموافقة الركب.
وهذا خلاف ما تقرر في شرع الله الحكيم، من أن أصل العبادة اجتناب ما حرم
الله عز وجل، وطريق النجاة مجاهدة النفس والهوى، وحملها على ترك المنهيات،
وأن ثواب ذلك يفوق الكثير من ثواب فعل الواجبات. فهذا رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: "اتق المحارِمَ تَكُنْ أَعَبَدَ الناس". رواه الترمذي.
وهذه عائشة رضي الله عنها تقول: من سَّره أن يَسبِقَ الدائب المجتهد
فليَكُفّ عن الذنوب. وهذا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يُسأل عن قوم يشتهون
المعصية ولا يعملون بها، فيقول: أولئك قوم امتحن الله قلوبهم للتقوى، لهم
مغفرة وأجر عظيم.

وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: ليست
التقوى قيام الليل وصيام النهار والتخليط فيما بين ذلك، ولكن التقوى أداء
ما افترض الله وترك ما حرم الله، فإن كان مع ذلك عمل فهو خير إلى خير.

من أسباب هلاك الأمم:

لقد
بين الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه، أن من أسباب هلاك الأمم وشق
عصاها وتلاشي قوتها واستحقاقها عذاب الاستئصال - أحياناً - أمرين اثنين
هما:

كثرة السؤال والتكلف فيه، والاختلاف في الأمور وعدم التزام شرع الله عز وجل.

لقد
نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه عامة أن يكثروا عليه من الأسئلة،
خشية أن يكون ذلك سبباً في إثقالهم بالتكاليف، وسداً لباب التنَطُّع
والتكلف والاشتغال بما لا يعني، والسؤال عما لا نفع فيه إن لم تكن مضرة،
روى البخاري عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم ينهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال.

السؤال وحكمه:

إن السؤال على أنواع: مطلوب ومنهيٌّ عنه:

أ- أما المطلوب شرعاً، فهو على درجات:

فرض
عين على كل مسلم : بمعنى أنه لا يجوز لمسلم تركه والسكوت عنه، وهو السؤال
عما يجهله من أمور الدين وأحكام الشرع، مما يجب عليه فعله ويطالَب بأدائه،
كأحكام الطهارة والصلاة إذا بلغ، وأحكام الصوم إذا أدرك رمضان وكان صحيحاً
مقيماً، وأحكام الزكاة والحج إذا ملك المال أو كان لديه استطاعة، وأحكام
البيع والشراء والمعاملات إذا كان يعمل بالتجارة، وأحكام الزواج وما يتعلق
به لمن أراد الزواج، ونحو ذلك مما يسأل عنه المكلف، وفي هذا يقول الله
تعالى:

{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا
تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]. وعليه حمل ما رواه البيهقي في "شعب الإيمان"، من
قوله صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم".

فرض
كفاية : بمعنى أنه لا يجب على كل مسلم، بل يكفي أن يقوم به بعضهم، وهو
السؤال للتوسع في الفقه بالدين، ومعرفة أحكام الشرع وما يتعلق بها، لا
للعمل وحده، بل ليكون هناك حَفَظَة لدين الله عز وجل، يقومون بالفتوى
والقضاء، ويحملون لواء الدعوة إلى الله تعالى.

وفي هذا يقول الله
تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ
مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ
وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122].

مندوب: معنى أنه يستحب للمسلم أن يسأل عنه، وذلك مثل السؤال عن أعمال البِرِّ والقربات الزائدة عن الفرائض.

ب- سؤال منهي عنه، وهو على درجات أيضاً:

حرام: أي يأثم المكلف به، ومن ذلك:

-
السؤال عما أخفاه الله تعالى عن عباده ولم يُطلعهم عليه، وأخبر أن علمه
خاص به سبحانه، كالسؤال عن وقت قيام الساعة، وعن حقيقة الروح وماهيتها، وعن
سر القضاء والقدر، ونحو ذلك.

- السؤال على وجه العبث والتعنت والاستهزاء.

- سؤال المعجزات، وطلب خوارق العادات عناداً وتعنتاً، أو إزعاجاً وإرباكاً، كما كان يفعل المشركون وأهل الكتاب.

-
السؤال عن الأغاليط: روى أحمد وأبو داود: عن معاوية رضي الله عنه: أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغلوطات، وهي المسائل التي يغالَط بها
العلماء ليزِلّوا فيها، فيهيج بذلك شر وفتنة، وإنما نهى عنها لأنها غير
نافعة في الدين.

- السؤال عما لا يحتاج إليه، وليس في الجواب عنه فائدة عملية، وربما كان في الجواب ما يسوء السائل.

-
السؤال عما سكت عنه الشرع من الحلال والحرام، ولم يبين فيه طلباً أو
نهياً، فإن السؤال عنه ربما كان سبباً للتكليف به مع التشديد فيه، فيترتب
على ذلك وقوع المسلمين في حرج ومشقة، كان السائل سبباً فيها، وهذا في زمن
نزول الوحي.

والذي يتعين على المسلم أن يهتم به ويعتني هو: أن يبحث
عما جاء عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم يجتهد في فهم ذلك
والوقوف على معانيه، فإن كان من الأمور العلمية صدق به واعتقده، وإن كان من
الأمور العملية بذل وسعه في الاجتهاد في فعل ما يستطيعه من الأوامر
واجتناب ما ينهى عنه، فمن فعل ذلك حصل السعادة في الدنيا والنجاة في
الآخرة.



التحذير من الاختلاف والحث على الوحدة والاتفاق:

لقد وصف الله تعالى الجماعة المسلمة والفئة المؤمنة بأنها أُمَّة واحدة، فقال سبحانه:

{إِنَّ
هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِي}
[الأنبياء: 92]. فينبغي على المسلمين أن يحرصوا على هذه الوحدة، حتى يكونوا
قوة متماسكة أمام قوى الشر والبغي والكفر المتكاثرة. ولقد حذرنا الله
تعالى ورسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم أشد التحذير من الاختلاف، وكذلك
يقرر القرآن أن هذا شأن الذين كفروا من أهل الكتاب، قال تعالى: {وَلا
تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا
جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:
105].

إن من أهم الأسباب التي تفرق الأمة وتشتت شملها أن يُفْتَحَ عليها باب الجدل في العلم والمِراء في الدين، فتختلف في الأساس.

والبلية
كل البلية أن يكون الحامل على الاختلاف في الدين المصالح والأهواء،
والعناد والبغي، ولذا نجد كتاب الله تعالى يخرج أمثال هؤلاء الناس الذين
يُثيرون الخلاف في الدين ويريدون أن يجعلوا المسلمين شِيَعاً وفرقاً
وأحزاباً، نجده يخرجهم من دائرة الإسلام، ويبرئ منهم نبيه المصطفى صلى الله
عليه وسلم فيقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا
لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ
يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159]. والخطر إنما
يكمن في هذا النوع من الاختلاف، الذي لا يحتكم إلى برهان ولا ينصاع إلى
حجة، وهذا الاختلاف هو الذي كان سبب هلاك الأمم، وإليه يشير رسول الله صلى
الله عليه وسلم بقوله : "إنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم
على أنبيائهم".

أما الخلاف الناشئ عن دليل، ويستند إلى أصل، فليس هو
المقصود في الباب، لأنه خلاف في الفروع وليس في الأصول، وخلاف ليس من شأنه
أن يحدث الفرقة والشتات في صفوف الأمة، بل هو عنوان مرونة التشريع وحرية
الرأي فيه ضمن قواعده وأسسه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.halimb.yoo7.com
عبدالله ناجح
عضو متّألق
عضو متّألق
عبدالله ناجح


الإسم الحقيقي : ABDALLAH NAJIH
البلد : ROYAUME DU MAROC

عدد المساهمات : 12530
التنقيط : 79238
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 16/09/2010
الجنس : ذكر

 الأربعين النووية 1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأربعين النووية 1    الأربعين النووية 1 I_icon_minitimeالجمعة 22 أبريل 2011, 06:00

الحديث العاشر:

الحَلال الطَّيِّبُ شَرطُ القَبول

أهمية الحديث

مفردات الحديث

المعنى
العام (1-الطيب المقبول 2-كيف يكون العمل مقبولاً 3-كيف يخرج المسلم من
الحرام 4-أسباب إجابة الدعاء 5-ما يمنع من إجابة الدعاء )

ما يستفاد من الحديث


عن أبي هُرَيْرَةَ رَضي اللهُ عنه قال: قاَل رسُولُ الله صلى الله عليه
وسلم : "إنَ الله طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلا طَيِّباً، وإنَّ الله أَمَرَ
المُؤمِنينَ بِمَا أَمَرَ به المُرْسَلينَ فقال تعالى: {يا أَيُّها
الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيَّباتِ واعمَلُوا صالحاً} [المؤمنون: 51] وقال
تعالى: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما
رَزَقْناكُمْ} [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُل يُطِيلُ السَّفَرَ
أشْعثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ يا رَبُّ يا رَبُّ،
ومَطْعَمُهُ حَرَامٌ، ومَشْربُهُ حَرَامٌ، وغُذِّيَ بالحَرَامِ، فأَنَّى
يُسْتَجَابُ لهُ". رَوَاهُ مُسْلمٌ.

أهمية الحديث:

هذا
الحديث من الأحاديث التي عليها قواعد الإسلام ومباني الأحكام، وعليه
العمدة في تناول الحلال وتجنب الحرام، وما أعمَّ نفعه وأعظمه في إيجاد
المجتمع المؤمن الذي يحبُّ فيه الفرد لأخيه ما يحب لنفسه، يكره لأخيه ما
يكره لنفسه، ويقف عند حدود الشرع مكتفياً بالحلال المبارك الطيب، فيحيا هو
وغيره في طمأنينة ورخاء.

مفردات الحديث:

"إن الله طيب": أي طاهر منزه عن النقائص.

"لا يقبل إلا طيباً": لا يقبل من الأعمال والأموال إلا ما كان خالصاً من المفسدة، أو حلالاً.

"أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين": سوَّى بينهم في الخطاب بوجوب أكل الحلال.

"أشعث": جَعْد شعر الرأس لعدم تمشيطه.

"أغبر": غَيَّر الغبار لون شعره لطول سفره في الطاعات كحج وجهاد.

"يمد يديه إلى السماء": يرفع يديه إلى السماء داعياً وسائلاً الله تعالى.

"فأنى يُستجاب له": كيف ومن أين يُستجاب لمن كانت هذه صفته.

المعنى العام:

1- الطيب المقبول: يشمل الأعمال والأموال والأقوال والاعتقادات:

فهو سبحانه وتعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيباً طاهراً من المفسدات كلها كالرياء والعجب.

ولا يقبل من الأموال إلا ما كان طيباً حلالاً.

ولا يصعد إليه من الكلام إلا ما كان طيباً، قال الله تعالى:
{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ
يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10].

والمؤمن كله طيب قلبه ولسانه وجسده
بما يسكن في قلبه من الإيمان، وظهر على لسانه من الذكر، وعلى جوارحه من
الأعمال الصالحة التي هي ثمرة الإيمان.

كيف يكون العمل مقبولاً
طيباً: إن من أعظم ما يجعل عمل المؤمن طيباً مقبولاً طِيْبُ مَطْعَمِه
وحِلّهِ، وفي الحديث دليل على أن العمل لا يُقبل إلا بأكل الحلال، وأن
الحرام يُفسد العمل ويمنع قَبوله.

وإن الله أمر المؤمنين بما
أمر به المرسلين، فقال الله تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا
صالحاً} وقال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم}
. ومعنى هذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال
وبالعمل الصالح.

"لا يقبل إلا طيباً" فالمقصود هنا نفي الكمال
المستوجب للأجر والثواب في هذه الأعمال، مع أنها مقبولة من حيث سقوط الفرض
بها من الذمة.

كيف يخرج المسلم من الحرام: يتخلص المسلم من المال الحرام بعد العجز عن معرفة صاحبه أو العثور عليه بالتصدق به، والأجر لمالكه.

أسباب إجابة الدعاء:

إطالة السفر: ومجرد السفر يقتضي إجابة الدعاء، فقد روى أبو داود وابن
ماجه والترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث
دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد
لولده". والانكسار من أعظم أسباب إجابة الدعاء.

مد اليدين إلى
السماء: وهو من آداب الدعاء، روى الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه
وسلم: "إن الله تعالى حَيِيٌّ كريم، يستحي إذا رفع الرجلُ إليه يديه أن
يَرُدَّهما صفراً خائبتين".

الإلحاح على الله عز وجل: وذلك بتكرير ذكر ربوبيته سبحانه وتعالى.

ما يمنع إجابة الدعاء: أشار صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى أن
التوسع في الحرام أكلاً وشرباً ولبساً وتغذية يمنع إجابة الدعاء.

ما يستفاد من الحديث: يرشد الحديث إلى الحث على الإنفاق من الحلال، والنهي عن الإنفاق من غيره.

أن من أراد الدعاء لزمه أن يعتني بالحلال في مأكله وملبسه حتى يُقبل دعاؤه.

يَقْبَل الله من المؤمنين الإنفاق من الطيب ويُنَمِّيه، ويُبَارِك لهم فيه.

الحديث الحادي عشر:

الأَخذ باليَقِينِ والبُعْدُ عَن الشُّبُهات

مفردات الحديث

المعنى العام:(1-تعارض الشك واليقين 2-الصدق طمأنينة والكذب ريبة )

ما يستفاد من الحديث


عَنْ أَبي مُحمَّدٍ الحسَنِ بْنِ عليّ بْنِ أبي طَالِب، سِبْطِ رَسُولِ
اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَيْحَانَتِهِ رضيَ اللهُ عنهُما، قالَ:
حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: "دَعْ ما يَرِيبُكَ إلى
مَا لاَ يَرِيُبكَ" روَاهُ التِّرْمِذيُّ وَالنَّسَائي، وقالَ التِّرْمِذي :
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.



