" الوصية بالام"
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : "جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: (أمك) ، قال: ثم من؟ قال:(أمك) ، قال: ثم من؟ قال: (أمك) ، قال: ثم من؟ قال: (أبوك) متفق عليه .
وزاد في مسلم : (ثم أدناك أدناك) .
معاني المفردات
حسن صحابتي: الصحابة هنا بمعنى الصحبة
تفاصيل الموقف
"أنّى للإنسان أن يكابد الحياة ويُبحر في غمارها بغير صديق يقف معه في محنته، ويعينه في شدّته، ويُشاركه همومه، ويُشاطره أفراحه، ولولا الصحبة والصداقة لفقدت الحياة قدراً كبيراً من لذّتها".
كانت الكلمات السابقة تعبيراً عن القناعة التي تجسّدت في قلب أحد الصحابة الكرام الذين كانوا يعيشون مع النبي –صلى الله عليه وسلم- في المدينة، ومن منطلق هذه القناعة قام بتكوين علاقات شخصيّة وروابط أخويّة مع الكثير ممن كانوا حوله، على تفاوتٍ بين تلك الصلات قوّة وتماسكاً وعمقاً.
وإذا كان الناس يختلفون في صفاتهم وطباعهم، وأخلاقهم وشمائلهم، وأقوالهم وأفعالهم، فمن هو الذي يستحقّ منهم أوثق الصلات، وأمتن العُرَى، وأقوى الوشائج، ليُطهّر المشاعر، ويسمو بالإحساس؟
هذا هو السؤال الكبير الذي ظلّ يطرق ذهن الصحابي الكريم بإلحاح دون أن يهدأ، وسؤال بمثل هذا الحجم لا جواب له إلا عند من أدّبه ربّه وعلّمه، وأوحى إليه وفهّمه، حتى صار أدرى من مشى على الأرض بأحوال الخلق ومعادن الناس.
وهنا أقبل يحثّ الخطى نحو الحبيب –صلى الله عليه وسلم- ليسأله عمّا يدور في ذهنه من تساؤلات، فوجده واقفاً بين كوكبة من أصحابه، فمضى إليه ثم وقف أمامه وقال : " يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟".
خرجت الكلمات من فم الصحابي الكريم وهو يمعن النظر في وجه النبي –صلى الله عليه وسلم- ينتظر جوابه، وكلّ ظنّه أن الإجابة ستكون بياناً لصفاتٍ معيّنة إذا اجتمعت في امريء كانت دليلاً على خيريّته وأحقّيته بالصحبة، أوربّما كان فيها تحديداً لأسماء أفرادٍ ممن اشتهروا بدماثة الخلق ورجاحة العقل.
لكن الجواب الذي جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يكن على النحو المتوقّع، فلقد قال عليه الصلاة والسلام : (أمّك) ، نعم! هي أحقّ الناس بالصحبة والمودّة، ويستزيد الصحابي النبي عليه الصلاة والسلام ليسأله عن صاحب المرتبة الثانية، فيعود له الجواب كالمرّة الأولى : (أمّك) ، وبعد الثالثة يشير –عليه الصلاة والسلام- إلى الأب، ثم الأقرب فالأقرب.
ولا ريب في استحقاق الأمّ لمثل هذه المرتبة العظيمة والعناية الكبيرة، فهي المربّية المشفقة الحانية على أولادها، وكم كابدت من الآلام وتحمّلت من الصعاب في سبيلهم، حملت كُرهاً ووضعت كُرهاً، قاست عند الولادة ما لا يطيقه الرّجال الشداد، ثم تنسى ذلك كلّه برؤية وليدها، لتشغل ليلها ونهارها ترعاه وتطعمه، تتعب لراحته، وتبكي لألمه، وتميط الأذى عنه وهي راضية، وتصبر على تربيته سنيناً طوالاً في رحمةٍ وشفقة لا نظير لهما، فلذلك كانت الوصيّة بصحبتها مكافأةً لها على ما بذلته وقدّمته، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
المصدر: إسلام ويب