اللحوم ليست مادة أساسية في التغذية كما يزعم وإنما مادة استثنائية في التغذية
لحوم حيوانات المرعى أحسن جودة من الحيوانات المعلوفة بالعلائق المركزة
لما نتكلم عن اللحوم يخطر ببالنا كل أنواع الحيوانات التي يمكن أن تكون مصدرا لهذه المادة، وربما تشمئز النفس لأنها مقرونة بالذبح والدم وتهيئ الحيوان ليعطي لحما. لكن لما نسمع عن اللحوم البيضاء واللحوم الحمراء ربما لا نفهم بعض الأشياء ونبقى بدون نظرة واضحة ومرسخة في أذهاننا، وربما نوضح هذه الأمور حتى يعلم الناس ما يأكلون ليبقى لهم الاختيار، وليعلموا على الأقل لما يصابوا ببعض الأمراض كيف يجب أن يتصرفوا.
إن السائد في علم اللحوم هو تقسيم اللحوم إلى بيضاء وحمراء، واللحوم البيضاء هي لحوم السمك وتقتصر على السمك فقط، لأن الأسماك ليس لديها دورة دموية وتنفس هوائي مثل الحيوانات البرية، وبالتالي فإن حرارة الجسم عند هذه الحيوانات لا يتعدى حرارة الماء الذي تعيش فيه، وبما أن الاستقلاب عند هذه الحيوانات يكون لا هواءي وبما أن حركتها لا تستدعي طاقة كبيرة فإن الهيموكلوباين ينعدم وبالتالي تكون لحوم بيضاء لأن الخلايا العضلية تنقسم بدورها إلى قسمين الخلايا الحمراء بالاستقلاب الهوائي والخلايا البيضاء بالاستقلاب اللاهوائي، وعضلات السمك تكون فيها الخليا البيضاء أكثر من الخلايا الحمراء، ولذلك كانت اللحوم البيضاء توصف للمرضى وكان الطب يعني بها لحوم الأسماك فقط. وتمتاز لحوم الأسماك بعدم احتوائها على كوليستيرول لأن الخلايا البيضاء لا تتصل بهذه المادة، وتتميز بالزيوت بدل الشحوم، وعلى عكس الحيوانات الأخرى فإن لحوم الأسماك تقي من الكوليستيرول وتخفض نسبته في الدم نظرا لوجود حمضيات دهنية غير مشبعة ومنها الكاما لينولايك أو ما يسمى بالأوميكا omega
أما باقي اللحوم فهي حمراء لأن الحيوانات تتحرك وتتنفس وبذلك تكون الخلايا الحمراء في عضلات الحيوانات أكثر من الخلايا البيضاء وتسمى هذه اللحوم باللحوم الحمراء، وتشمل لحوم الحيوانات، وهي الغنم والبقر والمعز والإبل، ولحم الطيور ومنها الدجاج والحمام والحجل والديك الرومي والإوز والنعام والصيد، ولحوم الأرانب. وهذه الحيوانات كانت كلها تتحرك وتسرح وتعطي لحوما حمراء. وإلى حدود هذه الفترة التي كانت فيها اللحوم على هذه الحال كانت الأمراض قليلة جدا ومعروفة، وجلها جرثومي كالسل وحمى التايفويد والتسممات الغذائية الجرثومية والربو وبعض أمراض الأطفال كالسعال الديكي والديفتيرا، أما السكري والسرطان وارتفاع الضغط، وما إلى ذلك فكانت حالات ناذرة جدا.
