بسم الله الرحمن الرحيم
---------كرَمهُ وَجُودهُ صلَّى الله عليه وسلَّم -------
روى الشيخان, عن جابر رضي الله عنه قال:" ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا ".
وروى الإمام مسلم (1059), عن أنس رضي الله تعالى عنه قال:" ما سئل رسول الله شيئا إلا أعطاه ولقد جاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى أهله فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدا صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة، وإن كان الرجل ليجئ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يريد بذلك إلا الدنيا، فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه من الدنيا وما بينها ".
وأعطاه صلى الله عليه وسلم ذلك، لأنه عليه الصلاة والسلام علم أن داءه لا يزول إلا بهذا الدواء، وهو الإحسان، فعالجه به حتى برأ من داء الكفر، وهذا من كمال شفقته، ورحمته ورأفته صلى الله عليه وسلم، أي عامله بكمال الإحسان، وأبعده من حر النيران، إلى برد لطيف الجنان.
وروى إسحاق بن راهويه, بسند حسَن, عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاعٍ من رطب وأجرا من زغب, فجعل في كفي حليَّاً أو ذهباً فقال: تحلّي ".
وروى البخاري (1277), عن سهل ابن سعد رضي الله تعالى عنه:" أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة فيها حاشيتها، قال سهل: أتدرون ما البردة ؟ قالوا، الشملة، قال: نعم، قالت نسجتها بيدي لأكسوكها فخذها، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها فخرج إلينا وإنها لإزاره فقال الأعرابي: يا رسول الله بأبي أنت وأمي هبها لي وفي لفظ، فقال: (نعم)، فجلس ما شاء الله في المجلس، ثم رجع فطواها فأرسل بها إليه، ثم سأله، وعلم أنه لا يرد سائلا، وفي لفظ: لا يسأل شيئا فيمنعه قال: والله إني ما سألته لألبسها، إنما سألته لتكون كفني، رجوت بركتها حين لبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سهل: فكانت كفنه ".
وروى البخاري (3165), عن أنس رضي الله تعالى عنه، قال:" أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين فقال: انظروا يعني صبوه في المسجد، وكان أكثر مال أتى به صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد، ولم يلتفت إليه، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحدا إلا أعطى إلى أن جاء العباس فقال: يا رسول الله أعطني، فإني فاديت نفسي، وفاديت عقيلا، فقال: (خذ) فحثا في ثوبه، ثم ذهب يقله فلم يستطع، فقال: يا رسول الله مر بعضهم يرفعه إلي قال: (لا)، قال: فارفعه أنت، قال: (لا أستطيع)، ثم نثر منه، ثم ذهب يقله فلم يستطع، فقال: يا رسول الله: مر بعضهم يرفعه علي، قال: (لا)، قال: فارفعه أنت)، قال: (لا) ثم نثر منه فاحتمله، فألقاه على كاهله، فانطلق فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره حتى خفي علينا، عجبا منه، فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثم منها درهم ".
وروى الشيخان, عن جابر رضي الله تعالى عنه: أنه كان يسير على جمل له قد أعيا فمرَّ النبي صلى الله عليه وسلم فضربه، ودعا له، فسار سيراً لم يسر مثله، ثم قال: بعنيه بوقية، قلت: لا، ثم قال: بعنيه بوقية، فبعته واستثنيتُ حملانه إلى أهلي، فلما قدمنا المدينة أتيته بالجمل، ونقد لي ثمنه، ثم انصرفت، فأرسل إلي فقال: ما كنتُ لآخذَ جملك، هو لكَ ".
وروى الشيخان عن أبي عباس رضي الله تعالى عنهما قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقى جبريل، وكان يلقاه كلَّ ليلةٍ من رمضان، فيدارسه في القرآن ".
وروى الشيخان, عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه:" أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوهم فأعطاهم، وقال: ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء هو خير، وأوسع من الصبر ".
وروى البخاري (2821), عن جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه أنه:" بينما هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه الناس، مقبلاً من حنين علقت برسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب يسألونه، حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعطوني ردائي، فلو كان لي عدد هذه العضاة نعم لقسمته عليكم لا بخيلا، ولا كذاباً، ولا جباناً ".
وروى مسلم (127), عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال:" قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً لأناسٍ، فقلت: يا رسول الله لغير هؤلاء كانوا أحق بهذا القسم، فقال: إنهم خيروني أن يسألوني بالفحش، أو يبخلوني، ولستُ بباخلٍ ".
ولله در الفرزدق حيث قال:
ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم
ويرحم الله تعالى أبا عبد الله محمد المعروف بابن جابر حيث قال:
هذا الذي لا يخش فقرا إذا يعطي ولو كثر الأنام وداموا
هذا من الأنعام أعطى أملا فتحيـرت لعطائه الأفهـام
وقال أيضاً:
لقد كان فعل الخير قرة عينه فلـيس له فيما سواه مجـال
فلو سألوا من كفه رد سائل أجـابهم هذا السؤال محـال
ولو عرف المحتاج قبل سؤاله كفاه، وأغنى أن يكون سؤال
يبـادر للحسنى ويبذل زاده ولو بات مس الجوع منه ينال
تنبيهـات :
الأول: قال الحافظ:" قوله: ما قال: لا، ليس المراد أنه يعطي ما طلب منه جزماً، بل المراد أنه لا ينطق بالردِّ بـ: لا، إن كان عنده أعطاه، إن كان إلا إعطاء سابغا، وإلا سكت، قال: وقد روينا بيان ذلك في حديث مرسل لابن الحنيفة عند ابن سعد ولفظه: إذا سئل فأراد أن يفعل قال: نعم، وإن لم يرد أن يفعل سكت ".
الثاني: قال النحاس: الجواد: الذي يتفضل على من يستحق، ويعطي من لا يسأل، ويعطي الكثير، ولا يخاف الفقر، من قولهم مطر جواد إذا كان كثيرا، وفرس جواد يعدو كثيرا، قبل أن يطلب منه، ثم قيل: هو مرادف للسخاء، والأصح أن السخاء أدنى منه، ولذا يوصف الله تعالى به، والسخي اللين عند الحاجات، من أرض سخاوية: لينة التراب .
الثالث: في بيان غريب ما سبق:
الكرم: بفتحات؛ الإنفاق بطيب نفس فيما يعظم قدره.
الجود: بضم الجيم: تجنب اكتساب ما لا يحمد وهو ضد التقتير.
الفاقة: بفاء فألف، فقاف: فقد الدنيا.
الريح المرسلة: السريعة النفع، قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}[الأعراف: 57