مفردات الحديث:

"دع ما يَرِيبك ": دع ما تشك فيه من الشبهات.

"إلى ما لا يَرِيبك" إلى ما لا تشك فيه من الحلال البَيِّن.

المعنى العام:

إن ترك الشبهات في العبادة والمعاملات والمناكحات وسائر أبواب
الأحكام، والتزام الحلال في كل ذلك، يؤدي بالمسلم إلى الورع، وقد سبق في
الحديث السادس أن من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، وأن الحلال
المتيقَّن لا يحصل للمؤمن في قلبه منه شك أو ريب، أما الشبهات فيرضى بها
الإنسان ظاهراً، ولو كَشَفْنَا ما في قلبه لوجدنا القلق والاضطراب والشك،
ويكفيه هذا العذاب النفسي خسارة معنوية، والخسارة الكبرى والهلاك الأعظم أن
يعتاد الشبهات ثم يجترئ على الحرام، لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع
فيه.



تعارض الشك واليقين: إذا تعارض الشك مع اليقين، أخذنا باليقين وقدمناه وأعرضنا عن الشك.

أما من يخوض في المُحَرَّمات الظاهرة، ثم يريد أن يتورع عن شيء من
دقائق الشُّبَه، فإن ورعه هذا ثقيل ومظلم، ويجب علينا أن نُنْكِر عليه ذلك،
وأن نُطالبه بالكَفّ عن الحرام الظاهر أولاً، ولذلك قال ابن عمر رضي الله
عنهما لمن سأله عن دم البعوض من أهل العراق: يسألونني عن دم البعوض وقد
قتلوا الحسين، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "هما رَيحانتاي من
الدنيا"رواه البخاري [حديث رقم: 5994] .



وسأل رجل
بشير بن الحارث عن رجل له زوجة وأُمُّه تأمره بطلاقها، فقال: إن كان بَرَّ
أُمَّه في كل شيء ولم يَبْقَ من بِرّها إلا طلاق زوجته فليفعل، وإن كان
يبرها بطلاق زوجته ثم يقوم بعد ذلك إلى أُمِّه فيضربها فلا يفعل.

الصدق طمأنينة والكذب ريبة:

وعلامة الصدق أن يطمئن به القلب، وعلامة الكذب أن تحصل به الشكوك فلا يسكن القلب له بل ينفر منه.

ما يستفاد من الحديث

ويرشدنا الحديث إلى أن نبني أحكامنا وأمور حياتنا على اليقين.

وأن الحلال والحق والصدق طمأنينة ورضا، والحرام والباطل والكذب ريبة وقلق ونفور .



الحديث الثاني عشر:

الاشتغالُ بِمَا يُفيد

أهمية الحديث

مفردات الحديث

المعنى العام :ما يعني الإنسان وما لا يعنيه

ما يستفاد من الحديث


عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه
وسلم: "مِنْ حُسْنِ إسْلاَمِ الْمَرءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ".حديث
حسن ، رواه الترمذي وغيره .

أهميته:

قال ابن رحب الحنبلي: هذا الحديث أصل عظيم من أُصول الأدب.



مفردات الحديث:

"من حسن إسلام المرء": من كمال إسلامه وتمامه، وعلامات صدق إيمانه، والمرء يُراد به الإنسان، ذكراً كان أم أنثى.

"ما لا يعنيه": ما لا يهمه من أمر الدين والدنيا.

المعنى العام:

يحرص الإسلام على سلامة المجتمع، وأن يعيش الناس في وئام ووفاق، لا
منازعات بينهم ولا خصومات، كما يحرص على سلامة الفرد وأن يعيش في هذه
الدنيا سعيداً، يَألف ويُؤلف، يُكْرَم ولا يُؤذَى، ويخرج منها فائزاً
رابحاً، وأكثر ما يثير الشقاق بين الناس، ويفسد المجتمع، ويورد الناس
المهالك تَدَخُّل بعضهم في شؤون بعض، وخاصة فيما لا يعنيهم من تلك الشؤون،
ولذا كان من دلائل استقامة المسلم وصدق إيمانه تركه التدخل فيما لا يخصه من
شؤون غيره.

والمسلم مسؤول عن كل عمل يقوم به، فإذا اشتغل
الإنسان بكل ما حوله، وتدخل في شؤون لا تعنيه، شغله ذلك عن أداء واجباته،
والقيام بمسؤولياته، فكان مؤاخذاً في الدنيا ومعاقباً في الآخرة، وكان ذلك
دليل ضعف إدراكه، وعدم تمكن الخُلُق النبوي من نفسه. وروى ابن حبان في
صحيحه: أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر رضي الله عنه : "بحسب امرئ من
الشر ما يجهل من نفسه ويتكلف ما لا يعنيه".

وإذا أدرك المسلم
واجبه، وَعقَل مسؤوليته، فإنه يشتغل بنفسه، ويحرص على ما ينفعه في دنياه
وآخرته، فَيُعْرِض عن الفضول، ويبتعد عن سَفَاسِفِ الأمور، ويلتفت إلى ما
يعنيه من الأحوال والشؤون.

والمسلم الذي يعبد الله عز وجل
كأنه يراه، ويستحضر في نفسه أنه قريب من الله تعالى والله تعالى قريب منه،
يشغله ذلك عما لا يعنيه، ويكون عدم اشتغاله بما لا يعنيه دليل صدقه مع الله
تعالى وحضوره معه، ومن اشتغل بما لا يعنيه دل ذلك على عدم استحضاره القرب
من الله تعالى، وعدم صدقه معه، وحَبِط عمله، وكان من الهالكين.

رُوي عن الحسن البصري أنه قال: من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه.

ما يعني الإنسان من الأمور وما لا يعنيه: والذي يعني الإنسان من
الأمور هو: ما يتعلق بضرورة حياته في معاشه، من طعام وشراب وملبس ومسكن
ونحوها، وما يتعلق بسلامته في معاده وآخرته، وما عدا هذا من الأمور لا
يعنيه: فمما لا يعني الإنسان الأغراض الدنيوية الزائدة عن الضرورات
والحاجيات: كالتوسع في الدنيا، والتنوع في المطاعم والمشارب، وطلب المناصب
والرياسات، ولا سيما إذا كان فيها شيء من المماراة والمجاملة على حساب
دينه.

الفضول في الكلام مما لا يعني، وقد يجر المسلم إلى
الكلام المُحَرَّم، ولذلك كان من خُلُق المسلم عدم اللَّغَط والثرثرة
والخوض في كل قيل وقال. روى الترمذي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"كلام ابن آدم عليه لا له، إلا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وذكر
الله تعالى".

ما يستفاد من الحديث: أن من صفات المسلم الاشتغال بمعالي الأمور، والبعد عن السَفاسِفِ ومُحَقِّرَات الشؤون.

وفيه: تأديب للنفس وتهذيب لها عن الرذائل والنقائص، وترك ما لا جدوى منه ولا نفع فيه.

الحديث الثالث عشر:

أُخُوَّةُ الإِيمَانِ واْلإسْلاَمِ

مفردات الحديث

المعنى العام :(1-تماسك المجتمع المسلم والمحبة والود فيه 2-الإيمان الكامل)

ما يستفاد من الحديث


عن أبي حَمْزَةَ أَنسِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ عنه خادِم رسولِ الله صلى
الله عليه وسلم قال : "لا يُؤمِنُ أحَدُكُمْ حتى يُحِبَّ لأخِيهِ ما
يُحِبُّ لِنَفْسه". رَواهُ البُخاري ومُسلم.



مفردات الحديث:

"لا يؤمن": الإيمان الكامل.

"أحدكم": من يدعي الإيمان والإسلام منكم.

"لأخيه": المسلم والمسلمة، وقيل : لأخيه الإنسان.

"ما يحب لنفسه": مثل الذي يحبه لنفسه من الخير.

المعنى العام:

تماسك المجتمع المسلم والمحبة والود فيه: يهدف الإسلام أن يعيش الناس
جميعاً متوادين ومتحابين، يسعى كل فرد منهم في مصلحة الجميع وسعادة
المجتمع، حتى تسود العدالة، وتنتشر الطمأنينة في النفوس، ويقوم التعاون
والتضامن فيما بينهم، ولا يتحقق ذلك كله إلا إذا أراد كل فرد في المجتمع
لغيره ما يريده لنفسه من السعادة والخير والرخاء، ولذا نجده صلى الله عليه
وسلم يربط ذلك بالإيمان، ويجعله خَصْلَة من خِصَاله.

الإيمان
الكامل: إن أصل الإيمان يتحقق بتصديق القلب الجازم، وإذعانه لربوبية الله
عز وجل، والاعتقاد ببقية الأركان، من الإيمان بالملائكة والكتب والرسل
واليوم الآخر والقضاء والقدر، ولا يتوقف أصل الإيمان على شيء سوى ذلك. وفي
هذا الحديث يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإيمان لا ترسخ
جذوره في النفس، ولا يتمكن من القلب، ولا يكمل في صدر المسلم، إلا إذا أصبح
إنسان خير، بعيداً عن الأنانية والحقد، والكراهية والحسد، ومما يحقق هذا
الكمال في نفس المسلم:

أن يحب لغيره من الخير المباح وفعل الطاعات ما يحبه لنفسه، وأن يبغض لهم من الشر والمعصية ما يبغضه لنفسه أيضاً.

أن يجتهد في إصلاح أخيه المسلم، إذا رأى منه تقصيراً في واجبه، أو نقصاً في دينه.

روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحبَّ أن يُزَحْزَحَ
عن النار ويَدخلَ الجَّنة، فلتدركْه مَنِيَّتُهُ وهو مؤمنٌ بالله واليوم
الآخر، ويأتي إلى الناس الذي يُحبُّ أن يُؤتى إليه".

من كمال
الإيمان في المسلم أن لا يقتصر في حب الخير لغيره وبغض الشر له على المسلم
فحسب، بل يحب ذلك لغير المسلم أيضاً، ولا سيما الإيمان، فيحب للكافر أن
يسلم ويؤمن، ويكره فيه ويبغض له الكفر والفسوق، قال عليه الصلاة والسلام:
"وأَحِبَّ للناس ما تُحبُّ لنفسكَ تكنْ مسلماً " رواه الترمذي. ولهذا كان
الدعاء بالهداية للكافر مستحباً.

في هذا الحديث حثُّ منه صلى
الله عليه وسلم لكل مسلم، أن يحمل نفسه على حب الخير للناس، ليكون ذلك
برهاناً منه على صدق إيمانه وحسن إسلامه. وهكذا تسري المحبة بين الناس
جميعاً، وينتشر بينهم الخير.

أما المجتمع غير الإيماني فهو
مجتمع أناني بغيض: إذا ذبل الإيمان في القلوب وانتفى كماله وانتفت محبة
الخير للناس من النفوس، وحل محلَّها الحسدُ ونية الغش، وتمكنت الأنانية في
المجتمع، وأصبح الناس ذئاباً بشرية، وانطبق على مثل هذا المجتمع قول الله
عز وجل: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ
يُبْعَثُونَ} [النحل: 21] فهذا المجتمع إلى خراب وزوال.



ما يستفاد من الحديث

الحث على ائتلاف قلوب الناس، والعمل على انتظام أحوالهم، وهذا من أهم ما جاء الإسلام من أجله وسعى إليه.

التنفير من الحسد، لأنه يتنافى مع كمال الإيمان، فإن الحاسد يكره أن
يفوقه أحد في خير أو يُساويه فيه، بل ربما تمنى زواله عنه ولو لم يصل إليه.

الإيمان يزيد وينقص: تزيده الطاعة وتنقصه المعصية.



الحديث الرابع عشر:

حُرْمَةُ دمِ المُسْلِم

مفردات الحديث

المعنى العام :(1-القصاص 2-حد الرِّدَّة 3-تارك الصلاة)

ما يستفاد من الحديث





عن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي اللهُ عنه قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه
وسلم: "لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أنْ لاَ إله إلاّ الله
وأَنِّي رَسُولُ الله إلاّ بإحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبُ الزَّاني،
وَالنَّفْسُ بالنّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِيِنِهِ الْمُفَارِقُ
لِلْجَماعَةِ". رَوَاهُ البخاري ومسلم.

أهمية الحديث :


إذا أصبحت حياة الفرد خطراً على حياة الجماعة، فأصابه المرض وانحرف عن
الصحة الإنسانية والسلامة الفطرية، وأصبح جرثومة خبيثة، تَفْتِك في جسم
الأمة، وتُفْسِد عليها دينها وأخلاقها وأعراضها، وتنشر فيها الشر والضلال،
فقد سقط حقه في الحياة، وأُهدر وجوده، ووجب استئصاله، ليحيا المجتمع
الإسلامي في أمن ورخاء. وهذا الحديث من القواعد الخطيرة لتعلقه بأخطر
الأشياء وهو الدماء، وبيان ما يحل وما لا يحل، وإن الأصل فيها العصمة.

مفردات الحديث:

"لا يحل دم": أي لا تحل إراقته، والمراد: القتل.

"الثيِّب الزاني": الثيب: من ليس ببكر، يطلق على الذكر والأنثى،
يقال: رجل ثيب، وامرأة ثيب، وإطلاقه على المرأة أكثر، والزاني هو في اللغة
الفاجر وشرعاً: وطء الرجل المرأة الحية في قُبُلِها من غير نكاح (أي عقد
شرعي).

"التارك لدينه": هو الخارج من الدين بالارتداد، والمراد بالدين: الإسلام.

"المفارق للجماعة": التارك لجماعة المسلمين بالرِّدَّة .

المعنى العام:

إنَّ مَن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فأقرّ بوجوده
سبحانه ووَحْدانيته، وصدَّق بنبوة خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم واعترف
برسالته، فقد عصم دمه وصان نفسه وحفظ حياته، ولا يجوز لأحد ولا يَحِل له أن
يُرِيق دمه أو يُزْهِق نفسه، وتبقى هذه العصمة ملازمة للمسلم، إلا إذا
اقترف إحدى جنايات ثلاث:

1- قتل النفس عمداً بغير حق.

