يعتبر ديكارت أول مفكر في العصر الحديث يقوم بإعداد إطار فلسفي للعلوم المعروفة باسم العلوم الطبيعية التي كانت قد بدأت في التطور في ذلك الوقت. وفي كتابه Discourse on the Method ، حاول ديكارت الوصول إلى مجموعة أساسية من المبادئ التي يستطيع المرء التحقق من صدقها دون أدنى شك. وكي يتمكن من تحقيق ذلك، قام ديكارت بتطبيق منهج الشك المُفرط/الميتافيزيقي؛ والذي يعرف أحيانًا باسم الشك المنهجي: وهو منهج يرفض أية أفكار مشكوك فيها ويعيد إثباتها وترسيخها للوصول إلى أساس قوي للمعرفة الحقيقية.[8]
وفي البداية، توصل ديكارت إلى مبدأ واحد وهو أن: الفكر موجود، ولا يمكن فصل الفكر عني. لذلك، أنا موجود (وهو الرأي الذي عرضه في كتابيه Discourse on the Method وPrinciples of Philosophy . وقد عَبّر ديكارت عن هذا المفهوم بالعبارة اللاتينية التي نالت حظًا وافرًا من الشهرة وهي cogito ergo sum (والتي تعني: "أنا أفكر، إذًا أنا موجود"). ولذلك، خلص ديكارت إلى الفكرة التي تقول بإنه إذا كان يشك، فلا بد من وجود شيء ما أو شخص ما تساوره هذه الشكوك. وهكذا، تكون حقيقة الشك في حد ذاتها إثباتًا لوجوده. "والمعنى البسيط لهذه العبارة هو إنه إذا كان هناك شخص يتشكك في وجوده يكون هذا دليلاً في حد ذاته على وجوده." [9]
رينيه ديكارت وهو يعملكما خلص ديكارت إلى أنه يستطيع التأكد من وجوده لأنه يفكر. ولكن، ما الإطار الذي يمكن أن تتم فيه هذه العملية؟ فهو يدرك جسده عن طريق استخدام حواسه، وعلى الرغم من ذلك فقد ثبت من قبل إنه لا يمكن الاعتماد على هذه الحواس. لذا، خلص ديكارت إلى أن المعرفة الوحيدة التي لا سبيل إلى الشك فيها هي إنه كائن مفكر . فالتفكير هو الأساس كما أنه الحقيقة الوحيدة عنه التي لا يستطيع أن يشك فيها. ويعرف ديكارت "الفكر" (cogitatio) بإنه: "ما يحدث داخلي فأشعر به على الفور لدرجة تجعلني أدركه." وهكذا، يكون التفكير كل نشاط يقوم به الإنسان وهو مدرك له في الوقت الحاضر.
ولتوضيح القيود المفروضة على الحواس بشكل أكثر، تقدم ديكارت بفكرته المعروفة باسم برهان الشمع . وفي هذا النموذج، اتخذ ديكارت من قطعة الشمع مثالاً يوضح به ما يريد أن يعبر عنه. فحواسه أخبرته بأن لقطعة الشمع خصائصًا معينة من ناحية الشكل والملمس والحجم واللون والرائحة وما إلى ذلك. وعندما قام ديكارت بتعريض قطعة الشمع إلى اللهب، تغيرت هذه الخصائص تمامًا. وبالرغم من ذلك، يبدو أن الشمع لم يتغير في الحالتين: فما زالت قطعة الشمع عبارة عن قطعة من الشمع حتى وإن كانت المعلومات التي وردت إليه عن طريق حواسه قد أخبرته إن كل الخصائص المرتبطة بقطعة الشمع قد تغيرت عند تعريضها للهب. لذلك، انتهى ديكارت إلى أنه لا يمكن الاعتماد على الحواس في إدراك طبيعة مادة الشمع، بل يجب عليه أن يستخدم عقله. وخلص ديكارت إلى التالي:
“ And so something which I thought I was seeing with my eyes is in fact grasped solely by the faculty of judgment which is in my mind. ”
وضع ديكارت نظامًا للمعرفة يستغنى عن الإدراك الحسي لأنه لا يمكن الاعتماد عليه ويعترف بدلاً من ذلك بطريقة الاستنتاج فقط كسبيل للحصول على المعرفة. وفي الجزء الثالث والخامس من كتابه Meditation أو "Meditations on First Philosophy" ـ (تأملات في الفلسفة الأولى) يقوم ديكارت بعرض دليل وجودي يثبت وجود إله كريم وخيِّر للكون (عن طريق كل من البرهان الوجودي والبرهان المسلّم). ولأن الإله الخالق كريم، فقد أصبح لدى ديكارت نوع من الثقة في التفسير الذي تقدمه له حواسه للحقائق لأن الله قد وهبه عقلاً يعمل وجهازًا حسيًا، ولأن الله لا يرغب في أن يخدعه. وانطلاقًا من هذا الافتراض، استطاع ديكارت أخيرًا أن يثبت إنه من الممكن اكتساب معرفة عن الكون اعتمادًا على الاستنتاج و الإدراك الحسي. وفيما يتعلق بنظرية المعرفة، يمكن أن نقول إن ديكارت قد ساهم بتقديم أفكار مثل الإدراك الدقيق للمعتقدات الأساسية، واعتبار العقل هو السبيل الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه للحصول على المعرفة.
