شرح حديث
حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ
قال يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ، وَقُتَيْبَةُ ، وَابْنُ حُجْرٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ ،
عَنْ الْعَلَاءِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ :-
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
" حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ : إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ ،وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ ،
وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ . " (1)
رواه مسلم .
هذه الحقوق الستة من قام بها في حق المسلمين كان قيامه بغيرها أولى ،
وحصل له أداء هذه الواجبات والحقوق التي فيها الخير الكثير والأجر العظيم من الله .
الأولى : « إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ» فإن السلام سبب للمحبة التي توجب الإيمان الذي يوجب دخول الجنة ،
كما قال صلى الله عليه وسلم : « والذي نفسي بيده ، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ،
أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ; أفشوا السلام بينكم » (2)
والسلام من محاسن الإسلام ، فإن كل واحد من المتلاقين يدعو للآخر بالسلامة من الشرور ،
وبالرحمة والبركة الجالبة لكل خير ، ويتبع ذلك من البشاشة وألفاظ التحية المناسبة
ما يوجب التآلف والمحبة ، ويزيل الوحشة والتقاطع .
فالسلام حق للمسلم ، وعلى المسلم عليه رد التحية بمثلها أو أحسن منها ،
وخير الناس من بدأهم بالسلام .
الثانية : « وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ » ( حق المسلم على المسلم )
أي : دعاك لدعوة طعام أو شراب فاجبر خاطر أخيك الذي أدلى إليك وأكرمك بالدعوة ،
وأجبه لذلك إلا أن يكون لك عذر .
الثالثة قوله : « وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ » أي : إذا استشارك في عمل من الأعمال :
هل يعمله أم لا ؟ فانصح له بما تحبه لنفسك ،
فإن كان العمل نافعا من كل وجه فحثه على فعله ، وإن كان مضرا فحذره منه ،
وإن احتوى على نفع وضرر فاشرح له ذلك ووازن بين المصالح والمفاسد ،
وكذلك إذا شاورك على معاملة أحد من الناس أو تزويجه أو التزوج منه فابذل له محض نصيحتك ،
واعمل له من الرأي ما تعمله لنفسك ، وإياك أن تغشه في شيء من ذلك ،
فمن غش المسلمين فليس منهم ، وقد ترك واجب النصيحة .
وهذه النصيحة واجبة مطلقا ، ولكنها تتأكد إذا استنصحك
وطلب منك الرأي النافع ، ولهذا قيده في هذه الحالة التي تتأكد ،
وقد تقدم شرح الحديث« الدين النصيحة » بما يغني عن إعادة الكلام .
الرابعة قوله : « وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ » ( حق المسلم على المسلم ) وذلك أن العطاس نعمة من الله ،
لخروج هذه الريح المحتقنة في أجزاء بدن الإنسان ، يسر الله لها منفذا تخرج منه فيستريح العاطس ،
فشرع له أن يحمد الله على هذه النعمة ، وشرع لأخيه أن يقول له : " يرحمك الله وأمره أن يجيبه بقوله
: " يهديكم الله ويصلح بالكم " فمن لم يحمد الله لم يستحق التشميت ، ولا يلومن إلا نفسه ،
فهو الذي فوت على نفسه النعمتين : نعمة الحمد لله ،
ونعمة دعاء أخيه له المرتب على الحمد .
الخامسة قوله : « وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ » عيادة المريض من حقوق المسلم ،
وخصوصا من له حق عليك متأكد ، كالقريب والصاحب ونحوهما ،
وهي من أفضل الأعمال الصالحة ، ومن عاد أخاه المسلم لم يزل يخوض الرحمة ،
فإذا جلس عنده غمرته الرحمة ، ومن عاده أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي ،
ومن عاده آخر النهار صلت عليه الملائكة حتى يصبح ،(3) وينبغي للعائد أن يدعو له بالشفاء ،
وينفس له ، ويشرح خاطره بالبشارة بالعافية ، ويذكره التوبة والإنابة إلى الله والوصية النافعة ،
ولا يطيل عنده الجلوس ، بل بمقدار العيادة ، إلا أن يؤثر المريض كثرة تردده وكثرة جلوسه عنده ،
فلكل مقام مقال .
السادسة قوله : « وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ» فإن من تبع جنازة حتى يصلي عليها فله قيراط من الأجر
، فإن تبعها حتى تدفن فله قيراطان ، واتباع الجنازة فيه حق لله ، وحق للميت ، وحق لأقاربه الأحياء .
منقول
كتاب بهجة قلوب الأبرار
للشيخ / عبد الرحمن السعدي رحمه الله
(1) (أخرجه مسلم / المسند الصحيح / كتاب السلام /
باب من حق المسلم للمسلم رد السلام / حديث رقم 4023
(2) (أخرجه أبو داود / وحققه الألباني / صحيح أبي داود /
كتاب الأدب / باب باب في إفشاء السلام / حديث رقم 5193/صحيح).
(3) " إذا عاد الرجل أخاه المسلم مشى في خرافة الجنة حتى يجلس
فإذا جلس غمرته الرحمة فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن كان عشيا صلى
عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح ".
(حققه الألباني / صحيح الجامع / حديث رقم 682/ صحيح).