2- الزنا بعد الإحصان، وهو الزواج.

3- الرِّدَّة.

أجمع المسلمون على أن حد زنى الثيب (المحصن) الرجم حتى يموت، لأنه
اعتدى على عرض غيره، وارتكب فاحشة الزنا، بعد أن أنعم الله عز وجل عليه
بالمتعة الحلال، فَعَدل عن الطيب إلى الخبيث، وجنى على الإنسانية بخلط
الأنساب وإفساد النسل، وتنكَّر لنهي الله عز وجل {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى
إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا} [الإسراء: 32].


وقد ثبت الرجم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله، فقد روى الجماعة
أنه رجم ماعزاً، وروى مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم أمر برجم
الغامدية.

وكان الرجم في القرآن الذي نُسِخَ لفظه: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله، والله عزيز حكيم".

القصاص: أجمع المسلمون على أن من قتل مسلماً عمداً فقد استحق القصاص
وهو القتل، قال الله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ
النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]. وذلك حتى يأمن النَّاسُ على حياتهم،
وقال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي
الأَلْبَابِ} [البقرة: 179]. ويسقط القصاص إذا عفا أولياء المقتول.

حد
الرِّدَّة: أجمع المسلمون على أن الرجل إذا ارتد، وأصر على الكفر، ولم
يرجع إلى الإسلام بعد الاستتابة، أنه يُقتل، روى البخاري وأصحاب السنن: عن
ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ
بَدَّلَ دينَه فاقتلُوه".

تارك الصلاة: وأجمع المسلمون على أن
من ترك الصلاة جاحداً بها فقد كفر واعتُبِر مرتداً، وأقيم عليه حد
الرِّدة. وأما إذا تركها كسلاً وهو يعترف بفرضيتها فقد اختلفوا في ذلك :
فذهب الجمهور إلى أنه يُستتاب فإن لم يتب قتل حداً لا كفراً، وذهب الإمام
أحمد وبعض المالكية إلى أنه يقتل كفراً، وقال الحنفية: يُحْبَس حتى يصلي أو
يموت، ويُعَزَّر في حبسه بالضرب وغيره. قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا
الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} [الروم: 31] وقال سبحانه:
{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ
فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11]. وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة". رواه الإمام أحمد ومسلم.

ما يستفاد من الحديث:

أن الدين المعتبر هو ما عليه جماعة المسلمين، وهم الغالبية العظمى منهم.

الحث على التزام جماعة المسلمين وعدم الشذوذ عنهم.

التنفير من هذه الجرائم الثلاثة (الزنا، والقتل، والرده)، والتحذير من الوقوع فيها.

تربية المجتمع على الخوف من الله تعالى ومراقبته في السر والعلن قبل تنفيذ الحدود.

الحدود في الإسلام رادعة، ويقصد منها الوقاية والحماية.

القصاص لا يكون إلا بالسيف عند الحنفية، وقال الشافعية: يُقتل القاتل بمثل ما قَتل به، وللولي أن يَعْدِل إلى السيف.



الحديث الخامس عشر:

من خِصَال الإيمَان

القول الحسن ورعاية حق الضيف والجار

مفردات الحديث

المعنى العام:(1-من آداب الكلام 2-العناية بالجار والوصاية به 3-من وسائل الإحسان إلى الجار 4-إكرام الضيف)

ما يستفاد من الحديث


عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهُ: أنَّ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم
قال : "مَنْ كانَ يُؤمِنُ باللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُل خَيْراً
أَوْ لِيَصْمُتْ، ومَنْ كانَ يُؤمِنُ باللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ
فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، ومَنْ كانَ يُؤمِنُ باللهِ والْيوْمِ الآخِرِ
فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ". رواه البخاري ومسلم.

مفردات الحديث:

"يؤمن" : المقصود بالإيمان هنا: الإيمان الكامل، وأصل الإيمان التصديق والإذعان.

"اليوم الآخر": يوم القيامة.

"يصمت": يسكت.

"فليكرم جاره": يُحَصِّل له الخير، ويَكُفّ عنه الأذى والشر.

"فليكرم ضيفه": يقدم له الضيافة (من طعام أو شراب) ويحسن إليه.

المعنى العام:

يحثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث على أعظم خصال الخير
وأنفع أعمال البِرّ، فهو يُبَيِّن لنا أن من كمال الإيمان وتمام الإسلام،
أن يتكلم المسلم في الشؤون التي تعود عليه بالنفع في دنياه أو آخرته، ومن
ثَمّ تعود على المجتمع بالسعادة والهناء، وأن يلتزم جانب الصمت في كل ما من
شأنه أن يسبب الأذى أو يجلب الفساد، فيستلزم غضب الله سبحانه وتعالى
وسخطه.

روى الإمام أحمد في مسنده: عن أنس رضي الله عنه، عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يستقيم إيمانُ عبدٍ حتى يستقيم قلبه،
ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه".

والخوض في الكلام سبب الهلاك
وقد مرّ قوله صلى الله عليه وسلم : "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" [
انظر الحديث:12] ، والمعنى أن الكلام فيما لا يعني قد يكون سبباً لإحباط
العمل والحرمان من الجنة. فعلى المسلم إذا أراد أن يتكلم أن يفكر قبل أن
يتكلم: فإن كان خيراً تكلم به، وإن كان شراً أمسك عنه، لأنه محاسب عن كل
كلمة يلفظ بها. قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ
رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل كلام ابن
آدم عليه لا له .... " وقال : "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله
تعالى، ما يلقي لها بالاً، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة
من سخط الله تعالى، لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم". رواه البخاري.

ومن آداب الكلام:

الإمساك عن الكلام المحرَّم في أي حال من الأحوال. وعن اللغو و هو
الكلام الباطل، كالغيبة والنميمة والطعن في أعراض الناس ونحو ذلك.


عدم الإكثار من الكلام المباح، لأنه قد يجر إلى المحرم أو المكروه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن
كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوةٌ للقلب، وإن أبعد الناس من الله
القلب القاسي". رواه الترمذي.

العناية بالجار والوصاية به:
ومن كمال الإيمان وصدق الإسلام الإحسان إلى الجار والبر به والكف عن أذاه،
فالإحسان إلى الجار وإكرامه أمر مطلوب شرعاً، بل لقد وصلت العناية بالجار
في الإسلام، إلى درجة لم يعهد لها مثيل في تاريخ العلاقات الاجتماعية، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه
سيورثه". رواه البخاري.

إن إيذاء الجار خلل في الإيمان يسبب
الهلاك : وهو محرم في الإسلام، ومن الكبائر التي يعظم إثمها ويشتد عقابها
عند الله عز وجل. عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والله لا يؤمن، والله
لا يؤمن. قيل: من يا رسول الله ؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه" رواه
البخاري. أي لا يَسْلَم من شروره وأذاه، والمراد بقوله: "لا يؤمن"، أي
الإيمان الكامل المنجي عند الله عز وجل.

من وسائل الإحسان إلى الجار:

مواساته عند حاجته، روى الحاكم عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم".

مساعدته وتحصيل النفع له، وإن كان في ذلك تنازل عن حق لا يضر التنازل عنه.

الإهداء له، ولا سيما في المناسبات.

إكرام الضيف من الإيمان ومن مظاهر حسن الإسلام : يبين لنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الحديث : أن من التزم شرائع الإسلام، وسلك مسلك
المؤمنين الأخيار، لزمه إكرام من نزل عنده من الضيوف والإحسان إليهم، "من
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه".

هل الضيافة حق واجب أم إحسان مستحب ؟

ذهب أحمد إلى أنها واجبة يوماً وليلة، والجمهور على أن الضيافة مستحبة، ومن باب مَكَارِمِ الأخلاق، وليست بواجبة.

ومن أدب الضيافة وكرمها البِشْر والبشاشة في وجه الضيف، وطيب الحديث
معه، والمبادرة بإحضار ما تيسر عنده من طعام وشراب، وأما الضيف فمن أدبه أن
لا يضيق على مزوره ولا يزعجه، ومن التضييق أن يمكث عنده وهو يشعر أنه ليس
عنده ما يضيفه به.

ما يستفاد من الحديث

إن العمل بما
عرفناه من مضمون هذا الحديث بالغ الأهمية، لأنه يحقق وحدة الكلمة، ويؤلف
بين القلوب، ويذهب الضغائن والأحقاد، وذلك أن الناس جميعاً يجاور بعضهم
بعضاً، وغالبهم ضيف أو مضيف، فإن أكرم كل جار جاره، وكل مضيف ضيفه، صلح
المجتمع، واستقام أمر الناس، وسادت الأُلفة والمحبة، ولا سيما إذا التزم
الكل أدب الحديث، فقال حسناً أو سكت.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.halimb.yoo7.com
عبدالله ناجح
عضو متّألق
عضو متّألق
عبدالله ناجح


الإسم الحقيقي : ABDALLAH NAJIH
البلد : ROYAUME DU MAROC

عدد المساهمات : 12530
التنقيط : 79238
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 16/09/2010
الجنس : ذكر

 الأربعين النووية 1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأربعين النووية 1    الأربعين النووية 1 I_icon_minitimeالجمعة 22 أبريل 2011, 06:02

الحديث السادس عشر:

لا تَغْضَبْ وَلَكَ الجَنَّة

مفردات الحديث

المعنى العام:(1-آثار الغضب 2-دفع الغضب ومعالجته )

ما يستفاد من الحديث



عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه أنَّ رَجُلاً قال لِلنَّبِّي صلى الله عليه وسلم: أَوصِني، قالَ:

"لا تَغْضَب"، فَرَدَّدَ مِرَاراً، قال: "لا تَغْضَب". رواه البخاري.



مفردات الحديث:

"رجلاً" : قيل: هو أبو الدرداء رضي الله عنه . وقيل جارية بن قُدَامة رضي الله عنه "أوصني": دلني على عمل ينفعني.

"لا تغضب": اجتنب أسباب الغضب ولا تتعرض لم يجلبه.

"فردد مرارً": كرر طلبه للوصية أكثر من مرة.

المعنى العام:

المسلم إنسان يتصف بمكارم الأخلاق، يتجمل بالحلم والحياء، ويَلْبَس
ثوب التواضع والتودد إلى الناس، وتظهر عليه ملامح الرجولة، من الاحتمال وكف
الأذى عن الناس، والعفو عند المقدرة، والصبر على الشدائد، وكظم الغيظ إذا
اعْتُدِيَ عليه أو أُثير، وطلاقة الوجه والبشر في كل حال من الأحوال. وهذا
ما وَجَّه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الصحابيَّ المستنصِحَ،
عندما طلب منه أن يوصيه بما يبلغه المقصود ويحقق له المطلوب. بتلك العبارة
الموجزة، الجامعة لكل خير، المانعة لكل شر: "لا تغضب".

أي
تخلق بالأخلاق الرفيعة، أخلاق النبوة، أخلاق القرآن، أخلاق الإيمان، فإنك
إذا تخلقت بها وصارت لك عادة، وأصبحت فيك طبعاً وسجية، اندفع عنك الغضب حين
وجود أسبابه، وعرفت طريقك إلى مرضاة الله عز وجل وجنته.


الحلم وضبط النفس سبيل الفوز والرضوان : إذا غلب الطبع البشري، وثارت فيك
قوى الشر، أيها المسلم الباحث عن النجاة، فإياك أن تعطي نفسك هواها، وتدع
الغضب يتمكن منك فيكون الآمر والناهي لك، فترتكب ما نهاك الله عنه، بل جاهد
نفسك على ترك مقتضى الغضب، وتذكر خُلُق المسلم التقي والمؤمن النقي، الذي
وصفك الله تعالى به بقوله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ *
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ
الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
[آل عمران: 133-134].

إذا لم يغضب المرء فقد ترك الشر كله، ومن ترك الشر كله، فقد حصل الخير كله.

الغضب ضعف والحلم قوة: سرعة الغضب والانقياد له عنوان ضعف الإنسان،
ولو ملك السواعد القوية، والجسم الصحيح. روى البخاري ومسلم: عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد
بالصُّرَعَة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". والصرعة هو الذي يغلب
الرجال ولا يغلبه الرجال.

آثار الغضب: الغضب خُلُقٌ مذموم
وطبع سيء وسلاح فتاك، إذا استسلم له الإنسان وقع صريع آثاره السيئة، التي
تضر بالفرد نفسه أولاً، وبالمجتمع ثانياً.

أما أضراره بالنفس، فهي: جسمية مادية، وخلقية معنوية، وروحية دينية.

وأما أضراره بالمجتمع: فهو يولد الحقد في القلوب، وإضمار السوء للناس، وهذا ربما أدى إلى إيذاء المسلمين وهجرهم.

دفع الغضب ومعالجته:

أسباب الغضب كثيرة ومتنوعة، منها: الكبر والتعالي والتفاخر على
الناس، والهزء والسخرية بالآخرين، وكثرة المزاح ولا سيما في غير حق، والجدل
والتدخل فيما لا يعني.

وأما معالجة الغضب، فيكون بأمور كثيرة أرشدنا إليها الإسلام، منها:

أن يروض نفسه ويدربها على التحلي بمكارم الأخلاق، كالحلم والصبر والتأني في التصرف والحكم.

أن
يضبط نفسه إذا أُغضب ويتذكر عاقبة الغضب، وفضل كظم الغيظ والعفو عن
المسيء: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ
يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134].

روى أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كظم عبدٌ لله إلا مُلِئَ جوفُه إيماناً".

الاستعاذة
بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ
الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
[الأعراف: 200].

روى البخاري ومسلم: استبَّ رجلان عند
النبي صلى الله عليه وسلم، وأحدُهما يسبُّ صاحبَه مُغضباً قد احمَرَّ
وجهُه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلمُ كلمةً، لو قالها لذهبَ
عنه ما يجد، لو قال: أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم".


