قصة قصيرة عن الخيال العلمي
مقدمة
لاحظت أن هناك الكثير من الأدباء ممن يمارسون عملية الكتابة مختصين بفن القصص القصيرة جدا لكن أحدهم لم يجرب الكتابة في الخيال العلمي ولكوني مارست الكتابة في رواية الخيال العلمي ونشرت بعض الروايات وكتبت في قصة الخيال العلمي مثل قصة مدن الضوء التي نشرتها في مجلة العربي العدد 593 عام 2008 مما جعل بعض النقاد مثل الدكتور صلاح نيازي من العراق وبعض كتاب الخليج يعدوني رائدا في هذا الفن لذلك فكرت أن أكتب قصصا قصيرة جدا من الخيال العلمي مستفيدا من اطلاعي على التراثين العربي والأوروبي في حقلي الميثولوجيا والعلم والمزاوجة بينهما ناقلا أجواء الخيال العلمي من الفضاء إلى الأرض.
البوم
يحكي البوم في مدن الشمال لغة مليئة بالتفاؤل فيعده سكان مدن الضباب والثلوج مثلا أعلى للخير والحكمة فيصنعون له التماثيل والرسوم ويضعون صوره على الواجهات وتتبناه في أغلب المنافسات دور الإعلان .
والبوم في مدن الجنوب حيث الشمس الساطعة والنور يتكلم لغة النحس والتشاؤم فجعله أهل تلك المدن مثلا أعلى للبؤس والخرائب حيث امتلأت كتاباتهم واشعارهم بالشكوى منه ومن لغته المشؤومة ولم يكتفوا بهذا القدر عنه بل جعلوه يسكن الخرائب والقبور.
في الآونة الأخيرة استطاع أحد العلماء أن يبتكر جهازا يفهم ويترجم لغة الحيوان والطير .انصرف اهتمام ذلك العالم إلى ازدواجية البوم الإيجابية والسلبية بين الشمال والجنوب فجرب على نموذجين شمالي وجنوبي لعبة اللغة فوجد بمساعدة الأجهزة العلمية الأخرى استعدادا عند الطائر لتلعم لغات الطير الأخرى وقابلية للتقليد تشبه قابلية الببغاء عندها فكر أن ينقل بوم الشمال إلى الجنوب وبوم الجنوب إلى الشمال!
كان العالم ينتظر النتيجة بفارغ الصبر....
ومرت الأيام والشهور والسنوات ولم يحدث أي شيء. لقد كان البوم على استعداد لكي يتعلم لغة فصيلة أخرى لكنه لم يفهم لغة فصيلته هو وهكذا ظل بوم الشمال يتحدث بالحكمة والتفاؤل فيسكن البيوت وواجهات الإعلان وبقي بوم الجنوب يتكلم بلغة النحس والتشاؤم ويسكن الخرائب والمقابر!
دقائق الصفاء
تجتاح العالم كل سنة مرة واحدة دقائق هادئة ذات سمات خارقة. بضع دقائق فقط ينسى الناس خلالها جميع خلافاتهم ومشاكلهم وصراعاتهم وحقدهم وكرههم، فلاحروب ولاخصام ولامشاكل خلال تلك الدقائق ولا حوادث سيارات مرعبة أو طائرات ولا كوارث أو زلازلال وبراكين!
الكرة الارضية حمامة سلام وادعة!
والناس آمنون.
يثبت أحد الأجهزة العلمية الحديثة أن تلك الدقائق ضرورة يفرضها على كوكبنا نظام المجموعة الشمسية الذي يخلو من الحياة ماعدا الأرض ليعيد توازنه المفقود طول العام الارضي بين الطبيعة والإنسان والإنسان الفرد نفسه ونوعه البشري الذي أنهكته الحروب والمشاكل الكثيرة!
ويبدو أن دقائق الأمن والسلام التي تغزو الأرض مرة كل سنة تمر من دون أن نشعر بها وندرك نتائجها السريعة يزيدها إبهاما لنا أنها تعبر بصورة غير منتظمة فربما تحدث هذه السنة ليلا التاسعة والنصف خلال الشتاء وتعود السنة القادمة في الصيف عند الفجر أو الظهر ليحل عندئذ أمن نعيشه ولانشعر به ولو لبضع دقائق!
اختراع
سأل سيادته أحد علماء البلد أن يصنع له جهازا من أجهزة الإنذار المبكر يختص بكشف المؤامرات التي كثرت من حوله، وحالما صنع العالم الجهاز انصرف ذهنه إلى مصير مأساوي لقيه سنمار البناء الذي بنى للملك بيتا غريبا يدور مع الشمس، فسخر جهازه الجديد للإطاحة بسيادته ولم يجد أحدا أفضل من شخصه للجلوس على العرش، فارتقاه لينعم بلذة العلم والسلطة معا في كفة واحدة!
عندئذ كان العلماء الآخرون يتربصون فينهمك كل منهم بصنع جهاز جديد ذي مواصفات خاصة لعله يستفيد منه في أن يرتقي أرفع كرسي في البلد!
القرد
بعد عشر سنوات من البحث والدراسة والعيش في الغابة مع قرود من فصيلة البون Boon وبعد تربية أحد عشر قردا في البيت ومراقبتها مراقبة تامة ليل نهار وفهم سلوكها أدركت الباحثة الكندية أن هناك تطابقا في الحامض النووي DNL بنسبة خمسة وثمانين بالمائة بين هذه القرود والإنسان، فحاولت الباحثة المذكورة إلغاء الفرق الضئيل بإضافة مركب مختبري يُعنى بسد الثغرة المتبقية بين الإثنين وهي نسبة الخمسة عشر بالمائة!
كان هناك مخلوق بشكل قرد وعقلية إنسان. مخلوق يفكر ، ويناقش ، ويستحسن أو يستهجن مع احتفاظه بقدرة أسلافه على النط والقفز إلى أعلى مكان!
عاش معها بضعة أيام في وئام وتصرف تصرف إنسان عاقل حكيم مهذب ربما غفل أن يسألها لم هو عار وهي ترتدي على الأقل حدا أدنى من ثياب تستر معظم جسدها...
وفي إحدى اللحظات فوجئت الباحثة بالقرد الإنسان يحطم كل المرايا من حوله ويهشم أثاث البيت مندفعا نحوها وفي عينيه ملامح انتقام وهو يصرخ:
كفى أنا أبشع مخلوق على الأرض هل هناك من هو أبشع مني!