والحركة تعني نمو العضلات واشتدادها وقوتها وكذلك تعني نشاط الدورة الدموية وعمليات التأكسد داخل الجسم ونشاط مركب الهيموكلوباين. والهيموكلوبين يعمل مع الكريات الحمراء وينقل الأوكسايجن للخلايا لتتم عملية الاستقلاب الهوائي ولذلك يأخذ اللحم لونا أحمر أو لون الحديد الموجود في الهيموكلوبين وكلما تحرك الحيوان كلما كان اللحم أحمرا. ولذلك فإن الأطباء في أوروبا وأمريكا ينصحون بالماعز للمصابين بالسكري لأن الماعز لا يزال يسرح والأغنام لم تعد تسرح وإنما تحبس في الحضائر، ولذلك فالماعز فيه كوليستيرول أقل من الغنم في هذه البلدان، وقد نقل هذه النصيحة كل الأطباء الذين درسوا في هذه البلدان ليحرموا المصابين بداء السكري من عيد الأضحى. والنصيحة الصائبة لأصحاب السكري هو تناول لحوم الدجاج البلدي والسمك والحلزون فقط. أما باقي اللحوم فهي سواء بالنسبة لهؤلاء.
أما من جهة التشكل فاللحم يتكون من الخلايا العضلية الحمراء، ونسميها في علم اللحوم بالخلايا α، والخلايا العضلية البيضاء ونسميها بالخلايا ß، وتوجد الخلايا الأولى في العضلات الحمراء، بينما توجد الخلايا الثانية في العضلات البيضاء، كالأمعاء وبعض الأعضاء الأخرى كالرئة والمعدة، والمعروف في علم اللحوم أن الخلايا الحمراء أقوى وأسرع من الخلايا البيضاء، وتزداد قوة ونموا كلما كان الإستقلاب هوائيا، أي كلما تحرك الحيوان، ونشطت الدورة الدموية، وهذا الاستقلاب يستهلك المواد الطاقية التي يستهلكها الحيوان، فلا تزداد وتتكاثر بسرعة، لأن جزءا من الطاقة يستعمل في للحركة. ومن هذا الأساس عمد الباحثون إلى حبس الحيوان، لكي لا يضيع الطاقة، وطبعا فهذه الطاقة تذهب إلى تكون العضلات أو اللحم، فتكون المردودية مرتفعة إذ يصبح الكيلو من العلف يعطي كيلو من اللحم عند الحيوان، وهو ما يريد الباحثون الوصول إليه. وحبس الحيوان في الإصطبل يعني انعدام الحركة، وتباطؤ الدورة الدموية وانخفاض الأوكسايجن، فتتكون الخلايا البيضاء بدل الخلايا الحمراء، وهو ما يلاحظ عند الدجاج الذي يربى بالتقنيات الحديثة، وكذلك عند الخنزير، ولذلك أصبح لون اللحوم في الدول الغربية يميل إلى البياض. أما لحوم الأبقار فلا تزال الخلايا الحمراء بنسبة مرتفعة، لأن طريقة التسمين لا تبدأ إلا لما يكون الحيوان بالغا، ولذلك لا زالت نسبة الخلايا الحمراء مرتفعة ولو أن اللون أخذ يميل إلى الأبيض. وهناك تقنيات جديدة لتسمين العجول في الدول الأوروبية والأمريكية على حد سواء، لتسريع التسمين بوضع العجول في أقفاص لكي لا يتحرك ولكي يستعمل كل يأكل في إنتاج اللحوم، واعتماد الأقفاص لأن العجول صعبة المراقبة ولا يمكن حبسها بالسهولة لكي لا تتحرك، والسبيل الوحيد لحبسها عن الحركة هو القفص الذي لا يترك الحيوان حتى يدير رأسه.
