بسم الله الرحمن الرحيم
عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث
القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة ؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع،
حتى إذا قضى حديثه قال: ( أين أراه السائل عن الساعة ؟ ) قال: ها أنا يا
رسول الله، قال: ( فإذا ضيِّعت الأمانة فانتظر الساعة )، قال: كيف إضاعتها؟
قال: ( إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ) .
رواه البخاري
بينما : أي في اللحظة التي كان يحدث فيها القوم ويعظهم
يحدث
القوم : المراد بالتحديث الوعظ و التذكير فقد كان صلى الله عليه وسلم يعظ
اصحابه ويذكرهم بين الفينة و الفينة ولا يكثر عليهم خشية الملل و السآمة
متى
الساعة : المراد بالساعة القيامة وخراب الدنيا و انما سميت القيامة
بالساعة لأنها تأتي كلمح البصر في مذة زمنية قصيرة ((وما أمر الساعة الا
كلمح البصر أو هو أقرب ))
فمضى رسول الله : أي استمر في حديثه ولم يرد على السائل تنبيها له الى تعلم أدب الحديث وعدم مقاطعة المحدث
كره ما قال : كرر لفظ القول (سمع ما قال ,فكره ما قال)وذلك لدفع الالتباس لئلا يوهم ان الكراهية كانت للسائل
ضيعت
الأمانة : المراد بالأمانة كل ما أئتمن الله تعالى عليه عباده من تكاليف
شرعية وواجبات دينية وقد فسرها الحديث الشريف باسناد الأمور الى غير أهلها.
وسد
الأمر : أي اسند الأمر الى غير أهله ووكل الى من لا يصلح له كتسليم الجاهل
أمور التعليم , وتولية الخائن وظائف الدولة ,واسناد الشوؤن العامة الى من
لا يحسن التدبير كالمرأة وقد قال صلى الله عليه وسلم
(( لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة )) وفي الحديث : ((اذا كانت أموركم الى نسائكم فبطن الارض خير لكم من ظهرها))
ومعنى الحديث الشريف :الموت خير لكم من الحياة
***** ****** ****** ****** ****** ****** ****** ******
هذا
هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع أصحابه في المسجد ,ويجلس الى جانبهم
كواحد منهم ليعظهم ويذكرهم ويرشدهم الى ما فيه سعادة الدنيا ,و الأخرة,
ويدخل أعرابي فيرى رسول الله يحدث أصحابه فيقف يستمع الى هديه الشريف , ثم
يلقي عليه سؤالا قبل أن يتمم الرسول صلى الله عليه وسلم كلامه , يسأله عن
الساعة يريد أن يعرف أحوالها ويظهر من سؤاله أنه كان مشغول البال و الفكر
بأمر الساعة وأمر القيامة , ولكن الرسول عليه أفضل الصلاة و التسليم لم
يجبه, وبقي متابعا لحديثه ,وهنا يظن بعض الصحابة أن الرسول الكريم لم يسمع
سؤاله ,والبعض الآخر يقول: ان الرسول قد سمع كلامه , ولكنه كره أن يجيبه
لأنه لم يتمم بعد حديثه ويستمر الرسول في حديثه حتى اذا انتهى منه التفت
الى أصحابه يسألهم أين السائل عن الساعة؟ فيجيبه الأعرابي ها أنا ذا يا
رسول الله أي ها أنا حاضر بين يديك اسمع لكلامك , وكلي انتباه الى ما تقول ,
فيجيبه الرسول صلى الله عليه وسلم بتلك الكلمة الرائعة الجامعة (( اذا
ضيعت الأمانة فانتظر الساعة))
وحقا انها لكلمة هادفة , وحكمة بالغة
من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم فالأمانة اذا ضاعت , والمسؤولية اذا
فقدت , والأمور اذا تقلدها الجهال , وأصبحت الحياة فوضى , فان ذلك أكبر
برهان على قرب قيام الساعة .
فالاعمال اذا تسلمها الأغرار الجهال ,
ومقاليد الحكم اذا أصبحت بيد الأشرار و الفجار فسلام على الدنيا وسلام على
أهلها , ولقد صدق المصطفى الهادي البشير حين قال(اذا كان أمراؤكم شراركم
,وأغنياؤكم بخلاءكم ,وأموركم الى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها))