السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان
النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمرَ بعض أصحابه بالهجرة إلى بلاد الحبشة
بعد أن اشتدَّ إيذاء كفار مكة لهم؛ حيث يجدون الأمان عند ملك لا يُظلم
عنده أحد.
فهاجروا
إليه في شهر رجب من السنة الخامسة، وكان فيهم سيدنا عثمان وزوجته رقية بنت
المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وفشل وفدُ قريش المكوَّن من عمرو بن العاص،
وعبدالله بن ربيعة في تحريض النجاشي ملك الحبشة على طرْدهم.
وفي مقابلة مع جماعة من كفار قريش قرأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - سورة النجم، ولَمَّا وصل إلى موضع السجدة عند قوله - تعالى -:
﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ﴾ [النجم: 59 - 62].
فسجد
النبي - صلى الله عليه وسلم - وسجد معه الجميع بما فيهم مَن حضر من كفار
قريش، ذلك من جلال الموقف ورَهبة الآيات، فشاع أنَّ زعماء قريش قد أسلموا،
وذلك مَكرًا وخديعة؛ لاستدراج المهاجرين للعودة من الحبشة.
فلمَّا عاد هؤلاء وجَدوا أن الخبر كاذبٌ، وقد علَّل كفار مكة سجودَهم مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - بفِرْيَة باطلة؛ إذ زعموا أنه تلا بعد قوله:
﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ﴾ [النجم: 19- 20] كلامًا يمدح فيه آلهتهم، وقد وقَعَ للأسف الشديد في هذا الفخ السخيف بعضُ المؤرِّخين،
فزعموا
أنَّ الشيطان - معاذ الله - ألْقَى على لسان المصطفى - صلى الله عليه وسلم
- عبارات عن الأصنام تقول: تلك الغَرانيق العُلَى، وإنَّ شفاعتهنَّ
لتُرْتَجَى،
وهو قول فاضح الكذب، وقد أبطلَ العلماء قديمًا وحديثًا قصة الغرانيق.
يقول - تعالى -: ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾ [الحاقة: 44 - 47]،
وقوله: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3- 4].
والمراد بالغرانيق: الأصنام، وكان المشركون يسمونها بذلك؛ تشبيهًا لها بالطيور البيض التي ترتفع في السماء.