الشاعر والفيلسوف : قراءة في علاقة الشعر بالفكر - الجزء الاول
إن تناغم العالم الداخلي للإنسان له ما يماثله من تناغم العالم في الحياة والكون والطبيعة والوجود، فثمة معادل موضوعي بين الوتر والكل، والذاتي والموضوعي يضفي على هذه الأشياء (تنسيقاً وتوازاناً وتعادلاً)1 . إن الوعي البشري الذي يشكل منبع الإبداع والخلق الفكري والفني والعلمي هو المسؤول عن تجسيد هذا الانسجام او تلاؤم الأجزاء: (التناسق، التوازن، التطور والتدرج)2 .
ويتوحد الفكر والأدب والعلم في أواصر عميقة (دقيقة)، لكنها تختلف في درجات الأصالة وحدود الرؤيا ومثلها تختلف في مقاييس الرؤيا وزواياها، كذلك تتباين في أسلوب الطرح وطريقة التفكير كما يرمي جميعا إلى أهداف متباينة تلتقي أخيرا في عملية تحسين وتطوير وتجميل وتعميق مفاهيم الحياة، ورسم المواقف الإنسانية.
وستوضح هذه الدراسة وجود التقارب الكبير بين الشاعر والفيلسوف، كما ستوضح بالوقت نفسه الاختلاف الواضح بينهما، كما تؤكد أيضا على صلة التناغم بين موضوعين خطيرين هما الفكر والشعر. ويرمي البحث إلى إمكانية اكتشاف الأرض المشتركة بين الفلسفة والشعر واكتشاف مواطن الأرض الحرام بين الفكر والفن.
الصلة بين الشاعر والفيلسوف:
تحددت علاقة الشاعر بالفيلسوف منذ قرأنا الفكر الافلاطوني (Ion( في السنوات العشر الاولى من القرن الرابع قبل الميلاد والتي كشفت كنزاً عميقاً من الدلالة في صلة المفكر الفيلسوف بالفنان الشاعر. والحق ان افلاطون هو الذي نقل الشعر الى اعلى درجة من عالم الفلسفة، فضلاً عن ان الافلاطونية هي التي سمحت للكثر من الشعراء، خلال العصور التاريخية المتعاقبة، بان يجدوأ منفذا الى الميتافيزيقا. فإفلاطون بحوارياته كان يلجأ الى الشعر في مواضع عديدة لكي يوضح مفهوماً فلسفياً وبذلك يكون اول فيلسوف اكتشف موهبة الشاعر وعلل عالمه الشعري ففي هذه الحواريات عرض افلاطون طروحات فلسفية خطيرة ومبكرة في عالم الشعر. ولعل اولى تساؤلات الفيلسوف كانت منصبة على مصدر الشعر لدى الشاعر، أهو الفن ام الالهام؟ فقد صور افلاطون الشاعر على انه (كائن اثيري مقدس ذو جناحين، وانه لا يمكن للشاعر ان يبتكر قبل ان يُلهم، وان هذا الالهام يفقده احساسه وعقله. وحدد ماهية موهبة الشاعر بكونها موهبة إلهامية وان الشاعر لا يتقن إلا ما تلهمه ربة الشاعر)3.
ان الفيلسوف المثالي هذا هو اول صوت فلسفي يفسر العملية الشعرية تفسيراً غيبياً ميتافيزيقياً وسما بالشعر والشاعر الى درجة متقدمة حين أقر بكون مصدر الشعر إلهام إلهي فقرن الشاعر بالآلهة والعرافين الملهمين. ويشير تاريخ البشرية الى متاخمة وملامسة الشعر للفلسفة، والافق الشعري للافق الفلسفي، فالفلاسفة يتحركون في جو الشعر منذ افلاطون حتى الشعر الحديث، اذ يحدثنا تاريخ الابداع الانساني عن قرابة حقيقيه بين الفلسفة والادب، ويمكن ان نؤشر وجود فلاسفة ادباء او شعراء وانصاف شعراء مثلما يمكن ان نؤشر انشغال فلاسفة بالجمال عامة وبالشعر خاصة. فقد وضع لنا نيتشة وجيو واوناوز اشعاراً فلسفية.4 وكذلك الفلاسفة المعاصرون جبريل مارسيل وجان بول سارتر والبير كامو وغوته وباشلار وابن طفيل صاحب حي بن يقظان وابو حيان التوحيدي وسواهم ممن عبروا عن افكارهم الفلسفية من خلال المواقف الابداعية، وذلك في احساس انساني واعٍ يؤكد الحضور المشترك للشاعر والفيلسوف.