ووفقًا للنظام الديكارتي، تأخذ المعرفة شكل الأفكار، ويعتبر التحقق الفلسفي بمثابة التأمل في هذه الأفكار. وقد ترك هذا المفهوم أثره الكبير في الحركات الذاتية (التي تؤمن بأن تحليل الإنسان لمعتقد أو فكرة ما مرتبط كليًا بتلك المفاهيم التي يحملها هو داخل عقله) لأن نظرية المعرفة الخاصة بديكارت تتطلب أن تستطيع العلاقة المنطقية التي يتوصل إليها الإدراك الواعي التمييز بين المعرفة الحقيقية والزيف. ونتيجة لهذا الشك الديكارتي، رأى ديكارت أن المعرفة المنطقية "لا يمكن أن يتم تدميرها" وسعى لإقامة أساس ثابت يمكن أن يتم فوقه بناء كل المعارف الأخرى. وتكون أولى جزئيات هذه المعرفة الراسخة التي نادى ديكارت بالسعي للوصول إليها هو وجود ذلك الكائن المفكر - الذي سبق الحديث عنه - أو cogito .
وكتب ديكارت ما رد به على [[الشك في وجود العالم الخارجي ( مبدأ ينتمي إلى مدرسة فكرية تحاول التحقق من مفاهيم المعرفة الإنسانية، والتأكد من وجود بعض الأمور التي يمكن أن يتم التأكد منها بشأن تلك المعرفة#دوافع الشك في وجود العالم الخارجي|الشكوكية في وجود العالم الخارجي]]؛ حيث رأى ديكارت أن الإدراك الحسي يأتي إليه بصورة لا إرادية لا دخل له فيها؛ فهي أشياء خارجية بالنسبة لحواسه. ووفقًا لرأي ديكارت يكون هذا دليلاً على وجود شيء خارج عقله، وبالتالي على وجود العالم الخارجي. ويستمر ديكارت في طرح أفكاره ليوضح أن الأشياء الموجودة في العالم الخارجي تتخذ شكلاً ماديًا لأن الله لا يمكن أن يخدعه بشأن تلك الأفكار التي ينقلها إليه لأنه قد خلق داخله تلك "النزعة الطبيعية" التي تجعله يعتقد في أن مثل هذه الأفكار هي نتاج وجود أشياء مادية.
واشتهر ديكارت أيضًا بنظريته المعروفة باسم Cartesian Theory of Fallacies (النظرية الديكارتية للمغالطات). ويمكن فهم هذه النظرية بصورة سهلة إذا قمنا بصياغتها في تلك الكلمات: "هذه العبارة خاطئة أو كاذبة." وبينما تتم الإشارة إلى هذه النظرية في معظم الأحيان تحت مسمى العبارة الموهمة للتناقض (بمعنى أن تكون العبارة متنافية مع العقل على المستوى الظاهري ومع ذلك تكون العبارة صحيحة)، فإن النظرية الديكارتية للمغالطات تقرر أنه يمكن أن تكون عبارة ما صحيحة وخاطئة في آن واحد بسبب طبيعتها المتناقضة. وهكذا، تكون العبارة صحيحة في مغالطتها. وهكذا، يعود الفضل إلى ديكارت في توضيح النظرية الديكارتية للمغالطات التي أثّرت إلى حد بعيد في طريقة التفكير التي كانت تسود ذلك العصر. فقد كان الكثيرون من المدّعين من الفلاسفة يحاولون وضع عبارات يتعذر فهمها قد تكون في مظهرها الخارجي معبرة عن حقيقة، ولكن جعلت النظرية الديكارتية من المستحيل قبول وتناقل هذه الافتراضات. ويعتقد العديد من الفلاسفة أن نية ديكارت من وراء وضع نظريته للمغالطات كانت هي الكذب؛ الذي كان في حد ذاته - وباستخدامه - وسيلة يجسد بها ديكارت فكرته عن المغالطات