تغيير الحالة التي هو عليها حال الغضب، فقد روى أحمد وأبو داود: عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "إذا غضبَ أحدُكم وهو قائم فليجلسْ، فإن ذهبَ عنه
الغضب، وإلا فليضطجعْ".

ترك الكلام، لأنه ربما تكلم بكلام
قوبل عليه بما يزيد من غضبه، أو تكلم بكلام يندم عليه بعد زوال غضبه، روى
أحمد والترمذي وأبو داود : "إذا غضب أحدُكم فليسكتْ". قالها ثلاثاً.

الوضوء، وذلك أن الغضب يُثير حرارة في الجسم، والماء يبرده فيعود إلى
طبعه، روى أحمد وأبو داود: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الغضبَ من
الشيطان، وإنَّ الشيطانَ خُلِقَ من النار، فإذا غضبَ أحدُكم فليتوضأ".

الغضب لله تعالى: الغضب المذموم، الذي يُطلب من المسلم أن يعالجه
ويبتعد عن أسبابه، هو ما كان انتقاماً للنفس، ولغير الله تعالى ونصرة دينه.
أما ما كان لله تعالى : بسبب التعدي على حرمات الدين، من تحدٍ لعقيدة، أو
تهجم على خُلُق أو انتقاص لعبادة،فهو في هذه الحالة خلق محمود، وسلوك
مطلوب.

وورد: أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يغضب لشيء، فإذا
انتُهكتْ حرمات الله عز وجل، فحينئذ لا يقوم لغضبه شيء. رواه البخاري
ومسلم.

الغضبان مسؤول عن تصرفاته: إذا أتلف الإنسان، حال
غضبه، شيئاً ذا قيمة لأحد، فإنه يضمن هذا المال ويغرم قيمته، وإذا قتل
نفساً عمداً وعدواناً استحق القصاص، وإن تلفظ بالكفر حكم بردته عن الإسلام
حتى يتوب. وإن حلف على شيء انعقد يمينه، وإن طلق وقع طلاقه.

ما يستفاد من الحديث: حرص المسلم على النصيحة وتعرف وجوه الخير، والاستزادة من العلم النافع والموعظة الحسنة.

كما أفاد الحث على الإقلال من القول، والإكثار من العمل، والتربية بالقدوة الحسنة.


الحديث السابع عشر:

عُمومُ الإِحْسَان

أهمية الحديث

مفردات الحديث

المعنى العام:(1-الإحسان في القتل 2-النهي عن التحريق بالنار 3-الإحسان في ذبح البهائم )

ما يستفاد من الحديث


عن أبي يَعْلَى شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللهُ عنه، عن رسولِ اللهِ
صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسانَ على كلِّ شَيءٍ،
فإذا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا
الذِّبْحَةَ، ولْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ولْيُرحْ ذَبيحَتَهُ"
.رواه مسلم.



أهمية الحديث:

هذا الحديث قاعدة من قواعد الدين الهامة، ويتضمن إتقان جميع تعاليم الإسلام، لأن الإحسان في الفعل يكون بإيقاعه كما طلب الشرع.

مفردات الحديث:

"كتب": طلب وأوجب.

"الإحسان": مصدر أحسن إذا أتى بالحَسَن، ويكون بإتقان العمل.

"القِتلة": بكسر القاف، طريقة القتل.

"ليحد": يقال أَحَدَّ السكين، وحَدَّها، واستحدَّها بمعنى واحد
" شفرته ": السكين وما يذبح بها، وشفرتُها: حَدُّها.

المعنى العام:

ينص الحديث على وجوب الإحسان، وهو الإحكام والإكمال والتحسين في
الأعمال المشروعة، وقد أمر الله به في كتابه العزيز فقال: {إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل:90] وقال سبحانه:
{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]. وهو
مطلوب عند الإتيان بالفرائض، وفي ترك المحرمات، وفي معاملة الخلق، والإحسان
فيها أن يأتي بها على غاية كمالها، ويحافظ على آدابها المصححة والمتممة
لها، فإذا فعل قُبل عمله وكَثُر ثوابه.

الإحسان في القتل: وهو
تحسين هيئة القتل بآلة حادة، ويكون بالإسراع في قتل النفوس التي يُباح
قتلها على أسهل الوجوه، والقتل المباح إما أن يكون في الجهاد المشروع، وإما
أن يكون قِصاصاً أو حَدّاً من حدود الله تعالى، وقد نهى النبي صلى الله
عليه وسلم عن المُثْلَة، وهي قطع أجزاء من الجسد، سواء أكان ذلك قبل الموت
أم بعده، ففي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن المُثْلة.

ولئن جاز للمسلمين أن يستخدموا الأسلحة النارية والمدفعية المدمرة من
قبيل المعاملة بالمثل {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ
بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]، فإنه لا يجوز لهم بحال
من الأحوال أن يتجهوا في قتالهم بها إلى التعذيب والتشويه، فالإسلام يرفض
هذا المسلك المتوحش، ويبقى منطلقه هو الإحسان إلى كل شيء، وخاصة الإنسان.

وأما القتل قصاصاً: فلا يجوز التمثيل بالمقتص منه، بل يقتل بالسيف،
فإن كان القاتل المتعمد قد مثَّل بالمقتول، فقد ذهب مالك والشافعي وأحمد في
المشهور عنه إلى أنه يُقتل كما قَتَلَ. وذهب أبو حنيفة وأحمد - في رواية
عنه - إلى أنه لا يقتل إلا بالسيف.

وأما القتل حداً للكفر، فأكثرُ العلماء على كراهة المثلة فيه أيضاً، سواء كان لكفر أصليٍّ أم لردة عن الإسلام.

النهي عن التحريق بالنار: ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أَذِنَ بالتحريق بالنار ثم نهى عنه، وروى البخاري عن ابن عباس
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا تُعَذِّبُوا بعذابِ الله عز وجل".
وهذا يدل على أن تعاليم النبي الكريم تقدمت وسبقت ما اتفقت عليه الدول من
منع القنابل المحرقة، علماً بأن الدول الكبيرة والقوية لم تلتزم بهذا
المنع، بل بقي حبراً على ورق !

والنهي عن التحريق في الإسلام
يشمل الحيوانات والهوام، ففي مسند الإمام أحمد وأبي داود والنسائي عن عبد
الله بن مسعود قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمررنا بقرية نمل قد
أُحرقت، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "إنه لا ينبغي لبشرٍ أن
يُعَذِّبَ بعذابِ الله عز وجل".

النهي عن صبر البهائم: وهو أن تُحبس البهيمة ثم تضرب بالنبل ونحوه حتى تموت.

النهي عن اتخاذ شيء فيه الروح غرضاً: والغرضُ هو الذي يُرمى فيه بالسهام. أي يتخذونها هدفاً.

الإحسان في ذبح البهائم: وفي الإسلام آداب يلتزم بها المسلم عند
الذبح وهي بمجموعها تجسيد عملي للإحسان والرفق، فمن ذلك أن يحدَّ الشفرة،
ليكون الذبح بآلة حادة تريح الذبيحة بتعجيل زهوق روحها، ومن الآداب الرفق
بالذبيحة، فتساق إلى الذبح سوقاً رفيقاً، وتوارى السكين عنها، ولا يُظهرْ
السكين إلا عند الذبح.

كما يستحب أن لا يذبح ذبيحة بحضرة
أخرى، ويوجه الذبيحة إلى القبلة، ويسمي عند الذبح، ويتركها إلى أن تبرد،
ويستحضر نية القُرْبةَ، ويعترف لله تعالى بالمِنّة في ذلك، لأنه سبحانه
سَخَّرَ لنا هذه البهائم وأنعم بها علينا.

ومن الإحسان لها أن لا تُحَمَّل فوق طاقتها، ولا تركب واقفة إلا لحاجة، ولا يُحلب منها إلا ما لا يضرُّ بولدها.

ما يستفاد من الحديث

والحديث بعد هذا كله قاعدة من قواعد الإسلام الهامة، لأنه دعوة كريمة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإحسان في كل عمل.



الحديث الثامن عشر:

تَقوَى اللهِ تَعَالَى وَحُسنُ الخُلُق

مفردات الحديث

المعنى العام:(1-التقوى سبيل النجاة 2-التوبة شرط لتكفير الكبائر 3-الأخلاق أساس قيام الحضارة الإنسانية 4-من مكارم الأخلاق)



عن أبي ذَرٍّ جُنْدُب بِن جُنَادَة، وأبي عبد الرحمن مُعَاذ بِن جَبَلٍ
رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتق الله حيثما
كنت، وأَتْبِعِ السَّيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالقِ الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ".
رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وفي بعض النسخ: حسن صحيح.



مفردات الحديث:

"اتق الله": التقوى في اللغة: اتخاذ وقاية وحاجز يمنعك ويحفظك مما
تخاف منه وتحذره، وتقوى الله عز وجل: أن يجعل العبد بينه وبين ما يخشاه من
عقاب الله وقاية تقيه وتحفظه منه، ويكون ذلك بامتثال أوامره واجتناب
نواهيه.

"حيثما كنت": أي في أي زمان ومكان كنت فيه، وَحْدَكَ أو في جمع، رآك الناس أم لم يَرَوْكَ.

"أتبعْ": ألحقْ، وافعل عقبها مباشرة.

"السيئة": الذنب الذي يصدر منك.

"تمحها": تزيلها من صحائف الملائكة الكاتبين وترفع المؤاخذة عنها.

"خالِقْ": جاهد نفسك وتكلف المجاملة.

"بخلق": الخلق الطبع والمزاج الذي ينتج عنه السلوك.

المعنى العام:

التقوى سبيل النجاة: أعظم ما يوجهنا إليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم في هذه الوصية تقوى الله عز وجل، التي هي جماع كل خير والوقاية من كل
شر، بها استحق المؤمنون التأييد والمعونة من الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ
مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النمل: 128].
ووعدهم عليها الرزق الحسن، والخلاص من الشدائد: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}
[الطلاق: 2-3]. وبها حفظهم من كيد الأعداء: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا
لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران:120]. وجعل للمتقين حقاً
على نفسه أن يرحمهم: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا
لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 156].

ولقد كثرت الآيات
والأحاديث في فضل التقوى وعظيم ثمراتها، ولا غرابة، فالتقوى سبيل المؤمنين،
وخلق الأنبياء والمرسلين، ووصية الله تعالى لعباده الأولين والآخرين، فمن
التزمها فاز وربح، ومن أعرض عنها هلك وخسر: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ
وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} [النساء: 131].


فالتقوى ليست كلمة تقال، أو دعوى تُدعى دون برهان، بل هي عمل دائب في طاعة
الله عز وجل، وترك صارم لمعصية الله تبارك وتعالى، ولقد فسر السلف الصالح
التقوى بقولهم : أن يُطَاع اللهُ فلا يُعْصَى، ويُذْكَرَ فلا يُنْسَى،
ويُشْكَر فلا يُكْفَر. ولقد عملوا بهذا المعنى والتزموه، في سرهم
وعلانيتهم، وكل حال من أحوالهم وشؤونهم، تنفيذاً لأمر الله تعالى وتلبية
لندائه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].


ومن كمال التقوى: البعد عن الشبهات وما التبس بالحرام من الأمور: "فمن
اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه". البخاري ومسلم. [ انظر الحديث رقم: 6
].

شرط تحقق التقوى: لا تتحقق التقوى بمعانيها ولا تؤتي
ثمارها، إلا إذا توفر العلم بدين الله تعالى لدى المسلم، ليعرف كيف يتقي
الله عز وجل: {كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ
الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]. لأن الجاهل لا يعرف ما يجب عليه فعله وما يجب
عليه تركه، ولذلك كان العلم أفضل العبادات، وطريق الوصول إلى الجنة، وعنوان
إرادة الخير بالمرء، قال صلى الله عليه وسلم: "فضل العالم على العابد
كفضلي على أدناكم" رواه الترمذي. وقال: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً
سهّل الله له طريقاً إلى الجنة" رواه مسلم. وقال: "من يرد الله به خيراً
يفقهه في الدين" متفق عليه.

يوجهنا الحديث إلى:

أن التوبة
من الذنب الإسراع في عمل الخير لأن هذا خلق المؤمنين المتقين، وقد يغلب على
الإنسان النسيان أو الغفلة، وقد تغريه نفسه أو يوسوس له شيطانه، فيقع في
المعصية ويرتكب الذنب، ومن التقوى - عندئذ - أن يسارع إلى التوبة ويستغفر
الله عز وجل إذا ذكر أو نُبِّه، قال تعالى في وصف المتقين: {وَالَّذِينَ
إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ
فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ
وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135].
ثم يبادر المسلم التقي، بعد التوبة والاستغفار، إلى فعل الخيرات والإكثار
من الأعمال الصالحة، لتكفر عنه ذنبه وتمحوا ما اقترفه من إثم، واثقاً بوعد
الله تعالى إذ قال: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:
114]. ومستجيباً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: "وأتبع السيئة
الحسنة تمحها".

التوبة شرط لتكفير الكبائر: أجمع المسلمون على
أن الحسنات تُكَفِّر الذنوب الصغيرة، وأما الذنوب الكبيرة - وهي كل ذنب
توعد الله تعالى عليه بالعقاب الشديد، كعقوق الوالدين، وقتل النفس، وأكل
الربا، وشرب الخمر ونحو ذلك - فلا بد فيها من التوبة، قال تعالى: {وَإِنِّي
لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:
82]. وهذا إذا كان الذنب لا يتعلق بحق العباد، فإن كان متعلقاً بحق العباد -
كالسرقة والغصب والقتل ونحو ذلك - فلا بد فيها من أداء الحقوق لأهلها، أو
طلب المسامحة منهم ومسامحتهم، فإذا حصل ذلك رُجي من الله تعالى القَبول
ومحو الذنوب، بل تبديلها حسنات، قال الله تعالى:{ إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ
وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ
حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70].

