منقول من كتاب المفسر محمد علي حسن الحلي(الكون والقران)
__________________________________________________ ___________
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ __ _ _ _ _ _ _
إنّ
آدم لم يكن أوّل بشرٍ خلَقَه الله تعالى على هذه الأرض بل خلَقَ قبله من
البشر ما لا يُحصى ولا يعدّ ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ
خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ
الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي
أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} ، فالخليفة هو الذي يخلف ما قبله كقوله
تعالى في سورة يونس {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن
بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} ، فلو لم يكن قبل آدم بشر لَما
سمّاه الله خليفة ، والدليل الثاني قول الملائكة [ كما في الآية التالية ] :
{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} ، فإنّ
الملائكة لا يعلمون الغيب فكيف عرفوا أنّ أولاد آدم يُفسِدون في الأرض
ويسفكون الدماء لو لم يَرَوا ذلك مِمّن مضى قبل آدم .
ثمّ إنّ البشر
الموجودين اليوم على أرضنا ليس كلّهم من آدم بل من أربعة أشخاص ، فأحد
هؤلاء الأربعة أبونا آدم ، والثاني أبو السودان ، والثالث أبو الهنود الحمر
، والرابع أبو الصينيّين . فالذين ركبوا في السفينة مع نوح كانوا من أنواع
البشر الأربعة وليسوا كلّهم من آدم ، والدليل على ذلك قوله تعالى سورة هود
{قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى
أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ} .
وقال الله تعالى في سورة الرحمن {رَبُّ
الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} ، قال المفسِّرون أنّ الآية
تُشير إلى شروق الشمس صيفاً وشتاءً ، وكذلك غروبُها يختلف وقت الصيف عن وقت
الشتاء . وأقول ليس المراد بذلك شروق الشمس وغروبها ولا المكان الذي تُشرق
عليه الشمس أو تغرب ، بل المراد بذلك البشر الذين يسكنونَ جهةَ المشرق
والذين يسكنون جهة المغرب ، وهما نوعان يسكنان جهة المشرق : الجنس الأبيض
وهم أولاد آدم والجنس الأصفر وهم أهل الصين . وكذلك الذين يسكنون جهة
المغرب وهما الجنس الأسود وهم الحبشة والسودان ، والهنود الحمر وهم سكّان
أمريكا الأصليّين ، فهذه أربعة أجناس .
وتعليل ذلك أنّ النيازك التي
نَقَلَت الحياة إلى أرضنا هي أربعة ، وكانت من أربعة سيّارات متمزّقة ،
فسقط كلٌّ منها على قطرٍ من أقطار الأرض ، فخلق الله تعالى من كلّ نيزك
نوعاً من البشر ، ولذلك أصبح الجنس البشري أربعة وهم :
1. الجنس
الزنجي : - ويمتاز أفراده بشعرهم المجعّد ، وبشرتِهم السوداء وأنفهم الكبير
المفرطَح ، وشفاهِهم الغليظة ، وأعينِهم البارزة ، وأسنانِهم الكبيرة .
وأفراد هذا الجنس هم سكّان أفريقيا الوسطى والجنوبيّة وتسمانيا وأستراليا
والفلبين .
2. الجنس المنغولي : - ولِهؤلاء شعر أسود سبِط وبشرة
صفراء ، ووجه مدوّر بارز الوجنات ، وأنف صغير ، وأعين عميقة ، وأسنان
متوسّطة الحجم ، وهم سكّان آسيا الوسطى والشماليّة والتركستان والإسكيمو
والملايو.
3. الجنس الأحمر : - وهم الهنود الحمر سكّان أمريكا الأصليّين .
4.
الجنس القوقاسي : - ويتّصف أفراده بِشعرٍ ناعم سبِط أو متجعِّد قليلاً
أشقر أو أسود وبشرة بيضاء أو سمراء ، ولِحى كاملة ، ووجنات غير بارزة ،
وأنف متوسّط الحجم ، وأسنان صغيرة ، وهم سكّان أوروبا وشمال أفريقيا وغرب
آسيا وجنوبِها .
