أبو نواس (129 - 198هـ ، 747-814م). الحسن بن هانئ، من أعلام شعراء القرن الثاني الهجري. ولد بالأهواز في العراق، ومات ببغداد، وكانت أمه أهوازية يقال لها جُلّبان وأبوه من جند مروان بن محمد من أهل دمشق. له أخوان: أبومحمد وأبو معاذ، مات والدهم وأبونواس صغير فنقلته أمه إلى البصرة وهو ابن ست سنين، فأسلمته إلى عطار وإلى الكُتّاب وتعرف على الشاعر الماجن والبة بن الحباب فأدبه وخرجه، ولما مات والبة لزم خلفًا الأحمر، وكان أشعر أهل وقته وأعلمهم، فحمل عنه أدبًا كثيرًا وعلمًا واسعًا، وتتلمذ على غيرهما من علماء البصرة والكوفة، وكان يختلف إلى أبي زيد الأنصاري، فتعلم منه غريب الألفاظ، وتردد على أبي عبيدة معْمَر بن المُثَنَّى فتعلّم منه أيام الناس، ونظر في نحو سيبويه.
كان أبونواس قوي الذاكرة، يقال إنه روى دواوين ستين امرأة من العرب منهن الخنساء وليلى وأكثر من هذا العدد من الشعراء الجاهليين والإسلاميين والمخضرمين والمحدثين. وكان من أكثر الناس معرفة بالأدب خاصة الشعر. وكان مطبوعًا لا يستقصيِ ولا يحبِّر شعره، فشعره متفاوت لتفاوت أحواله، ولكنه يسحر الناس لما فيه من حدة التصوير وجمال العبارة. وكان أسخى الناس؛ لا يمسك مالاً ولا يحفظه.
كان عالما فقيهًا، عارفًا بالأحكام، بصيرًا بالاختلاف، صاحب حفظ ونظر ومعرفة بطرق الحديث، يعرف ناسخ القرآن من منسوخه ومحكمه من متشابهه، ومهَر في علم اللغة وفروعها حتى قال فيه الجاحظ: ¸مارأيت رجلاً أعلم باللغة من أبي نواس، ولا أفصح لهجة منه·. وقال معمر بن المثنى: ¸كان أبونواس للمُحْدَثين كامرئ القيس للمتقدمين·. وقال ابن السِّكِّيت: ¸إذا أردت من أشعار الجاهليين فلامرئ القيس والأعشى، ومن الإسلاميين فلجرير والفرزدق، ومن المُحْدَثين فلأبي نواس فحسبك·. قال أبونواس: ¸أحفظ سبعمائة أرجوزة وهي عزيزة في أيدي الناس سوى المشهورة عندهم·.
فلما فرغ من إحكام هذه الفنون تفرغ للنوادر والمجون والملح، ثم أخذ في قول الشعر فبزَّ أقرانه، وبرع على أهل زمانه، ثم اتصل بالوزراء والأشراف، فجالسهم وعاشرهم، فتعلّم منهم الظرف والنظافة، فصار مثلاً في الناس، وأحبه الخاصة والعامة، وكان يهرب من الخلفاء والملوك بجهده ويُلام على ذلك فيقول: ¸إنما يصبر على مجالسة هؤلاء الفحول المنقطعون·. قال أبو عمرو الشيباني: ¸لولا ما أخذ فيه أبونواس من الرفث لاحتججنا بشعره؛ لأنه محكم القول·. ويقول النقاد: ¸إنما نفق شعر أبي نواس على الناس لسهولته وحسن ألفاظه، وهو مع ذلك كثير البدائع، والذي يراد من الشعر هذان·.
وفي سنة 170هـ توجّه، أبو نواس إلى بغداد، واتصل أول الأمر بالبرامكة، وبعد زوال دولتهم توجّه إلى مصر فمدح واليها الخصيب، ثم رجع إلى بغداد فأصبح نديمًا للخليفة المأمون بعد أن كان نديمًا لوالده الرشيد. كان في زمانه يمثّل شاعر المجون إزاء منافسه أبي العتاهية الذي يمثّل شاعر الزهد. وكانت في شعره نزعة شعوبية.
استخدم الأنماط الشعرية التقليدية ثم سخر منها وثار عليها، وتمرد على القيم الاجتماعية في عصره. طرق جميع الفنون الشعرية فأجاد فيها كلها، من مدحٍ ورثاء وغزل وخمريات ومجون ووصف وهجاء وعتاب وزهد وطرد، وقاده هذا الفن الأخير إلى شعر الرجز الذي ضمنه وصف مشاهد الصيد بما يسمى الطرديات، ومع كل تلك الفنون عرف شعره فن الزهد وخاصة في أواخر حياته، وربما كان ذلك لشعوره بالإثم.
ومن أبياته السيارة قوله:
لا الحزنُ مني برأي العين أعرفُهُ.......... وليس يعرفني سهل ولاجَبَلُ
لا أنعت الرَّوض إلاّ ما رأيتُ به........... قصرًا منيفًا عليه النخل مُشْتَمِلُ
فهاك من صفتي إن كنت مُختبِرًا....... ومخبرًا نفرًا عني إذا سألوا
وقال في مرض موته مستغفرًا طالبًا العفو والغفران:
دبّ فيّ السّقام سُفْلاً وعلوا ........... وأراني أموت عُضوا فعُضْوا
ذهبت جدَّتي بطاعَةِ نفسي.......... وتذكّرتُ طاعة الله نِضْوا
لهف نفسي على ليالٍ وأيّام.......... تجاوز تهن لعبًا ولهوا
قد أسأنا كل الإساءة فاللهم......... صفحًا عنا وغفرًا وعفوا
على حين كان قد قال من قبل:
ولقد نهزتُ مع الغُواة بدلوهم........ وأسَمْتُ سرحَ اللهو حيث أسَاموا
وبلغتُ مابلغ امْرؤٌ بشبابه......... فإذا عُصارةُ كلِّ ذاك أثَامُ