السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ذمّ الكبر
عــن
عبــــد الله
بن مسعود رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلّـــى
الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كــــان
في قلبه مثقال ذَرَّة من كِبْر. فقال رجل: إن الـــرجل
يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حســـناً؟
فقال: إن الله جميل يحب الجمال.
الكبْر: بَطْر الحـــــق،
وغَمْط النــاس"
رواه مسلــم.
قد أخبر الله
تعالى: أن
النار مثوى
المتكبـــرين.
وفي هذا الحديث
أنه "لا يدخل الجـنة
من كان في قلبه مثقــال
ذرة من كبر" فدلّ علــى أن
الكبر موجب لدخول النار، ومانع
من دخول الجنة. وبهذا التفسير الجامع
الذي ذكره النبي صلّى الله عليه وسلم يتضــح
هذا المعــنى غاية الاتضاح؛ فإنه جعل الكبر نوعـــين:
كـــبر النوع الأول: على الحق، وهو رده وعدم
قبوله. فكل من رد الحق فإنه مستكـــبر
عنه بحسب ما رد من الحق. وذلك
أنه فرض على العباد أن
يخضعوا للحق الـذي
أرســــل الله به
رســـلــــه،
وأنـــــزل
به كتبــه.
فالمتكبرون
عن الانقـــياد
للرسل بالكـليـــة
كفارٌ مخلدون في النار؛
فإنه جاءهم الحق على أيدي
الرسل مؤيداً بالآيات والبراهين.فقام
الكبر في قلوبهم مانعاً، فردوه. قال تعالى:
{إِنَّ الَّـــــذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَـانٍ
أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيـهِ} غــافر:56
وأمّا المتكبّرون عن الانقياد لبعض الحق الذي
يخالف رأيهم وهواهم: فهم -وإن لم يكونوا
كفّاراً- فإنّ معهم من موجبات العقاب
بحسب ما معهم من الكبر, وما
تأثروا به من الامتناع عن
قبول الحق الذي تبيّن
لهم بعد مجيء
الشرع به,
ولهـــذا
أجمـــع
العلماء
أنّ مــــــن
استبانت له
سنة رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم
لم يحلّ له أن يعدل عنها
لقول أحدٍ كائناً من الناس من
كان. فيجب على طالب العلم أن يعزم
عزماً جازماً على تقديم قول الله وقول رسول
الله صلّى الله عليه وسلم على قول كلّ أحدٍ, وأن يكون
أصله الذي يرجع إليه, وأساسه الذي يبني عليه: الاهتـــداء
بهدي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم, والاجتــــــــهاد في
معرفة مراده, واتباعه في ذلك ظاهراً وباطناً.
فمتى وفق في هذا الأمر الجليل فقد
وفق للخير, وصار خطأه
معفواً عنه؛ لأنّ قصده
العام اتباع الشرع,
فالخطأ معذور
فيه إذا فعل
مستطاعه
مـــــــن
الاستدلال
والاجتهاد في
معرفـــــة الحــقّ.
وهذا هو المتواضــع
للحق.وأمّا الكبر على الخلق -
وهو النوع الثاني- فهو غمطـــــهم
واحتقارهم, وذلك ناشئ عن عجب الإنسان
بنفسه, وتعاظمه عليه, فالعجب بالنفس يحمـــل
على التكبّر على الخلق, واحــتـقارهم والاستهزاء بهم,
وتنقيصهم بقوله وفعله, وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
"بحسب امرئ من الشرّ أن يحقر أخاه المسلم" مسلم
ولما قال هذا الرجل: "إنّ الرجل يحبّ أن يكون
ثوبه حسناً ونعله حسناً" وخشي أن يكون
هذا من الكبر الذي جاء فيه الوعيد:
بيّن له النبيّ صلّى الله عليه: أنّ
هذا ليس من الكبر, إذا كان
صاحبه منقاداً للحقّ,
متواضعاً للخلق,
وأنّه مـــن
الجمال
الــذي
يحبّه
الله؛ فإنّه
تعالى جميلٌ
في ذاته وأسمائه
وصفاته وأفعاله,يحبّ
الجمال الظاهري, والجمال
الباطني.فالجــــــمال الظاهـــــر:
كالنظافة في الجسد, والمـــلبــــس,
والمسكن, وتوابع ذلك. والجمال الباطن:
التجمل بمعالي الأخلاق ومحاسنها. ولهذا كـــــان
دعاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "اللهم اهدني لأحسن
الأعمال والأخلاق, لا يهدي لأحسنـــــها إلاّ أنــــت,
واصـرف عنّي سيّئ الأعمال والأخلاق,
لا يصرف عنّي سيّئها إلاّ أنت"
أخرجه مسلم فــي
"صحيحه"