ومن فضل الله عز وجل: أنه إذا لم
تكن للمكلف ذنوب صغيرة، فإن الأعمال الصالحة تؤثر بالذنوب الكبيرة، فتخفف
إثمها بقدر ما تكفر من الصغائر، وإذا لم تكن له ذنوب كبيرة ولا صغيرة فإنه
سبحانه يضاعف له الأجر والثواب.

الأخلاق أساس قيام الحضارة
الإنسانية: يوجهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هذه الوصية، إلى أمر
فيه صلاح حياة الفرد واستقامة نظام المجتمع، ألا وهو معاملة الناس بالخلق
الحسن الجميل، معاملة الإنسان للناس بما يحب أن يعاملوه به من الخير، حتى
يصبحَ المسلمُ أليفاً، يُحبُّ الناسَ ويُحبونه، ويُكرمهم ويُكرمونه، ويُحسن
إليهم ويُحسنون إليه، وعندها يندفع كل فرد في المجتمع، إلى القيام بواجبه
راضياً مطمئناً، فتستقيمُ الأمور وتسودُ القيم وتقوم الحضارة.

وللأخلاق
منزلة رفيعة في الإسلام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبرُكم
بأحبِّكم إلى الله، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة ؟. قالوا: بلى، قال:
أحسنكم خلقاً" رواه ابن حبان في صحيحه.

اكتساب الخلق الحسن:
يمكن للإنسان أن يكتسب الأخلاق الحسنة الرفيعة، وذلك بالاقتداء برسول الله
صلى الله عليه وسلم في حسن خلقه، ولقد أمرنا الله عز وجل بذلك إذ قال:
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:
21].

ومن وسائل اكتساب الأخلاق الحميدة: صحبة الأتقياء
والعلماء، وذوي الأخلاق الفاضلة، ومجانبة الأشرار وذوي الأفعال الدنيئة
الرديئة.

من مكارم الأخلاق: من حسن الخلق صلة الرحم، والعفو
والصفح، والعطاء رغم المنع، روى الحاكم وغيره عن عقبة بن عامر الجُهَني رضي
الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عقبة، ألا أخبرُك
بأفضلِ أخلاقِ أهل الدنيا والآخرة؟. تَصِلُ من قطعَكَ، وتعطي من حرمَكَ،
وتعفو عمَّن ظلمَكَ" وفي رواية عند أحمد". وتصفحُ عمن شتمَكَ".


ومن حسن الخلق: بشاشة الوجه، والحلم والتواضع، والتودد إلى الناس وعدم
سوء الظن بهم، وكفُّ الأذى عنهم. قال صلى الله عليه وسلم: "لا تحقرن من
المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق". رواه مسلم.



الحديث التاسع عشر:

عَونُ اللهِ تَعالى وحِفْظُهُ

ونصره وتأييده

أهمية الحديث

مفردات الحديث

المعنى
العام :(1-اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيه الأمة وتنشئة الجيل
المؤمن المثالي 2-احفظ الله يحفظك 3-نصرة الله تعالى وتأييده 4-شبابك قبل
هرمك 5-التوجه إلى الله تعالى وحده بالاستعانة والدعاء والسؤال 6-الإيمان
بالقضاء والقدر 7-النصر مع الصبر 8-ثمرات الصبر 9-الفرج مع الكرب)

ما يستفاد من الحديث



عن
أبي العَبَّاس عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْاسٍ رَضي اللهُ عنهما قال: كُنْتُ
خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يًوْماً، فقال: " يا غُلامُ، إنِّي
أُعَلِّمُكَ كلِماتٍ: احْفَظِ اللهَ يَحْفَك، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ
تُجاهَك، إذا سأَلْتَ فاسْأَلِ اللهَ، وإذا اسْتَعنْتَ فاسْتَعِنْ باللهِ،
واعْلَمْ أنَّ الأُمَّة لَو اجْتَمَعَتْ على أَنْ يَنْفَعُـوكَ بِشَيءٍ
لَمْ يَنْفَعُوكَ إلا بِشَيْءٍ قدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وإن اجْتَمَعُوا
على أن يَضُرَّوكَ بِشيءٍ لَمْ يَضُروكَ إلا بِشَيء قد كَتَبهُ اللهُ
عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ". رواه الترمذي
وقال:حديث حسن صحيحٌ .

وفي رواية غير الترمذي [رواية الإمام أحمد ]:
"احْفَظِ الله تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاء
يَعْرِفْكَ فـي الشِّدةِ، واعْلَمْ أَنَّ مَا أَخْطأَكَ لَمْ يَكُنْ
لِيُصِيبَكَ، ومَا أَصابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، واعْلَمْ أَنَّ
النَّصْرَ مع الصَّبْرِ، وأنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وأنَّ معَ
الْعُسْرِ يُسْراً ".



أهمية الحديث:

قال ابن رجب الحنبلي في كتابة " جامع العلوم والحكم" : وهذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة وقواعد كلية من أهم أمور الدين.

مفردات الحديث:

"احفظ الله": اعرف حدوده وقف عندها.

"يحفظك": يصونك ويحميك في نفسك وأهلك، ودينك ودنياك.

"تُجاهك": أمامك، أي تجده معك بالحفظ والتأييد، والنصرة والمعونة حيثما كنت.

"رُفعت الأقلامُ": تركت الكتابة بها، والمراد أنه قد قدر كل شيء في علم الله تعالى وانتهى.

"جفَّت الصحف": المراد بالصحف ما كتب فيه مقادير المخلوقات كاللوح
المحفوظ، وجفافها: انتهاء الأمر واستقراره، فلا تبديل فيها ولا تغيير.

المعنى العام:

اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيه الأمة، وتنشئة الجيل المؤمن المثالي:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصاً أن يغرس العقيدة السليمة في نفوس المؤمنين، وخاصة الشباب منهم.

وكان
مرة قد أردف خلفه ابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فوجَّه إليه
تلك النصائح الرائعة، التي من شأنها أن تجعل المسلم يلتزم أوامر الله
تعالى، ويستمد العون والنصرة منه وحده، فيصبح شجاعاً مقداماً، لا ترهبه
المواقف ولا تخيفه المخاطر، يقول الحق ولا يخاف في الله لومة لائم، إذ علم
أن الأمر كله بيد الله العزيز الحكيم، وأنه لا يملك أحد من الناس ضراً ولا
نفعاً لأحد إلا بإذن الله تعالى.

احفظ الله يحفظك: التزم
أوامر الله تعالى، فقف عند حدوده فلا تقربها، وإياك أن تتعداها، وقم بما
فرض عليك ولا تتهاون به، وابتعد عما نهاك عنه واجعل بينك وبينه حجاباً،
وانظر عندها كيف يحفظ الله تعالى عليك دينك، ويصون عقيدتك من الزيغ، ويقيك
من هواجس النفس ورجس الضلال، وكيف يحميك من شرار الخلق، ويمنعك من شياطين
الإنس والجن، ويدفع عنك كل أذى أو ضيم.

وإن أنت حفظت الله
تعالى في دنياك حفظك في آخرتك، فوقاك من النار وأعدّ لك جنة عرضها السماوات
والأرض أعدت للمتقين: تناديك الملائكة مرحبة ومكرمة: {هَذَا مَا
تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَانَ
بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ
يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}
[ق: 32-35]. وفاءً بما بشَّرك به الله تعالى إذ قال:{وَالْحَافِظُونَ
لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 112].


نصرة الله تعالى وتأييده: من حفظ الله تعالى كان معه، يعينه وينصره، ويحميه
ويؤيده، ويوفقه ويسدده، كلما حلك الظلام أو ضاقت به الأحوال: "احفظ الله
تجده تجاهك" تجده معك حارساً وحامياً، وعضداً وسنداً: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ
الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128].


ولكن نصرة الله تعالى وتأييده مرتبطان بفعل أوامره واجتناب نواهيه،
فمن أطاع الله تعالى نصره وأيده، ومن عصاه خذله وأذله: {إِنْ تَنصُرُوا
اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].

شبابك
قبل هرمك: من حفظ الله تعالى في شبابه وقوته حفظه الله تعالى حالَ كبره
وضعف قوته، ومتَّعه بسمعه وبصره وعقله، وأكرم نزلَه يوم القيامة، فأظلَّه
بظَّل عرشه حيثُ لا ظِلَّ إلا ظلّه، كما ثبت في الصحيحين: " سبعة يظللهم
الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل وشابُ نشأ في عبادة الله عز
وجل..".

ولعل هذا هو السر في توجيهه صلى الله عليه وسلم
هذه الوصية لابن عمه رضي الله عنه، وهو فتى في مقتبل العمر، ليغتنم الشباب
وحيويته، والفتوة ونشاطها.



التوجه إلى الله تعالى
وحده بالاستعانة والدعاء والسؤال: يوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن
عمه- ومن على طريقه من المؤمنين الصادقين- أن يكون توجهه دائماً وأبداً إلى
الله سبحانه وتعالى العلي القدير، ومنه وحده يطلب العطاء، وبه يستغاث
ويستعان، فلا يسأل سواه، ولا يستمد العون من غيره، كما لا يتوجه بالدعاء
والشكر إلا إليه، ولا ترجى المغفرة إلا لديه، ولا يركع أو يسجد إلا بين
يديه "إذا سألت فاسأل الله.

السؤال ممن لا يملّ العطاء: من
كمال التوحيد ترك سؤال الناس، وأن يطلب المسلم من الله وحده في كل شأن من
الشؤون، لأنه سبحانه هو الذي الحَّ على عباده أن يسألوه، قال تعالى:

{وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [ النساء: 32].

وروى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سَلُوا الله من
فضله، فإن الله يُحبُّ أن يُسأل". وهو سبحانه الذي لا يمل سؤالاً ولا
طلباً، لأن خزائنه ملأى لا تنفذ: {مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ
اللَّهِ بَاقٍ} [ النحل:96].

سؤال غير الله ذلة ومهانة: إن
الناس إذا سئلوا: فإما أن يعطوا وإما أن يمنعوا، وهم إن أعطوا مَنَّوا، وإن
منعوا، أهانوا وأذلوا، وكل ذلك مما يحز في نفس المسلم ويدخل عليه المقت
والكرب، ويحط من كرامته، وينال من عزته، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم ربما
أخذ العهد على من يبايعه على الإسلام أن لا يسأل الناس شيئاً، وقد بايع
جماعة من الصحابة على ذلك، منهم: أبو بكر الصديق، وأبو ذر، وثوبان، وعوف بن
مالك، رضي الله عنهم.

الاستعانة بالقوي الذي لا يُغْلَب:
الاستعانة إنما بالقوي القادر على الإعانة، والعبد يحتاج إلى الإعانة في كل
كبير وصغير، ولا قادر على ذلك إلا الله سبحانه، وغيره عاجز عن أن يدفع عن
نفسه ضراً أو يجلب لها نفعاً، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله فهو
المخذول: {إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ
يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:
160].

الاستعانة بغير الله عز وجل استكانة وضعف: إن الاستعانة
تستدعي إظهار ضعف المستعين وحاجته ومسكنته، وهذا تذلل وافتقار لا يكون إلا
لله وحده، لأنه حقيقة العبادة، فإن كان لغيره تعالى كان ذلاً واستكانة لا
جدوى منها.

الإيمان بالقضاء والقدر سكينة واطمئنان: بعد الثقة
بحفظ الله تعالى وتأييده، والاعتماد عليه وحده في كل الشؤون، لا يُبالي
العبد المؤمن بما يدبره الخلق أو يفعله العبد، بل فليعلم أن الخير والشر
بتقدير الله تعالى، وأن النفع والضر بإرادته، وليس للعالمين من الأمر شيء:
{قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء: 78]. وإنما العباد أسباب
لينالوا الثواب أو يستحقوا العقاب: "واعلمْ أن الأمةَ لو اجتمعتْ على أن
ينفعوكَ بشيءٍ لم ينفعوكَ إلا بشيءٍ قد كتبَه الله لك، وإن اجتمعوا على أن
يضُّروك بشيءٍ لم يضُّروك إلا بشيء قد كتبَه الله عليك". {وَإِنْ
يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ
بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام: 17].


فلا يستطيع أحد أن يحصل لك أذى لم يقدره الله عليك، بل يدفعه الله سبحانه
عنك، وكذلك إذا أغراك أحد بالنفع فلا يمكن أن يحقق لك ما يعدك به، إذا كان
الله سبحانه لم يرده لك: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا
فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [
الحديد:22].

روى أحمد وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: إن لكل شيءٍ حقيقة، وما بلغَ عبدٌ حقيقةَ الإيمان حتى يعلمَ أنَّ ما
أصابَه لم يكنْ ليخطَئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبَه".


الإيمان بالقضاء والقدر شجاعة وإقدام: بعد ما ثبت أن النفع والضر قدر محتم،
لا ينال المرء منه إلا ما سبق في علم الله عز وجل أنه مصيبه، وإذاً
فليندفع المؤمن إلى ما أمره الله به، وليقل الحق ولو على نفسه، ولا يخاف في
الله لومة لائم، وليقف مواقف الشجاعة والبطولة، دون أن يخاف الموت أو يرجو
الحياة، معلناً صدق يقينه بما يتلوه من قول الله عز وجل:{ قُلْ لَنْ
يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51]. ولطالما أن المقدر لا بد أن
يسعى إليه من قدر عليه: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ
الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:
154]. أي لو لم تخرجوا إلى المعركة، وبقيتم في منازلكم، لخرج من قدر عليهم
أن يموتوا قتلاً إلى الأماكن التي قُتلوا فيها، طوعاً من عند أنفسهم،
ليقتلوا هناك.

