يتفق العديد من الاقتصاديون على أن ضمان إيجاد صناعة نقل جوي داخلي مربحة ومنافسة وذات معايير عالمية، يتطلب تحقيق المساواة والعدل بين شركات الطيران الوطنية العاملة في هذا القطاع كافة، وذلك فيما يتعلق بالمميزات والتسهيلات والمساعدات الممنوحة لها من قبل الحكومة، بما يعود بالفائدة الكبرى على اقتصاد الدولة وخدمة المجتمع. وأكد الاقتصاديون، أن الدعم الحكومي لقطاع النقل الجوي ضرورة في ظل المرحلة الحالية التي تشهد بداية تطبيق دخول الناقلات الوطنية للسوق والتي قد تواجه بعض المشكلات والمعوقات التي تتطلب معالجتها وجود هذا الدعم، مشددين في هذا الصدد على التأكيد بضرورة أن يكون الدعم الحكومي مدروسا بشكل لا يقل عما يمنح للناقل الوطني، أي أن يكون بدرجة متساوية لجميع الشركات. كما دعوا إلى ضرورة التحرك السريع لمعالجة الوضع الحالي لقطاع النقل الداخلي لتلبية النقص الحاصل في الخدمات المقدمة للمسافرين في ظل الطلب المتزايد على هذه الخدمات، وذلك من خلال تشكيل فريق عمل من ممثلي الجهات ذات العلاقة بسوق الطيران الداخلية لبحث بشكل مستفيض الآليات الكفيلة بتوفير التسهيلات لحركة المسافرين عبر المطارات وبما لا يزيد من كاهل الأعباء والتكاليف المالية، وإيجاد الحلول السريعة لمعالجة الوضع الحالي للقطاع، إلى جانب النظر في الحلول طويلة الأمد ومتوسطة وقصيرة وتكاليفها وما يترتب عليها، ووضع البدائل الممكنة لإنجاح هذا القطاع وطرحه للمنافسة على مستويات عليا
ومعلوم أن السعودية تعد من أفضل أسواق النقل الجوي في العالم، ولديها إمكانات كبيرة تساعد على نجاح الاستثمارات بعوائد مادية جيدة تحقق تطلعات المستثمرين، خاصة مع نمو الحركة الاقتصادية وإنشاء المدن الاقتصادية والعوامل الاجتماعية، إلى جانب حركة الزوار في الحج والعمرة، وهي عوامل تعطي مؤشرات إلى أن القطاع سيكون من المشاريع الاستثمارية الناجحة، إضافة إلى أنه من القطاعات الاقتصادية غير النفطية التي تسهم في تنويع مصادر الدخل القومي للبلاد. أمام ذلك، أكد الدكتور سعد الأحمد الخبير في مجال الطيران، أن إيجاد صناعة نقل جوي داخلي ذات معايير عالمية لابد أن يكون هناك تساو بين الناقلات الجوية الوطنية فيما يمنح لها من مميزات من قبل الحكومة والتسهيلات التي تتمتع بها في المطارات التي تعمل منها، مما يضيف ميزة لها ويعطيها دفعة كبيرة. وقدم الأحمد عددا من المقترحات والإجراءات التي من شأنها تحقيق ذلك، ومنها: تقديم الدعم الحكومي الخاص بأسعار الوقود لشركات الطيران الوطنية على قدم المساواة والذي يعد عاملا مهما وخاصة أنه بات يشكل الجزء الأكبر من فاتورة التكاليف، إطلاق الحرية لجميع شركات النقل الجوي لخدمة المطارات وتشغيلها على جميع الخطوط في المناطق، وإعادة النظر في تنظيم جداول رحلات الطيران الداخلي، إلى جانب استمرار صلاحية الدولة في وضع الأسعار القصوى لتذاكر الطيران الداخلي، مع تطبيق منهجية إدارة العائد على أسعار التذاكر مما يخلق مرونة وتنافسية بين الشركات في الأسعار، والمطبقة