((عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ ، فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟ قال أبو هريرة : فقُلْت أَنَا يا رسول الله ، فَأَخَذَ بِيَدِي ، فَعَدَّ خَمْسًا ، فقال :
- اِتَّقِ الْمَحَارِمَ ، تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ،
- وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَك ، تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ ،
- وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِك ، تَكُنْ مُؤْمِنًا .
- وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِك ، تَكُنْ مُسْلِمًا .
- وَلَا تُكْثِرْ الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ )).
رواه الترمدي . من كنوز السنة – محمد علي الصابوني . دار الإرشاد – ص : 116.
* التعريف بالحديث النبوي الشريف :
هو ما أضيف إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة. فالقول: <كقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى .."> <وكقوله صلى الله عليه وسلم: "أن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات .."> والفعل: كتعليمه صلى الله عليه وسلم لأصحابه كيفية الصلاة، وكيفية الحج، <فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"> <وقال: "خذوا عني مناسككم"> والإقرار: كإقراره صلى الله عليه وسلم لما فعله بعض أصحابه من قول أو فعل، سواء أكان ذلك في حضرته صلى الله عليه وسلم، أم في غيبته ثم بلغه ذلك. ومن أمثلة هذا اللون من الإقرار: <ما ثبت من أن بعض الصحابة أكل ضبا بحضرته صلى الله عليه وسلم فلم يعترض على ذلك، وعندما سئل صلى الله عليه وسلم لماذا لم يأكل منه؟ قال: "أنه ليس من طعام أهلي فأراني أعافه"> <وما ثبت من أنه صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته وهو إمام بهم، فيختتم قراءته بسورة "قل هو الله أحد" فلما رجع السرية ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: سلوه لماذا كان يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن اقرأ بها. فقال صلى الله عليه وسلم: فأخبروه بأن الله تعالى يحبه> والصفة: كوصف السيدة عائشة له صلى الله عليه وسلم بأنه كان خلقه القرآن وكوصف أصحابه له صلى الله عليه وسلم بأنه كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، إلى غير ذلك من صفاته الخلقية والخلُقية صلى الله عليه وسلم.
* ملاحظة النص واستكشافه :
1- العنوان : نلاحظ أن العنوان يتألف من مركبين : إسنادي و إضافي ، وهو مصدر ((من)) التي تدل على التبعيض مما يدل على أن وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة ، وأن هذا النص يتضمن بعضا منها.
2- بداية النص : تشير إلى من روي عنه الحديث (أبو هريرة) . أما بداية الحديث فتشير إلى استفهام يتضمن دعوة إلى الأخذ والعمل بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
3- نهاية النص : تنسجم مع العنوان لأنها تتضمن وصية بصيغة النهي (لاتكثر الضحك) مع تعليل هذه الوصية (كثرة الضحك تميت القلب).أما مصدر النص فيشير إلى راوي الحديث ومصدره. حديث نبوي شريف.
* فهم النص :
1- الإيضاح اللغوي :
- اتق المحارم : احذر الوقوع فيما حرم الله عليك – تكن أغنى الناس : أي تستغني عنهم ولا تطمع في ما في أيديهم. – تميت القلب : تجعله عديم الإحساس وفاقدا للشعور.
2- المضمون العام :
يوصي الرسول صلى الله عليه وسلم بخمس خصال وهي : اتقاء المحارم ، والرضى بما قسم الله ، والإحسان إلى الجار ، وحب الخير للناس ، وعدم الإكثار من الضحك.
* تحليل النص :
1- وصايا الرسول المتضمنة في الحديث الشريف :
وصايا ضابطة لعلاقة الإنسان بربه | وصايا ضابطة لعلاقة الإنسان بنفسه | وصايا ضابطة لعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان |
اتقاء المحارم – الرضى بما قسم الله (القناعة) | الرضى بما قسم الله (القناعة) – تجنب الاكثار من الضحك | الإحسان إلى الجار – حب الخير للناس |
2- الحقول الدلالية :
الأمر | نتيجته | النهي | نتيجته |
- اتق المحارم - ارض بما قسم الله لك - أحسن إلى جارك - أحب للناس ما تحب لنفسك | - تكن أعبد الناس - تكن أغنى الناس - تكن مؤمنا - تكن مسلما | - لا تكثر الضحك | - كثرة الضحك تميت القلب |
* التركيب والتقويم :
يقدم الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه مجموعة من الوصايا التي تنظم علاقة الإنسان بربه ، وعلاقته بنفسه ، وعلاقته بأخيه الإنسان. حيث يدعونا إلى اتقاء المحارم بتجنب معصية الله تعالى ، ويحثنا على القناعة والرضى بما قسم الله تعالى وعدم الطمع فيما فيما لدى غيرنا ، كما يوصينا بالجار والإحسان إليه وحب الخير له ولعامة الناس . وينهانا عن كثرة الضحك لما لها من أثر سلبي على القلب الذي يصير ميتا فاقدا للإحساس ، غير متأثر في الموقف التي تقتضي التأثر والإشفاق على الآخرين.
يحمل النص قيما دينية توجيهية تتجلى في التقوى والقناعة والتضامن.. وقد صاغها الرسول صلى الله عليه وسلم بأسلوب فصيح يتسم بالإيجاز والاختصار والبعد عن الإطناب والتعقيد.. مما يجعل هذه القيم واضحة وقريبة إلى النفس ، ولا سيما أنه قدم تعليلا وتبريرا ونتيجة لكل وصية على حدة.