الإيمان لا استسلام، وتوكل لا تواكل: إن
الإيمان بالقضاء والقدر، بالمعنى الذي سبق، يدلنا على بطلان ادعاء أولئك
الجبناء المتخاذلين، المستسلمين لشهواتهم وأهوائهم، عندما يحتجون لانحرافهم
وضلالهم، واستمرارهم على المعصية وإصرارهم، ويحتجون بتقدير الله تعالى ذلك
عليهم، في حال أن الله تعالى- الذي أمرنا بالأيمان بقضائه وقدره- أمرنا
بالعمل فقال سبحانه: {وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ}
[التوبة: 105]. ورسوله صلى الله عليه وسلم، الذي هو قدوتنا في كل شيء، أبان
لنا أن على المسلم أن يأخذ بالأسباب، من العمل والسعي وبذل الجهد، فمن ترك
الأسباب محتجاً بالقدر فقد عصى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم،
وخالف شرعة الإسلام، لأن ترك الأسباب تواكل وكسل لا يرتضيه الإسلام، والأخذ
بالأسباب مع الاعتماد على الله تعالى وحده في تحقيق النتائج توكل وأيمان،
روى مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اعملوا فكلٌّ ميسرٌ لما
خُلِقَ".

النصر مع الصبر: إن حياة الإنسان معارك متنوعة،
يتعرض فيها لأعداء كثيرة ومتلونة، وإن انتصاره في هذه المعارك مرتبط بمدى
صبره مترتب عليه. فالصبر هو طريق الظفر بالمطلوب، وهو السلاح الفعال لقهر
العدو بمختلف أشكاله، خفياً كان أم ظاهراً، لذا جعله الله عز وجل مادة
الاختبار لعباده في هذه الحياة، ليميزَ الخبيث من الطيب، ويعلم الصادق
المتيقن من المنافق المرتاب: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ
الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}
[محمد: 31]. {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ
وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ
الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا
فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [أل عمران: 186]. أي من الأمور التي
ينبغي أن يعزم عليها كل عاقل ويوطن نفسه عليها، لما فيها من كمال المزية
والشرف.

ونحن لو استعرضنا آيات الله عز وجل، وأحاديث رسوله
المصطفى صلى الله عليه وسلم، لوجدنا أن كلمة الصبر ترد في مواطن عدة، كلها
تلتقي على المعنى المذكور للصبر، وتهدف إلى غاية واحدة وتحقق النتيجة
نفسها، ألا وهي الفوز والانتصار. ومن هذه المواطن:

أ- الصبر على فعل الطاعة وترك المعصية

ب- الصبر على المصائب

ج- الصبر في ميدان الدعوة إلى الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

د- الصبر في ميادين القتال ومنازلة الكفار



ثمرات الصبر:

إنك تستوحي مما سبق أن من ثمرات الصبر: الرضا، والطمأنينة، والشعور
بالسعادة، وتحقيق العزة والكرامة والخير، واستحقاق التأييد من الله عز وجل،
والعون والنصرة والمحبة، وفوق هذا كله تلك الثمرة الأخروية، التي تتمثل
بذلك النعيم المقيم، الذي يحوزونه موَفَّراً بغير حساب: {إِنَّمَا يُوَفَّى
الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [ الزمر:10] في جنة عرضها
السماوات والأرض.

ويتوجه رب العزة بالمغفرة والفوز والرضوان:
{إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ
الْفَائِزُونَ} [المؤمنون: 111] {وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ
إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [
البقرة: 155-156-157].

الفرج مع الكرب:

قد تتوالى
على الإنسان مصائب ومحن ويتعرض لصنوف البلاء، وتشتد عليه الأمور وتضيق به،
حتى يصل إلى حال من شأنها أن تجعل الحزن والغم يأخذ بنفسه ويقع في الكرب،
وكل ذلك اختبار من الله سبحانه، وحتى يشق المؤمن طريقه إلى الجنة بجدارة،
فإذا نجح في الامتحان، فصبر واحتسب على النحو الذي علمت، ولم يضجر ولم
ييأس، وأدرك أن كل ذلك بقضاء الله تعالى وقدره، فرضى به واطمأنت إليه نفسه،
وتداركته عناية الله تعالى، فكشفت ما به من غم، وأجلت من نفسه كل حزن،
وخلصته من كل ضيق، وأنقذته من كل أسى، وكان النصر المبين والفوز العظيم في
الدنيا والآخرة. وعندها يستبين لهذا العبد المؤمن التقي: أن النور ينبثق من
باطن الظلمة، وأن الغيث يخرج من الغيوم القاتمة، وأن ما كان فيه من كرب
إنما هو لخير أُريد به، وأن الفرج في طياته وجنباته، وأن ذلك لم يكن إلا
لينقطع العبد الصادق عن كل ما سوى الله عز وجل، ويرتبط قلبه بخالقه وحده،
الذي استيقن أن الأمر كله بيده. واقرأ في هذه المعاني قول الله عز وجل:
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ
الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ
وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى
نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [ البقرة: 214].



ما يستفاد من الحديث:

إذا كانت الدابة قوية، ويعلم راكبها أو صاحبها أنها تُطيق أكثر من
واحد، له أن يردف وراءه واحداً أو أكثر حسب طاقتها، وإذا كان يعلم أنها لا
تطيق لم يجز له ذلك.

1- يحسن للمعلم أن يلفت انتباه المتعلم،
ويذكر له أنه يريد أن يعلمه، قبل أن يبدأ بإعطاء المعلومات إليه، ليكون
أوقع في نفسه، ويشتد شوقه للعلم ويقبل عليه برغبة.

2- من كان على حق ودعا إليه، أو أمر بالمعروف، أو نهى عن المنكر، فإنه لا يضره كيد الظالمين ولا مكر أعداء الله المبطلين.

3-
على المسلم أن يقومَ بواجبه من فعل الطاعات، وترك المنكرات، والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، دون أن يصغي لمن يخيفه من العواقب، من ضعفاء
الإيمان واليقين، لأن ما قُدِّر له لا بد أن يصيبه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.halimb.yoo7.com
عبدالله ناجح
عضو متّألق
عضو متّألق
عبدالله ناجح


الإسم الحقيقي : ABDALLAH NAJIH
البلد : ROYAUME DU MAROC

عدد المساهمات : 12530
التنقيط : 79238
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 16/09/2010
الجنس : ذكر

 الأربعين النووية 1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأربعين النووية 1    الأربعين النووية 1 I_icon_minitimeالجمعة 22 أبريل 2011, 06:03

الحديث العشرون:

الحَياءُ مِنَ الإِيمَان

أهمية الحديث

مفردات الحديث

المعنى العام: 1-الحياء نوعان 2-ما يذم من الحياء 3-ثمرات الحياء 4-واجب الآباء والمربين)

ما يستفاد من الحديث



عن
أبي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بن عمرو الأَنْصَارِيّ البَدْرِيّ رضي اللهُ عنه
قال : قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مما أَدْرَكَ النَّاسُ
مِنْ كَلامِ النُّبُوةِ الأولى: إِذا لمْ تَسْتَحْي فاصْنَعْ ما شِئْتَ".
رواه رواه البخاري.



أهمية الحديث:

إذا كان
معنى الحياء امتناع النفس عن فعل ما يعاب، وانقباضها من فعل شيء أو تركه
مخافة ما يعقبه من ذم، فإن الدعوة إلى التخلق به وملازمته إنما هي دعوة إلى
الامتناع عن كل معصية وشر، وإلى جانب ذلك فإن الحياء خصلة من خصال الخير
التي يحرص عليها الناس، ويرون أن في التجرد عنها نقصاً وعيباً، كما أنه من
كمال_الإيمان وتمامه.

مفردات الحديث:

"من كلام النبوة": مما اتفق عليه الأنبياء، ومما ندب إليه الأنبياء.

"فاصنع ما شئت": صيغة الأمر هنا: إما أن تكون على معنى التهديد
والوعيد، والمعنى : إذا نُزِعَ منك الحياء فافعل ما شئت فإنك مجازى عليه.
وإما أن تكون على معنى الإباحة، والمعنى : إذا أردت فعل شيء وكان مما لا
تستحي من فعله أمام الله والناس فافعله.

معنى الحديث:

"فاصنع
ما شئت". أمرٌ بمعنى التهديد والوعيد، فكأنه صلى الله عليه وسلم يقول: إذا
لم يكن عندك حياء فاعمل ما شئت، فإن الله سيجازيك أشد الجزاء، وقد ورد مثل
هذا الأمر في القرآن الكريم خطاباً للكفار {اعملوا ما شئتم} [فصلت: 40].

الحياء نوعان:

أحدهما الحياء الفطري: وهو ما كان خَلْقاً غير مكتسب، يرفع من يتصف
به إلى أَجَلِّ الأخلاق، التي يمنحها الله لعبد من عباده ويفطره عليها،
والمفطور على الحياء يكف عن ارتكاب المعاصي والقبائح ودنيء الأخلاق، ولذا
كان الحياء مصدر خير وشعبة من شعب الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم:
"الحياء شعبة من شعب الإيمان".

وثانيهما الحياء المكتسب: وهو
ما كان مكتسباً من معرفة الله ومعرفة عظمته وقربه من عباده، واطلاعه عليهم،
وعلمه سبحانه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، والمسلم الذي يسعى في كسب
وتحصيل هذا الحياء إنما يحقق في نفسه أعلى خصال الإيمان وأعلى درجات
الإحسان.

وإذا خلت نفس الإنسان من الحياء المكتسب، وخلا قلبه من
الحياء الفطري، لم يبق له ما يمنعه من ارتكاب القبيح والدنيء من الأفعال،
وأصبح كمن لا إيمان له من شياطين الإنس والجن.

ما يذم من
الحياء: عندما يكون الحياء امتناع النفس عن القبائح والنقائص فإنه خُلُقٌ
يُمدح في الإنسان، لأنه يكمل الإيمان ولا يأتي إلا بخير، أما عندما يصبح
الحياء زائداً عن حده المعقول فيصل بصاحبه إلى الاضطراب والتحير، وتنقبض
نفسه عن فعل الشيء الذي لا ينبغي الاستحياء منه، فإنه خلق يذم في الإنسان،
لأنه حياء في غير موضعه، وخجل يحول دون تعلم العلم وتحصيل الرزق، وقد قيل:
حياء الرجل في غير موضعه ضعف. فإن الحياء الممدوح الذي يحث على فعل الجميل
وترك القبيح، فأما الضعف والعجز الذي يوجب التقصير في شيء من حقوق الله أو
حقوق عباده فليس هو من الحياء، فإنما هو ضعف وخَوَر.

تتزين
المرأة المسلمة بالحياء، وتشارك الرجل في إعمار الأرض وتربية الأجيال
بطهارة الفطرة الأنثوية السليمة، فالفتاة القويمة تستحي بفطرتها عند لقاء
الرجال والحديث معهم، ولكنها لطهارتها واستقامتها لا تضطرب، الاضطرابَ الذي
يطمع ويغري ويهيج، إنما تتحدث في وضوح بالقدر المطلوب ولا تزيد.


أما المرأة التي توصف في زماننا بالاسترجال والسفور والتبرج والاختلاط
بالرجال الأجانب من غير ضرورة شرعية، فهذه لم تَتَرَبَّ في مدرسة القرآن
والإسلام، واستبدلت بالحياء وطاعت الله تعالى وقاحة ومعصية وفجوراً.

ثمرات الحياء: من ثمرات الحياء العفة، فمن اتصف بالحياء حتى غلب على جميع أفعاله، كان عفيفاً بالطبع لا بالاختيار.

واجب الآباء والمربين: إن واجب الآباء والمربين في المجتمع المسلم أن
يعملوا جاهدين على إحياء خلق الحياء، وأن يسلكوا في سبيل ذلك الطرق
التربوية المدروسة، والتي تشمل مراقبة السلوك والأعمال الصادرة من الأطفال
وتقويم ما يتناقض مع فضيلة الحياء، واختيار الرفاق الصالحين وإبعاد رفاق
السوء، والتوجيه إلى اختيار الأطفال للكتب المفيدة، وإبعادهم عن مفاسد
الأفلام والمسرحيات الهزلية، والكلمات السوقية.

ما يستفاد من
الحديث : يرشدنا إلى أن الحياء خير كله، ومن كثر حياؤه كثر خيره، ومن قل
حياؤه قل خيره. لا حياء في تعليم أحكام الدين، ولا حياء في طلب الحق.





الحديث الحادي والعشرون:

الاستقامةُ والإِيمَان

مفردات الحديث

المعنى العام:(1-استقامة القلب 2-استقامة اللسان 3-فوائد الاستقامة)

ما يستفاد من الحديث


عن أبي عَمْرو، وَقِيلَ: أبي عَمْرَةَ، سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ
الثّقَفيِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَال: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله، قُلْ لي في
الإِسْلاَمِ قَوْلاً، لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَداً غَيْرَكَ. قَال: "قُلْ:
آمَنْتُ باللهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ". رواه مسلم.



مفردات الحديث:

"في الإسلام": أي في عقيدته وشريعته.

"قولاً": جامعاً لمعاني الدين، واضحاً لا يحتاج إلى تفسير.

"قل آمنت بالله": جدد إيمانك بالله متذكراً بقلبك ذاكراً بلسانك لتستحضرَ جميع تفاصيل أركان الإيمان.

"ثم استقم": أي داومْ واثبت على عمل الطاعات، والانتهاء عن جميع المخالفات.

المعنى العام:

معنى الاستقامة: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم "قل آمنت بالله ثم
استقم" مأخوذ من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ
ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا
وَلا تَحْزَنُوا..} [فصلت: 30] وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا
رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ} [الأحقاف: 13]. والمراد: الاستقامة على التوحيد الكامل.

والاستقامة درجة بها كمال الأمور، وبوجودها حصول الخيرات ونظامها،
ومن لم يكن مستقيماً في حالته ضاع سعيه وخاب جِدّه. والاستقامة هي سلوك
الصراط المستقيم، وهو الدين القويم من غير تعويج عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل
ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها كذلك، فصارت
هذه الوصية جامعة لخصال الخير كلها.

