أشرنا في المقالة السابقة إلى أن تطوير مصادر الغاز من طبقات السجيل الغازي على المدى القصير والمتوسطة سيؤثر في المقام الأول على التوازن بين العرض والطلب على الغاز في حوض الأطلسي، ويقوم بتحويل انتباه الموردين الصغار والرئيسيين للغاز، وخصوصا روسيا والشرق الأوسط، نحو الأسواق الآسيوية. إضافة إلى الضغوط المتزايدة من إنتاج الغاز من طبقات السجيل الغازي وغيرها من مصادر الغاز غير التقليدية، كان هناك نمو قوي في طاقات إنتاج الغاز الطبيعي المسال في العالم.
حيث إن هناك نحو 64 مليار مترمكعب من الطاقات الجديدة للغاز الطبيعي المسال من المتوقع أن تبدأ العمل من الآن حتى نهاية عام 2013، على افتراض عدم حدوث تأخير في إنجاز المشاريع المخطط لها. مع زيادة طاقات إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى آسيا، من الشرق الأوسط، جنوب شرق آسيا وأستراليا، إلى جانب زيادة قدرة خط الأنابيب في آسيا القادم من بحر قزوين وروسيا على حد سواء، فإن ساحة المنافسة لموردي الغاز من أجل الحصول على حصة في الأسواق العالمية للغاز لا تزال آسيا. إضافة إلى ذلك، على المدى الطويل النمو في إنتاج الغاز الحجري من طبقات السجيل الغازي من المتوقع أن يلعب دورا مهما ليس فقط في أمريكا الشمالية، لكن في أوروبا وآسيا أيضا.
في حين أن لموارد الغاز الطبيعي من المصادر غير التقليدية القدرة على تغيير واقع صناعة الغاز العالمية، لكن هذا غير مؤكد حاليا بعد ويجابه عددا من التحديات وعدم التيقن. مع كل هذه الشكوك من الصعب على الشركات التخطيط لاستثماراتها المستقبلية في هذا المجال. لكن في الوقت نفسه، إذا كانت التوقعات المستقبلية للطلب على الغاز والعرض غير مؤكدة، مع وجود ضغوط على المدى القصير في تسعير الغاز، كل هذه العوامل ستثني الشركات عن الاستثمار في مشاريع الغاز الطبيعي؛ ما قد يسفر عن عدم وجود إمدادات كافية في المستقبل لتلبية النمو المتوقع في الطلب.
إن اقتصاديات عملية إنتاج الغاز الطبيعي لا تزال غير واضحة بصورة كاملة، ذلك أن احتياطيات الغاز الطبيعي الكبيرة في العالم بعيدة عن مراكز الطلب نتيجة أيضا لقيام بعض الدول بدعم أسعار الغاز في أسواقها المحلية. أسعار الغاز تعتبر حاليا منخفضة مقارنة بالمعايير التاريخية نتيجة لزيادة المعروض من الغاز الناجم عن مزيج من العوامل، انخفاض الطلب بسبب الركود، زيادة الإنتاج، خصوصا من مصادر غير تقليدية في أمريكا الشمالية، والنمو القوي في طاقات إنتاج الغاز الطبيعي المسال الجديدة.
يتم الضغط على موردي الغاز الطبيعي المسال من قبل العملاء لتوقيع عقود طويلة الأجل على أساس أسعار السوق الحالية، في حين يتردد موردو الغاز الطبيعي المسال في الدخول في اتفاقات طويلة الأجل بأسعار أقل لتسويق الكميات الفائضة في المدى القصير، في وقت يتوقعون إمكانية الحصول على أسعار أعلى في غضون بضع سنوات. لذلك من المتوقع أن تكون شركات النفط والغاز بشأن الاستثمار في مشاريع غاز جديدة في ظل وجود طاقات إنتاجية فائضة كبيرة، على سبيل المثال قامت شركة INPEX اليابانية قبل بضعة أشهر بتأجيل قرار الاستثمار النهائي للمرة الثانية لأحد مشاريعها المقترحة للغاز الطبيعي المسال في أستراليا.
تقدر وكالة الطاقة الدولية الاستثمارات التراكمية في جميع حلقات الإنتاج والنقل في قطاع الغاز اللازمة لتلبية النمو في الطلب العالمي على الغاز حتى عام 2030 بنحو 5.1 تريليون دولار. لكن، مع تردد المستثمرين وعزوفهم عن الاستثمار في مشاريع الغاز الطبيعي الجديدة في المناخ السائد حاليا، قد يجعل النمو في الإمدادات الغازية في المستقبل غير كافٍ لتلبية النمو المتوقع في الطلب.
يعد الغاز الطبيعي الوقود الأكثر نظافة من الفحم أو النفط، وفقا لتقديرات الاتحاد الدولي للغاز، عملية حرق الغاز الطبيعي تطلق كميات من غاز ثاني أوكسيد الكربون أقل بنحو 50 في المائة من الفحم و20 إلى 30 في المائة أقل من النفط. على الرغم من ذلك، اعتماد الغاز الطبيعي كمصدر صديق للبيئية ما زال محدودا حتى الآن. إلى حد ما قد يكون السبب في ذلك بإمكانية تحمل التكاليف، لكن هذا الوضع قد يتغير، خصوصا مع تطلع العديد من الحكومات إلى خفض انبعاث الكربون. أحد الأساليب التي تسعى من خلالها الحكومات لتحقيق ذلك هو عن طريق سياسات بيئية جديدة مثل خطط تجارة الكربون.
