أولاً - الأمثال :
جُمَل وصفية تمتاز بإيجاز اللفظ وصحة المعنى وصواب التشبيه، وتصور حياة الأمر ومنزلتها رُقِّياً أو ضعفاً، وتختلف الأمثال باختلاف معيشة الأمم وأحوالها وظروفها، فالأمر الصحراوية تنبع أمثالها من بيئتها الصحراوية والأمة البحرية أمثالها مشتقة من حياتها وهكذا.
وقد شاعت الأمثال في البيئة الجاهلية لأنها بيئة فطرية تشتد الحاجة فيها إلى خلاصات التجارب لتنتفع بها وتسير على هديها.
ويرتبط المثل بحادثة معينة قيل فيها، وذاع على الألسنة فأصبح يضرب في كل حالة تشبه الحالة التي ورد فيها.
وهذه طائفة من أمثال العرب
1- " كَيْفَ أُعَاوِدُكَ وَهذَا أَثَرُ فَأْسِكَ "
يضرب هذا المثل : لمن يَحْذرُ شَرَّ مَنْ نَقَضَ عهده.
وأصل المثل : قصة رمزية شاعت بين العرب وهي :
أن أخوين أجدبتْ أرضهما وكان بالقرب منهما واد خصيب فيه حية تحميه، فهبط أحدهما الوادي ليرعى فيه فنهشته الحية.
وأراد أخوه أن ينتقم من الحية، فتوسلت إليه أن يتركها على أن تدعه ينعم بخير الوادي الذي تعيش فيه وتعاقدا على ذلك.
ومرت به ذكرى اعتدائها على أخيه فهاجت نفسه وأسرع إليها بفأسه ليقتلها، ولكن الفأس أخطأتها وتركت أثراً في جحرها، وأرادت الحية أن تنتقم منه، فأخذ يرجوها أن تتركه على أن يعود العهد بينهما كما كان، فقالت له : كيف أعاودك وهذا أثر فأسك ؟
2- " عِنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبْرُ الْيَقِين "
يضرب هذا المثل : في معرفة الشيء معرفةً حَقَةً لا ريبَ فيها ولاشك.
وأصل المثل : أن الحصين بن عمرو خرج ومعه رجـل من جهينة اسمه الأخنس، وكان الأخنس قد جنى جناية في قومه فخرج هاربا، فلقيه الحصين وتعارفا وتعاهدا على السلب والنهب، ولكن كلا منهما كان يحذر صاحبه.
وحدث أن لقيا رجلاً من لَخْـم معه مال كثير وكان يأكل، فدعاهما إلى الطعام فأكلا وشربا وفي غفلة من الأخنس قتل الحصين الرجل اللخمي، فأخذ الأخنس يلومه لقتله الرجل بعد أن شاركه في طعامه وشرابه، فقال الحصين : اسكت، فلهذا ومثله خرجنا، وانتهز الأخنس غفلة من الحصين وقتله وانصرف راجعاً، وفي طريقه وجد امرأة الحصين تبحث عنه، فقال لها أنا قتلته، فقالت المرأة : ومن أنت حتى تقتله، فمضى عنها وهو ينشد أبياتاً فيها :
تُسائِلُ عن حُصَيْنٍ كُل رَكْبٍ وَعِنْدَ جهينةَ الخبرُ اليقينُ
3- " إِذَا عَزَّ أَخُوكَ فَهُنْ "
يضرب هذا المثل : في التسامح ولين الجانب.
وأصل هذا المثل : أن هُذَيْلَ بْنَ هبيرةَ التغلبي كان قد أغار على بني ضَبَّةَ. فغنم منهم وأقبل بالغنائم على قومه، فقال له أصحابه " اقسمها بيننا " فخشي أن يتشاغل بالقسمة، فيدركه من أغار عليهم، ولكـنَّ أصحابـه أَلَحُّوا عليه، فقـال هذا المثل: "إذا عَز أخـوك فَهُنْ ".
ومعناه إذا تشدد صاحبك فاحرص على علاقتك به باللين من جانبك.
4- " مَا يَوْمُ حَلِيمةَ بِسِرٍّ "
يضرب هذا المثل : في الأمر الذي اشتهر وأصبح معروفاً.
وسيق هذا المثل : في يوم انتصر فيه الغساسنة على المناذرة.
وحليمة هـذه ابنة الحارث الغساني من أمراء الغساسنة، ضَمَّخَت جُنْدَ أبيها بالطيب قبل مسيرهم إلى الحرب لتثير حماستهم. فانتصروا وذاع هذا اليوم، وذاع موقف حليمة فيه ، وقيل : " ما يوم حليمة بسر"
5- " ألاَ مَنْ يَشْتري سَهَراً بِنَوْمٍ "
أول من قال ذلك ذو رعين الحميري.
وسببه : أن حمير تفرقت على ملكها حسان، واجتمعت على أخيه عمرو وحملوه على قتل أخيه حسان ورغبوه في ذلك.
فنهاه ذو رعين فلم ينته، فكتب بيتين في صحيفة وختمها، وسأله أن يودع هذه الصحيفةَ المختومةَ خزائِنَهُ للاحتفاظ بها إلى حين طلبها.
فلما قتل عمروٌ أخاه. وولي الملك بعده أخذ ضميره يؤنبه وامتنع عليه النوم ولم يجد من يعالجه من السهر والأرق.