استقامة القلب: وأصل
الاستقامة استقامة القلب على التوحيد، ومتى استقام القلب على معرفة الله
وعلى خشيته، وإجلاله ومهابته ومحبته، وإرادته ورجائه ودعائه، والتوكل عليه
والإعراض عما سواه، استقامت الجوارح كلها على طاعته، لأن القلب هو ملك
الأعضاء وهي جنوده، فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله،
وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" رواه البخاري ومسلم. [انظر
الحديث 6]

استقامة اللسان: وأعظم ما يراعى استقامته بعد القلب
من الجوارح اللسان، فإنه ترجمان القلب والمعبِّر عنه، ويؤكد هذا ما ورد في
رواية الترمذي : "قلت: يا رسول الله ما أخوف ما يخاف عليّ ؟ فأخذ بلسان
نفسه". وما رواه الإمام أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه".

فوائد الاستقامة: إن الاستقامة ثبات وانتصار، ورجولة وفوز في معركة
الطاعات والأهواء والرغبات، ولذلك استحق الذين استقاموا أن تتنزل عليهم
الملائكة في الحياة الدنيا، ليطردوا من حياتهم الخوف والحزن، وليبشروهم
بالجنة، وليعلنوا وقوفهم إلى جانبهم في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ
عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا
بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي
أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلا مِنْ غَفُورٍ
رَحِيمٍ} [فصلت: 30].

ما يستفاد من الحديث: يرشد الحديث إلى الأمر
بالاستقامة على التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده. وحرص الصحابة على تعلّم
دينهم والمحافظة على أيمانهم .



الحديث الثاني والعشرون:

طَريقُ الجَنَّةِ

مفردات الحديث

المعنى
العام:(1-التزام الفرائض وترك المحرمات أساس النجاة 2-صدق المسلم وصراحته
3-الزكاة والحج فريضتان محكمتان 4-أهمية الصلاة والصيام 5-فعل الواجب وترك
المحرم وقاية من النار 6-الإتيان بالنوافل زيادة قرب من الله تعالى
7-التحليل والتحريم تشريعٌ لا يكون إلا لله تعالى 8-الحِنث باليمين والبِرّ
به)

ما يستفاد من الحديث




عَنْ أبي عَبْدِ اللهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ رَضي
اللهُ عَنْهُما أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم
فَقال: أَرَأَيْتَ إذَا صَلَّيْتُ الصَّلَواِت الْمكْتُوباتِ، وَصُمْتُ
رَمَضانَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلاَلَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ
على ذِلكَ شَيْئاً، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ ؟ قال: "نَعَمْ". رواه مسلم

وَمَعْنى حَرَّمْتُ الْحَرَامَ: اجْتَنَبْتُهُ، وَمَعْنى أَحْلَلْتُ الْحَلاَلَ : فَعَلْتُهُ مُعْتَقِداً حِلَّهُ.

مفردات الحديث:

"رجلاً": هو النعمان بن قوقل الخزاعي.

"أرأيت": الهمزة للاستفهام، ورأى مأخوذة من الرأي، والمراد: أخبرني وأفتني.

"المكتوبات": المفروضات، وهي الصلوات الخمس.

"الحلال": هو المأذون في فعله شرعاً.

"الحرام": كل ما منع الشرع من فعله على سبيل الحتم.

"أأدخل الجنة ؟": مع السابقين، من غير سبق عذاب.

المعنى العام:

يحدثنا جابر رضي الله عنه عن ذلك المؤمن المتلهف إلى جنة عرضها
السماوات والأرض أُعِدَّت للمتقين، إذ جاء يسأل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن طريقها، ويستفتيه عن عمل يدخله فسيح رحابها، فيدله رسول الله صلى
الله عليه وسلم على بغيته، وتتحقق لها أمنيته.

التزام الفرائض
وترك المحرمات أساس النجاة : لقد سأل النعمان رضي الله عنه رسول الله صلى
الله عليه وسلم: هل إذا استمر في أداء الصلاة المفروضة عليه بقوله تعالى:
{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}
[النساء: 103]. أي فرضاً محدداً بوقت ؟.

ثم إذا أدرك شهر
رمضان المفروض عليه صيامه بقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ
فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى
وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:
185] قام بصيامه، ملتزماً لآدابه ومراعياً لحرمته ؟ .

ثم وقف
عند حدود الله تعالى فيما أحل أو حرم، فلم يحل حراماً ولم يحرم حلالاً، بل
اعتقد حل ما أحله الله وحرمة ما حرمه، فاجتنب الحرام مطلقاً، وفعل من
الحلال الواجب منه ؟.

سأل: هل إذا فعل ذلك كله، ولم يستزد من الفضائل المستحبة والمرغوب فيها

-
كفعل النوافل وترك المكروهات، والتورع عن بعض المباحات أحياناً - هل يكفيه
ذلك للنجاة عند الله تعالى ويدخله الجنة، التي هي منتهى أمله ومبتغاه، مع
المقربين الأخيار والسابقين الأبرار، دون أن يمسه عذاب أو يناله عقاب؟.

ويجيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يطمئن نفسه، ويشرح صدره، ويفرح قلبه، ويشبع رغبته، ويحقق لهفته، فيقول له: "نعم".

أخرج النسائي وابن حبان والحاكم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : "ما من عبد يُصلِّي الصلواتِ الخمس، ويصومُ رمضان، ويُخرجُ الزكاة،
ويجتنبُ الكبائرَ السبع، إلا فُتحت له أبوابُ الجنة يدخل من أيها شاء". ثم
تلا: {إن تجتنبوا كبائرَ ما تُنهون عنه نُكَفِّرْ عنكم سيئاتكم
ونُدْخِلْكُم مُدْخلاً كريماً} [النساء: 31].

والكبائر السبع،
هي: الزنا، وشرب الخمر، والسحر، والاتهام بالزنا لمن عُرِف بالعفة، والقتل
العمد بغير ذنب، والتعامل بالربا، والفرار من وجه أعداء الإسلام في ميادين
القتال.

وموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا يدل على يسر
الإسلام، وأن الله تعالى لم يكلف أحداً من خلقه ما فيه كلفة ومشقة، وهو
سبحانه القائل: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ
الْعُسْرَ} [البقرة: 185]. فالتكاليف في الشريعة الإسلامية كلها متصفة
باليسر، وضمن حدود الطاقة البشرية.

صدق المسلم وصراحته: إن
النعمان رضي الله عنه كان مثال المؤمن الصريح بقلبه وقالبه، فهو لا يريد أن
يتظاهر بالتقوى والصلاح مما ليس في نفسه أن يفعله، أو لا يقوم به فعلاً،
بل هو إنسان يريد النجاة والفلاح، وهو على استعداد أن يلتزم كل ما من شأنه
أن يوصله إلى ذلك.

الزكاة والحج فريضتان محكمتان: فالتزام هذين الركنين ممن وجبا عليه، شرط أساسي في نجاته من النار ودخوله الجنة دون عذاب.

ولم يذكرهما النعمان رضي الله عنه بخصوصهما - كما ذكر الصلاة والصوم -
إما لأنهما لم يفرضا بعد، وإما لكونه غير مكلف بهما لفقره وعدم استطاعته،
أو لأنهما يدخلان في تعميمه بعدُ بقوله: وأحللت الحلال وحرمت الحرام، فإنه
يستلزم فعل الفرائض كلها، لأنها من الحلال الواجب، وتركها من الحرام
الممنوع.

أهمية الصلاة والصيام: إن تصدير هذا السائل سؤاله
بأداء الصلوات المفروضة، يدل دلالة واضحة على ما استقر في نفوس الصحابة رضي
الله عنهم من تعظيم أمرها والاهتمام بها، وكيف لا ؟ وهي عماد الدين،
وعنوان المسلم يؤديها في اليوم والليلة خمس مرات، محافظاً على أركانها
وواجباتها، وسننها وآدابها. [انظر الحديث 3]

وأما الصوم:
فهو في المرتبة الثانية بعد الصلاة، وإن كان لا يقل عنها في الفرضية، فقد
أجمعت الأمة على أنه أحد أركان الإسلام التي عُلمت من الدين بالضرورة.
[انظر الحديث 3]

فعل الواجب وترك المحرم وقاية من النار:
الأصل في عبادة الله عز وجل المحافظة على الفرائض مع ترك المحرمات، فمن فعل
ذلك فاز أيما فوز وأفلح أيما فلاح، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال: يا رسول الله، شهدتُ أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله،
وصلَّيت الخمس، وأديت زكاة مالي، وصمت شهر رمضان ؟. فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : "من ماتَ على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم
القيامة هكذا - ونصبَ أُصبعيه - ما لم يعقَّ والديه". يعق من العقوق، وهو
عدم الإحسان إلى الوالدين كما أمر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم.

الإتيان بالنوافل زيادة قرب من الله تعالى وكمال: والمسلم الذي يرجو
النجاة، وتطمح نفسه إلى رفيع الدرجات عند الله عز وجل، لا يترك نافلة ولا
يقرب مكروهاً، ولا يفرق فيما يطلب منه بين واجب أو مفروض أو مندوب، كما لا
يفرق فيما نهي عنه بين محرم أو مكروه.

وهكذا كان أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم عامة يفعلون، لا يفرقون فيما أُمِروا به أو نُهُوا
عنه، بل يلتزمون قول الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. رغبة في الثواب، وطمعاً
في الرحمة والرضوان، وإشفاقاً من المعصية والحرمان.

ونحن إذ
نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقر ذلك الصحابي على إعلانه: "والله لا
أزيد على ذلك شيئاً "، ولا ينبهه إلى فضل الزيادة والتطوع، نعلم أنه صلى
الله عليه وسلم فعل ذلك تيسيراً عليه وتسهيلاً، وتعليماً للقادة والهداة
إلى الله عز وجل: أن يبثُّوا روح الأمل في النفوس، وأن يتخلقوا بالسماحة
والرفق، وتقريراً لما جاء به الإسلام من التيسير ورفع الحرج. على أنه صلى
الله عليه وسلم يعلم أن هذا المؤمن التقي حين يعبد الله عز وجل بما افترض
عليه، ويصل به قلبه، ينشرح صدره، ويشعر باطمئنان نفسي ومتعة روحية، فيحمله
كل ذلك على الشغف بالعبادة، والرغبة في الزيادة من مرضاة الله عز وجل،
بأداء النوافل وترك المكروه.

التحليل والتحريم تشريع، لا يكون
إلا لله تعالى: إن أصل الإيمان: أن يعتقد المسلم حِلَّ ما أحلَّه الله عز
وجل وحرمة ما حرمه، سواء فعل المحرم أم ترك الحلال، فإن زعم إنسان لنفسه
أنه يستطيع أن يحرم ما ثبت حله في شرع الله عز وجل، أو يحلل ما ثبتت حرمته،
فإنه بذلك يتطاول على حق الله عز وجل، الذي له وحده سلطة التشريع،
والتحليل والتحريم، فمن اعتقد أن له أن يشرع خلاف ما شرعه الله عز وجل،
وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو يشرع بهواه دون التزام قواعد
التشريع الإسلامي، فقد خرج عن الإسلام، وبرئ منه الله تعالى ورسوله صلى
الله عليه وسلم. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ
اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87]. وقد ثبت أنها نزلت في
بعض الصحابة الذين أرادوا أن يحرموا على أنفسهم بعض الطيبات تقشفاً وزهداً،
فقال لهم صلى الله عليه وسلم : "لكني أُصلِّي وأنام، وأصومُ وأُفطر،
وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". رواه البخاري ومسلم.


الحِنْث باليمين والبِرُّ به: من حلف أن يفعل خيراً وما فيه طاعة
فالأفضل له البر بيمينه، أي أن يفعل ما حلف على فعله لقوله تعالى:
{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] أي احفظوها عن أن تحنثوا فيها.
ومن حلف على ترك واجب أو فعل معصية وجب عليه الحنث بيمينه، أي أن يخالف
يمينه ولا يفعل ما أقسم على فعله، روى أبو داود وغيره، عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال :"من حلف على معصية فلا يمين له".

وأفاد الحديث:

أن على المسلم أن يسأل أهل العلم عن شرائع الإسلام، وما يجب عليه وما
يحلُّ له وما يحرم، إن كان يجهل ذلك، ليسيرَ على هدى في حياته : وتطمئنَ
نفسُه لسلامة عمله.

كما أفاد: أن على المعلم أن يتوسع بالمتعلم : ويبشره بالخير، ويأخذه باليسر والترغيب.

ومن
حلف على ترك خيرٍ غير واجب عليه، فالأفضل في حقه أن يحنث، لأنه خير له،
روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمينٍ ورأى غيرها خيراً
منها، فليأتِ الذي هو خير وليُكَفِّر عن يمينه" .





الحديث الثالث والعشرون:

كُلُّ خَيرٍ صَدَقة

مفردات الحديث

المعنى
العام:(1-الطهارة وثوابها 2-من خصال الإيمان 3-طهارة القلب 4-ذكر الله
تعالى وشكره 5-اطمئنان القلب 6-الإكثار من الذكر 7-الصلاة نور 8-الصدقة
برهان 9-القرآن حجة )

ما يستفاد من الحديث


عن أبي مالكٍ الحارِثِ بنِ عاصِمٍ الأَشْعَرِيِّ رضي اللهُ عنهُ قال : قال
رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيَمانِ، والحمدُ
لِلهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ، وسُبْحانَ اللهِ والحمدُ لِلهِ تَمْلآنِ - أو
تَمْلأُ - ما بَيْنَ السَّماواتِ والأرضِ، والصَّلاةُ نورٌ، والصَّدَقَةُ
بُرْهانٌ، والصَّبْرُ ضِيَاءٌ، والْقُرآنُ حُجَّةٌ لَكَ أو عَلَيْكَ، كُلُّ
النَّاسِ يَغْدو، فَبائعٌ نَفْسَهُ، فَمُعْتِقُها أَو مُوبِقُها". رواه
مسلم.