كما أن بعض الحكومات قد اتخذت قرارا استراتيجيا للاستثمار في مشاريع جديدة لتوليد الطاقة باستخدام الطاقة النووية. حيث إن عددا من المشاريع الجديدة قد تم اعتمادها في الشرق الأوسط والصين لتنويع مزيج الوقود لتوليد الطاقة الكهربائية. بينما في أوروبا، يجري النظر في بناء محطات نووية جديدة لتحل محل المحطات النووية القديمة، التي من المقرر إخراجها من الخدمة؛ للمساعدة على تلبية الأهداف الوطنية لانبعاث الكربون. مع ذلك في كثير من البلدان، المخاوف المتعلقة بالسلامة والتخلص من النفايات قد تؤثر سلبيا على الحصول الأذون اللازمة لبناء محطات طاقة نووية جديدة.
حتى قبل بضع سنوات، كانت تكلفة إنتاج كيلوواط من الكهرباء باستخدام الغاز الطبيعي أعلى بالمقارنة مع الفحم، حيث كانت محطات الطاقة التي تعمل بالغاز تلبي أحمال الذروة في المقام الأول محطات. لكن محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز لها مزايا أكثر من محطات الطاقة العاملة بالفحم أو بالطاقة النووية، حيث إنها أسرع في البناء، أسهل وأسرع نسبيا في الحصول على الموافقات التنظيمية. يطالب الكثيرون باعتبار الغاز الطبيعي كوقود مساعد لمصادر الطاقة المتجددة لتوليد الطاقة. مصادر الطاقة المتجددة، في طبيعتها متقطعة، في حاجة إلى دعم من وقود أساسي لتوليد الطاقة الكهربائية من الوقود الأحفوري أو الطاقة النووية، في نهاية المطاف اتخاذ القرار النهائي بشأن اختيار الوقود لمحطات الطاقة الجديدة سيعتمد في الدرجة الأساسية على التوافر النسبي لمصدر الوقود، القدرة على تحمل التكاليف والقبول من الناحية البيئية.
الطفرة في إنتاج الغاز الطبيعي من طبقات السجيل الغازي وغيرها من مصادر الغاز غير التقليدية في الولايات المتحدة ما هي إلا مثال على إمكانية التقدم التكنولوجيا في إحداث تحول في اقتصاديات عمليات الحفر والإنتاج. حيث مكنت التطورات في تقنيات الحفر الأفقي وتقنيات التكسير Fracturing Techniques الحديثة الشركات العاملة في هذا المجال من زيادة الإنتاج وتحسين معدلات الاستخراج من هذه المصادر.
التطور التكنولوجي لعب أيضا دورا مهما في توصيل إمدادات الغاز الطبيعي إلى الأسواق، مثال على هذه التكنولوجيا وحدات تسييل الغاز الطبيعي العائمة، والتي سمحت بعملية تسييل الغاز الطبيعي في البحر بدلا من الاضطرار إلى مد خطوط أنابيب إلى الساحل. هذه التقنية ستساعد أيضا على فتح موارد جديدة للغاز الطبيعي للاستغلال، كانت تعتبر سابقا بعيدة جدا أو مكلفة، حيث إن هذه التقنية تسمح بإعادة نشر المرافق الصناعية في حقل آخر للغاز بعد انتهاء الإنتاج في الحقل القديم. لكن، الركود الاقتصادي وتباطؤ الطلب على الطاقة، ومحدودية مصادر التمويل، قد أثرت جميعها سلبا على التوسع في استخدام وحدات تسييل الغاز الطبيعي العائمة. إضافة إلى ذلك، ينظر المستثمرون إلى مشاريع وحدات تسييل الغاز الطبيعي العائمة على أنها مشاريع عالية المخاطر، حيث لم يتم بعد اختبار هذه التقنية على نطاق تجاري وعليه من الصعب تقدير تكلفة الاستثمار.
التقدم التكنولوجي يمكن أن يكون له أيضا بعض التأثير على استخدام الغاز الطبيعي، حيث إن هناك تركيز متزايد على كفاءة استخدام الطاقة في القطاعات الصناعية والسكنية، يرجع السبب في ذلك إلى زيادة وعي المستهلكين بخصوص الكلف في ظل البيئة الاقتصادية الحالية وأيضا إلى حد ما بسبب المخاوف البيئية. هناك حافز اقتصادي واضح للصناعات الصناعية كثيفة الاستهلاك للطاقة لاستخدام تكنولوجيا موفرة للطاقة، لكن لكون الوفورات المالية في القطاع السكني أقل، قد يكون مطلوبا من الحكومات تقديم شكل من أشكال الحوافز لإقناع الأسر إلى اتخاذ تدابير في كفاءة استخدام الطاقة. كما أن إقدام بعض الحكومات على اتخاذ إجراءات لتقليل أو إزالة الإعانات عن أسعار الغاز المحلية قد يشجع المستهلكين أيضا لكي يكونوا أكثر حذرا في استخدام الغاز الطبيعي والبحث عن تقنيات جديدة لمساعدته على تحقيق خفض استهلاك الغاز.