ﺇن تفاقم الأزمة البنيوية التي يعاني منها الاقتصاد الوطني تتجلى في:
-التبعية
لمراكز الرأسمالية الخارجية الأوربية و الفرنسية خصوصا، سواء على مستوى
التزويد و التسويق، أو على مستوى المنظومات الانتاجية و التكنولوجية.
-تكون
النظام الاقتصادي المغربي من بنيات و قطاعات غير متجانسة تكنولوجيا و غير
مندمجة مما لا يساهم في استيعاب القيمة المضافة في هذا القطاع أو ذاك، و لا
في مضاعفة الآثار الايجابية الاستثمار أو التنمية الانتاجية أو للتطورات
الممكنة على المستوى التكنولوجي ، رغم التفاوتات الممكنة بينها على هذا
المستوى.
-محدودية النظام المأجور و انحصاره في دوائر ضيقة و تنامي
العمل المأجور غير القار و استشراء القطاع غير المنظم أو غير المهيكل و
الحرف غير القارة و البطالة المقنعة.
-استمرار تقلص الفضاء الاقتصادي العصري انتاجا و تسويقا نظرا لضعف القدرة الشرائية لأوسع المواطنين و دور التهريب و الغش.
ان
تفاقم الاختلالات الهيكلية و الازمة التي يعاني منها الاقتصاد المغربي و
تخلفه في الاستعداد لمواجهة تحديات العولمة، يطرح بالحاح القيام بالاصلاحات
المؤسساتية الدستورية و السياسية و القضائية و الادارية التي تشجع على
تفعيل طاقاته الخلاقة و على رأسها طاقاته البشرية و العلمية من أجل تمنيع
الاقتصاد الوطني و تقوية تنافسيته و تسهيل دخوله سيرورة النمو و التنمية.
و
الواقع أن لا أحد يجادل بشأن إخفاق السياسة الاقتصادية في ايجاد مقومات
نمو اقتصادي قوي و مستديم من شأنه التصدي للمطالب الاجتماعية المتنامية.
فماهو مآل هذه السياسة الاقتصادية في علاقتها بتنامي الاكراهات و الرهانات في ذات الآن ؟
لم
يتمكن الاقتصاد الوطني بعد، من تحقيق شروط النمو الاقتصادي الذي تراهن
عليه السلطة السياسية للاستجابة للانتظارات ذات الطابع الاقتصادي، ذلك ان
معدل النمو الاقتصادي خلال سنة 2004 لن يتجاوز 3 في المائة، في حين ان
المعدل الذي يفترض فيه امتصاص العجز الاجتماعي يتراوح ما بين 5 و6 في
المائة.
و النتيجة هي أن المخطط الخماسي للتنمية الاقتصادية و
الاجتماعية 2004-2000 لم يحقق كل توقعاته خاصة بالنسبة لمؤشرات النمو
الاقتصادي، مما جعل السياسة الاقتصادية ظلت حبيسة الانعكاسات السلبية
للظرفية الاقتصادية الدولية.
و تبدو تجليات تبعية الاقتصاد الوطني من
خلال الدور المحوري للتقلبات المناخية التي تعزز حضور القطاع الفلاحي في
الحصيلة النهائية للنشاط الاقتصادي.
و تاتي عائدات الخوصصة لتلقي
بظلالها على ميزانية سنة 2004، اذ ان صحة هذه الأخيرة من مدا خيل ولوج شركة
"اتصالات المغرب" لبورصة القيم بالدر البيضاء و المقدرة بتسعة ملايير درهم
انقدت قانون مالية السنة.
و المثير للانتباه، ان معدل النمو الاقتصادي
الذي تم تحقيقه في السنوات الاخيرة لاسيما في ظل المخطط الخماسي للتنمية
الاقتصادية و الاجتماعية 2004-2000، لم تكن له تداعيات فعلية على الصعيد
الاجتماعي و هو ما دفع بالمركز المغربي للظرفية لان يصف النمو بالعقيم على
اعتبار انه لا يترجم خلق فرص شغل تستوجب التدفق المتزايد للشباب على سوق
الشغل.