وهناك عامل آخر يتأثر بالحركة والتأكسد، وهو مكون الكوليستيرول، والمعروف عن هذا المكون أنه على شكلين الثقيل والخفيف، أو ما يطلق عليه HDL وLDL ومركب الكوليستيرول يتحول نسبيا في الدم مع النشاط الفايزيولويجي الداخلي للجسم، فكلما تحرك الجسم كلما نشطت الدورة الدموية، وكلما احتاج الجسم للأوكسايجن، وطبعا فالتأكسد يعني استقلاب الكوليستيرول الثقيل ليصبح بنسبة منخفضة، ولذلك يكون اللحم الأحمر أقل كوليستيرول من اللحم الأبيض. أما القول بأن لحم الماعز ليس فيه كوليستيرول وأن لحم الغنم فيه كوليستيرول، فهو قول خاطئ تماما. ربما يكون هذا القول صحيحا بالنسبة للدول الأوروبية، لأن الماعز لا زال يسرح في الجبال والغنم أصبحت كالدجاج تربى في الحضائر. لكن بالنسبة للمغرب أو الدول العربية أو الإفريقية فالغنم كالماعز لا زالت تسرح في المراعي، وربما تتحرك أكثر من الماعز، وليس هناك فرق بين لحم الماعز ولحم الغنم. وكل من ينصح بلحم الماعز ويحذر من لحم الغنم يكذب على الناس. وجودة الغنم تفوق جودة الماعز من حيث التركيب ومن حيث الدهون والمكونات الأخرى. وقد نستغرب لما نسمع ببعض الإشاعات حول لحم الغنم بأنه حلو وفيه نسبة من السكر أكثر من الماعز. نعم لكن بالنسبة للذبائح الأوروبية، لأن الغنم لا تذبح من حيث يبقى الدم منحبسا في اللحم، وبم أن الدم فيه نسبة من السكر، فلحم الغنم في البلدان الإسلامية ليس فيه سكر، ولأن الأطباء درسوا في أوروبا، ولديهم نصائح أوروبية فلا يلامون على ذلك، ولو أن هذه النصيحة الخاطئة أدت إلى كارثة، لأن لحم الغنم أصبح لا يستهلك، بزعم أن فيه كوليستيرول، ومن المصابين بالسكري من يذبح تيسا في العيد، وهذه النصيحة الخاطئة، التي يتحمل أصحابها المسؤولية كاملة، أدت إلى تخريب الإنتاج.
ولهذه الأسباب كان هناك خلط وأخطاء في علم الحمية، جعلت العلاج يستعصي، ونلاحظ حاليا أن التخلص من السمنة أصبح مستعصيا وشاقا، ونحن نستغرب من بعض الحميات التي أعطيت لأصحاب السمنة، وكانت تشتمل على مواد هرمونية، وعلى لحوم ومشتقات الحليب. ليس تحديد الحمية بالأمر السهل كما قد يظن بعض أصحاب الميدان، وليس تحديد الحمية من اختصاص الأطباء، ولا يمكن أن يكون كذلك، لأن الذي يجهل طبيعة الأغذية لا يمكن أن يحدد حمية.
وبعدما تدخلت بعض التقنيات الحديثة لتسريع الإنتاج (لا نقول تحسين الإنتاج) وقد بدأت هذه التقنيات بالدجاج حيث عزلت سلالات جديدة قادرة على إنتاج اللحوم بسرعة خطيرة حيث أصبح الدجاج يعطي أكثر من كيلوغرامين في أقل من أربعين يوما. وقد نهج الإنتاج الجديد تركيز العلائق أو العلف المستعملة في تربية الدجاج، من حيث تكون العلائق الأولى تحتوي على أدوية ومكونات هرمونية وبروتينات وأملاح مع فايتمينات، ثم تستبدل بعد أسبوع وبعد خمسة أسابيع. ويحبس الدجاج في الزارع من حيث لا يتحرك فتتحول الطاقة إلى لحوم. ويكون لحم هذا الدجاج أبيض لأن الدورة الدموية تكون بطيئة والحركة منعدمة، فتكثر الخلايا العضلية البيضاء، لأن الاستقلاب يكون تقريبا لا هوائي، ومع انعدام الحركة لا يتطلب الأمر أوكسايجين وبالتالي تتدنى مادة الهيموكلوباين مما يساعد على اللون الأبيض. ويمتاز، وبما أن الحركة منعدمة والعلف مركز فإن مادة الكوليستيرول ترتفع نسبتها بشكل في لحوم هذا النوع من الدجاج، وتنخفض نسبة الهيموكلوباين وبالتالي نسبة الحديد. وبذلك أصبح سائدا أن نتكلم عن لحوم الدجاج كلحوم بيضاء وهو خطأ شنيع في علم التغذية
وتصنف اللحوم الحمراء كلحوم بجودة عالية، وكلما كانت حمراء كلما انخفض الكوليستيرول والدهون، وليس الخطر في نوع اللحم وإنما في كمية اللحم التي يستهلكها الشخص، ونشاط الجسم العضلي، وهناك ثلاث حالات ممكنة، الأولى استهلاك اللحوم يوميا وعدم الحركة، بالإضافة إلى مواد أخرى كالسكريات وهي أخطر الحالات، وقد تفضي إلى السمنة أو ارتفاع الضغط، أو أمراض القلب والشرايين أو السرطان، بالإضافة إلى أمراض أخرى تترتب عن الدهون وتراكم المنتجات الاستقلابية. والحالة الثانية هي عدم تناول اللحوم كل يوم، أو مرة في الأسبوع فقط، مع الحركة وهذه الحالة هي التي توافق النظام الغذائي السليم، من حيث لا تتراكم المنتجات الاستقلابية، ويبقى الدم خفيفا من حيث نسبة الكوليستيرول أو الشحوم، وهناك حالة ثالثة تتوسط الحالتين، وهي تناول اللحوم مع الحركة، وهي الحالة التي كلما قللت من الحركة كلما تكونت لديها زوائد.