يرى الفيلسوف برغسون: (ان الاعمال الفنية تعد مصادر قيمة من شأنها ان تقوي ما لدى الفيلسوف من حدس)5، بينما يؤكد الفيلسوف الانكليزي هوايتهد: (على ضرورة الالتجاء الى الشعراء من حين لاخر من اجل التعبير عن بعض المعاني الفلسفية)6، ولم يتردد الفيلسوف هيدغر في اشغال نفسه بدراسة شعر هيلدرين من اجل الكشف عما ينطوي عليه شعره من دلالة ميتافيزيقية.
ومن هذا المنطلق يمكن لنا ان تستخلص ونحن نقرأ في كتب الابداع الانساني ان هيلدرين الشاعر اقرب الى الفيلسوف هيجل من كيركجارد الفيلسوف، وان سارتر الفيلسوف اقرب من الكثير من كتاب المسرح والادب. وان ديكارت الفيلسوف اول من نفذ بالفلسفة المعاصرة الى دنيا الادب. واذا عدنا الى عالم الشاعر فينبغي تصور كون الخلفية الفلسفية امراً ضرورياً للقصيدة فالشاعر المبدع بإمكانه احالة الافق الفلسفي الى افق شعري مجسدا بالصورة الشعرية. وبعبارة ابسط ربما يكون من نافل القول ضرورة تمكن الشاعر (من تحويل التجربة الفلسفية، الشمولية الكيانية الى نبضة دم في القلب والجسد وتحويل هذه النبضة الى الصورة الشعرية).7
واذا ما اخترقنا صدفة الشاعر الفيلسوف لوجدنا في كل فن وادب جانباً فلسفياً ومضموناً كاملاً او جزئياً، بوعي او من دون وعي، من جانب الفنان والاديب ولكنه يبقى في غالب الاحيان خارج دائرة الضوء والبحث بفعل رغبة الفنان والاديب في اخفاء تفاصيل القاعدة التي استند عليها. اذن لم تكن محض صدفة التقاء فكر الفيلسوف بفن الشاعر لانبثاقهما من رحم انساني واحد في افقين مختلفين يحددان درجة الاحالة. فأين يلتقي الفنان الشاعر بالمفكر الفيلسوف؟ وبماذا يتداخل معه او يتقاطع ليحدد كل منهما الحدود الجغرافية العميقة للفكر والفن؟
يقول غوبو (ان الصفة الاساسية التي يمتاز بها الشاعر هي في جوهرها الصفة الاساسية التي يمتاز بها الفيلسوف).8
ولنبدأ بالارض المشتركة بين الشاعر والفيلسوف ثم نعقبها بالارض الحرام، اذا صح التعبير المجازي بينمها، نلمس منذ البدء حالة التوحد في تجلي الموضوع الشعري والفلسفي اذ ان عثور الشاعر والفيلسوف على موضوع مؤشر يدل بوضوح على امتلاك كل منهما حالة مضيئة تسمى (الالهام) او الحدس والاستبصار. وفي هذه الحالة تتحدد الذات بالموضوع والشخصي وغير الشخصي كما نلمس في الفكر الفلسفي طابعاً ذاتياً يدنو به من دون فلاسفة، مثلما لا يمكن تصور شعر من دون شاعر.
