الإكتشافات الجغرافية وظاهرة الميركنتيلية
مقدمة : اهتمت آروبا خلال القرنين 15 و 16م بدوافع اقتصادية ودينية للقيام بالاكتشافات الجغرافية الكبرى مما مكنها من الوصول إلى الهند واكتشاف عوالم جديدة ترتبت عنها نتائج هامة غيرت مسار العلاقات التاريخية في أوربا والعالم كما أدت إلى ظهور طبقة بورجوازية مركنتيلية .
ارتبطت الإكتشافات الجغرافية الكبرى بعدة دوافع :
الدوافع الاقتصادية والتقنية والعلمية للإكتشافات الجغرافية :
- استمر التجار الإيطاليون في جلب المواد الشرقية لكن بتكاليف أكبر مما زاد في ارتفاع أثمانها وقلص بالتالي من أرباح التجار الأوربيين ، ولتحقيق أرباح أكثر عمل الأوربيون على البحث للوصول إلى مناطق الإنتاج دون المرور بالوساطة العربية الإيطالية، فكانت الرغبة في تجاوز هذه الوساطة من أهم دوافع الإكتشافات إضافة إلى رغبتهم للوصول إلى المعادن النفيسة خاصة الذهب.
- التطور الإقتصادي والديمغرافي نتج عنه رواج تجاري خلف الحاجة إلى المعادن النفيسة .
- تزايد الحاجة إلى الذهب خلف مجاعة نقدية بعد إستنزاف مناجم الفضة لأروبا وعجز الغرب عن توفير الحاجيات المتزايدة فنتج عن ذلك تضخم مالي كبير أدى إلى أزمة إجتماعية وإقتصادية مست بمصالح التجار والنبلاء والكنيسة .
- ساعد تقدم المعارف الجغرافية وتقنيات الملاحة على إنجاح الإكتشافات لاسيما بعد تعرف الأوربيين على جغرافية القدامى بواسطة الحرب وعلى الشرق بواسطة المذكرات التي كتبها المبشرون كما تم وضع الكارافيلا واختراع البوصلة والأسطرلاب بالإضافة إلى وضع الخرائط البحرية.
تجلت الدوافع الدينية والسياسية للإكتشافات الجغرافية فيما يلي :
دعمت البابوية المسيحية بالعطاءات والامتيازات حيث كان لها دور كبير في حثهم على الخروج لمواجهة المسلمين والقضاء عليهم والاستفادة من الإكتشافات الجغرافية ، حيث كان لذلك نشر الديانة المسيحية وقد استفاد من كل هذا بشكل كبير البرتغال والإسبان الذين حصلوا على أموال طائلة .
نتائج الإكتشافات الجغرافية التي كان لها أثر كبير على أروبا والعالم خلال ق 15 و 16م :
نتج عن الإكتشافات الجغرافية حركة استعمارية شرسة قادها البرتغال والإسبان :
تمكن البرتغال من الوصول إلى مناجم الذهب والفضة والدقيق بإفريقيا والشرق الأقصى فكونت مستعمرات واسعة وكان المغرب المتضرر الأول حيث أصبح يعاني من المزاحمة البرتغالية التي تمركزت بسواحل غرب إفريقيا وأصبحت تتعامل مباشرة مع السودانيين، كما عمل البرتغاليون على إبادة لسكان المستعمرات وذلك عن طريق اللجوء إلى وسيلتين الأولى تتمثل في الحروب القاسية الضالمة التي نشبت ضد الأمم الضعيفة ، أما الوسيلة الثانية فتتجلى في الإستغلال والاسترقاق.
نتائج الإكتشافات الجغرافية : أ- نتائج اقتصادية :
تمتلث في سيطرة الأوربيين على رواج التجارة العالمية بين القارات وانتعاش الموانئ الأطلسية مثل لندن، بوردو، روان ، أنفرس، على حساب البحر الأبيض المتوسط (جنوة ، البندقية) وتجارة القوافل الصحراوية (المغرب) فتدفقت ثروات هائلة على آوربا مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بالإضافة إلى استنزاف ثروات وخيرات المنطقة.
ب- نتائج سياسية ودينية :
تمثلت في إنتشار الديانات المسيحية (كاثوليكية، بروتستانية) وتكوين إمبراطوريات واسعة برتغالية واسبانية على حساب المستعمرات .
ج- نتائج اجتماعية : نقص سكان المستعمرات بسبب الإبادة والاسترقاق والاستعباد وانتهاك كرامة الإنسان وتدني عيش العمال والحرفيين والفلاحين بسبب ارتفاع الأسعار ثم استغلال الثروة والغنى من الطبقة الديمقراطية إلى بورجوازية وتدفق هائل للمهاجرين والمغامرين والمضطهدين نحو العالم الجديد.
د- نتائج ثقافية وفكرية : تمثلت النتائج الثقافية في تقديم العلوم الجغرافية كإثبات كروية الأرض ووضع خرائط جديدة للعالم وانهيار المعلومات الجغرافية للعصر الوسيط. أما النتائج الفكرية فقد تجسدت في ظهور المذهب المركنتيلي.
نظمت المركنتيلية الحياة الإقتصادية والإجتماعية لأوربا خلال ق 15 و16 :
تعريف المركنتيلية التجارية : تأسس المذهب المركنتيلي وهو تيار فكري ظهرت بوادره في القرن 15 واستمر إلى القرن 18 والمركنتيلية مصطلح ينسب إلى كلمة مركنتي الإيطالية وتعني تاجر يقوم هذا الفكر على مبدئين أساسيين أولهما يربط قوة الدولة بمدى ما تتوفر عليه من معادن نفيسة ويقوم المبدأ الثاني على توجيه الدولة للإقتصاد وذلك بخلق صناعات محلية لضمان القدرة على مواجهة المنافسة الخارجية وضمان الأسواق مما يفرض عليها ضرورة مراقبة جودة المنتوجات الصناعية عن طريق سن قوانين صارمة.
إختلفت خصائص ومظاهر الفكر المركنتيلي حسب سياسة الدولة :
فرنسا ==> الإهتمام بالصناعة كأساس لجلب وجمع المعادن النفيسة .
إنجلترا ==> أسست شركات تجارية كبرى في المستعمرات وفرضت قوانين الملاحة لحماية التجارة .
إسبانيا ==> إهتمت بالسياسة المعدنية.
والنتيجة كانت هي تحقيق فائض في الميزان التجاري عن طريق تراكم المعادن النفيسة في خزائن كل من فرنسا وانجلترا وعلى نقيض ذلك تراجع هذا الرصيد بإسبانيا وتفشي ظاهرة التهريب لهذه الثروة .
خاتمة :
لقد فتحت الإكتشافات الجغرافية أمام الأوربيون العديد من الأسواق الجديدة حركت التجارة البعيدة وساهمت في تراكم الأموال وبروز دور الطبقة البورجوازية في توجيه الإقتصاد الأوربي نحو رأسمالية تجارية كبرى