وهناك عوامل أخرى تضاف إلى استهلاك اللحم، ومنها التدخين والكحول، وتناول حبوب منع الحمل، والمواد الكيماوية المنحدرة من الطبخ أو التصنيع أو التخزين، أو الإنتاج كالهرمونات والمبيدات، وتناول بعض الأدوية كالكورتيكويدات. والنظام الغذائي السليم يعتمد على الحالة النفسية كما بينا، وكذلك على المحيط، ويشمل الهواء والماء والأغذية.
علاقة اللحوم بالأمراض المزمنة
مما لا شك فيه أن الأمراض المزمنة لم تظهر بالشكل الملحوظ إلا مؤخرا، ولم تظهر إلا لما تغير نمط العيش عند الإنسان. ذلك أن انتقال الأسلوب الغذائي من النباتي إلى الحيواني، جعل الأمراض المزمنة تتفاقم حتى عمت كافة شرائح المجتمع في البلدان الغنية. ونرى أن العلوم لم تقدر على احتواء الأمر مثل الشريعة، لأن العلوم من وحي البشر والشريعة من وحي الله ولا تحتمل الخطأ.
وقد مر علم التغذية بعدة مراحل وأطوار، ليستقر أخيرا على الرجوع إلى التغذية الطبيعية، للخروج من الويلات الصحية التي يعجز الطب الحديث عن احتوائها، والطب الحديث لا يعالج الأمراض الناشئة عن التغذية وقد ساد في زمن ما أن التغذية لا علاقة لها بالسرطان، لكن تبين أخيرا أن جل الحالات السرطانية لا تأتي إلا من التغذية والأدوية والتلوث البيئي. وهناك حالات أخرى ظهرت من جراء الأسلحة الكيماوية في بعض المناطق من العالم، التي تعرضت لحروب كيماوية مثل اليابان والعراق والفييتنام الخ.. ونلاحظ أن التمدن ساعد كثيرا على تشجيع استهلاك المنتوجات الصناعية والمصنعة، ونهج طريقة التغدي على الوجبات السريعة، وانتقال الناس من الطبخ إلى المعلب المصنع. ورغم هذا الاختلال في التغذية، الذي أدى إلى كل الويلات الصحية التي نواجهها الآن، فإن التغاضي عن الرجوع إلى التغذية السليمة، لا يزال يطبع الحياة العامة للناس. وربما لا يزال التخوف من البروتينات سائدا في عصرنا الحاضر، بعدما انزلقت العلوم مع بعض الاستنتاجات العلمية، التي جعلت من تناول اللحوم قاعدة عامة، وأصبحت اللحوم هي التغذية الصحيحة الراقية، وهو الخلل الذي جعل الأمراض تتفاقم بشكل فضيع.