وثمة قرابة حقيقة تجمع الفلسفة بالادب عامة والشعر بشكل خاص تتمثل في الاهداف النهائية لكل منهما وهي الاهتمام والانشغال بمصير الانسان ومواقفه البشرية وقيمه الاخلاقية وصراعه لشتى القوى اللا انسانية ولا غرو (فإن الانسان لم يعد اليوم في نظر الفيلسوف المعاصر نهاية او خاتمة او كأنما هو تاج الخليقة ورأس الموجودات الحية.9
واذا بحثنا في نظام الشعر والفكر فإننا سنواجه بوضوح وجود النظام في تسلسل الفكر الفلسفي ومنطقه في تسلسل الافكار والتصورات، ونلمس وجود هذا النظام واضحا في هندسة الشعر وفي الايقاعات الموسيقية الداخلية والخارجية وفي التكرار والاوزان والقوافي وفي تسلسل الرؤية الشعرية.
ان حضور النظام في الشعر والفكر يقودنا الى تلمس عنصر الدهشة اذ ان (الدهشة التي تبعث الفلسفة هي ذاتها التي تبعث الفن والادب والشعر)10، كذلك فان في عوالم الشعر والفكر عناصر اثارة وطرافة وجدية تقودنا الى الدهشة العميقة بالجديد والطريف والمبتكر على مستوى الافكار والاساليب واذا ما دققنا في سر الابداع لدى الفنان الشاعر والمفكر الفيلسوف لوجدنا ان ما يلهب خيال الفنان وعبقريته هو (احساسه العميق بالاشياء وفعاله بها)11 واذا ما طورنا هذه الفكرة لاكتشفنا ان العمق والشمول والقوة التي يتمتع بها احساس الشاعر انما تعتمد في قدرته على المقارنة والاستقرار والتجديد والتعميم والنفاذ الى قلب الاشياء من اجل استخراج مدلولاتها ومعانيها الغامضة وهي جميعها ملكات عقلية تحيلنا الى مقاربات كثيرة توصل ارض الشعر بأرض الفكر منها: المعرفة العميقة التي نعدها جسرا يوصل بين الافق الشعري والفلسفي.
فالشعر دون شك معرفة انسانية تحمل معطيات الاحساس والرؤية و(ان الاحساس هو المصدر الوحيد لمعرفة الاشياء في العالم)12، كما يرى ديمقريطيس.
لقد اريد من مصطلح الفلسفة اصلا (الوصول الى معرفة إنسانية ذات خصائص معينة، ولكونها معرفة فانها تطلب لذاتها بدافع اللذة العقلية المجردة في الكشف عما يشعر به الانسان من دهشة وتعجب، ولكنها معرفة مجردة عن الديانات والتقاليد المسبقة13، يلتقي الشاعر والفيلسوف في قرابة غاية في الاهمية تتمثل بعنصر (العبقرية)، ذلك ان العبقرية في الفكر والفن سمة الفيلسوف والشاعر والتي تتضح ابرز سماتها في الحساسية الخاصة والقدرة الانطباعية ومن ثم القدرة الفائقة على البناء والحدس كما حدد ذلك دي لاكروا وبرجسون.14
لاشك ان الحياة الانسانية تعد ارضا مشتركة يصول فيها الشاعر والفيلسوف فهي تعبر عن نفسها بالادب حينا وبالفلسفة حينا اخر فنكشف عن حقيقتها على لسان شاعر ثم تستهلكها في طيات اوراق فيلسوف وبين ثنايا تحليلاته تمنح الحياة الانسانية الطرفين تجربة انسانية غنية تثير المفاهيم والرؤى وتمدها بمعين لا ينضب ودون شك ان الشاعر والفيلسوف بسبب كونها عنصر ابداع انساني لهما تجربتهما الداخلية والشخصية المؤلفة من ميول ورغبات ومواقف وتجارب يكشفاها ببراعة ويظهراها بصورة فنية عن طريق لوحته الشعرية التي تأسر قلوبنا وتحلق بنا في عالم الخيال والاحساس والعاطفة وكذلك تتحول تجربة الفيلسوف الى رؤية عميقة بعيدة الغور، كلية وشاملة تظهر في تبلورها لموقف او نظرية.
