تعريف "خارج عن المألوف"
لغة الزمان والمكان
نجيب نصير
من الطبيعي ان يتغير مفهومي الزمان والمكان، في ظل وجود الإنسان المفكر والمرتقي، بغض النظر إذا كان هذا الارتقاء إراديا إبداعيا، أم إجباريا اتباعيا
3 تموز (يوليو) 2006
أدوات
انسخ
أرسل
نجيب نصير
من الطبيعي ان يتغير مفهومي الزمان والمكان، في ظل وجود الإنسان المفكر والمرتقي، بغض النظر إذا كان هذا الارتقاء إراديا إبداعيا، أم إجباريا اتباعيا، فمفاهيم مثل المسافة ومن ثم الحجم هي مفاهيم نسبية، من البلاهة ان يقيسها المرء بالاتكاء على ما هو حاضر، فالمملكة في العصور القديمة قد تكون مجرد قرية في عصرنا الحاضر، والبحر مجرد سيل، وكذا الانتقال من مكان إلى آخر هو مسافة قصيرة أو طويلة حسب وسيلة الموصلات وصعوبة الطريق وأمانه.
فإذا أخذنا ما سبق كمثال في ظل استمرار عامل اللغة، فأننا سوف نصل إلى عالمين مختلفين تماما، أو بالاحرى إلى لغتين مختلفتين تماما، ( ولا أقول منفصلتين )، مرتبطتين بتصورات المرحلة التاريخية ومعارفها وأخلاقها، بحيث لا يمكن تطابق التعاريف وبالتالي لا يمكن تطابق المفاهيم ولا الأدوات ولا الأداءات، فالبحر القديم هو ليس البحر الحديث في تصورنا اللغوي والمعلومي، والسفر كذلك والحرب والسلم والمؤنة (المونة أو الكونسروة) واللباس والرفاهية والورق ووسيلة جلي الصحون و كل شيء على الإطلاق، وعليه فأن اللغة القديمة هي لغة غير قادرة على تصور وتصوير الواقع إلا بالحراك نحو الأمام بحيث لا تبق هي ذاتها على الأقل وإلا كانت هناك كوارث في اتجاهين:
الأول هو ممارسة اللغة كحياة مستمرة عبر استعادة الأفعال كما هي كأن نكرر إلى ما لا نهاية السفر مثلا مشيا على الأقدام أو على ظهور الهجن.
والثاني ان نستخدم وسائل النقل الحديثة وكأننا على ظهور الهجن أو مشيا على الأقدام، ومن هنا علينا تغيير تصورنا لمقاصد الكلمة أو جعلها ذات مقصد جديد أو تصور جديد وآلا بقينا نتصور أية ساقية ماء هي بحر، وربما كان هذا المثال هو من اصح الأمثلة فلا أحد يعرف اليوم البحر إلا كما هو معروف جغرافيا أي انه لا أحد يعود إلى اللغة كي يعرفه فالجغرافيا كعلم أقوى من اللغة بل وتصنعها، من هنا نحن أمام عالمين مختلفين، عالم العبودية للغة وعالم صناعة اللغة، الأول هو ان نجدد الولاء لها بقسر المفاهيم الحديثة على التطابق مع تصورات قديمة، والثاني هو تكييف التصورات القديمة مع المفاهيم الحديثة.
من هنا يمكن لنا الحياة في الواقع إذ ليس هناك من معنى مقابل لأية كلمة قديمة في واقعنا، ولعل الخلاف الأكبر بين من يعملون في التاريخ والتراث هو عدم مقدرتهم على تصور الواقع الماضي كما هو فيطبقونه بحذافيره على حاضر لا يتناسب معه ما يقوده إلى التخلف والدمار وبشكل مؤكد إلى الاندثار وبهذه الطريقة اللغوية لفهم وإدارة الأشياء سوف يندثر ما حوفظ عليه لمئات السنين بحفنة من عشراتها.... ومن يعش يرى...
حصة هذا