فالجنس القوقاسي من نسل آدم ، وأمّا الثلاثة
المتقدّمة فلكلٍّ منهم أب خاصّ ، فإنّ الله تعالى خلقَ هؤلاء الثلاثة قبل
أن يخلق آدم بِآلاف السنين ، ولذلك صار آدم خليفة لأنّ الله تعالى خلَقَه
بعدهم . ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة هود في قصّة نوح : {قِيلَ يَا
نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ
مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا
عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، فقوله تعالى {وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ} يعني
وعلى الأجناس الأخرى الذين ركِبوا معك في السفينة ، وكان بعضهم من الجنس
الأسود وبعضهم من الجنس الأصفر .
وإنّ أولاد آدم تزوّجوا من بنات
الصينيّين ومن بنات السودان ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الفرقان
{وَهُو الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا
وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} ، فقوله تعالى {خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا}
يعني أولاد آدم خلَقَهم من ماءٍ دافق وهو النطفة ، وقوله {فَجَعَلَهُ
نَسَبًا وَصِهْرًا} النسب هم أقرباؤك ما تناسل من جدِّك ، يعني أعمامك ؛
والصهر أخوالك ، يعني الذين اتّصلوا بكَ بِالمصاهَرة أي بِالزواج فأخذتَ
منهم امرأة أو أعطيتّهم امرأة ، والشاهد على ذلك قول حسّان بن ثابت
الأنصاري :
يعتادُني شَوقٌ فأذكرُها من غيرِ ما نسبٍ ولا صِهرِ
يعني ليس بيني وبينَها قرابة ولا مصاهَرة . وقال امرؤ القيس :
لأخٍ رَضيتُ به وشاركَ في الأنسابِ والأصهارِ والفضلِ
فأولاد
آدم يرجع نسبُهم إلى آدم ولكنّهم صاهَروا الأجناسَ الأخرى فاختَلَطوا ،
فتزوّجَ بعضُهم مِن بنات الصين الجنس الأصفر فصار صِهراً لَهم ، وتزوّج
بعضُهم من الجنس الأسود فصار صِهراً لَهم . وإنّ أكرمَهم عند الله أتقاهم .
وقال تعالى في سورة الرحمن {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ
الْمَغْرِبَيْنِ} .
س 34 : إذا كانت البشر من أربعة أجناس
ولم تكن كلّها من آدم ؛ إذاً فما معنى قوله تعالى في سورة النساء {يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا .. إلخ } ؟
ج : كان الخطاب
موجَّهاً في بادئ الأمر لِقريش فقط ، أي لأهل مكّة ومَن حولَها وليس لجميع
سكّان الأرض ، ويؤيِّد ذلك قوله تعالى في سورة الأنعام {وَلِتُنذِرَ أُمَّ
الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} يعني مكّة ومَنْ حولَها . والدليل على أنّ
الخطاب كان لأهل مكّة قوله تعالى في سورة التوبة {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ
مِّنْ أَنفُسِكُمْ } يعني من عشيرتكم ومن لغتكم ومن بلدتكم فلماذا تنكرون
عليه قوله وقد تعلمون أنّه الصادق الأمين . فكان الله تعالى إذا خاطب أهل
مكّة قال {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} ، وإذا خاطب أهل المدينة قال {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} . وبعد ذلك شمل جميع أهل الحجاز ثمّ جميع
المدن الإسلاميّة ، أمّا اليوم فيكون إنذاراً لجميع الناس .
ويؤيِّد
ما ذكرناه قوله تعالى في سورة الإسراء {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ
وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ
الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا
تَفْضِيلاً} ، فإنّ الله خصّ بني آدم بالتفضيل على سائر البشر ، ولو أنّه
تعالى أراد بذلك تفضيل البشر على سائر الحيوانات كما ذهب إليه بعض
المفسّرين لقال : ولقد كرّمنا البشر وحملناهم في البرّ والبحر . وقال تعالى
في سورة الفرقان {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا} .
{لِنُحْيِيَ
بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا
وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} ، فكلمة {أَنَاسِيَّ} جمع أناس ، فلو كان البشر
كلّهم من آدم لقال تعالى : ونسقيه أنعاماً وأناساً كثيراً ؛ فالإنسيّ هو
البشر ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة مريم حاكياً عن قول المسيح لأمّه مريم
{فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ
الْيَوْمَ إِنسِيًّا} يعني لن أكلِّم بشراً .
