الخطيب الداعية من أهم أركان المجتمع ، به يعرف الناس الخير من الشر ، والصواب من الخطأ ، وهو إمامهم في الصلاة ، ومعلمهم أمور دينهم ، يفصل بينهم وقت الخلاف ، ويتحاكمون إليه في كل أمورهم ، يبثون إليه مشاكلهم وهمومهم ، فهو كالأب الحنون ، والصاحب الصدوق ، والطبيب الذي يداوي أمراض وعلل النفوس ، فهل يعقل أن المجتمع تبرز فيه أحداث جسام ، والداعية يكون بعيداً عن هذه الأحداث ؟ ! ، الناس تنتظر من الخطيب الكثير ، فمن يبين لهم كيف يتعاملون مع هذه الأحداث ، ويرشدهم إلى دورهم فيها ؟ ، ومن الذي يقدر على معالجة هذه الأمور إلا الداعية الخطيب ؟
لا يخفى على إخواننا من الدعاة ما تمر به الأمة الآن من عداوة صريحة ، لم تعد خافية على أحد ، تظهر صباح مساء بوجوهها النكدة ، وألسنتها الكاذبة ، تصرح بهذه العداوة ، وتبديها بعد طول غياب ، بعدما اطمأنت أن المسلمين قد باتوا في سبات عميق ، قد غفلوا عن قضيتهم ، وغفلوا عن دورهم المنوط بهم .
الخطيب الداعية له أدوار كثيرة تجاه الأحداث التي تحدث في مجتمعه ومن أهم هذه الأدوار :
القراءة العميقة والفهم الدقيق .
فقراءة الخطيب الداعية ليست كأي قراءة ، فهي قراءة الفهم والتدبر ، والوقوف على كل جزئية ، فهو يتعلم لنفسه ولغيره ، يستوعب الموضوع من كل جوانبه ، يتعرف على كل تفاصيله ؛ وكيف لا ! وهو المرشد الأول للناس ، والمفسر والمبين لهم كل ما تحمله الأحداث من نفع أو ضر ، أو فوائد ومنافع وأضرار ؛ ولذلك فهو دائماً يتطلع إلى الأحداث ، يقرأ الصحف والمجلات ، يستمع إلى الفضائيات ، يُصْغِي ذهنه إلى أهل الخبرة والرأي من الفقهاء في كل مجال ، حتى يخرج بالنظرة الشرعية في الأمور ، فيحسم الأمر للناس ، بعدما بلغ الجهد منه كل مبلغ ، وبذل من التعب والمشقة من وقته وجهده ، فهو المخرج الوحيد لفهم الأحداث مهما تعددت الرؤى والأفكار ، ومهما تعددت الألسنة والأبواق .
الهمة العالية .
فرب همة أحيت أمة ، وهل يستطيع أن يعيش الخطيب الداعية بدون هذه الهمة ؟ ، فهذه الهمة هي التي تحي القلوب بعد مماتها ، وتوقظ الغافلين بعد نومهم ، وتأخذ بيد هذه الأمة إلى الخير والمجد والنصر المنشود .
أخي الخطيب الداعية : ما أحلى أن نعيش مع سير العلماء العاملين ، والخطباء المخلصين ! ، والذين أحيوا هذه الأمة في تاريخها الطويل ، فها هو العز بن عبد السلام الذي ربَّى على يديه قائدا من قوَّاد المسلمين ، والذي فتح الله به بلاد المسلمين وأعادها إلى الحياة من جديد ، عندما قهر قطز التتار ، وها هو آق شمس الدين ، الذي خرَّج للمسلمين محمد الفاتح ، الذي فتح الله به القسطنطينية ، وأيده الله ببشارة النبي – صلى الله عليه وسلم - ، وهاهو صلاح الدين الأيوبي ، الذي طهّر بلاد الإسلام من الصليبين المغتصبين ، وهل هذا كله تم إلا بفضل العلماء المخلصين ، والفقهاء الربانيين ، الذين حملوا مشاعل الهداية في هذا الكون ، والذين أحيوا الأمة بهممهم العالية ونفوسهم السامقة ، ومحاربتهم للطغيان والظلم في كل مكان .
الأمل سلاح العلماء .
هذه الأمة التي تعرضت للتخريب والظلم والطغيان منذ عشرات السنين تحتاج إلى الأمل بعدما سلبه منها أعداءها ، والذين أثقلوها بروح الهزيمة والقنوط ، وروح اليأس من العودة إلى القيادة والريادة من جديد ؛ وذلك بفعل الضربات المتتالية لهذه الأمة من محاربة في الأرزاق والأقوات ، ومن سلب للحرية والطمأنينة والأمن ، ببث قيم السلبية والإتكالية والنفعية وحب الذات ، من بث روح اليأس من التغيير ؛ حيث ظن كثير من الناس بعد موت أحدهم أنهم لا يموتون ، وأنهم على أجسادنا جاثمون ، هذا الوضع يحتاج من العلماء إلى بث روح الأمل في هذه الأمة ، وإلى إعادة قراءة القرآن من جديد ؛ لنستخرج منه الدروس والعبر .