قراءة في الكتاب:
يعتبر الدكتور مصطفى حجازي من أكثر الباحثين العرب اجتهادا و طموحا في مجال البحث الاجتماعي، و مؤلفاته تشهد بهذا الاهتمام الكبير... و على رأسها كتابه القيم (حصار الثقافة بين القنوات الفضائية و الدعوة الأصولية)، و فيه يعرض نظرة بانورامية لكنها مفصلة عن أسس و أدوات اشتغال كل من ثقافة الصورة و الثقافة الأصولية، و إلى أي حد استطاعتا معا في اتحادهما المضمر رغم تنافرهما في الجوهر أن تحاصرا الثقافة الحقيقية و تركناها في الزاوية الضيقة!
يرى الكاتب <<أن هناك حالة جديدة من الاستقطاب الثقافي بدأت تتشكل خارجا عن الطروحات المعتادة>> (ص:6)، و يقصد هنا الاستقطاب الذي تعمل عليه كل من ثقافة القنوات الفضائية و الثقافة الأصولية في بلورة تفكير الناس و السيطرة عليه، من خلال آليات عملهما، و التي تنتهي كما يرى هو إلى حصار الثقافة و خنقها باعتبار أن كل واحدة منهما تدعي الأحقية و حملَ الرؤيا الصحيحة، و هما بالتالي تحملان في جوهرهما سر تناقضهما و مخالفتهما لما يميز الطبيعة الإنسانية القائمة على التنوع و الاختلاف.
وزع الكاتب هذا البحث على أربع فصول، و عناوينها كالتالي:
1- الفصل الأول: ثقافة الصورة و اقتصاد السوق.
2- الفصل الثاني: الثقافة الأصولية و الفردوس المفقود.
3- الفصل الثالث: شراكة الأضداد و مآزقها.
4- الفصل الرابع: الذكاء الجماعي و تغيير المنظور.
في الفصل الأول يقوم الكاتب بتحليل الأسس التي تنبني عليها ثقافة الصورة، و ما مدى ارتباط الثقافة بالصورة في عصر صار فيه التسليع مرتبطا بكل شيء، و كيف أن الصورة سُخِّرَتْ لخدمة الاقتصاد في عالم صار مفتوحا و لا حواجز فيه بفضل الثورة المعلوماتية...
أما في الفصل الثاني فيعرض لمفهوم الأصولية و منشئه، و يبرز آليات اشتغال و عمل التيارات التي تدعي الأصولية باعتبارها تيارات تنسب إلى نفسها اليقين و الخلاص و الحلول الكاملة لمشاكل البشرية، مبرهنا على تغير النظرة التقليدية للأصولية التي لا تراها إلا حكرا على أحزمة البؤس و المناطق الريفية و المجتمعات التقليدية، بل أصبحت منتشرة حتى بين ذوي المستوى التعليمي الجامعي و مستعملي تقنيات المعلوميات و الشبكة العنكبوتية.
أما في الفصل الثالث فيبرهن الكاتب على وجود شراكة بين الثقافتين في حصار الثقافة رغم أنهما مختلفتان في العمق، حصار تمارسه ثقافة القنوات الفضائية عن طريق تمييع الشباب و تنميطهم في اتجاه خلق أجيال لا تؤمن إلا باللذة و المتعة و اللحظة، و كذا من خلال تسليع الإنسان. في حين تقوم الثقافة الأصولية بعزل الإنسان في الماضي و تقوقعه فيه جاعلة منه وسيلة الخلاص، متنكرة للحاضر و مغلقة لباب رؤية المختلِف.
و في الفصل الرابع و الأخير يدق الكاتب ناقوس الخطر على المجتمعات التي لا تبدع في إيجاد حول لمشاكلها مع تعاظم انتشار الثقافتين، و هو بذلك يرى ضرورة الانخراط في ثقافة جديدة تروم صناعة الحلول على الصعيد العالمي و تجاوز حالة الحصار التي تفرضها ثقافتا الصورة و الأصولية من خلال الفرص الكونية المتاحة.