ان تجربة الشاعر الفيلسوف وقدرتها على الاستيعاب، الاستلهام، تقود الى تقديم رؤية فنية او فكرية في الرؤية يلتقي الشاعر والفيلسوف ومن عالمهما ينطلقان، وتعني الرؤية بمعناها الشامل الرؤية البصرية والبصيرية مضافا اليهما التطلع الانساني الى اعماق المجهول لاستكشافه واضافة موقف وجودي جديد والرؤية هذه تتطلب تجربة جديدة مستمرة وقدرة نافذة تحمل سمة الديناميكية لان الشعر والفلسفة يتطلبان وجود حالة جديدة باستمرار. فعالم الفيلسوف مقصود به ان يكون عالما يكتشف باستمرار، عالما (ربما يأمل الفلاسفة في قرارتهم ان يكون دائما عرضة للاكتشاف وان عالم الشاعر مقصود به ان يكون عالما يحتفي بتجدده واستمراره)15 ولابد لكل شاعر فيلسوف من امتلاك اداة يعبر من خلالها وباسلوبه الفريد، عن افكاره كما يفعل الرسام بأداته اللونية والراقص بحركاته الفنية. ان اللغة ارض مشتركة بين الشاعر والفيلسوف.
فالشاعر الاصيل مبتكر لغة ومصور لافكاره، وتعد اللغة عند الفيلسوف عنوانا لتجسيد ما يريد من افكار. وثمة تداخل كبير في عالمي الشعر والفكر يكمن في ان الفيلسوف هو الاخر يعد الشعر اداة من ادواته الفلسفية كما اشار الكثير من الفلاسفة الى الدرجة التي قد يصل فيها بعض الفلاسفة الميتافيزيقيين الى ما يمكن ان نطاق عليه وهما ادبيا. كذلك يحرص الشاعر (على الارتكاز على فلسفة عميقة غنية تخرجه من القول الضحل الفاني الى القول العميق الخالد).16
_________________
الشاعر والفيلسوف : قراءة في علاقة الشعر بالفكر - الجزء الثاني
الشاعر والفيلسوف : قراءة في علاقة الشعر بالفكر - الجزء الثاني
يلتقي الشاعر والفيلسوف في صفة اخرى هي الهموم الانسانية التي اصبحت ارضا مشتركة للابداع الانساني الخلاق منها مسالة الموت بما هي اشكالية وجودية، فالقصية تنقل لنا عبر اجوائها وشجنها انفعالا واحساساً معينا يدخلها عالم الموت، وصورة العدم عبر طقوس شعرية جنائزية او حكمية تقود الى تصور انطفاء الحياة، وفقدان جوهر الاشياء كذلك يرينا البحث الفسلفي عمق الرؤيا ازاء العدم في التوغل الى فلسفة الموت والحياة اضافة الى ان موضوعات الانسانية كخلود الانسان والنبوءة، وعبث الحياة، وجوهر الوجود، والجمال والقبح البشري، والفرح والحزن الانساني، هي هموم انسانية تشيع في لوحة الشاعر ورؤاه مثلما تشيع في فلسفة الفيلسوف وتفسيره، لكن بطريقة اخرى وبلغة اخرى وبتصور اخر، يعكس مدى اصالة كل منهما.
بقي ان نقول ان الصورة الفاصلة بين الحلم والواقع، بين المستحيل والممكن هي ارض للفلسفة كما هي ارض للفن والادب الشعر بخاصة ومن هنا نجد الشاعر الظاهراتي جاستون باشلار قد جمع في فلسفته بين العلم والحلم، والعقل والمخيلة والواقع والخيال.
الفرق بين الشاعر والفيلسوف
اذا كنا وقفنا على ارض مشتركة بين الفن الشعري والفكر الفسلفي قد تمتد طويلا في الافق فاننا نستطيع ان نتحسس بوضوح الارض الحرام بين الشعر والفلسفة في حدود اصيلة فلكل عالمه ووسيلته وفهمه.