إن الوضع الاقتصادي ببلادنا لازال يعاني من غياب أفق واضح لحل
معضلاته البنيوية، واستمر تأثير التغيرات الماضية على معدل النمو الذي
ينتقل من السلب إلى الإيجاب حسب المحصول الزراعي للسنة واستقر ثقل ميزانية
التسيير وأداء مستحقات الدين وخدمته طاغيا على حساب ميزانية الاستثمار، كما
كرس التناقض المضطرد لا يجاز البنيات التحتية الضرورية لإعطاء دفعة قوية
للاستثمار، ولإنجاز المرافق الاجتماعية التي تلبي الحاجيات الأساسية
للمواطنين.
إن تفاقم الأزمة الاجتماعية وتفاقم الشروخ الاجتماعية
والجغرافية والقطاعية كجزء من الأزمة البنيوية الشاملة وعجز النظام
الاقتصادي المغربي عن توفير الحد الأدنى من الدخل والخدمات الاجتماعية
وتخلي الدولة تدريجيا عن أدوارها الاجتماعية والتوزيعية، عرض المغرب لسلسلة
من الاحتجاجات الإجتماعية التي تهدد مقومات الاستقرار السليم لمجتمعنا.
إن هذه الأزمة الاجتماعية التي تتغذى من أزمة النظام الاقتصادي وتهدد سيرورة التأهيل والإنقاذ.
تنتظر
الإقتصاد الوطني تحديات كبيرة انطلاقا من سنة 2005، لها علاقة بالظرفية
الخاصة التي تم خلالها تحضير مشروع قانون مالية هذه السنة والانعكاسات
المتوقعة لذلك على تنفيذ مقتضيات هذا القانون.
إن المواجهة الفعالة
لتردي أوضاع البلاد وأحوال أغلبية أفراد الشعب في المجالات الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية وتراجع مكانة المغرب الدولية، غير ممكنة دون إنجاز
إصلاح دستوري و سياسي جوهري.
ومن المفترض سياسيا، أن تقوم الأحزاب
المغربية بالدعوة و المساهمة في إنجاز هذا الإصلاح .وتستمد الأحزاب في
المغرب أهميتها من الدور المنوط بها دستوريا إذ ينص الفصل الثالث على أن
الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والجماعات المحلية والغرف المهنية
تساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم . ومن متابعة أداء الأحزاب المغربية،
يتبين أن التقليدانية هي التي طبعت أداء الأحزاب.
وللتقليدانية عدة
مظاهر تتجسد في انغلاقها وبالتالي محدودية روادها، وفي إفرازها لزعامة تظل
على رأس الحزب إلى حين وفاتها، وأيضا في انعدام الديمقراطية واقتصار عملية
صنع القرار الحزبي على بعض النخب المتنفذة أو القريبة من الزعيم.
لقد
أصبحت الأحزاب تنتج بكثير من البراعة أنماط التعاطي البيروقراطي
والديماغوجية والاستئثار بالرأي، وتعمل من أجل الهيمنة والحفاظ على الوضع
الاجتماعي القائم، وتتذرع بالإكراهات تجنبا لمناقشة الاختيارات السياسية
الأساسية.
وهذه الأحزاب التي لم تكن في يوم ما أحزاب مجتمع، لا ترى في
المسؤولية المركزية أبعد من المقعد البرلماني أو الحكومي، ومن ثمة لا حاجة
لها بالمشروع المجتمعي.
من هنا نتساءل: هل الخلل في الأحزاب السياسية أم في الدولة والمجتمع؟
يجب
الاعتراف أن الدولة تطورت في سلوكها وخطاباتها، فأصبحت تطالب الأحزاب
بإعادة تشكيل ذاتها بعد أن كانت تمارس التفكيك والانشقاق في الماضي، بل إن
السلطة تحل محل الأحزاب السياسية وتقوم بوظيفتها، فحملات التضامن المسترسلة
منذ سنوات هي محاولة لاستقطاب المهمشين والمعدمين.
أما الطرف الثاني
الذي هو المجتمع فقد تجاوز ثقافة الاضطراب واصبح متقدما عن الأحزاب
السياسية بممارسة لحقه في الاحتجاج بشكل منظم ذاثيا، بل إن الأحزاب تمارس
التشويش عليه بمحاولة اختراق المجتمع المدني الناشئ وتسييس تنظيماته.