بسم الله الرحمن الرحيم
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:
((بال
أعرابي في المسجد,فقام الناس اليه ليقعوا فيه, فقال النبي صلى الله عليه
وسلم :دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء فانما بعثم
ميسرين ولم تبعثوا معسرين))
رواه البخاري
بال أعرابي :
الأعراب ساكن البادية جمعة أعراب قال تعالى { الأعراب أشد كفرا ونفاقا
}وأما ساكن المدينة فيسمى الحضري وهذا الأعرابي هو (ذو الخويصرة
اليماني)وانما لم يذكر اسمه حفظا لكرامته,وسترا عليه
ليقعوا فيه : أي وثبوا نحوه ليضربوه تأديبا له لأنه انتهك حرمة المسجد
سجلا : بفتح وسكون أي دلوا من الماء , والسجل مثل الذنوب وهو الدلو الممتلئة بالماء
بعثتم
ميسرين : أي خلقتم مؤمنين لتكونوا من أهل الرفق و اللين و اليسر وهو اللطف
و الرفق ولين الجانب وقد قال صلى الله عليه وسلم ((بشروا ولا تنفروا
ويسروا ولا تعسروا))
*************************************
ما
أجمل الاسلام رسالة الهداية و الاصلاح , ودين السماحة و اليسر!!وما اسمى
تعاليمه الحكيمة التي تدعو الى الرفق و اللين في النصح و الارشاد , والى
معالجة المشكلات الاجتماعية بطريقة الرأفة لا الغلظة ,وبأسلوب اللين لا
الشدة! ولا عجب فهذا الأدب أدب الله به رسوله الكريم وخاطبه بقوله {{
وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ }}
وعلمه الرسول صلوات الله عليه لأصحابه حين قال لهم ((انما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)).
هذا
هو أعرابي يدخل مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فيتنحى طائفة منه ويقف
يتبول ,لا يعرف هذا الاعرابي أمور الدين , ولا يدري حرمة المساجد التي أمر
الله أن تعظم وتطهر...ويظن هذا الاعرابي أن المسجد كبقية الاماكن , ليس
هناك ما يمنع من التبول فيه أو قضاء الحاجة , وليس له من عذر الا أنه جاهل ,
ويرى أصحاب رسول الله هذا المنظر المؤذي , منظر الأعرابي يتبول في المسجد
فيسرعون نحوه يريدون ضربه و تأديبه , لأنه أساء الى حرمة بيت الله ,
ويأمرهم الرسول الرحيم بالكف عنه وعدم ايدائه أو ضربه , لأن الجاهل ينبغي
أن يعلم لا أن يضرب فان الضرب ينفر ولا يؤدب والرسول الكريم يقول(بشروا ولا
تنفروا ويسروا ولا تعسروا )) يأمرهم الرسول بعدم التعرض له بمسبة أو اذى ,
ويكلفهم أن يريقوا على بوله دلوا من ماء تطهيرا للمكان من النجاسة , ثم
يدعو الاعرابي فيعلمه برفق و لين , ويرشده الى أن هذا بيت من بيوت الله عز
وجل , لا يليق بالمسلم أن يحدث فيه أذى أو يعرضه لنجاسة , ويتلطف معه عليه
الصلاة و السلام حتى يشعر الأعرابي من نفسه بخطئه ويندم على عمله, ويطلب من
الرسول الكريم العفو والسماح , وهنا يقبل الرسول صلى الله عليه وسلم على
اصحابه مرشدا لهم الى طريق الرفق في الدعوة و اللطف في المعاملة, قائلا لهم
(انما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين))
وقد جاء في بعض الروايات
الصحيحة أن ذلك الاعرابي حين أراد الخروج من المسجد ركب ناقته ثم قال;{
اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا احدا },وذلك لانه رأى اللطف من الرسول
الكريم على خلاف اصحابه حينما هجموا عليه ليضربوه, وسمعه الرسول يقول ذلك
فقال له(لقد حجرت أي {ضيقت} لقد حجرت واسعا يا أخا العرب ))يريد منه أن يعم
بدعوته لا أن يخصها بنفسه وبرسول الله فقط .ولو أن المسلمين تمسكوا بهذا
الخلق الرفيع -من الرفق في الدعوة , وحسن النصح و الارشاد - لعاشوا سعداء
ولما كانت بينهم مشاحنات ,ولوصلوا الى الغاية المنشودة من أقرب طريق.....
وهكذا
يكون اسلوب الدعوة و أسلوب النصح والتذكير وخاصة مع الجاهل فلله ما ألطف
أخلاق الرسول, وما أروع تربيته ,وما أحوج المسلمين الى مثل هذه التربية
الحميدة الرشيدة التي تخرج العظماء و الابطال!!