هو
يوسف بن تاشفين ناصر الدين بن تالاكاكين الصنهاجي (ح. 1006 - 1106) ,ثاني
ملوك المرابطين بعد عمه ابن عمه أبو بكر بن عمر. واتخذ لقب "أمير
المسلمين" وهو اعظم ملك مسلم في وقته. أسس أول إمبراطورية في الغرب
الإسلامي من حدود تونس حتى غانا جنوبا والاندلس شمالا وانقذ الاندلس من
ضياع محقق وهو بطل معركة الزلاقة وقائدها. وحد وضم كل ملوك الطوائف في
الأندلس إلى دولته بالمغرب (ح. 1090) بعدما استنجد به أمير أشبيلية.
عرف
بالتقشف والزهد والشجاعة. قال "الذهبي" في "سير أعلام النبلاء": كان ابن
تاشفين كثير العفو، مقربًا للعلماء، وكان أسمر نحيفًا، خفيف اللحية، دقيق
الصوت، سائسًا، حازمًا، يخطب لخليفة العراق...
ووصفه "بدر الشيخ" في
"الكامل" بقوله: كان حليمًا كريمًا، دينًا خيرًا، يحب أهل العلم والدين،
ويحكّمهم في بلاده، ويبالغ في إكرام العلماء والوقوف عند إشارتهم، وكان
إذا وعظه أحدُهم، خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبُه لها، وظهر ذلك عليه،
وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام...
تاريخ المغرب
يوسف بن تاشفين (وقيام دولة المرابطين في المغرب)
يعتبر
يوسف بن تاشفين بحق واحداً من عظماء المسلمين المغاربة الذين جدّدوا للأمة
أمر دينها ولم يأخذ حقه من الاهتمام التاريخي إلا قليلاً.
وشخصية يوسف
بن تاشفين شخصية إسلامية متميزة استجمعت من خصائل الخير وجوامع الفضيلة ما
ندر أن يوجد مثلها في شخص مثله. فيوسف بن تاشفين أبو يعقوب لا يقل عظمة عن
يوسف بن أيوب الملقب بصلاح الدين الأيوبي، وإذا كان الأخير قد ذاع صيته في
المشرق الإسلامي وهو يقارع الصليبيين ويوحد المسلمين، فإن الأول قد انتشر
أمره في المغرب الإسلامي وهو يقارع الإسبان والمارقين من الدين وملوك
الطوائف ويوحد المسلمين في زمن كان المسلمون فيه أحوج ما يكونون إلى
أمثاله. نشأ يوسف بن تاشفين في موريتانيا نشأة إيمانية جهادية، وأصله من
قبائل «صنهاجه اللثام» البربرية.
كانت الظروف السياسية السائدة في زمنه
غاية في التعقيد وغلب عليها تعدد الولاءات وانقسام العالم الإسلامي وسيطرة
قوى متناقضة على شعوبه. ففي بغداد كانت الخلافة العباسية من الضعف بمكان
بحيث لا تسيطر على معظم ولاياتها، وفي مصر ساد الحكم الفاطمي، وفي بلاد
الشام بدأت بواكير الحملات الصليبية بالنزول في سواحل الشام، وفي الأندلس
استعرت الخصومة والخيانة وعم الفساد بين ملوك طوائفها، وأما في بلاد
المغرب الإسلامي حيث نشأ وترعرع فكانت قبائل مارقة من الدين تسيطر على
الشمال المغربي، وتحصن مواقعها في ا لمدن الساحلية كسبتة وطنجة ومليلة،
وهي من آثار الدولة العبيدية الفاطمية التي تركت آثاراً عقيدية منحرفة
تمثلت في جزء منها بإمارة تسمى الإمارة البرغواطية سيطرت على شمال المغرب
وبنت أسطولاً قوياً لها وحصنت قواتها البحرية المطلة على مضيق جبل طارق.
