إن التفاؤل متغلغل في نسيج الفكر الإسلامي،،
ويتجلى ذلك في جملة من الأحاديث وشروحها؛
فلقد فهم الشراح الكبار من المتقدمين هذه النزعة الإسلامية،،
وصاروا يبنون عليها كثيراً من تأويلهم للأقوال والأفعال النبوية ،،
وفي هذا العصر تتعاظم حاجة المسلم والناس من حوله للتفاؤل،،
ولقد جاء الإسلام حاثّاً على الرجاء والأمل، وداعياً إلى التفاؤل الإيجابي ،،
الدافع للانطلاقة والعمل من أجل التصحيح والتطوير،،
بل إن اليأس والقنوط والإحباط والتشاؤم جوانب ليست بداخلة في نسيج التفكير الإسلامي البتة،،
مهما أحاطت بالمؤمن الشدائد، وادلهمت الخطوب، وغيم الجو وتلبد ،،
ونصوص الشريعة شديدة الصراحة والوضوح في هذا الجانب،،
قال - تعالى -على لسان نبيه يعقوب - عليه السلام - مخاطباً أبناءه:
{وَلا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إنَّهُ لا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]
وقال - سبحانه - على لسان خليله إبراهيم - عليه السلام - :
{قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إلاَّ الضَّالُّونَ} [الحجر: 56]
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:
«إن رجلاً قال: يا رسول الله! ما الكبائر؟ قال: الشرك بالله، والإياس من رَوْح الله، والقنوط من رحمة الله»
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال:
«أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله»
إنّ من الصفات النبيلة والخصال الحميدة التي حبا الله بها نبيه الكريم ورسوله العظيم صفة التفاؤل،،
إذ كان صلى الله عليه وسلم متفائلاً في كل أموره وأحواله، في حلِّه وترحاله، في حربه وسلمه،،
في جوعه وعطشه، وفي صحاح الأخبار دليل صدق على هذا،،
إذ كان صلى الله عليه وسلم في أصعب الظروف والأحوال يبشر أصحابه بالفتح والنصر على الأعداء،،
نعم إنه التفاؤل ، ذلك السلوك الذي يصنع به الرجال مجدهم، ويرفعون به رؤوسهم،،
فهو نور وقت شدة الظلمات، ومخرج وقت اشتداد الأزمات، ومتنفس وقت ضيق الكربات،،
وفيه تُحل المشكلات، وتُفك المعضلات، وهذا ما حصل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،،
عندما تفاءل وتعلق برب الأرض والسماوات؛ فجعل الله له من كل المكائد والشرور والكُرب فرجاً ومخرجاً،،
فالتفاؤل سنة نبوية، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن وينهى عن التشاؤم والتطير،،
حيث قال: « تفاءلوا بالخير تجدوه »
ولذا نجد التفاؤل، والثقة بموعود الله - تعالى - وحسن الظن به - سبحانه - أصل راسخ، وسِمَة ثابتة، ومَعْلَم بارز،،
قوي الحضور في حياة نبينا الكريم ؛ وشواهد ذلك في السيرة العطرة أكثر من أن تُحصَر،
من تلك المواقف :
تفاؤله صلى الله عليه وسلم وهو في الغار مع صاحبه، والكفار على باب الغار وقد أعمى الله أبصارهم ،،
فعن أنس عن أبي بكر رضي الله عنه قال :
( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار، فرفعت رأسي، فإذا أنا بأقدام القوم،
فقلت: يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا، قال: اسكت يا أبا بكر، ما ظنّك باثنان الله ثالثهما ) متفق عليه.
