نسمع الشتائم في كل مكان وفي أحوال مختلفة بين الوالدين وأبنائهما، حيث تنتشر في البيئات البعيدة عن هدي القرآن، وتربية الإسلام، وإنني أرى كما يرى مختصون ومراقبون غيري أن من الأسباب التي تقود إلى ذلك:
ـ غياب القدوة الحسنة: فتربية الأولاد تربية إسلامية جيدة، لن يتم إلا بأن يكون الأب والأم قدوة حسنة لأبنائهما وبناتهما، وذلك بالتحلي بأخلاق القرآن والسنة، والسير على النهج النبوي القويم، قال تعالى {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة...} (الأحزاب:21)، فالأبوان هما أساس التربية ووجهة القدوة عند الأبناء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه... » (رواه البخاري)، لهذا كله وجب علينا- كآباء ومربين- أن نعطي الأولاد القدوة الصالحة في حسن الخطاب وتهذيب اللسان، وجمال اللفظ والتعبير.
-ومن حسن القدوة مثلا ألا يبتسم الوالدان إذا نطق الصغير بكلمة خارجة أو بعيدة عن الأدب، وتمرير مثل هذه الكلمة مرة يجعل الصغير يعيدها، بل وأشد منها، فيجب أن نحذره ونعاتبه، ونعلّمه أن الولد المحترم لا يقول مثل هذه الكلمات، ولا يعاقب الطفل أول مرة عقابا شديدا، لأنه كلام جديد في حياته، فإذا تكرر هذا الكلام فعلى الوالدين أن يتريثا ويتمهلا، فالعلاج يجب أن يكون بالرفق واللين بعد أن يعاد عليه الكلام من غير الثورة العارمة التي نراها من الوالدين، فنشعره بالألفة والحنان حتى وهو مخطئ، كما علمنا نبي الرحمة- صلى الله عليه وسلم- بقوله «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» رواه مسلم .
ـ رفقاء السوء : فالولد الذي يلقى للشارع ويترك لقرناء السوء، ورفقاء الفساد، من البديهي أن يتلقى منهم لغة اللعن والسباب والشتم، لذا وجب على الوالدين أن يحفظا أبنائهما، وأن يتابعا دائما من يصادقونهم ويتعاملون معهم، فالمرء على دين خليله.
ـ دور المعلم والمعلمة : فيجب عليهما أن يراقبا الصغار، فمن وجد منهم طفلا ينطق بكلمة سيئة أو غير حسنة قومه بطريقة لينة مهذبة، وعلّمه أن هذا لا يليق به كمسلم ولا بعائلته المحترمة، ويجب على الوالدين أن يتواصلا مع معلمي أبنائهما في المدرسة.
المعالجة الخاطئة للسلوكيات المنحرفة
كثيرا ما نجد الأبناء يخطئون بقصد أو بغير قصد، فيبادر الوالدان بكيل الشتائم والكلمات التي تريح نفسية الوالدين، لكنها تؤرق الأبناء وتزعج مزاجهم وتشعرهم بالحقارة، والصحيح أن نقابل التصرف الخاطئ بكلمات توجيهية ودعائية لتصحيح المسار مثل «جعلك الله من الصالحين»، «بارك الله فيك» وغير ذلك من العبارات المهذبة التي تُحرج الطفل وتجعله يعيد التفكير في أفعاله، لا العناد والاستمرار عليها.
و يجب على المربين أن يلقنوا أولادهم من القرآن والسنة ما يعلمهم حسن الخلق وجزاء السب والشتم، وأن يُبيّنوا لهم ما أعد الله للمتفحشين واللاعنين من إثم كبير وعذاب أليم عسى ان يكون ذلك زاجرا لهم.
ومن الأحاديث التي تنهى عن السباب وتحذر من الشتائم
- "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل يا رسول الله، كيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه" رواه البخاري وأحمد.
- "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
- "إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوى بها في جهنم" رواه البخاري.
- "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" رواه الترمذي.
ومن القرآن الكريم قوله تعالى {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء. تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون} إبراهيم 24-25
ثم نشرح للأبناء أن الكلمة المؤذية شجرة خبيثة ينفثها الشيطان في أذن قائلها، فتؤذي من يسمعها، ولا يقدر بعد ذلك أن يعالج ما فعل، والشاعر العربي يقول:
جراحات السنان لها التئام ولا يلتئم ما جرح اللسان
وجراح السنان هي جراح السهام والرماح في الحروب، قد يشفى الإنسان منها، وقد يستمع إلى كلمة تؤذيه طيلة عمره فلا يستطيع أن ينساها، أو ينسى أثرها ما بقي.
وأخيرا فإنه تجب متابعة الأولاد ومعرفة رفاقهم، والاطلاع على ما يتلقونه من مبادئ، ومتابعة ما يفعلونه، فإن وجد خيرا فليحمد الله، وإن وجد غير ذلك فليتحمل المسؤولية، وليقم بدوره كولي أمر