قراءة في كتاب (أطفالنا في عيون الشعراء) للشاعر أحمد سويلم
علي محمد الغريب
هذا أحد الكتب المهمة التي يرصد فيها الشاعر أحمد سويلم أدب الطفل: نشأته ورموزه وأصداءه في الحضارة العربية والإسلامية، والحضارات القديمة، ويذكر الكاتب في مقدمة كتابه رأيا للدكتور علي الحديدي يقول فيه:"إن أدب الطفل العربي لم يظهر إلا في العشرينيات من القرن الماضي".
ويثبت الكاتب أن أدب الطفولة كان يحظى بحضور واسع في الحضارات القديمة، لا سيما الحضارة المصرية التي حظي فيها أدب الطفل بمنزلة خاصة تكاد تجيء في مقدمة الوسائط الأدبية في مجال الأدب.
وفي خاتمة دراسته الفياضة يدعو الشاعر سويلم إلى تبني ما يسمى (ديوان الطفل العربي) الذي ينبغي أن يحتشد له الشعراء على امتداد الوطن الكبير ليكون كائنا حقيقيا يسعد به الأطفال، كما يؤكد الكاتب أن المعنى الخلقي والتربوي لم ينقطع من الشعر العربي عموما؛ وشعر الطفولة خصوصا، فها هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "احفظ محاسن الشعر يحسُن أدبك".
أدب الطفل في الحضارات القديمة:كان المصريون القدماء يعتبرون فترة الطفولة من أدق الفترات التي يحرصون على الاهتمام بها ليقينهم بأهمية تنشئة أبنائهم تنشئة صالحة، وقد انقسم أدب الطفل في الحضارة المصرية القديمة إلى التعاليم التربوية، وإلى الشعر الخالص، فمن تلك التعاليم التربوية ما يقوله بتاح حوتب لابنه الصغير:
ـ إذا وجدت رجلا يتكلم وكان أكبر منك وأشد حكمة فأصغ إليه.
ـ عندما تجلس إلى المائدة فلا تنظر إلى ما وضع أمام غيرك، بل انظر إلى ما وضع أمامك أنت.
ـ كن بعيدا عن الشر والعمل السيئ؛ لكي تكون أعمالك مستطابة حسنة وتجنب الشراهة فهي رذيلة مهلكة.
ـ كن سمح الوجه، وضاء الجبين مشرق الطلعة مادمت حيا.
ـ ما أجمل طاعة الابن إنه عبقري في سمعه.. عبقري في كلامه.. ذلك الذي يطيع كل ماهو نبيل.
ولقد ترواحت النصوص الموجهة للطفل في مصر القديمة بين التعاليم التربوية والتأمل في الطبيعة وماتزخر به من ألوان زاهية فهذه امرأة تقول:
الشجيرة التي زرعتها بيديك
تحرك شفتيها لتناجيك
ما أحلى أغصانها والنسيم يداعبها
فيصدر عنها هذا الهمس
إنه حلو كالعسل
والغصون.. تشدها الفاكهة
إلى أمها الأرض
وفي بلاد الرافدين لم يختلف الشعر الموجه للطفولة كثيرا عما كان عليه شعر قدماء المصريين فهاهو أب يعظ ابنه فيقول له:
ياولدي
لا تقل ماليس لك به علم، ولا تعط النصيحة كاذبة.
إن من يفعل سوءا يصبح مهانا
لا تسئ إلى غريمك
وعامل عدوك بالعدل
والذي يجور عليك بالصبر
شعر الأطفال في التراث العربي:نظر العرب إلى أبنائهم على أنهم مشاركون لهم في صنع الحياة؛ بل هم عناصر إنتاجية في المجتمع.. يعملون ويحاربون ويصاحبون القوافل وغير ذلك من الأعمال التي يقوم بها الكبار.
ومن الآثر العربية؛ قيل لأعرابي: صف ابنك
قال: ولدَ الناسُ أبناء وولدته أبا.. يُحسن ما أُحسن ولا أُحسن ما يحُسن!!
وقد كانت الصحراء مرتعا خصبا لتعليم الصبيان فنون الشعر والحرب والعمل جميعا، وقد فرق الناس في هذا العصر بين فنيين شعريين؛ فن ترقيص الأطفال الصغار الذين لا يدركون للغة معنى، لكنهم يحسون النغم ونحوه، وفن الشعر سواء قاله وسمعه الصغار أو الكبار في سن مبكرة أو سن كبيرة
شعر ترقيص الأطفال: وينتمي هذا اللون إلى الشعر الشعبي العربي، ويطلق عليه كذلك أغاني المهد أو أغاني الطفولة، وهذا اللون موجود لدى كثير من الشعوب قديمها وحديثها.. يتغير ويتطور مع ظروفها الاجتماعية وتغير الظواهر اللغوية، ومن هذه الأمثلة ما روي عن أعرابي قوله:
ياحبذا روحه وملمسه
أصلح شيء ظله وأكيسه
الله يرعاه ويحرسه
وهذا آخر يقول:
أحبه حب الشحيح ماله
قد كان ذاق الفقر ثم ناله
إذا أراد بذله بدا له
وهذه أم الفضل بنت الحارث ترقص ولدها عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، فتدعو على نفسها بالموت إن لم يكن سيدا في قومه:
ثكلت نفسي وثكلت بكري
إن لم يسد فهرا وغير فهرِ
بالحسب الوافي وبذل الوفر
حتى يوارى في ضريح قبرِ
وتنحو نحوها هند بنت عتبة أم معاوية بن سفيان رضي الله عنهم كأنها ترضعه السيادة فتقول:
إن ابني مُعرق كريم
محبب في أهله حليم
ليس بفحاش ولا لئيم
ولا بطخرور(1) ولا شئوم
صخر بنى فهر به زعيم
لا يخلف الظن ولا يخيم(2)
شعر الألعاب عند العرب:وارتبط الشعر بالألعاب عند الأطفال، كما ارتبط بسائر شؤون الحياة الأخرى، ومن النماذج التي قالها شعراء مشهورون وهم أطفال فصارت مثلا أو صارت أغان تنشد عند ممارسة اللعبة ماقاله امرؤ القيس في لعبة الزحلوقة (الأرجوحة):
لمن زُحْلُوقةٌ زلُّ
بها العينان تنهلُّ
ينادي الآخر الألُّ
ألا حَلُّوا.. ألا حلُّوا(3)
ويفسر المفضل الضبي قول امرئ القيس (ألا حلوا) بأن هذا معنى لعبة الصبيان، إذ يجتمعون فيأخذون خشبة فيضعونها على كومة رمل.. ثم يجلس على أحد طرفيها جماعة وعلى الطرف الآخر جماعة أخرى.. فأي الجماعتين كانت أكثر ارتفعت الخشبة باتجاههم فينادون أصحاب الطرف الآخر (ألا حلوا) أي خففوا عددكم حتى نساويكم في التعديل وهكذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الطخرور: الضعيف غير الجلد.
(2) يخيم: يجبن.
هذه المفردة مازالت تستخدم حتى اليوم في بعض الأقطار العربية.