مفردات الحديث:

الطُّهور: فعلٌ يترتب عليه رفع حَدَث - كالوضوء والغسل-، أو إزالة نجس، كتطهير الثوب والبدن والمكان، أو المراد الوضوء فقط.

"شطر": نصف.

"الحمد لله": الثناء الحسن على الله تعالى لما أعطى من نِعَم، والمراد هنا : ثواب لفظ الحمد لله.

"الميزان": كِفَّة الحسنات من الميزان الذي توزن به أعمال العباد يوم القيامة.

"سبحان الله": تعظيم الله تعالى وتنزيهه عن النقائص، والمراد هنا ثواب لفظ سبحان الله.

"الصلاة نور": أي تهدي إلى فعل الخير كم يهدي النور إلى الطريق السليم.

"برهان": دليل على صدق الإيمان.

"الصبر": حبس النفس عما تتمنى، وتحملها ما يشق عليها، وثباتها على الحق رغم المصائب.

"ضياء": هو شدة النور، أي بالصبر تنكشف الكُرُبات.

"حجة": برهان ودليل ومرشد ومدافع عنك.

"يغدو": يذهب باكراً يسعى لنفسه.

"بائع نفسه": لله تعالى بطاعته، أو لشيطانه وهواه بمعصية اللهتعالى وسخطه.

"مُعتقها": مخلِّصها من الخِزي في الدنيا، والعذاب في الآخرة.

"موبقها": مهلكها بارتكاب المعاصي وما يترتب عليها من الخزي والعذاب.

المعنى العام :

الطهارة وثوابها: الطهارة شرط لصحة العبادة، وعنوان محبة الله تعالى.
فلقد بين صلى الله عليه وسلم، مُطَمْئِناً المسلمين الخاشعين، أن ما يقوم
به المؤمن من طهارة لبدنه وثوبه - استعداداً لمناجاة ربه - أثر هام وبارز
من آثار إيمانه، إذ يعبر به عن إذعانه لأمره، واستجابته لندائه.{وَإِنْ
كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].وقال: {وثيابَكَ فَطَهِّر}
[المدثر: 4]. فيقوم ويحتمل المكاره، ليقف بين يدي الله تعالى نقياً تقياً،
حسن الرائحة والسمت كما أحسن الله خلقه، وقد وجبت له محبة الله عز وجل: {إن
الله يُحب التوَّابين ويحبُّ المتطهرين} [البقرة: 222].

لقد
بَيَّن صلى الله عليه وسلم أن أجر الطهارة، من وضوء وغيره، يتضاعف عند الله
تعالى حتى يبلغ نصف أجر الإيمان، وذلك لأن الإيمان يمحو ما سبقه من
الخطايا الكبيرة والصغيرة، والطهارة - وخاصة الوضوء - تمحو ما سبقها من
خطايا صغيرة، فكانت كنصف الإيمان.

روى مسلم، عن عثمان رضي
الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ فأحسنَ الوضوءَ خرجت
خطاياه من جسده، حتى تخرج من تحت أظفاره".

والإيمان تنظيف
للباطن من الأدران المعنوية، كالشرك بالله تعالى والنفاق وما أشبه ذلك،
والطُّهور تنظيف للظاهر من الأدران الحسية.

من خصال الإيمان:
الوضوء من خصال الإيمان الخفية، التي لا يُحافظ عليها إلا المؤمن، قال عليه
الصلاة والسلام: "لن يُحافظَ على الوضوء إلا مؤمن" رواه ابن ماجه والحاكم.
لأنه أمر غير ظاهر، إلى جانب ما فيه من المكاره، ولذا كان المحافظ عليه
أسبق إلى دخول الجنة.

روى ابن خزيمة في صحيحه: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أصبحَ يوماً فدعا بلالاً فقال: "يا بلال، بم سبقتني إلى
الجنة ؟ إني دخلت البارحة الجنة، فسمعت خشخشتك أمامي" فقال بلال : يا رسول
الله، ما أذَّنْتُ قط إلا صَلَّيْتُ ركعتين، ولا أصابني حدث قط إلا توضأت
عنده. فقال صلى الله عليه وسلم: "لهذا".

ذِكْرُ الله تعالى
وشكره: إن التعبير عن شكر الله عز وجل بالإكثار من ذكره، ولا سيما بما ورد
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صيغ وألفاظ، يملأ ثوابه كفة ميزان
الأعمال الصالحة يوم القيامة، ففي مسند أحمد رحمه الله تعالى، عن أبي سعيد
وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله
اصطفى من الكلام أربعاً : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله
أكبر، فمن قال: سبحان الله كُتبت له عشرون حسنة وحُطَّتْ عنه عشرون سيئة،
ومن قال : الله أكبر مثل ذلك، ومن قال: لا إله إلا الله مثل ذلك، ومن قال :
الحمد لله مثل ذلك، ومن قال الحمد لله رب العالمين من قبل نفسه كُتبت له
ثلاثون حسنة، وحُطَّت عنه ثلاثون سيئة".

فمن عبر عما سبق
بلسانه، معتقداً بما تلفظ بملء قلبه ونفسه، مستحضراً لمعانيها بفكره وعقله،
فإنه ينال جزاءً عظيماً، لو كان يقاس بالمساحات ويقدر بالأحجام لَسَدَّ ما
بين السماوات والأرض، وكان له سُلَّماً يصعد عليه إلى درجات العلى.

اطمئنان القلب: لا بد حال الذكر من استحضار القلب وفهم المعاني ما
أمكن، حتى يكون لذلك أثر في نفس المسلم، فيطمئن قلبه ويستقيم سلوكه :
{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا
بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].


الإكثار من الذكر: المؤمن في حاجة ماسة إلى اطمئنان قلبه واستقرار نفسه،
ولذا لابد له أن يكثر من ذكر الله عز وجل، حتى يكون دائماً على صلة به،
معتمداً عليه، مستمداً لعونه ونصرته، طالباً لعفوه ومغفرته، حتى يذكره الله
تعالى في ملكوته، فيشمله بفضله ورحمته، ويُسَلِّكه مسالك الهدى والحق:{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا *
وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ
وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ
بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:41-43].

بكرة وأصيلاً: عند طلوع الشمس وعند ميلانها للغروب والمراد : جميع الأوقات.

الصلاة نور: الصلاة فريضة محكمة وركن أساسي من أركان الإسلام، وهي -
كما بين صلى الله عليه وسلم - نور مطلق تدل صاحبها على طريق الخير، وتمنعه
من المعاصي، وتهديه سبيل الاستقامة، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى
عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] فهي نور معنوي يستضاء به
في طرق الهداية والحق، كما يُستضاء بالضياء المادي إلى الطريق القويم
والسلوك السليم، وهي تكسب المسلم الهيبة والبهاء في الدنيا، كما تشع النور
على وجهه يوم القيامة: {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَبِأَيْمَانِهِمْ} [التحريم: 8]. وقال تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ
مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29].

الصلاة صلة العبد
بربه، ومناجاته لخالقه، ولهذا كانت قرة عين المتقين، يجدون فيها الراحة
والسكينة والأمن، وكان صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه -أمر أي: أصابه-
قال: "يا بلال أقم الصلاة، وأرحنا بها" رواه أبو داود.

الصدقة برهان: البرهان هو الشعاع الذي يلي وجه الشمس، ومنه سميت الحجة القاطعة برهاناً لوضوح دلالتها على ما دلت عليه.

فكذلك الصدقة برهان على صحة الإيمان، وطيب النفس بها علامة على وجود الإيمان وطعمه.

طهارة وصدق: المسلم الطاهر النظيف من الأوساخ المادية، المعبر عن
شكره لله بقوله، مؤدياً حق الله في عبادته، طاهر نظيف من الأوساخ المعنوية،
ومن أبرزها الشح والبخل، فالمسلم أبداً سخي كريم، سَمْحٌ جَوَادٌ، فلا
يجتمع بخل وإيمان في قلب امرئ واحد، قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ
نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].


الصبر ضياء: الضياء هو النور الذي يحصل فيه نوع حرارة وإحراق، كضياء الشمس،
بخلاف القمر فإنه نور محض فيه إشراق بغير إحراق، وكان الصبر ضياء لأنه شاق
على النفوس، يحتاج إلى مجاهدة النفس وحبسها وكفها عما تهواه.


الصبر طريق النصر: لا يزال المسلم على صواب ما استمر في صبره، وذلك أن
الإنسان يعيش في الدنيا تحوفه الشدائد، وتحيط به المصائب، وكل ذلك يحتاج
إلى ثبات وقوة، وإلا تلاشى الإنسان وضاع، وما أكثر ما يحتاج المسلم في
حياته إلى الصبر، فالطاعة تحتاج إلى صبر، وترك المعصية يحتاج إلى صبر،
وتحمل المكاره والمصائب يحتاج إلى صبر، ولذلك كان التخلق بالصبر قوة لا
تساويها قوة، ونوراً عظيماً لا يزال صاحبه مستضيئاً به، مهتدياً إلى الحق
مستمراً على الصواب.

القرآن حجة: المسلم منهاجه القرآن،
وإمامه كتاب الله تعالى: يهتدي بهديه، ويأتمر بأمره، وينتهي بنهيه، ويتخلق
بأخلاقه، فمن فعل ذلك انتفع بالقرآن إذا تلاه، وكان دليلاً له يدله على
النجاة في الدنيا وبرهاناً يدافع عنه يوم القيامة، ومن تنكب الطريق وانحرف
عن تعاليم القرآن، كان القرآن خصمه يوم القيامة.

شفاء المؤمن
وداء الكافر والمنافق: والمؤمن يجد في كتاب الله تعالى شفاء له من الأدواء
المادية والمعنوية، كلما قرأه وتدبره أشرقت روحه، وانشرح صدره، وسرى سر
الحياة في عروقه. وغير المؤمن إذا سمع القرآن اضطرب وغمت نفسه، وظن أن
الهلاك نازل به. قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ
وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا}
[الإسراء: 82].

طريق الجنة: يختم صلى الله عليه وسلم توجيهاته
الرائعة وعظاته الباهرة ببيان أصناف الناس، إذ الناس جميعاً يصبحون كل يوم
ويمسون، ولكنهم ليسوا على حالة واحدة، فهناك من قضى ليله أو نهاره في طاعة
الله سبحانه وتعالى ومرضاته، يلتزم الصدق في معاملته مع الله عز وجل ومع
الناس، فأنقذ نفسه من الهلاك وخلصها من العذاب، فهو حر النفس، حر الفكر
والعقل، حر الإرادة، لم يقبل قيمة لنفسه إلا الجنة الخالدة والنعيم الأبدي
المقيم. وهناك من قضى ليله أو نهاره في معصية الله تعالى، ومخالفة أوامره
في شؤونه العامة والخاصة، مع الله تعالى ومع الخلق، فأهلك نفسه وأوردها
المخاطر، وباعها بثمن بخس: شقاء في الدنيا وسجن في جحيم أبدي في العقبى، إذ
كان أسير شهوته وهواه، وطوع شيطانه ونفسه: "كل الناس يغدو فبائع نفسه
فمعتقها أو موبقها". كل إنسان : إما ساع في هلاك نفسه أو في فكاكها، فمن
سعى في طاعة الله فقد باع نفسه لله وأعتقها من عذابه، ومن سعى في معصية
الله تعالى فقد باع نفسه بالهوان وأوقعها بالآثام الموجبة لغضب الله عز وجل
وعقابه. قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا
وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ
دَسَّاهَا} [الشمس: 7 - 10]. والمعنى: قد أفلح من زكى نفسه بطاعة الله،
وخاب من زجها في المعاصي.

شهادة مقبولة منجية: ويستعين
المؤمن على عتق نفسه من النار بصقل إيمانه وتمتين يقينه بذكر الله تعالى.
قال صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يصبح أو يمسي: اللهم إني أصبحت أشهدك
وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا
شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك. أعتق الله ربعه من النار، فمن قالها
مرتين أعتق الله نصفه من النار، ومن قالها ثلاثاً أعتق الله ثلاثة أرباعه
من النار، فإن قالها أربعاً أعتقه الله من النار". رواه أبو داود. وذلك أن
هذه الشهادة تبعث في نفسه خشية الله عز وجل، والرغبة في طاعته والرهبة من
معصيته، فتكون سبباً في بعده عن النار وقربه من رضوان الله عز وجل.

ومما يرشد إليه الحديث:

أن الأعمال توزن، ولها خفة وثقل، دل على ذلك نصوص الكتاب والسنة، وعليه إجماع الأمة.

المحافظة على الصلوات بأوقاتها، وأدائها كاملة بأركانها وواجباتها وسننها وآدابها، بعد تحقق شروطها كاملة.

الإكثار من الإنفاق في وجوه الخير، والمسارعة إلى سد حاجة الفقراء
والمعوزين، والبحث عن الأرامل واليتامى والفقراء المعففين والإنفاق عليهم،
لتكون الصدقة خالصة لوجهه تعالى.

الصبر على الشدائد، وخاصة على ما ينال المسلم نتيجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى.

القرآن دستور المسلم، فعليه الإقبال على تلاوته مع تفهم معناه والعمل بمقتضاه.

المسلم يسعى لأن يستفيد من وقته وعمره في طاعة الله عز وجل، ولا يشغل
نفسه إلا بمولاه سبحانه، وما يعود عليه بالنفع في معاشه ومعاده.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.halimb.yoo7.com
 
الأربعين النووية 1
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الأربعين النووية 2
» الفيزياء النووية : النظائر الغير المستقرة
» تمارين و حلول ...السلسلة 1 التناقص الإشعاعي ... الفيزياء النووية
» تمارين و حلول ...السلسلة 2 النوى ، الطاقة و الكثلة ... الفيزياء النووية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: منتديات مختلفة... DIVERS :: اسلاميات /فقه / حديث / سنة ...-
انتقل الى: