بسم الله الرحمن الرحيم
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
((استحيوا من الله حق الحياء,قالوا:انا لنستحي من الله والحمد لله ! قال:ليس ذاك .
من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى , وليحفظ البطن وما حوى , وليذكر الموت و البلى ,
ومن أراد الأخرة ترك زينة الحياة الدنيا .من فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء))
رواه الترمذي
استحيوا : الحياء هو انقباض النفس عن اتيان أمر مخالف الذم , وهو نوعان .
حياء ممدوح, وحياء مذموم....فالممدوح مثل أن يترك القبيح حياء من الله
والمذموم مثل أن يترك المطالبة بحقوقه, أو يترك السؤال في أمور دينه وفي حديث عائشة رضي الله عنها
((رحم الله نساء الأنصار ما منعهن الحياء أن يتفقهن في الدين )).قال الله تعالى{ والله لا يستحي من الحق}.
الرأس وما وعى: المراد ما حواه الرأس وما اجتمع فيه من البصر, والسمع , والكلام , فلا يسمع الى فحش
ولا يتكلم بهجر , ولا ينظر الى محرم, قال تعالى:{{ان السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك
كان عنه مسئولا}}
البطن وما حوى: المراد يحفظ نفسه من أكل الحرام ويحفظ فرجه من الفاحشة و الزنى, لأن البطن يحوي
شهوة الطعام , وشهوة الجنس قال تعالى{{والذين هم لفروجهم حافظون }}
البلى : بكسر الباء وفتح اللام بمعنى الفاء و الهلاك
زينة الدنيا: المراد زخرفها وبهرجها الخادع الذي يفتتن به كثير من الناس قال تعالى:{{ولا تمدن عينيك
الى ما متعنا به أزورجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه,ورزق ربك خير وأبقى}}
************************************************** *
في
هذا الحديث الشريف قبس من أقباس النبوة ,وشعلة من شعل الايمان ,يرشدنا
اليها نبي الهدى والرحمة,لنجعلها نبراسا لنا في الحياة ,يضيء أمامنا الطريق
,ويأخذ بأيدينا الى معارج العز و السعادة ...فلا خير في الانسان اذا تعرى
عن الفضائل , ولا قيمة له اذا قفد الحياء و الأخلاق , فالأمم انما تشاد
بأخلاقها ,والمجتمعات انما توزن بآدبها ,واذا لم يكن عند المرء خلق و أدب
فلا خير فيه, وقديما قال شاعرنا العربي:
(( اذا لم تخشى عاقبة الليالي .............. ولم تستحي فاصنع ما تشاء
فلا والله ما في العيش خيـــر .............. ولا الدنيا اذا ذهب الحيـــــــاء
يعيش المرء ما استحيا بخيــر .............. ويبقى العود ما بقي اللحـــاء ))
فالرسول
صلوات الله عليه يدعو أصحابه في هذا الحديث الشريف الى التخلق بخلق الحياء
الكريم الذي هم من صفات المؤمن الكامل ويرشدهم الى حقيقة معنى الحياء.
الحيتاء الذي يحبه الله تعالى ويريده لعباده... الحياء الصادق الذي يعصم
صاحبه من الانحراف , ويجنبه من التردي في مهاوي الزيغ و الضلال ... فيقول
صلوات الله عليه:
((استحيوا من الله حق الحياء.)) فلس امقصود هو مجرد
التضاهر بالحياء, أو التخلق به بالشكل الذي تعارف عليه الناس , بل الغرض أن
يعرف المؤمن حقيقة معنى الحياء , المنبعث من جوهر الايمان .
فالحياء
الحقيقي هو الذي يسمو بصاحبه نحو الكمال , ويرتفع به عن حضيض المعاصي الذي
انغمس فيه كثير من الناس , حيث ساروا مع شهواتهم و أهوائهم , ولم يصونوا
جوارحهم و أعضائهم ... ولذلك فقد نبه عليه الصلاة و السلام الى هذا المعنى
الدقيق حين قال (( من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى
وليحفظ البطن وما حوى, وليذكر الموت والبلى ))
نعم هذا هو الحياء
الحقيقي الذي يدعو اليه نبي الاسلام , وهو أن يحفظ الانسان حواسه , ويحفظ
سمعه وبصره ولسانه , فلا يسمه الى فحش أو هجر , ولا ينضر الى محرم أو شهوة ,
ولا يتكلم بقبيح أو منكر , وكذلك يحفظ بطنه فلا يدخل اليه حراما , ويحفظ
فرجه فلا يرتكب فاحشتاأو يلوث شرفا , ويحفظ يديه ورجليه وسائر أعضائه و
حواسه فلا يمشي الى رجس , ولا يشهد زورا ولا يعتدي على الناس , وهكذا يكون
قد تحقق بمعنى الحياء , والتخلق بذلك الخلق الكريم الطاهر ,الذي كان من خلق
الرسول العظيم... ولقد صدق عليه الصلاة و السلام حين قال ( ان مما أدرك
الناس من كلام النبوة الأولى :اذا لم تستحي فاصنع ما شئت )).