الحَجَّاج بن يوسف الثقفي (41 - 95هـ، 661 - 713م). الحجاج بن يوسف الثقفي من فصحاء العرب، ويعد في الذروة من أهل الخطابة والبيان في العصر الأول. وهو سياسي محنك، وقائد عسكري وخطيب مفوه. من دعائم دولة الأمويين حيث نصر حكمهم بيده ولسانه.
وُلد في الطائف ونشأ بها، وتلقى تعليمه الأول على يدي والده؛ إذ كان معلم صبيان، فامتهن مهنة أبيه في شبابه. ويذكر بعض المؤرخين امتهانه الدباغة أو بيع الزبيب. وكان قصيرًا دميمًا قاسيًا.
كانت الظروف التاريخية التي أعقبت وفاة معاوية بن أبي سفيان، وإمرة ابنه يزيد وما حفلت به من اضطرابات وفتن؛ قد دفعت به إلى الحياة العسكرية، فأظهر فيها قدرته على القيادة، مما جعل عبدالملك بن مروان يوليه إمرة الجيش المكلف بالقضاء على حركة عبدالله بن الزبير بمكة، فلم يترك وسيلة لإثارة الرعب إلا ركبها، فحاصر مكة وضربها بالمنجنيق، فتفرقت الجموع من حول ابن الزبير، وقاتل حتى قتل فصلبه الحجاج، ولم ينزله من مكان صلبه إلا بأمر عبدالملك، فكافأه عبدالملك على هذا النجاح بتوليته العراق إضافة إلى الحجاز، فذهب إلى العراق واليًا، حيث الفتن تمور، وهيبة الدولة مستباحة وسلامتها مهددة؛ إذ كثرت أعمال العصيان والتمرد والتعدي على الولاة وطردهم، فقرر إعمال القسوة وسياسة القبضة القوية، كما يظهر من بياناته الأولى في خطبتي التتويج في الكوفة والبصرة، وضرب العصبيات بعضها ببعض، ثم عمل على احتوائها واستثمار عنفوانها في القضاء على الخوارج وأشكال التمرد في أطراف الدولة كامتناع ملك سجستان عن دفع الخراج، ثم في القضاء على تمرد ابن الأشعث وملاحقة الخوارج. ولهذا عرف بأنه اليد القوية لعبد الملك بن مروان في تأسيسه الثاني للدولة الأموية وتثبيت دعائمها.
ساعدت منجزاته في تأمين سلامة الدولة الأموية وتثبيت كيانها، وعودة هيبتها. وقد ساعده على النجاح قدرة بيانية استغلها استغلالا جيدًا في خطبه وبياناته، ويدللون على هذه القدرة بأنه واحد من أربعة لم يلحنوا في جد ولاهزل، وهم: الشعبي وعبدالملك بن مروان والحجاج وابن القرية. لم تقف إنجازاته للدولة عند الجانبين العسكري والسياسي فحسب، بل تعدتهما إلى الجوانب الحضارية والثقافية، فبأمره عرِّب ديوان العراق من الفارسية، وبأمره أعجم القرآن ونقط.
وتحتفظ كتب الأدب وتأريخه بقدر كبير من أخباره السياسية والأدبية: وتُعد خطبه لونًا جديدًا من ألوان الخطابة السياسية؛ إذ ترسم سياسة الدولة وتقدم فصاحة وبلاغة تبهر السامعين وتستأثر بأسماعهم. ومن أشهر هذه الخطب تلك التي خطبها في الكوفة حين قدم واليًا على العراق، واستهلها بقول الشاعر:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا***** متى أضع العمامة تعرفوني
وكان بصيرًا بالشعر، تذوقه ونقده. فقصده الشعراء ولزموا مدحه وإذاعة أخباره الحربية. وكان الشعراء الأمويون الفحول مقدمين في ذلك، ومنهم جرير والفرزدق والأخطل. وكما مدحه هؤلاء فقد هجاه نفرٌ من شعراء الأحزاب الأخرى وعلى رأسهم شعراء الخوارج، والشعراء الزبيريون.