فالفلسفة كما توصف (بحث عقلي صرف قوامه الحجة والمنطق والاستدلال الحر)17 وان الفلسفة في دابها الدائم البحث عن الحقيقة يتم التعبير عنها بهيئة افكار واضحة مسلسلة تبعا لقوانين المنطق في حين نرى ان الشاعر لا تشغله الحقيقة المضاعفة صياغة مجردة ولا يعتني بدقة البرهان وهو بالتالي خلاق لا مترجم، وهو يوحي ولا يعلم ويتعامل بالرمز الموحي في بحثه عن المثال الشعري، لا بالحجج والبراهين التي تعتمدها الفلسفة.
من المؤكد (ان الفلسفة بناء فكري متماسك الزوايا يجمع فيه الفيلسوف نتائج تجربة من مختلف الوسائل التي تعبر عن تفكيره، ومن قضايا الكون والوجود ويخرج منها جميعا بحلول مرتكزة الى نظره عامة في قاعدة"18 يهدف من خلالها الى البحث عن حقيقة والعمل على الاهتداء الى معرفة في حين نرى ان الهدف من الفن الشعري ارضاء حماس القارئ، وإشباع ذوقه الفني، واذا ما طورنا هذا المنطق فسنرى اعتماد الشاعر على خياله الخصب وعاطفته المرتكزة على المشاعر الانسانية، فهذا الشاعر كما يرى شوبنهور (اما يرمي اليه وراء انتاجه الفني هو اتحافنا بمجموعة من الصور اللفظية التي تصور لنا اشكالا من الحياة ونماذج مختلفة من المواقف البشرية وانماطا متنوعة من السمات الشخصية".19
اما الفيلسوف فانه ينظر للشعر فيصفه ويعلل صوره، وافاقه، وفي تفسيره للابعاد لميتافيزيقية في الشعر فانه يعمل ذلك من اجل ان يضع تفسيرا وحلولاً لمشاكل الواقع وظواهره، بيد ن الشاعر في مثاله الشعري يخلق صورا غير واقعية (أي فوق الواقع) غير ملتزم بالمنطق العقلي، وغير مقيد برؤى الفلاسفة وتصوراتهم لان تصور الفيلسوف ينطلق من التعقل الخالص في مذهب يعتمد مقياسا دقيقا ومنهجا صارما اذ ان مذهب الفيلسوف يقاس بمقياس الحق لا الجمال ويمكن الحكم على فلسفته بمعايير الصدق والكذب في حين يعتمد الشاعر على ما توحيه له الاشياء وما ترسمه المخيلة وبما ينفعل فيه من مواقف حياتية انسانية.
ان الشاعر انسان انفعالي والفيلسوف انساني عقلاني يتمنطق ولس لدى الشعر معايير محددة للابداع كما عند الفيلسوف فابداع الشعر يحدد معايير الجمال والقبح، وليس بالصدق والكذب وذلك حتى في مصطلح (الصدق الفني) الذي يماهينا بتصور (الصدق الانفعالي) في حين يمكن تصوره بكونه معيار الجودة في الفن وذلك في مديات مطابقة الرمز الادبي الشعري مع الطاقة الانفعالية او التصورية، كما عبر عن ذلك تصور الشاعر والناقد ت.س، اليوت في "معادلة الموضوعي". ان وجود ما اطلقنا عليه (الأرض الحرام) التي تحدد لكل من الشعر والفلسفة افقه الا يلغي ابدا مساحة التداخل الشاسعة بين هذين الأفقين، بل نستطيع إن تقول إن الفلسفة والشعر عالمان لهما منهجان متباينان ويعبران ان الأرض المشتركة بينهما شاسعة جدا حتى نكاد قول إن مفهوم الحقيقة. يتجلى في عالم الشعر كما يتجلى في رؤى الفيلسوف وانه يتناول الواقع مثلما يتناول المثال في حركة إبداعية خلاقة ومن خلال نفاذه صوب المستحيل والمجهول.