حاليا على تذاكر الطيران الخارجي. وكذلك دراسة إمكانية السماح للمستثمر الأجنبي بالدخول في قطاع النقل الداخلي من خلال خلق شراكة مع مستثمر محلي، على أن يمتلك المستثمر المحلي نسبة 75 في المائة من هذه الشركة، مما يخلق سوقا تنافسية تنعكس بجودة على الزبون والشركة نفسها. من جانبه، أكد الاقتصادي الدكتور طارق فدعق أن قطاع الطيران الداخلي على مستوى العالم دائما ما يواجه مشكلات، وأن الحلول لذلك لا توجد بسهولة ويسر، ولكن هناك تجارب ناجحة عديدة يمكن الاستفادة منها في هذا الشأن. وأشار إلى أن حجم السوق السعودية والطلب المتزايد على خدمات النقل الجوي كفيل بخلق صناعة نقل جوي مربحة ومنافسة، ولكن بداية كل صناعة تحتاج إلى دعم وتنظيم تشريعات من الجهات المسؤولة لضمان التنافسية والتخطيط لبناء صناعة معتمدة على نفسها. ولفت فدعق إلى أن الدعم الحكومي لقطاع النقل الجوي ضرورة في ظل المرحلة الحالية التي تشهد بداية تطبيق دخول الناقلات الوطنية للسوق، والتي قد تواجه بعض المشكلات والمعوقات التي يتطلب لمعالجتها وجود هذا الدعم. وشدد في هذا الصدد على ضرورة أن يكون هذا الدعم مدروسا بشكل لا يقل عما يمنح للناقل الوطني. وأشار إلى أن الوضع الحالي لقطاع الطيران الداخلي يحتاج لوقفة جادة لتلبية النقص الحاصل في الخدمات المقدمة في ظل ارتفاع أعداد المسافرين بين المناطق، وذلك من خلال إجراء دراسات عاجلة وفعالة لإيجاد حلول آنية سريعة وطويلة الأمد استراتيجية تلبي الطلب المتنامي على خدمات الطيران الداخلي، نتيجة لارتباط الكثير من أفراد المجتمع بخدمات أساسية متوافرة في مناطق غير التي يعيشون فيها كالخدمات الطبية والتعليمية والمصالح المرتبطة ببعض الجهات الحكومية، وبما لا يزيد من كاهل الأعباء المالية على المواطنين. وبشأن موضوع تراكم الخبرات، دعا فدعق إلى فتح مجال خدمات الطيران الداخلي أمام شركات النقل الأجنبية ذات الإمكانات الكبيرة والعملاقة للاستفادة من خبراتها في هذا المجال بما يسهم في تفادي أي أخطاء قد تقع فيها الشركات الوطنية، إلى جانب أن هذه الخطوة قد تسهم في رفع مستوى المواصلات الآمنة وحل أزمة الحجوزات في الرحلات الداخلية وإيجاد خيارات جيدة أمام المسافر المحلي. وتأتي هذه الطروحات في ظل التأكيدات من قبل أعضاء مجلس الشورى خلال مناقشة التقرير السنوي للهيئة العامة للطيران المدني للعام المالي 1428/1429هـ في وقت سابق، بضرورة تطوير القوانين والأنظمة الخاصة بتنظيم سوق الطيران الداخلية وحماية المستهلك، والعمل على تحسين البيئة الاستثمارية في مجال النقل الجوي بما يضمن المساواة بين الشركات كافة لإيجاد بيئة تشغيلية وتنافسية جاذبة للاستثمارات، وتعزيز صناعة النقل الجوي في المملكة. وأكدوا في هذا الصدد ضرورة تطوير النقل الجوي من خلال بناء وإدارة وتوفير وتشغيل التجهيزات الأساسية للمطارات والملاحة الجوية وصيانتها وفق أحدث النظم وأدق المعايير، وتطبيق الأنظمة واللوائح والإجراءات الكفيلة بسلامة وأمن النقل الجوي. وشددوا على أهمية