الدورة المستندية لترخيص المشروعات وتنفيذها في الكويت مازالت بطيئة وطويلة جداً، قياساً على نظيراتها في بلدان خليجية أخرى، بل وبلدان عربية حديثة العهد بسياسة الانفتاح الاقتصادي.
ويشكو عبء هذه الدورة المستندية، ليس قطاع الأعمال فحسب، بل حتى الجهات الحكومية المكلفة تنفيذَ المشروعات العامة، والتي لا تتمكن من الشروع في تنفيذ أيٍّ من خططها الإنشائية إلّا بعد إجراءات روتينية مطولة بهدف الحصول على موافقات جهات عامة متعددة مثل وزارة المالية والبلدية والمواصلات والكهرباء والهيئة العامة للبيئة وديوان المحاسبة ووزارة النفط، بل حتى الطيران المدني الذي يحدد الارتفاع المسموح به للبناء.
ولا تكمن المشكلة في تعدد الجهات أو الموافقات المطلوبة، بل في غياب التناغم والتنسيق بين هذه الجهات، وطول الفترة التي يستغرقها تحديد كل منها مرئياته بشأن المشروع.
ويرى عدد لا بأس به من أصحاب المشروعات والمبادرات الواعدة في قطاع الأعمال، أن تباطؤ الدورة المستندية يبدو مقصوداً أو مطلوباً في حالة العديد من المشروعات، أي أنه يتم مع سبق الإصرار والترصد.
ويبرر هؤلاء اعتقادهم هذا بوجود من يحاول أن يستغل الوظيفة العامة من أجل تحقيق مصالح خاصة من وراء هذا التباطؤ.
ولاشك في أن استمرار الدورة المستندية على هذا المنوال من شأنه، مهما كانت أسبابه أو مسبّباته، أن يلحق ضرراً كبيراً بمصالح الشركات الكويتية وأصحاب المشروعات عامة، وأن يشكل مع غيره من العوامل غير الإيجابية بيئة طاردة لرأس المال الوطني، ناهيك عن رأس المال الأجنبي.
كما لاشك في أن التطورات التي تشهدها البلدان المجاورة على هذا الصعيد، تضعف وعلى نحو متواصل، القدرة التنافسية للاقتصاد الكويتي، رغم كل المعطيات الايجابية التي يتمتع بها هذا الاقتصاد.
ولسنا في حاجة إلى قراءة ما بين سطور تقارير حركة الاستثمار العالمي التي تصدر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، لنتأكد من حقيقة الآثار السلبية التي تترتب على هذه المشكلة.
يشير التقرير الدولي الخاص بالاستثمار في عام 2009، إلى نمو حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السعودية بنسبة 36 في المئة وفي قطر بنسبة 30 في المئة، مقابل تراجعها بنسبة 55 في المئة في الكويت التي حلّت في المرتبة الأخيرة بين دول مجلس التعاون، إذ استقطبت 56 مليون دولار أميركي فقط، مقابل أكثر من 38 مليار دولار للسعودية ونحو 14 ملياراً للإمارات و7 مليارات لقطر.
كما تقف الكويت أيضاً في مقدمة قائمة دول المجلس المصدرة لرأس المال، ممّا يؤكد حقيقة البيئة المحلية الطاردة.
إن بطء الدورة المستندية في الكويت ليس قضية جديدة أو مستجدة، بل بات سمة من سمات السياسة العامة تجاه نشاط الأعمال في البلاد، ومن يرجع إلى تقارير البنك الدولي الصادرة قبل نحو 20 سنة من الآن، سيجدها زاخرة بمر الشكوى من هذه الظاهرة.
فلمصلحة مَنْ تتحمل الكويت أعباء هذه التكاليف الباهظة، وهل تتوافق طبيعة هذه الدورة المستندية المثاقلة مع سياسات تحفيز القطاع الخاص التي تتصدر أهداف وثيقة التنمية أو رؤية صاحب السمو في تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري إقليمي وعالمي؟!