أنمــاط السّـــرد:
يشكّل عنصرا الخطاب الأساسيان: السرد، والعرض، النمطين الرئيسيين اللذين ينهض بهما وعليهما معظم فعاليات التخييل السردي بعامة، وتتناسل داخل هذين النمطين أنماط فرعية تنتجها العلاقات التي تقوم، عادة، بين كلّ من: السرد والخطاب، والسرد والعرض، والسرد الوصف.
وبتتبّع كيفيّات تجلّي هذين النمطين في مصادر الدراسة يخلص المرء إلى أن ثمّة ما يشبه المواضعة لدى مجمل الروائيين على إنجاز سرد حداثي، لا يكتفي بتمرّده على إرادات السرد التقليدي وابتكاره بدائل فنية لتلك الإرادات فحسب، بل ينتج، أيضاً، ما يسميه "فرانك كرمود": "الوفرة في تداخل المغازي المتعدّدة"، التي كانت، كما رأى "كرمود" نفسه، "من اختراع روائيين تفحصوا إمكانيات السرد"
ولعلّ من أهم السمات المميزة لذلك الإنجاز تقديم المحكي الروائي في هذه المصادر من خلال منظومة سردية تتخذ من تقنية "التفتيت"(Déformation) التي تعني: "زحزحة التطابق بين النظام التتابعي للأحداث الموصوفة وبين نظام تواليها في الرواية" معماراً لها، إذ لا يتمّ تقديم ذلك المحكي على نحو متتابع، بل من خلال تقسيم هذا المحكي إلى أجزاء يتمّ توزيعها بين أرقام أحياناً، وفصول أحياناً ثانية، وعنوانات أحياناً ثالثة، وهذه كلّها معاً أحياناً رابعة. ولا تتحدّد تلك المنظومة بالسمة المشار إليها آنفاً فحسب، بل تتجاوزها إلى امتلاء تلك المصادر بنمطي السرد معاً، وإلى ترجّح أكثرها بين هذين النمطين، ثم إلى استهلال محكيّها، باستثناء رواية "الحوّات والقصر"، بالنمط السردي الأول، وأخيراً إلى إنتاج، أكثرها أيضاً، بنية روائية مفتوحة تدمّر "يقينيات المعنى" بتعبير "والاس مارتن"