وضع الطيران المدني في المملكة في مركز متقدم من حيث التنافسية والخدمات المقدمة في المطارات السعودية. واستغرب أحد الأعضاء التناقض الوارد في تقرير لجنة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات بشأن أداء الهيئة، ففي الوقت الذي يؤكد فيه رئيس ''الطيران المدني'' خلال إجابات على اللجنة حرص الهيئة على تحقيق المساواة بين الناقلات الوطنية كافة ضمن بيئة تنافسية ذات معايير دقيقة وعادلة، نجد أن التقرير يستعرض معاناة الخطوط العاملة في المملكة ''سما'' و''ناس'' ومن ذلك ما جاء على لسان مسؤوليها من أن ''الخطوط السعودية'' تتمتع بمميزات بخلاف الشركتين تشمل بعض المساعدات والأنظمة والتسهيلات التي تلقاها في أسعار الإيواء في المطارات والطيران، إضافة إلى زيادة في التكاليف تصل إلى 90 في المائة تدفعها الشركتان للوقود، في مقابل ما تدفعه الخطوط الجوية السعودية. وحذر التقرير أيضا ـ من خلال إجابات المسؤولين في شركتي الطيران ـ من البيروقراطية، قائلين إن الأوضاع الحالية للطيران في المملكة، والقيود المفروضة، لا تمكن من التطلع إلى الاستثمار العالمي في النقل الجوي. وأكدوا أن الخسائر التي تعرضوا لها بسبب ارتفاع تكلفة التشغيل تؤثر سلباً في الاقتصاد السعودي. وعلى المستوى الإقليمي، طرحت دول مجلس التعاون الخليجي فكرة تطبيق اتفاقية موحدة بشأن النقل الجوي وتكثيف عدد الرحلات الجوية وتسهيل حركة تنقل المواطنين والمقيمين في الدول الأعضاء والتبادل التجاري. كما دعت عددا من الجهات المعنية بالطيران المدني الخليجية إلى دراسة إمكانية إنشاء هيئة موحدة للطيران المدني، وفتح الأجواء بين جميع مطارات دول المجلس، وإلغاء القيود المفروضة كافة على تشغيل الرحلات التجارية، خاصة في ظل تنامي حركة الطيران بين دول المجلس، وهو الأمر الذي يحتم عليها تبني هذه السياسة .
وكذلك كون سوق النقل الجوي في المنطقة سوقاً ناشئة ما يعني أن جانب الطلب لا يزال يتفوق على جانب العرض، وأن السوق تستطيع أن تستوعب المزيد من الشركات وهو ما يضمن عائدات قوية للشركات العاملة بسبب تراجع المنافسة الحقيقية، والتي بدأت تتحسن بدخول شركات جديدة وإعادة هيكلة وتخصيص الشركات الحكومية القائمة. وبحسب تقرير حديث، أدى تضاعف أعداد شركات الطيران الخليجية إلى زيادة معدلات نمو قطاع النقل الجوي وتطور القطاعات الخدمية المرافقة، مما أدت بدورها إلى زيادة حصة المنطقة من إجمالي حركة النقل الجوي العالمية التي ارتفعت من 2.5 في المائة في عام 1991 إلى ما يقارب 8 في المائة في 2008.
كما حققت شركات الطيران في الشرق الأوسط، والتي تعد شركات الطيران الخليجية مكونها الأساسي، نسبة نمو بلغت 20 في المائة في النصف الأول من العام الجاري، في مقابل 12 في المائة للشركات الإفريقية والآسيوية، 15 في المائة لشركات أمريكا اللاتينية، 4.8 في المائة لأمريكا الشمالية، و2.3 في المائة فقط للشركات الأوروبية. كذلك تضاعف عدد الطائرات للناقلات الخليجية من 249 عام 2005 إلى 478 طائرة هذا العام