وهذا ما يفسر بوضوح فلسفة الجهاد في الإسلام.
[عدل] آيات تبين فضل الجهاد
من تلك الآيات، قول المولى عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [2] في هذه الآية ترغيب في الجهاد في سبيل الله على نحو بليغ، وقد قال ابن القيم فيها: فجعل الله سبحان ها هنا الجنة ثمنًا لنفوس المؤمنين وأموالهم. إذا بذلوها فيه استحقوا الثمن. وعقد معهم هذا العقد وأكده بأنواع من التأكيدات:
أولاً: إخبارهم بصيغة الخبر بأداة إن.
ثانيًا: الإخبار بذلك بصيغة الماضي الذي وقع.
ثالثًا: إضافة هذا العقد إلى نفسه سبحانه. وإنه هو الذي اشترى من المبيع.
رابعًا: أنه أخبر بأنه وعد بتسليم هذا الثمن وعدًا لا يخلفه ولا يتركه.
خامسًا: أنه أتى بصيغة (على) التي للوجوب. إعلامًا لعباده بأن ذلك حق عليه. أحقه على نفسه.
سادسًا: أنه أكد ذلك بكونه حقًا عليه.
سابعًا: أنه أخبر عن محل هذا الوعد وأنه في أفضل كتبه المنزلة من السماء وهي التوراة والإنجيل والقرآن.
ثامنًا: إعلامه لعباده بصيغة استفهام الإنكار وأنه لا أحد أوفى بعهده منه سبحانه.
تاسعًا: أنه سبحانه وتعالى أمرهم أن يستبشروا بهذا العقد ويبشر به بعضهم بعضًا. بشارة من قد تم له العقد ولزم بحيث لا يثبت فيه خيار ولا يعرض له ما يفسخه.
عاشرًا: أنه أخبرهم إخبارًا مؤكدًا بأن ذلك البيع الذي بايعوه به هو الفوز العظيم. والبيع هذا ها هنا بمعنى المبيغ الذي أخذوه بهذا الثمن وهو الجنة. وقوله {بَايَعْتُمْ بِهِ} عاوضتم وثامنتم به.
ثم ذكر سبحانه أهل هذا العقد الذي وقع العقد وتم لهم دون غيرهم وهم التائبون.[3] ومن الآيات التي وردت في الحث على الجهاد أيضًا قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ}[4] وقوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)}[5] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)}[6] ويقول تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ(22)}[7] وقال عز وجل: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً}[8] وقال تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[9] وقال تعالى: {لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[10]
[عدل] أحاديث تبين فضل الجهاد
عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور.[11] وعن ابن مسعود قال: قلت يا رسول الله أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله.[12] وعن أبي ذر قال: قلت: يارسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان بالله والجهاد في سبيله.[13] وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها.[14] وعن أبي سعيد الخدري قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي الناس أفضل؟ قال: مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله. قال: ثم من؟ قال: مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله. ويدع الناس من شره.[15] وعن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها. والروحة يروحها العبد في سبيل الله تعالى. أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها.[16] وعن سلمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رباط يوم وليلة. خير من صيام شهر وقيامه. وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان.[17] تطور الجهاد في القضايا الفقهية وفي تاريخ إسلامي.
[عدل] تطور الجهاد على مدى الأجيال بالنسبة للفكر الفقهي
وبدأ الجهاد برد العدوان وكان فرض على كل مسلم حر وبالغ وعلى المسلمين مواصلة الجهاد إلى أن يدخل الناس كافة في حكم الإسلام ويكون الدين كله لله. معلوم أن الديانة الإسلامية ديانة عالمية موجهة لجميع الناس، ونشر هذه الديانة في كل مكان هو واجب المسلمين جميعا، حتى تُعرف في جميع أنحاء العالم حقوق الله وحقوق البشر وذلك كما يحددها الله في قرآنه الكريم وتكون الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة قال الله تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن)، وتخضع قوانين الجهاد على مر العصور لقواعد دقيقة وعادلة، مثل عدم أذية غير المقاتلين من نساء وأطفال ورهبان بل يجب احترامهم طالما أنهم لم يتورطوا بالتحريض على قتال المسلمين. أما المنتمين للديانات التوحيدية كالمسيحيين واليهود والصابئة والمجوس فيحق لهم الاهتداء للإسلام أو أن يحفظوا إيمانهم ومعتقداتهم ومؤسساتهم الدينية بشرط أساسي وهو دفع الجزية، فيصبحوا عندها (ذميين) أي تقع مسؤولية حمايتهم في ذمة الدولة الإسلامية مع احتفاظهم بحقهم الكامل في حريتهم الدينية، وتسقط الجزية عن غير القادرين عن ادائها من الفقراء والمساكين بل يحق لهم ان يأخذوا مالا من بيت مال المسلمين على سيبل الصدقة كما فعل امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه مع اهل الذمة في المدينة المنورة.
[عدل] الجهاد والدعوة
الأصل في فقه الفتوحات الإسلامية هو تبليغ دين الله تعالى للناس بالحكمة والموعظة الحسنة، وتعريفهم كذلك بقيمه ورسالته العالمية الخالدة دون حرب أو اعتداء، ولكن حين يمنع المسلمون قهرا من القيام بواجب التعريف بدينهم، ويوم يحال بينهم وبين التعريف برسالته العالمية الإنسانية وبعد رفض الأسلوب السلمى في توصيل امور الدين إلى غير المسلمين في هذه البلد، فإن الإسلام قد رسم للمسلمين منهجاً واضحاً في التعامل مع حالات المنع التي تواجههم في سبيل تبليغ رسالة ربهم، نوجزها كما يلي :
1- إن جاء المنع مقروناً بإعلان حالة الحرب على المسلمين ومباشرة القتال معهم، فالحكم واضح وجلي في مثل هذه المسألة: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا)، وطبعاً مع مثل هذه الحالة تطبق كل القواعد والأعراف، وكل الجزاءات والضوابط والآداب المتعلقة بحالة الحرب، وفق القاعدة الربانية الخالدة : (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين) 194 / البقرة
2- وإن وقف الأمر عند حالة المنع، وعدم السماح للمسلمين بالاتصال بالناس بدون قتال أو اعتداء على المسلمين، فالحكم يكون باستخدام الحوار, والمجادلة معهم بالتي هي أحسن، مع الصبر والمصابرة، واستخدام كل الوسائل السلمية الممكنة مع الجهة الممانعة، حتى يفتح الله بينهم وبين المسلمين بالحق: (فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير) 15 / الشورى (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا أمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) 46 / العنكبوت
3- وإن أتيح للمسلمين تبليغ دعوتهم، والتعريف بدينهم فالحكم
[/size] مع هذه الحالة هو السلم والمودة.