مرحلة البروتينات
لقد أدى التسابق في البحث العلمي في المرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلى انفلات وهلع في صفوف العلماء. وكان السبب الرئيسي هو عقدة التفوق بالنسبة للعالم الغربي، والتسابق نحو التقدم واكتساب الخبرة وامتلاك التكنولوجيا. وقد تزامنت هذه المرحلة مع التوصل إلى أن الجسم لا يخزن البروتينات أو النايتروجن وبإمكانه أن يخزن السكريات والدهون. واستنتج العلماء أن الجسم إذا لم يزود بالروتينات فسوف يهلك، ويصاب بمرض الكوارشيوركور الذي تتسبب فيه المجاعة المفرطة، وعدم تناول البروتينات. وبدأت الحملات الإعلامية والاستراتيجية والاقتصادية لإنتاج البروتينات، أو الحصول عليها بأي ثمن. وأصبح مؤشر البروتينات هو الذي يحدد تقدم البلدان وضيعت الشعوب كثير من المنتوجات الزراعية، بغية تعويضها باللحوم أو البروتينات الحيوانية. ولجأ العلماء إلى إدخال سياسة البروتينات إلى البرامج الاقتصادية، من حيث أشاروا بعدم استهلاك الشعير والذرة، بزعم إعطائها للماشية لتتحول إلى لحوم. وهذا الطرح هو الذي أدى إلى الكارثة، لأن الاستغناء عن الحبوب، وعن كثير من النشويات، جعل الأمراض المزمنة المستعصية تتكاثر وتتفاقم بشكل مخيف. وقد لاحظ العلماء العلاقة بين استهلاك اللحوم وارتفاع الضغط والكوليستيرول والسمنة والحساسية والسرطانات والقصور الكلوي وأمراض الجهاز الهضمي، مثل مرض كروهن وتمزقات المستقيم الدامية. وبعض الأمراض الجلدية التي حيرت علماء الميدان الطبي مثل الصدفيات والبرص الذي أصبح يتزايد بشكل غريب، وستزداد اللائحة طولا، ولن تفيد المعدات المتقدمة في حصر هذه الأمراض، كما لن تفيد الجراحة في كثير من الحالات، التي ستظهر والتي لن يحد من ألمها استعمال الكورتكويدات، التي يتغاضى الأطباء عن خطرها، والتي سيزداد استعمالها حتى توشك أن توزع على الناس مع الماء والكهرباء.
مرحلة النخالة
تنبه العلماء إلى هذا الوضع، بعدما لاحظوا أن هناك مصدرا لكل هذه الأمراض، فبدأ البحث العلمي يعود بالإنسان إلى الصواب، لكن ربما يكون من المستحيل الآن، فالتغيير الذي طرأ على كل المنتجات لا يمكن أن يصحح، وكان أشهر النتائج التي نشرت، هو الرجوع إلى الألياف الخشبية الموجودة في الحبوب والخضر، وتقليل المواد الحيوانية والدسم مثل الأجبان والزبدة، وقد أصبح الأمر ملحا جدا، إلى أن صدرت توصيات بتناول النخالة أو الطحين دون غربلته، وترك الدقيق الأبيض الذي كانت أوروبا تفتخر به.
ورغم هذا الوضع المزري، فقد بقي الناس على استهلاك اللحوم، وبقي الأطباء في بلداننا يتخوفون من البروتينات ويحتون الناس على استهلاك اللحوم، وقد ترسخ لديهم أن الجسم لا يمكن أن يستغني عن البروتينات، وإلا فالهلاك. وبما أن علم التغذية كان يتعذر على كلية الطب، فإن الجهل أدى إلى ما لا تحمد عقباه. وأخذت تظهر بعض النصائح الخاطئة، مثل النصح بعدم تناول الشاي بعد الأكل، وعدم الطهي بزيت الزيتون، وإرغام الصناع على إضافة زيت المائدة إلى زيت الزيتون، واستهلاك الإسبانخ لأنه غني بالحديد، وتناول اليوغورت بعد تناول الدواء، والجزر لأصحاب الإسهالات، وتناول عصير الطماطم، وعدم تناول لحوم الغنم واستبدالها بالماعز، وعدم تناول الدجاج البري لأنه عفن، وكل هذه النصائح كاذبة، ولا أساس لها في علم التغذية، وأكثر من ذلك فعكسها هو الصحيح.