وفي الخندق، وهو - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - محاصرون في المدينة من الأحزاب،،
من كل صـوب، وأحـدهـم لا يأمن على نفسه حين يذهب إلى الغائط، ويمكث - صلى الله عليه وسلم - من الفاقة
ثلاثاً بدون طعام مع ضخامة الجهد المبذول في حفر الخندق، ومشقة العمل، وقيامه بترتيب شؤون الناس
وإعدادهم للنزال، وحمله همََّ الولوج في معركة فاصلة، تداعى لها الأعداء من كل حدب، وحال المؤمنين
كما وصف ربنا - تعالى -:
{إذْ
جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإذْ زَاغَتِ
الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْـحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ
الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10]
نجده - صلى الله عليه وسلم - يبعث الطمأنيـنة في نفوس أصحابه الكــرام، ويعـمــق ثقتهــم بـاللـه - تعالى -
ويستنبت التفاؤل والأمل في دواخلهم، فيقول - صلى الله عليه وسلم -:
« أُعطيت مفاتيح الشام... أُعطيت مفاتيح فارس... أُعطيت مفاتيح اليمن »
وما ذاك منه - صلى الله عليه وسلم - إلا إدراك لخطورة الإحباط، والشعور بالخيبة، واعتقاد العجز؛ إذ تُقتَل الإرادة،
ويُقضَى على المبادرة، ويُزرَع القلق والجزع، ويحدث الاضطراب والتوتر، ويُحال بين المرء وبين الجد والمثابرة،
إضافة إلى ما يتضمنه ذلك من ظن ما لا يليق بالله - سبحانه - وغير ما يليق بحكمته، ورحمته،
ووعده الذي سبق لرسله من أن جنده هم الغالبون، وأن أعداءه هم المخذولون
وفي المقابل يأتي ذلك إدراكاً منه - صلى الله عليه وسلم - لعلو كعب الرجاء، وارتفاع منزلة التفاؤل،
وضرورة العيش بنفسية آملة، طامحة بالنجاح، ناشدة تحقيق الأهداف، حسنة الظن بالله - تعالى - واثقة من تنزُّل
نصره، وحدوث فَرَجه، وأن الأمر لا يعدو مرحلة استكمال الأمة لما هي مطالبة به من القيام بما عليها من تحقيق
متطلبات النصر والابتعاد عن موانع التمكين.
إن من أهم ركائز الأمل ومتطلبات التفاؤل: سعة الأفق، وبُعد النظر، وطول النَّفَس، والصبر والمصابرة، وإعطاء
المعالجة والبناء المدى الزمني الذي يحتاجان إليه، وقد كان ذلك جلياً في حياة من جعله الله ـ - تعالى -ـ أسوة
حسنة لنا، وانظر إليه - صلى الله عليه وسلم - وهو في (قرن الثعالب) يمشي مهموماً بعد أن طرده بنو عبد ياليل
وآذوه ورجموه حتى أدموه، والملأ من قريش مصممون على منع عودته إلى مكة، وقد جاءه مَلَك الجبال فقال:
«إن شئت أن أُطبق عليهم الأخشبين»، فأجابه - صلى الله عليه وسلم -، وكله تفاؤل وأمل، وصبر،
ورحمة، وبُعد نظر، واستشراف عميق للمستقبل: «بل أرجو أن يُخرِج الله من أصلابهم من يعبد الله
وحده، لا يشرك به شيئاً!! »
المقال
هذا أعجبني .. وفيه نظرية انا مؤمن بها وأروج لها من زمااااااااان .. وهي
نفس فكرة قانون الجذب الذي يدعو اليه الدكتور/صلاح الراشد وملخصه (كيف تجذب
ماتشاء من الأقدار إليك) وبالتأمل فيه تجده موافقاً لمنهج التفاؤل النبوي
والكثير من الأحاديث النبوية تدعو إليه ليس أولها (انما الأعمال بالنيات
وإنما لكل امرء مانوى) وليس آخرها حديث زيارة النبي صلى الله عليه وسلم
للأعرابي الذي يشتكي من الحمى حين قال له طهور إن شاءالله فرد الأعرابي
(طهور؟؟ بل حمى تفور على شيخ كبير تصليه القبور) فقال صلى الله عليه وسلم:
هي إذن.. ومات الأعرابي..