كما قال تعالى في سورة
المدثر{لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ . عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } ؛ لأنّ
الأجرام السماويّة تراها البشر كلّها لا بني آدم خاصّةً ، ثمّ لو أنّه
تعالى كرّم البشر كلّهم على سائر خلقه إذاً لم يجعل فرقاً بين الحرّ والعبد
بقوله تعالى في سورة البقرة {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ
بِالْعَبْدِ} ، فجعل سبحانه فرقاً في القصاص بين الحرّ والعبد .
س
35 : فما معنى قوله تعالى في سورة البقرة {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ
بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ
الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ
مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ
اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ؟
ج : {وَإِذْ قَالَ} أي واذكر إذ قال
{إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي} أي فهِّمْني {كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى
قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} أي ألستَ آمنتَ {قَالَ} إبراهيم {بَلَى} آمنتُ
{وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} بما تريني {قَالَ} الله تعالى {فَخُذْ
أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ} أي أربعة أجناس من الطير من كلّ جنسٍ واحد
{فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} أي أمِلهنّ إليك ، والمعنى أمِلْ قلوبَهنّ بأنْ
تضعَ لهنّ الطعام أيّاماً حتّى يتعوّدْنَ إليك فإذا دعَوتَهنّ يأتينك
سريعاً ، بقال صرته أصوره ، أي أمَلتُه ، ومن ذلك قول الشاعر : " يصورُ
عنوقَها أحوى زنيمُ " يعني أعناق تلك الغنم تيسٌ أحوى ، وقال أعشى ميمون :
إذا تقومُ يضوع المسك أصورةً والزنبقُ الوردُ من أردانِها شَمِلُ
يعني تفوح رياح المسك منها يميناً وشمالاً .
وقال جرير :
أنكَرْنَ عَهدَكَ بعدما عرَّفنَه ولقد كنّ إلى حديثِكَ صورا
أي كنّ مائلاتٍ إلى حديثكَ يستمعْنَه .
وقال لبيد :
إنّي أقاسي خُطوباً ما يقومُ لَها إلاّ الكرامُ على أمثالِها الصبُرُ
مِنْ فقدِ مولىً تَصورُ الحيَّ جَفنتُه أو رزء مالٍ ، ورِزءُ المالِ يُجتَبَرُ
فقول الشاعر " تَصورُ الحيَّ جَفنتُه" يعني يَميلون إلى جفنتِه لِيأكلوا مِنها لأنّهم تعوّدوا على ذلك .
ومعنى
الآية : فعوِّدْهنّ الرجوع إليك إذا ناديتهنّ ، والطيور التي أخذها
إبراهيم كانت من التي تُجنى في الدار كالدجاج والبط والطاووس ودجاج الهند
{ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا} أي واحداً من تلك
الأربعة ، {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} على أرجلِهنّ مسرعاتٍ في
سيرهنّ وذلك لِما تعوّدْنَ عليه من الطعام والشراب ، وهذا مثل ضربه الله
تعالى لإبراهيم والمعنى : يقول الله تعالى يا إبراهيم لا فناء للنفوس ولا
معاد للأجسام ، بل النفوس باقية لا يعتريها نقص ولا خلل ، فإذا صار يوم
القيامة يناديهم إسرافيل فيلبّون دعوتَه ويجتمعون إلى المنادي مسرِعين كما
تدعو الطيور فتأتيك مسرعة ، وذلك كقوله تعالى في سورة الإسراء {يَوْمَ
يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ
إِلاَّ قَلِيلاً} ، وقال أيضاً في سورة الروم{وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ
السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ
الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ} .
س 36 : لماذا خصّ الطيور بِهذا المثل دون غيرِها من الحيوانات ، ولماذا خصّ أربعة منها ؟
ج
: إنّما خصّ الطيور التي يصعب عليها الطيران كالدجاجة والطاووس وغيرها ؛
لأنّ الإنسان لولا ثقل جسمه لأمكنَ النفس أن تطير في الفضاء : كما أنّ
الدجاجة لولا ثقل جسمِها لَأمكنها أن تطير ، وخصّ أربعةً من الطيور لأنّ
البشر على أربعة أقسام ، فكلّ نوع من الطيور يمثّل نوعا من البشر