وأخيراً أفهمه المجربون والحكماء أنه ما قتل رجل أخاه أو قريبه إلا حرم النوم.
فأخذ عمرو يقتل كل من أشار عليه بقتل أخيه من زعماء حمير فلما وصل إلى ذي رعين، قال له: أيها الملك إني نصحت لك بعدم قتل أخيك وإن في خزانتك ما يثبت براءتي فأعطني الصحيفة المختومة التي تحتفظها لي في خزانتك، فلما فتحت الصحيفة وجد عمرو فيها ما كتبه ذو رعين وهو:
ألا مَنْ يَشْـتَـرِي سَهَـراً بنَـوْم
سَعِـيْدٌ مَنْ يَبـيتُ قريـرَ عَيْنِ
فأمـا حِمْـيَرٌ غَدَرَتْ وَخَـانَتْ
فَمَـعْـذِرَةُ الإِلهِ لِذِيْ رُعَـيْنِ
فعفا الملك عن ذي رعين وأحسن جائزته.
6- " أسَعْدٌ أمْ سُعَيْدٌ ؟ "
7- " الحديث ذو شجون "
8- " سَبَقَ السَّيْفُ العَذْلَ "
أول مَنْ قال هذه الأمثلة: ضَبَّةُ بنُ أَدّ، وكان له ابنان يقال لأحدهما سعد والآخر سعيد وقد حدث أنْ نَفَرَتْ إبل لِضَبَّةَ وخرج ولداه في طلبها فتفرقا، فوجدها سَعْدُ فَرَدَّها.
أمـا سُعَيْدٌ فمضى وَحـدَهُ وكـان عليه بُرْدان جديدان، فلقيه الحارث بن كعب فقتله وأخذ برديه وكان ضبة إذا أمسى ورأى شبحا قادما قال: "أَسعد أم سعيد؟" فذهبت مثلا يضرب في النجاح والخيبة. ومكث ضبة مدة ثم حج فلقي في عكاظ الحارث بن كعب ورأى عليه بُرْدَيْ ولده، فعرفهما وسأله عن أمرهما فأخبره أنه قتل صاحبهما وسلبه إياهما.
فسأله ضبة: أبسيفك هذا قتلته ؟ قال نعم: قال أرنيه، فإني أظنه سيفاً صارماً، فأعطاه الحارث سيفه، وهو لا يعرف أن ضَبةَ هو والد قتيله.
فلما أخذ ضبة السيفَ هَزَّه وقال: " الحديث ذو شجون " ثم ضربه به فقتله وأخذ الناس يلومونه لقتله غريمه في الشهر الحرام. فقـال "سَبَقَ السيفُ العَـذْلَ " وهكـذا سارت هذه الأمثـال الثلاثة عن ضبة.
أمثلة أخرى من أمثال العرب
أ - من النـثر
1 - " جَوِّعْ كَلْبَكَ يَتْبَعْكَ " : يضرب في معاملة اللئام.
2 - " عِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى " : يضرب لمن يحمل المشقة رجاءَ الراحة.
3 - " في بَيْتِهِ يُؤتَى الْحَكَم " : يضرب للرجل الذي يُحتاج إليه.
4 - " كُل الصَّيْدِ فِي جَوْفِ الفَرا " : يضرب لمن تقل قيمة غيره بجانبه.
5 - " كُلُّ فَتَاة بِأَبِيهَا مُعْجَبَةٌ " : يضرب في الإِعجاب بمن يتصل بك لعمل أَو قرابة.
ب - من الشعر
1- للأعشى :
كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً لِيُوهِنَهَا فَلَمْ يَضِرْها وَأَوْهَى قَرْنَهُ اَلْوَعِل
2- لدُريد بن الصِّمَّة :
أَمَـرْتُهُمُ أَمْـرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّـوَى فَلَمْ يَسْتَبيِنُوا الرُّشْدَ إِلاَّ ضُحَى الْغَدِ
3- لزهير بن أبي سُلْمى :
ومَنْ لاَ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بسِلاَ حِـهِ يُهَدَّمْ وَمَنْ لاَ يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْـلَم
ثانياً - الحِكَم
فردها حكمة وهي : قَوْلٌ موجـزٌ صائبُ الفكـرة، دقيق التعبير، ينطق به ذَوُو الرأي والتجربة: يحمل توجيهاً سليماً إلى جانب من جوانب السلوك.
والحِكَمُ تختلف عن الأمثال في أنها لا ترتبط في أساسها بحادثة أو قصة، وأنها تصدر غالباً عن طائفة من الناس، لها خبرتها وتجاربها وثقافتها.
ومن نماذج الحكم :
1 - رُبَّ عَجَلَةٍ تَهَبُ رَيْثاً.
2 - رِضَا النَاسِ غَايَةٌ لاَ تُدْرَكُ.
3 - مَصَارِعُ الرِّجَالِ تَحْتَ بُرُوقِ الطَّمَعِ
4 - آفَةُ الرَّأْي الْهَوَى.
5 - خَيْرُ اَلْمَوْتِ تَحْتَ ظِلاَلِ اَلسُّيُوفِ.
6 - مَنْ فَسَدَتْ بِطَانَتُهُ كاَنَ كاَلْغَاصِّ بِالْماءِ.
7 - حَسْبُكَ مِنَ شَرٍّ سَمَاعُهُ.
8 - مَنْ شَدَّدَ نَفَّرَ، وَمَنْ تَرَاخَى تَألَّفَ.