وفي عام 445هـ أسّس عبد الله بن ياسين حركة المرابطية (الرباط في سبيل
الله)، وبعد عشر سنوات تسلم قيادة الحركة يوسف بن تاشفين، فبدأ بتعمير
البلاد وحكمها بالعدل، وكان يختار رجالاً من أهل الفقه والقضاء لتطبيق
الإسلام على الناس، واهتم ببناء المساجد باعتبارها مراكز دعوة وانطلاق
وتوحيد للمسلمين تحت إمارته، ثم بدأ يتوسع شرقاً وجنوباً وشمالاً فكانت
المواجهة بينه وبين الإمارة البرغواطية الضالة أمراً لا مفر منه. استعان
ابن تاشفين في البداية بالمعتمد بن عباد - وهو أحد أمراء الأندلس الصالحين
- لمحاربة البرغواطيين، فأمدّه المعتمد بقوة بحرية ساعدته في القضاء على
الإمارة الضالة، وهكذا استطاع أن يوحد كل المغرب حتى مدينة الجزائر شرقاً،
وحتى غانة جنوباً، وكان ذلك عام 476هـ. الأندلس
بعد أن قوي ساعده
واستقرت دولته وتوسعت، لجأ إليه مسلمو الأندلس طالبين الغوث والنجدة، حيث
كانت أحوال الأندلس تسوء يوماً بعد يوم، فملوك الطوائف لقبوا أنفسهم
بالخلفاء، وخطبوا لأنفسهم على المنابر، وضربوا النقود بأسمائهم، وصار كل
واحدٍ منهم يسعى للاستيلاء على ممتلكات صاحبه، لا يضره الاستعانة بالإسبان
النصارى أعداء المسلمين لتحقيق أهدافه، واستنابوا الفساق، واستنجدوا
بالنصارى وتنازلوا لهم عن مداخل البلاد ومخارجها. وأدرك النصارى حقيقة
ضعفهم فطلبوا منهم المزيد. ولقد استجاب ابن تاشفين لطلب المسلمين
المستضعفين، وفي ذلك يقول الفقيه ابن العربي: «فلبّأهم أمير المسلمين
ومنحه اللـه النصر، وألجم الكفار السيف، واستولى على من قدر عليه من
الرؤساء من البلاد والمعاقل، وبقيت طائفة من رؤساء الثغر الشرقي للأندلس
تحالفوا مع النصارى، فدعاهم أمير المسلمين إلى الجهاد والدخول في بيعة
الجمهور، فقالوا: لا جهاد إلا مع إمام من قريش ولستَ به، أو مع نائبه وما
أنت ذلك، فقال: أنا خادم الإمام العباسي، فقالوا له: أظهر لنا تقديمه
إليك، فقال: أو ليست الخطبة في جميع بلادي له؟ فقالوا: ذلك احتيال، ومردوا
على النفاق».
وحتى يكون ابن تاشفين أميراً شرعياً أرسل إلى الخليفة
العباسي يطلب منه توليته. ويقول السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء: «وفي سنة
تسع وسبعين أرسل يوسف بن تاشفين صاحب سبتة ومراكش إلى المقتدي يطلب أن
يسلطنه وأن يقلده ما بيده من البلاد فبعث إليه الـخُلَعَ والأَعلام
والتقليدَ ولقّبه بأمير المسلمين، ففرح بذلك وسُر به فقهاء المغرب». وبعد
أن زاد ضغط النصارى الإسبان القادمين من الشمال استنجد بابن تاشفين
المعتمد بن عباد، ونُقِلَ عنه في كتاب دراسات في الدولة العربية في المغرب
والأندلس أنه قال: «رعي الـجِمال عندي خير من رعي الخنازير» وذلك كناية عن
تفضيله للسيادة الإسلامية، ودخل المعتمد مع ابن تاشفين الأندلس شمالاً
وقاد ابن تاشفين الجيوش الإسلامية وقاتل النصارى قتالاً شديداً وكانت
موقعة الزلاّقة من أكبر المعارك التي انتصر فيها المسلمون انتصاراً كبيراً
على الإسبان، وهُزم ملكهم الفونسو السادس هزيمة منكرة. وعلى أثر هذه
الموقعة خَلَعَ ابنُ تاشفين جميعَ ملوك الطوائف من مناصبهم ووحّد الأندلس
مع المغرب في ولاية واحدة لتصبح: أكبر ولاية إسلامية في دولة الخلافة.
أمير المسلمين
يقول
صاحب الحُلَل الـمَوْشِيّة: (ولما ضخمت مملكة يوسف بن تاشفين واتسعت
عمالته، اجتمعت إليه أشياع قبيلته، وأعيان دولته، وقالت له: أنت خليفة
الله في أرضه، وحقك أكبر من أن تدعى بالأمير، بل ندعوك بأمير المؤمنين.
فقال لهم: حاشا للـه أن نتسمى بهذا الاسم، إنما يتسمى به خلفاء بني العباس
لكونهم من تلك السلالة الكريمة، ولأنهم ملوك الحرمين مكة والمدينة، وأنا
راجلهم والقائم بدعوتهم، فقالوا له: لا بد من اسم تمتاز به، فأجاب إلى
«أمير المسلمين وناصر الدين» وخطب لهم بذلك في المنابر وخوطب به من
العُدْوَتَيْن - أي المغرب والأندلس -). يقول السلامي الناصري في
الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى: «إنما احتاج أمير المسلمين إلى
التقليد من الخليفة العباسي مع أنه كان بعيداً عنه، وأقوى شوكة منه، لتكون
ولايته مستندة إلى الشرع… وإنما تسمى بأمير المسلمين دون أمير المؤمنين
أدباً مع الخليفة حتى لا يشاركه في لقبه، لأن لقب أمير المؤمنين خاص
بالخليفة، والخليفة من قريش».