(( التعايش في مدلوله اللغوي العام يعني أن يعيش البعض مع البعض الآخر ، وفي مفهومه الاصطلاحي المعاصر ، أن يكون هذا العيش المتبادل قائما على المسالمة والمهادنة. وهو ما يؤكده الوصف الذي غالبا ما يستعمل مرتبطا به حين ينعت ب “السلمي”)).
والمسالمة ، من التسامح الذي يعد قيمة كبرى في الإسلام ، نابعة من “السماحة” ، باعتبارها ملمحا جامعا يطبع مختلف جوانبه العقدية والتشريعية والسلوكية.
[url][/url]
وقد جلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الملمح ، فجعله يلخص الدين كله حين قال : ((بعثت بالحنفية السمحة)). ويعزى هذا السماح إلى عوامل متعددة تمثل حقيقة الإسلام ، من أهمها :
- أنه دين الفطرة ، أي الدين الذي يساير طبيعة خلق الإنسان واستعداده لإدراكه والالتزام به ، يقول عز وجل : ((فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)) (الروم : 29).
- أنه دين الوسطية والاعتدال ، يقول الله تعالى : ((وكذلك جعلناكم أمة وسطا)) (البقرة : 38) ، والوسط هو الخير والأفضل ، لأنه بين صفتين ذميمتين ، كالتفريط والإفراط ، والتحلل والغلو.
- أنه دين اليسر ، يقول سبحانه وتعالى : ((يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)) (البقرة : 184). ويقول صلى الله عليه وسلم محذرا من الابتعاد عن اليسر :((إياكم والغلو في الدين ، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين)).
- أنه دين يحث على السلوك الحميد الذي ينبغي أن يكون مهذبا لينا سائرا على الفضائل والمكارم وحسن الأخلاق ، وقد وصف الله رسوله الكريم بقوله التأكيدي :((وإنك لعلى خلق عظيم)) (القلم : 4).
ولا بدع بعد هذا أن أن يقول صلوات الله وسلامه عليه : ((بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)).
من هذا الجانب السلوكي وما يتفرع عنه من أبعاد ترتبط بالإسلام في شموليته وتكامله ، ينبثق “التعايش” سمة مميزة تطبع المجتمع الذي الذي يدعو الإسلام إلى قيامه و “التعايش” فيه ، بصفته دين “السماحة” الذي لا ضيق فيه ولا تعصب ، ولا غلو ولا تطرف ، ولا عنف ولا إرهاب ، سواء مع الذات أو مع الآخر ، نقصد الذين يعيشون في هذا المجتمع من مسلمين وغيرهم ، وكذا الذين ينتمون إلى مجتمعات أخرى مخالفة للمجتمع الإسلامي بكونهم أصحاب حقوق هي التي أصبحت اليوم تعرف بحقوق الإنسان ، تلك التي تمس جوانب كثيرة من حياة الأفراد والجماعات ، مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ، وتتمحور في جملتها حول الحرية من حيث إن هذه الحرية حق طبعي وفطري لكل البشر ، ومن حيث إن حياة هؤلاء البشر لا يمكن أن تتحقق بدون تسامح ، أي بدون الحق في الاختلاف.
د. عباس الجراري . التعايش في الإسلام . منشورات الإيسيسكو 1996 م – ص11-15 . بتصرف
* ملاحظة النص واستكشافه :
1- العنوان : يتكون عنوان النص من ثلاث كلمات تكون فيما بيناه مركبين : الأول إسنادي (الإسلام دين) ، والثاني إضافي (دين التعايش) ، ويدل العنوان على سمة مميزة للدين الإسلامي وهي “التعايش”.
2- بداية النص : نلاحظ فيها تكرار جزء من العنوان (التعايش) للتأكيد على أهميته وإبراز محوريته في النص . وتقدم بداية النص تعريفا لغويا واصطلاحيا للتعايش.
3- نهاية النص : لم يتكرر فيها العنوان ولكننا نجد فيها مؤشرات أخرى دالة على ارتباط مفهوم التعايش بالتسامح والحرية والحق في الاختلاف.
4- نوعية النص : مقالة تفسيرية / حجاجية ذات بعد إسلامي.
* فهم النص :
1- الإيضاح اللغوي :
- ملمحا : مظهرا وصفة مميزة. - يعزى :عزى عزيا الشيء إلى شيء آخر : نسبه إليه و أسنده إليه. - الغلو : التعصب والمشقة وتحميل النفس ما لا تطيق. - ينبثق :انبثق من الشيء : طلع وأتى منه.
2- الفكرة المحورية :
التعايش سمة مميزة للدين الإسلامي ترتكز على التسامح والمسالمة
* تحليل النص :
1- الأفكار الأساسية :
أ- التعريف بالتعايش لغة واصطلاحا وإبراز علاقته بالمسالمة.
ب- ارتباط المسالمة بالتسامح الذي يطبع الدين الإسلامي باعتباره دين فطرة ويسر ، قائم على الوسطية والاعتدال والسلوك الحميد.
ج- ارتباط التعايش بحقوق الإنسان التي تنسجم مع الإسلام في دعوتها إلى الحرية والتسامح واحاترام الآخر.
2- الحقول الدلالية :
الألفاظ والعبارات الدالة على التعايش | الألفاظ والعبارات الدالة على التنافر والتعصب |
المسالمة – المهادنة – السلمي – التسامح – السماحة – الحرية – حق طبعي – الحق في الاختلاف | ضيق – تعصب – غلو – تطرف – عنف – إرهاب - |
* الدلالة الرابطة بين الحقلين : بالتعايش القائم على المسالمة والمهادنة والتسامح والحرية… نستطيع أن نحارب كل أشكال التعصب والتنافر القائم على التطرف والغلو والعنف والإرهاب.
* ملامح الخطاب الحجاجي في النص:
الفكرة المرفوضة | عملية البرهنة | الفكرة البديلة / المقترحة |
التعصب والغلو والتطرف | - التعليل : ويعزى هذا السماح إلى عوامل متعددة. - التدرج والربط : يتجلى في تدرج الكاتب في شرح التعايش وربطه بالسلم والتسامح - الاستشهادات : تقديم استشهادات متنوعة من الكتاب والسنة | التعايش والسلم والتسامح |
* التركيب والتقويم :
ينطلق الكاتب من تعريف التعايش لغة واصطلاحا ليشتق منه مفهومين قريبين منه هما : ((المسالمة)) و ((التسامح)) ، ثم ليؤكد بعد ذلك على أن الدين الإسلامي قائم على التسامح الذي يعتبر صفة مميزة لهذا الدين ، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل تتظافر جميعها لتثبت أن الإسلام دين التعايش بامتياز وسباقا إلى الاعتراف بحق الإنسان في الحرية و الاختلاف ، قبل أن تتبنى حقوق الإنسان في عصرنا الراهن هذا الحق وتجعله مبدأ رئيسيا من مبادئها.
يزخر النص بالقيم الإسلامية والحقوقية المتمثلة في دعوة الإسلام إلى التعايش والتسامح والمسالمة ونبذ التطرف والإرهاب والغلو ، والاعتراف بحق الآخر في الحرية والاختلاف.