القدس في بعدها الإنساني

القدس في بعدها الإنساني
د/ ح . الباش/ سوريا
حينما ننظر إلى واقع المسلمين من اندونيسيا إلى باكستان إلى تركيا إلى المغرب العربي نرى أن أي تعرض للمسجد الأقصى بالأذى يجعل جماهير المسلمين تغلي فتقوم المظاهرات والاحتجاجات. ولو قدر لأبناء المسلمين الوصول إلى فلسطين والقتال في سبيل استرداد القدس وفلسطين لما قصروا أو توانوا عن نصرة هذه الأرض المباركة، وعبر عشرات السنين ظل الاستعمار الغربي وقوى العداء من صهاينة وحلفاء لهم يحاولون فصل عرى الارتباط بين المسلمين وأرض فلسطين، وذلك عبر تغييرات سياسية قسرية في بلدان العالم الإسلامي،

فبدل أن توجه جهود الأمة الإسلامية لتحرير فلسطين والقدس، عملت الأوساط الغربية على قلب أنظمة الحكم الوطنية إلى أنظمة حكم غير معادية للصهاينة بل إلى أنظمة حكم تعترف بالاحتلال الصهيوني لفلسطين وتترك الشعب الفلسطيني يـواجه الاحتـلال بمفرده وهو أعزل . فبعض الأنظمة الإسلامية تقيم علاقات مع الاحتلال الصهيوني، وبعضها الآخر يمتلك السلاح النووي لكنه يكرس قوته في غير صالح فلسطين لارتباطاته بالولايات المتحدة والقوى الغربية المتحالفة مع الاحتلال والمدافعة عنه، وبعضها الآخر يتقوقع حول نفسه متناسياً أي علاقة إسلامية بفلسطين والقدس. ونعتقد أن هذه الحال لا تدوم لأن فلسطين والقدس تشكلان في الوجدان الإسلامي أهمية بالغة لا يمكن نسيانها أو تناسيها مهما طال الوقت . القدس وفلسطين في بعدها الإنساني لما كانت قضية فلسطين (وجوهرها تشتيت شعب عربي له حضارته وإحلال شعب آخر على أرضه) قضية ظلم جماعي وشرا جماعيا لا تقبل به الأخلاق البشرية، فإن من المؤكد أن هذه القضية تأخذ أبعاداً إنسانية جمة، ومما تجدر الإشارة إليه أن شعوب أوروبا التي أسهمت في الماضي في إشعال الحروب الاستعمارية التوسعية بدعم حكوماتها فإنها اليوم تنظر إلى المسألة الفلسطينية كقضية إنسانية أخلاقية يتحملون وزرها ووزر نتائجها الكارثية على الإنسان العربي الفلسطيني، خاصة شعوب بريطانيا وفرنسا وغيرهما من دول الحلفاء الذين دعموا الحركة الصهيونية في طرد الشعب الفلسطيني من أرضه وإحلال أتباع هذه الحركة الاستيطانية على أرض فلسطين . واليوم حين تناقش بعض الأوساط الشعبية الغربية المسؤولية الأخلاقية تجاه فلسطين والقدس فإن ذلك إنما يدل على صحوة بدأت تأخذ طريقها في الجماهير الأوروبية العريضة . وإذا توسعنا أكثر ونظرنا إلى التأثيرات الإنسانية لقضية فلسطين وجدناها قد امتدت إلى شعوب آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، وليس ذلك إلا بسبب انكشاف الخداع الصهيوني عبر أكثر من خمسين عاماً، فهذا العدو الصهيوني ارتكب جرائم وحروب إبادة بحق العرب والفلسطينيين، وهذا ما دفع الكثيرين إلى إعادة النظر بمواقفه من الاستعمار الصهيوني الاستيطاني الذي لايتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم والقتل والإبادة . ونحن اليوم نسمع أصواتاً مؤثرة في أوروبا وأمريكا وغيرهما تفضح هذه الصهيونية وتدافع عن حق الفلسطينيين في المقاومة، وليس جورج غالوي ببعيد عن ذلك ومثله الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر والمفكر بول فندلي وقبلهم غارودي والأب بيير ممن رفضوا المزاعم الصهيونية بشأن خدعة المحرقة المشهورة على المستوى الإعلامي، فليس دفاع هؤلاء عن قضية فلسطين وعروبة القدس سوى إثبات موقف أخلاقي إنساني كان مغيباً عن الشخصية الغربية إلى حد بعيد وخطير . ولا شك أن مصالح الشعوب اليوم وخاصة الشعوب الغربية تتضارب تماماً مع المصالح والمطامع الصهيونية في المنطقة العربية . وحينما تشن الأوساط الغربية حربها على الإرهاب فإنها أصبحت تدرك أن هذا إرهاب سببه الظلم الذي وقع على الشعب العربي الفلسطيني وبقية أبناء العروبة والإسلام في العراق ولبنان وغيرهما، والغرب اليوم بات يدرك أنه يجب حل المشكلة الفلسطينية بشكل يؤدي إلى العدل وإحقاق الحقوق المهدورة لأبناء فلسطين، وهذا في أدنى مسـتوياته واجب أخلاقي إنساني لا شك فيه .

لا للشكر اختي اكرام هدا واجبي

» رحلة في تاريخ القدس
» البعد الإنساني و المواصفات القياسية
» فرضيات البرمجة وفهم السلوك الإنساني
» القدس
» رسالة فلسطين إلى القدس