والعلاج كان يقتصر على الوصف الطبي للأدوية، فالأمراض من ذي قبل كانت جرثومية مثل التايفويد والسل والتهاب اللوزتين والتقرحات الجلدية والتقيحات والزهري والسيلان والديسانتيريا ... فكل هذه الأمراض ينفع معها المضاد الحيوي. لكن الأمراض الحديثة هي أمراض غذائية، لا ينفع معها الدواء ولا يزيدها إلى تعقيدا. فارتفاع الضغط والسمنة والكوليستيرول والسرطان وأمراض القلب والشرايين ومرض سيلياك والسكري وآلام المفاصل والأنيميا الخ.. فهذه الأمراض لا يفيد فيها الدواء الكيماوي، لأنها ليست أمراض تعفنية. وقد يكون العلاج أبسط من مما يتصوره الطب الحديث، إذا علمنا سبب أو مصدر الخلل، وما يرتبط به من تدمرات داخلية لأن ارتفاع الضغط قد يصيب بعضا من الأعضاء، مثل الكلية والقلب والدماغ، والاعتقاد بأن هذه الأمراض يمكن علاجها بالعقاقير الكيماوية هو أمر فيه نظر، أما أن تعالج الأمراض المزمنة الناتجة عن الأغذية، ومن ضمنها كثرة استهلاك اللحوم بدون حمية دقيقة وبسيطة ومدققة فليس من الممكن. والغرابة في الأمر أن الناس اعتادوا تناول الأدوية وهذه الأمراض ليست لها أدوية.
والرجوع إلى النظام الغذائي السليم أصبح الحل الوحيد لتفادي هذه الويلات الصحية، وهذا النظام يعتمد على الأغذية الاعتيادية التي يتناولها الشخص يوميا بدون أي ضرر وهي الحبوب والفواكه بالدرجة الأولى وزيت الزيتون مع الخضر بالدرجة الثانية، ثم الألبان وتبقى اللحوم فقط للمناسبات والضيافة والاحتفالات والولائم، ولا بأس أن يتناولها الشخص مرة في الأسبوع. وهناك نظام غذائي خاص بالأطفال ويشمل الألبان والحبوب في الأعمار الأولى من سنتين إلى اثنى عشر. قد يستغرب بعض الباحثين من هذا النظام لأنه أول نظام يعفي اللحوم. وربما لا يلقى القبول بزعم أن ليس فيه بروتينات، وهو خطأ كذلك لأن البروتينات لا تقتصر على اللحوم والحليب بل هناك بروتينات نباتية تفوق البروتينات الحيوانية وهي بروتينات الحبوب والفواكه الجافة.
وبما أن الأمور باتت من الاختصاص الدقيق الذي لا يقدر عليه الذين لم يدرسوا علم التغذية، فعلى الأقل أن يعلم الناس هذه الأمور لأن هناك تعنت وعدم الاعتراف بأن كليات الطب لا تدرس علم التغذية ولا تقدر على تدريسه لأن دراسته تتطلب 6 سنوات. ونؤكد على ضرورة تجنب النصائح الخاطئة لأنها لا تساعد على العلاج. ونؤكد على ضرورة مراجعة الوجبات التي تعطى للمرضى في المستشفيات والعيادات الحرة، التي تجني الأموال ولا تطعم المرضى. ونلاحظ أن المرضى يائسين من طعام المستشفى، وقد بدأ الناس يسألون عن الأكل بعد العمليات الجراحية، لكنهم يسألون الأطباء وهو ليس من اختصاصهم، ولذلك نلاحظ أن العلاج بدون حمية مستحيل، وتحيد الحمية يجب أن يكون بدقة وليكون العلاج سهلا وسريعا.
تصنيف اللحوم حسب جودتها الغذائية من الأحسن إلى المتدني
لحوم الجمال
لحوم الأسماك
لحوم الدجاج البري وكل الطيور الداجنة التي لا تخضع لتسمين مكثف
لحوم الأرانب الغير معلوفة بعلف مركز
لحم الغنم والماعز
لحم البقر
دجاج المزارع ومعه الديك الرومي المربى بنفس التقنية
(الخنزير)