هذه الفتاة كانت طالبة بكلية الصيدلة وأحسست تجاهها بالقدر يقول لي أنها
ستكون شريكة حياتي يوما ما فقد أعجبني تدينها وأخلاقها الإسلامية التي تربت
عليها في بيتها بالإضافة لما وهبها الله من الجمال دون إضافات أو تجميل,
واختصارا تقدمت لها وقد وفقني الله في ذلك وأحسست أن الله وهبني من
سيساعدني على العمل للجنة فعلى يديها أقلعت عن التدخين وعن جميع العادات
السيئة فكانت كل شيء في حياتي لا تفارقني بنصحها وإرشادها لي فكانت أول من
نصحني وأقنعني بالصلاة في المسجد وعلمتني صلاة الحاجة وصلاة الاستخارة وأول
من حفظني أذكار الصباح والمساء عن ظهر قلب وأذكار ما قبل النوم فكانت لي
كمثل الأم لإبنها والكثير الكثير ونتيجة لذلك اقتربت منها ومن أهلها أكثر
فعرفت منهم معنى حب الأيتام وكفالة الأيتام وما شابه ذلك من حنان وعطف لم
أرى له مثيل فأهلها من كبار تجار الملابس الجاهزة وكانوا يقيمون في العشر
الأواخر من كل رمضان مع بعض التجار الآخرين من أهل الخير معرض مصغر للملابس
والأحذية والألعاب في حديقة الفيللا التي يقيمون بها ويدعون دور الأيتام
لجلب جميع الأطفال الأيتام والذي كان يتعدى عدد أطفال الدار الواحدة المائة
طفل فيختار كل طفل ملابس ولعبة العيد كما يشاء دون تقييد أو فرض بل وكانت
لا تحضر المعامل في الكلية في تلك الأيام حرصا منها على مشاركة الأطفال
فرحتهم بالأشياء الجديدة وكانت تلعب معهم وتساعدهم في اختيار الملابس
وقياسها فيرحلون وهم لا يتذكرون إلا هي وأذكر مرة أثناء مشاركتها في هذا
العمل النبيل فإذا بطفل يدعى كرم كان سمينا بعض الشيء فلم يجد مقاسه من
الملابس فجلس يبكي ويقول: يا مصيبتي يا مصيبتي فأخذوا يضحكون على رد فعله
البريء فذهبت إليه وأخذته في حضنها ووعدته أنه سيفرح بالعيد مع إخوته فذهبت
مع أخاها بالسيارة لمحل والدتها وفتحته أمامه وساعدته في اختيار ما يريد
فلم يفرح طفل بالعيد في حياته كفرحة كرم بل ودفعت ثمن ما أخذه كرم من ملابس
من مصروفها تنفيذا لوعدها له ومن سلسلة اهتمامها بالأيتام أنها كفلت طفل
يدعى عصام بمصروفها كفالة شهرية لتلبية متطلباته بل وكانت تذهب للدار كل
خميس بعد انتهاء اليوم الدراسي وتأخذه للمنزل ليقضي معها يومي الخميس
والجمعة وكانت تحكي لي كيف كانت تروي له القصص حتى ينام ثم تجلس تنظر إليه
وتبكي لحاله حتى تنام هي الأخرى وكانت تحرص على تواجد عصام معنا في دروس
المواد التي نأخذها حتى تكون لنا مثلا في كفالة الأيتام بل وكانت تحثنا على
ذلك ونجحت في أن تجعلنا نكفل أطفالا كعصام فأصبح ما نفعله في ميزان
حسناتها وكانت أول من نظم حملة تبرعات كبيرة على مستوى الفرق الخمسة
بالكلية للأطفال الأيتام مع عمل إفطار للمسنين في دار رعاية لهم وآخر ما
قامت به أن نظمت رحلة لنا قبل وفاتها بشهر لدار أيتام معدم تكاد تكون فيه
الأبواب عبارة عن ستائر باشتراك كان 30جنيها للطالب الواحد ومع عدد الطلبة
الذين اشتركوا تمكنت من إحضار ملابس رياضية صيفية ل150يتيم هم عدد الأطفال
في الدار بناء على طلب الدار بالإضافة للعب وحلويات لهم وكان من أجمل
الأيام في عمري ولكن الله أراد أن تتوفى هذه الفتاة في حادث سيارة أمام
عيني وبين يدي صعدت روحها لخالقها فكانت صدمة للجميع وأنا أولهم فامتنعت عن
الطعام لأسبوع وانعزلت عن الناس حتى تذكرتها عندما كانت تنصحني بالرضاء
بقضاء الله فاستغفرت الله وعدت لحياتي داعيا الله أن يجعل قبرها روضة من
رياض الجنة ويسكنها الفردوس الأعلى كما كانت تتمنى وبعد عدة أيام قابلت
الدكتور الذي كان يعطينا دروس المواد في الكلية وفي حضور بعض زملائنا وهو
رجل وقور معروف عنه التدين والالتزام وقبل أن يبدأ الدرس قال لي سوف أقول
لك ما أعتقد أنه سيفرحك فقلت له: ماذا؟ فقال: لقد رأيت رسول الله- صلى الله
عليه وسلم- مرتين في المنام وكانت المرة الثالثة أمس وقد رأيته ومعه أمل
فجاءت لي وقالت: كيف حالكم, فقلت: بخير ولكن خذيني معك لرسول الله, فقالت:
لا إبقوا أنتم هنا, ثم ناداها رسول الله فذهبت إليه واستيقظت لأجد أذان
الفجر قد بدأ فأخذت أصلي لها حتى شروق الشمس, فحمدت الله لأني أعرف أن رؤيا
رسول الله حقيقية ولا يتمثل فيها الشيطان بشيء, فصدق رسول الله- صلى الله
عليه وسلم- حين قال:( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وأشار بإصبعيه
السبابة والوسطى), وأخيرا أعتذر للإطالة عليكم وأشكر كل من طلب معرفة شيء
عنها وأطلب منكم جميعا أن تدعوا لها بخير الدعاء وجزاكم الله كل خير.